توطئة أحمدك اللهم حمدا كثيرا، على نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، وأسألك أن توزعني شكرها، وتلهمني بفضلك ذكرها، وأصلي وأسلم على نبيك محمد ﷺ الرسول المصطفى، والحبيب المجتبى، الذي استنقذت به الناس من الجهالة، وأخرجتهم به من الضلالة، وارض اللهم عن صحابته وآله أجمعين . وبعد، فلا جدال أن كتاب الأعلام للعلامة خير الدين الزركلي ـ رحمه الله تعالى ـ من أحسن ، وأجمل الكتب التي ظهرت في هذا العصر، بل هو أحسن وأجمل المؤلفات في موضوعه، فقد اجتمع له من المزايا ما لم يجتمع لغيره من الكتب، حسن تلخيص، وسهولة بحث، مع شمول وتوسع، وتنقيح وتمييز...إلخ، ويكفيه أن العلامة الشيخ حمد الجاسر قال فيه :”ولو لم يكن للشيخ الزركلي سوى كتابه ”الأعلام“ الذي جمع فيه خلاصة تراجم مشاهير الأمة والعلماء الذين عنوا بتراثها ـ لكفاه مأثرة باقية“. ولذا كان كتاب الأعلام من آثر الكتب لدي ، وأحبها إلي ، أكثر الرجوع إليه، والاستفادة منه، وامتدت صحبتي له أعواما عديدة ؛ إما باحثا ، وإما مطالعا متسليا. ومن الطبيعي ـ إذا كان عندي بهذه المرتبة ـ أن أتابع ما قيل عنه مدحا ونقدا، سواء تعلق الأمر بمقالة خاصة عنيت بالتنبيه على ما سها فيه المؤلف، أو أخطأ، أو كان ذلك في كتاب مفرد يتناوله بالإصلاح والنقد، وقد وقفت على كتابين في الموضوع : 1ـ الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام للأستاذ الفاضل الشيخ محمد بن عبد الله الرشيد، نشر دار ابن حزم ، 1422هـ، استدرك عليه تاريخ موالد ووفيات عدة ، ونبه على جملة من الأوهام ، وبعض التراجم المكررة ... 2 ـ نظرات في كتاب الأعلام للأستاذ البحاثة أحمد العلاونه ، نشره المكتب الإسلامي سنة 1424هـ في مجلد. وقد كان العلاونه خصص عدة صفحات ـ لنقد كتاب الزركلي ـ في كتابه ذيل الأعلام ج1 /239 ـ 274 ، وكذلك في ج2 /223 ـ 257 تحت عنوان : (الإعلام بما في أعلام الزركلي من الأوهام) لكن وقع له في فيما كتب أوهام وأغلاط عديدة مما دعا البحاثة الأستاذ الرشيد أن يفرد كتابا في الرد عليه بعنوان: "قراءة نقدية لذيل الأعلام للعلاونة "، صدر سنة 1425هـ ثم من بعد زين للعلاونة أن يفرد ذلك في كتاب فجمع ما تقدم وزاد عليه، وأخرجه في كتاب :" النظرات " المقدم الذكر. وقد طالعته فوجدته كرر فيه أغلب الملحوظات التي ذكرها في الذيل، ما عدا الأشياء التي نبه عليها بعض الفضلاء في مقالات أو مشافهات معه، فأدرجها ضمن كتابه . وقد قرأت ما كتب، وأمعنت النظر فيه، فألفيته تطاول ولم ينصف، بل أظهر من تعسفه ما يتعجب منه ؛ بل أتى بطوام مضحكات ! ومن ثم أيقنت أن كتاب النظرات نفسه يحتاج إلى نظرات فاحصة!. وعجبت له كيف يفعل هذا ، ويكتبه ويروَّج له بين الناس، ولا يرد عليه ناقد، ويعرض أمام أساتذته ولا ينبهه أحدهم إلى ما في كلامه من الظلم للموتى، والتجني على الأحياء!. ومما لفت نظري أن العلاونة مع دعواه