الشعر والموسيقا كن أول من يقيّم
الشعر كله وصف "الشعر كله وصف، فالنسيب وصف محاسن المرأة، والمدح وصف مآثر الممدوح وصفاته الحميدة، والهجاء وصف معايب المَهْجُوّ، والرثاء وصف مآثر الفقيد ومزاياه، والحماسة وصف الشجاعة والقوة وحركة الضَّرب والطعن في ميدان القتال، فالوصف قِوام الشعر، وهو الوسيلة التي يستخدمها الشاعر في معالجة الأغراض المختلفة...". [العصر الجاهلي، الأدب والنصوص، المعلقات د/ محمد صبري الأشتر، جامعة حلب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سنة 1994-1995 صفحة423]. موسيقا الشاعر "لقد عُني الشاعر بموسيقاه؛ إرضاءً للأذن، ذلك بأن اللغة العبية لغة مسموعة، فهي تؤثر بِجَرْس حروفها وألفاظها، ونغم مقاطعها وجُمَلها، فتُطرب السَّمع، وتستولي على النفس، ولايزال الشعر عند كثير من الأمم موزوناً مقفّى، للموسيقا فيه مكانة عُلْيا" [نفسه ص 581-582] بحور المعلقات من المعلقات العشر، ثلاث جاء منها على الطويل، وهي معلقة امرئ القيس، ومطلعها: قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل ** بسقط اللوى بين الدخول فحومل ومعلقة طرفة، ومطلعها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد ** تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ومعلقة زهير، ومطلعها: أمن أم أوفى دِمنةٌ لم تكلم ** بحوامة الدرّاج فالمُتَثَلّم وقد بيّن سليمان البستاني مِيزة هذا البحر بقوله: "فالطويل بحر خضم يستوعب ما لا يستوعبه غيره من المعاني، ويتسع للفخر والحماسة والتشابيه والاستعارات وسَرْد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال، ولهذا ربا في شعر المتقدمين على ما سواه من البحور؛ لأن قصائدهم كانت أقرب إلى الشعر القصصي من كلام المولَّدين". [إلياذة هوميروس، تعريب سليمان البستاني، مطبعة الهلال بمصر سنة 1904، صفحة 91]. ومن المعلقات ثلاث جاءت على البسيط، وهي معلقة الأعشى، ومطلعها: ودِّع هريرة إنّ الركب مرتحل ** وهل تطيق وداعاً أيها الرجل ومعلقة النابغة، ومطلعها: يا دار ميّة بالعلياء فالسند ** أقوت وطال عليها سالفُ الأبد ومعلقة عَبِيد، وهي من مُخَلَّع البسيط، ومطلعها: أقفر من أهله ملحوب ** فالقُطَبِيّات فالذَّنوبُ وقد صرَّع الشاعر مطلعها، وأقام قافيتها على الباء المضمومة. ومجزوء البسيط ووزنه :"مستفعلن، فاعلن، مفعولن" وأكثر القصيدة جاء على وزن مُخَلَّع هذا البحر، وهو يكون باستعمال (مفعولن) على وزن (فعولن)، وهو مستملح في مجزوء البسيط، غير أن جملة من أبيات القصيدة جاءت فيها (مفعولن) على وزن (مستفعلن) وهو غير جائز في مجزوء البسيط، فيها كثير من الأبيات مختَلّة الوزن، وإلى هذا أشار المعري بقوله: وقد يُخْطِئُ الرأي امرؤٌ وهو حازمٌ ** كما اختلّ في نَظْم القريض عَبِيد والغالب أن ذلك من سوء الرواية. وعلى الرغم من جَزْء البسيط وتخلُّعه في معلقة عَبِيد، وكثَرةِ الخطأ الإيقاعي، فإن أبياتها رقيقة، كقوله: من يسألِ الناس يحرموه ** وسائل الله لا يَخيْبُ وقد بين سليمان البستاني مِيزة هذا البحر بقوله:" والبسيط يقرب من الطويل، ولكنه لا يتسع مثله لاستيعاب المعاني، ولا يَلِين للتصرف بالتراكيب والألفاظ مع تساوي أجزاء البحرَيْن، وهو من وجه آخر يفوقه رِقّة وجزالة، ولهذا قلّ في شعر أبناء الجاهلية، وكَثُرَ في شعر المولِّدين". [نفسه صفحة 587]. ومن المعلقات، قصيدتان من الكامل: إحداهما لِلبيد، والأُخرى لِعنترة، فأمّا الأولى فمطلعها: عَفَت الديار محلُّها فمقامها ** بِمِنى تَأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها وقد صرَّع الشاعر مطلعها، وأقام قافيتها على الميم المضمومة، وجاء بألف الرِّدْف قبلها، وبهاء الوصل بعدها، وبألف الخروج بعد هاء الوصل. و أمّا الأخرى فمطلعها: هل غادر الشعراء من متردم ** أم هل عرفت الدار بعد توهُّم وقد بيَّن سليمان البستاني مِيزة الكامل بقوله :"والكامل أتم الأبحر السباعية، وقد أحسنوا بتسميته كاملاً؛ لأنه يصلح لكل نوع من أنواع الشعر، ولهذا كان كثيراً في كلام المتقدمين والمتأخرين، وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء، وأقرب إلى الشِّدة منه إلى الرِّقة" [نفسه صفحة 589]. ومن الوافر معلقة عمرو بن كلثوم، ومطلعها: ألا هُبِّي بصحنك فاصبحينا ** ولا تُبْقي خمور الأندرينا وقد بيَّن سليمان البستاني مِيزة الوافر بقوله:"والوافر ألين البحور، يشتد إذا شددته، ويرِقّ إذا رققته، و أكثر ما يجود به النظم في الفخر".[نفسه صفحة 590]. |