حتى : ليست حرف نصب . كن أول من يقيّم
"حتى" لها خمس حالات : 1ـ حرف جر لانتهاء الغاية الزمانية أو المكانية ، والمجرور بعدها اسم مفرد ، ولا يجر الضمير، بخلاف (إلى ) فإنها تجر الاسم الظاهر والضمير المتصل، كقوله تعالى: "سلام هي حتى مطلع الفجر" (القدْر/5).. 2 ـ حرف جر ، وينصب الفعل المضارع المستقبل بعده بأن مضمرة وجوباً، كقوله تعالى: " لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى "(طه/91)، أو للتعليل، كقوله تعالى: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم" (البقرة/217).أو للاستثناء، كقول الشاعر: ليس العطاء من الفضول سماحة ** حتى تجود وما لديك قليل والتقدير: إلا أن تجود. وإذا جاء الفعل بعد ( حتى ) دالاً على الحال حقيقة أو مجازاً ،وجب رفعه، نحو: سرت حتى أدخلُ البلدة 3 ـ حرف عطف يفيد الغاية والتدرج بمعنى ( الواو ) وتعطف الاسم عليه، نحو: أكلت السمكةَ حتى رأسَها، والتقدير: أكلت السمكة ورأسها. 4 ـ حرف ابتداء وما بعدها جملة مستأنفة. كقول جرير: فما زالت القتلى تمج دماؤها ** بدجلة حتى ماءُ دجلةَ أشكلُ 5 ـ حرف غاية فقط، إذا تلاها فعل ماض أو مضارع دال على الحال الحقيقة أو مجازاً، كما ذكرنا سابقاً، نحو: جلست حتى حضر خالد. تنبيه: كل أنواع حتى السابق ذكرها، ما عدا الابتدائية، تكون لانتهاء الغاية. ومعنى ( حتى ) أن يتصل ما بعدها بما قبلها، إلا إنْ وجدت قرينة تعين المقصود، فمثال المقصود التي يتصل ما بعدها بما قبلها قول الشاعر: ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ** والزادَ حتى نعله ألقاها وقد روي البيت السابق بجر( نعله)على أن حتى جارة، وبنصبها على وجهين، أحدهما: أنها عاطفة، والآخر: أنها ابتدائية، والنصب بفعل مقدر يفسره الفعل الظاهر، وهذا من باب الاشتغال. أما الرفع فعلى أنها ابتدائية ( ونعله ) مبتدأ، وجملة ألقاها خبره. ومثال (حتى) التي تفيد عدم الاتصال لوجود قرينة قول الشاعر: سقى الحيا الأرض حتى أمكُن عزيت ** لهم فلا زال عنها الخير مجرور قولُ أبي بكرٍ الصِّديق – رضي الله صنائع المعروف تقي مصارع السوءِ قال تعالى:" فَلَولا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " . تقولُ خديجةُ للرسول صلى الله عليه وسلم: " كلا واللهِ لا يُخزيك اللهُ أبداً لَتصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكلَّ ، وتكسِبُ المعدوم ، وتُعينُ على نوائِبِ الدَّهْرِ " . فانظُرْ كيف استدلَّتْ بمحاسنِ الأفعالِ على حُسْنِ العواقبِ ، وكَرَمِ البدايةِ على جلالِة النهايةِ . وفي كتاب " الوزراء " للصابي ، و" المنتظم " لابنِ ا لجوزي ، و "الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ " للتنوخي قصَّةٌ ، مفادُها : أن ابن الفراتِ الوزير ، كان يتتبَّعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ بالأذِيَّة ، ويقصدُه بالمكاره ، فلقي منه في ذلك شدائد كثيرةً ، وكانت أُمّ أبي جعفر قد عوَّدته – منذُ كان طفلاً – أنْ تجعل له في كلِّ ليلةٍ ، تحت مخدَّته التي ينامُ عليها رغيفاً من الخبزِ ، فإذا كان في غدٍ ، تصدَّقتْ به عنه . فلمَّا كان بعد مُدَّة من أذيَّةِ ابنِ الفراتِ له ، دخل إلى ابن الفراتِ في شيءٍ احتاج إلى ذلك فيه ، فقال له ابنُ الفراتِ : لك مع أُمِّك خُبْزٌ في رغيف ؟ قال : لا . فقال : لابُدَّ أن تصدُقني . فذكر أبو جعفر الحديث ، فحدَّثه به على سبيل التَّطايُبِ بذلك منْ أفعالِ النساءِ . فقال ابنُ الفراتِ : لا تفعلْ ، فإنّي بتُّ البارحة ، وأنا أُدبِّرُ عليك تدبيراً لو تمَّ لاستأصلْتُك ، فنمتُ ، فرأيتُ في منامي كأنَّ بيدي سيفاً مسلولاً ، وقد قصدتُك لأقتلك به ، فاعترضتْني أُمُّك بيدِها رغيفٌ تُترِّسُك به منّي ، فما وصلتُ إليك ، وانتبهتُ . فعاتبه أبو جعفر على ما كان بينهما ، وجعل ذلك طريقاً إلى استصلاحِه ، وبذل لهُ منْ نفْسِه ما يريدُه منْ حُسْنِ الطاعةِ ، ولم يبرحْ حتى أرضاهُ ، وصارا صديقيْن . وقال له ابنُ الفراتِ: واللهِ، لا رأيت منِّي بعدها سُوءاً أبداً. |