معرفة الرجال، ليس في قاموسه لعل وربما ويمكن ، بل القول الفصل الذي ليس بالهزل، ومع كونه ينتحل فن التاريخ والتراجم فلا يعرف شيئا فيه خلاف، راجح ومرجوح!! ولعمري لئن كان أبو الطيب يقول: والظلم من شيم النفوس فإن تجد * ذا عفة فلعلة لا يظلم فإن من شيم النفوس كذلك حب العدل، والأنفة من العسف، والإشفاق على المظلوم ... وهذا الذي حملني على تسطير هذه الكلمات على كتاب النظرات. وإن كنت في الحقيقة أكره الانتقاد لأي أحد، وأتجنب الردود على الناس ما استطعت؛ مع ما قد يتضمن من الدفاع عن الحق، وبيان الصواب، والدلالة على الجادة... أجل! مع ذلك أكرهه وإذا فعلت فإنما أنا مكره غير راض، ومضطر غير مختار؛ لأنه يشغلني عن أشياء أهم والوقت أغلى من أن يستنفذ في غيرها...أولا. ولأني أتألم لبعض الآراء السخيفة، وتؤذيني بعض الاستنباطات المعكوسة، وأجد في ردها والتعليق عليها غما شديدا...ثانيا. وأعطيك في هذه المقدمة مثالين من ارتطاماته وجهالاته لتعلم أني لم أجاوز حد الإنصاف في كشف حاله، وبيان أمره، فأول ذلك أني سائلك: ما قولك في العلامة النحوي جمال الدين ابن مالك الأندلسي، صاحب الألفية والتسهيل وغيرهما؛ أهو رجل مغمور لا يستحق أن نكتب له ترجمة في عدة أسطر فيمن نترجم لهم من أعلام المسلمين أم العكس وأنه هو إمام نحوي لغوي مشهور? وإخالك تقول : بل هو إمام معروف مشهور ، لا أحد يقول غير هذا !! أقول : بلى والله ، هذا العلاونة المؤرخ يقول ذلك ويزيد فقد أخذ على الزركلي أنه ترجم لابن مالك فقد قال في كتابه (خير الدين الزركلي ؛ المؤرخ الأديب الشاعر) في مآخذه على كتاب الزركلي ص/101 ”3ـ ترجم لمجاهيل ، أو ممن ليسوا بأحقاء بالترجمة.... والنوري 7/314، وابن مالك 6/233 “. هذا المثال الأول، وعلق عليه بما تشاء، وأزيدك مضحكة أخرى فأسألك ثانية : أتشك في كتاب الجرح والتعديل المطبوع، أنه لعبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى (327هـ) ـ ولعلك تقول: لا يشك في ذلك عاقل.. مهلا !! فإن الأستاذ العلاونة يقول في: نظراته ص/112 (27ع 1: أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس.لم يذكر أهم مؤلفاته " الجرح والتعديل" وهو كتاب كبير مطبوع مشهور) ولا تعجب ، فالعلاونة مؤرخ لا يبعد أن يقف على نسبته له في بطون بعض الأسفار التي لم نعرفها! وأين أنا وأنت، وما علمي وعلمك في جانب علم العلاونة ومعرفته ! وليس يخفى على أي طالب علم مبتدئ أن الكتاب المذكور لعبد الرحمن بن أبي حاتم المتوفى (327هـ)، ولكن العلاونة يستدرك ، ويقول بملء فيه هو لأبي حاتم بلا خجل، وهذا يعني أنه لم يطلع على هذا الكتاب أصلا، ولا عرفه، فضلا عن أن ينقل منه . وهكذا يتمادى العلاونة في غلوائه، يجر ثوب خيلائه، لسان سليط ، وادعاء عريض ، وانتفاج واسع، مع أنه كثير الجهل، قليل الأدب، ضعيف المنة، مفلوج الحجة، جسور على النقد، سريع الخطو واسعه عند الرد . |