البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : بحث عن الوصف في الشعر الأندلسي    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 خالد 
26 - فبراير - 2007
سوف اقدم لكم بحثي الذي اعددته عن الوصف في الشعر الاندلسي...
والذي ساعدني منتدى الوراق على اعداده,واشكر كل من ساعدني من الاعضاء الافاضل...
وسوف اعرضه لكم على شكل فصول..
 
 وارجو ان يحوز على اعجابكم..
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تحية عطرة.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
وفقك الله في ذلك، وأتمنى من السيد المشرف أن يتيح لك وضع الفقرات مباشرة،
وكذلك حاول أن تكون فقرات البحث صغيرة نوعا ما، لأن الوراق يتيح لك وضع فقرة بكلمات محدودة.
وتحيتي.
*سعيد
27 - فبراير - 2007
الفصـل الاول    كن أول من يقيّم
 
عناصر الفصل:-
ــ الأندلس
ــ الشعر الأندلسي
ــ الوصف في الشعر 
                                               الأنـــدلــس...
توطئة..
هي شبه الجزيرة التي تشمل حالياً دولة اسبإنيا, والبرتغال. وتسمى جزيرة الأندلس من باب التغليب، وإلا فهي شبه جزيرة لا جزيرة. وقد أطلق العرب على تلك البلاد اسم الأندلس
تسميتها:
وإن أول من سكن بالأندلس على قديم الأيام فيما نقله الإخباريون, قوم يعرفون بالأندلش  بالشين المعجمة وبهم سُمِّي المكان فَعُرِّب فيما بعد بالسين غير المعجمة: "الأندلس"
وقيل: إن القبيلة الجرمانية التي كانت تسكن شبه الجزيرة كانت تسمى (القندال)، فسمي الإِقليم  "فنداليشيا" فعرب إلى الأندلس.
أما عند اليونان فتسمى "شبه جزيرة أيبيريا", وعلى الأرجح إن المسلمين اخذوا اسمها من كلمة(وندلس )وهو اسم لبعض القبائل الأوروبية الشمالية.(3)
موقع الأندلس:
بلاد الأندلس شبه جزيرة تقع في الجنوب الغربي من قارة أوربا، وتُعرف في عصرنا بأسبانيا والبرتغال, ويحدها من الغرب المحيط الأطلسي، ومن الجنوب مضيق جبل طارق وجزء من البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط أيضاً، أما من الشمال فتحدها فرنسا التي كان العرب يطلقون عليها اسم بلاد الفرنجة, والمياه تطوف بها من كل جوانبها,عدا جانب واحد هو الشمال الشرقي,حيث تحدها جبال البرانس,الفاصلة بينها وبين فرنسا
 
تضاريس الأندلس ومناخها:
من أهم المعالم على سطح الجزيرة الأندلسية هي كما يلي:-
ــ الهضبة الكبرى والني تسمى "مسيتا" ويه تشغل جزءاً هئلاً من مساحتها.
ــ سلاسل من الجبال تكاد إن تطوق الهضبة,واسمها "سيرا مورينا"
ــ والسهول المنبسطة المحايدة بين الجبال والهضبة,وتمتد تلك السهول ا لى ساحل البحر الأبيض..
ــ الأنهار الكبيرة التي تجري على مدار السنة ومن أشهرها الوادي الكبير وهو الاسم التي أطلقه العرب. وهناك الأنهار الصغيرة , والعيون, والآبار,...
*ومن حيث المناخ فإنه معتدل بشكل عام , والأمطار تقل وتكثر بحسب المناطق؛ فعلى العموم، فإن المناخ في شمال الجزيرة يغلب عليه المناخ الأوروبي، وفي الجنوب يغلب عليه المناخ الأفريقي...وتمثل بلاد الأندلس قطاعاً كاملً من العالم بطبائعه المختلفة وأجوائه المتعددة وحاصلاته المتباينة.                             لمحة جغرافية:-
 
توطئة:
لقد تكلمت عن المعالم الجغرافية وبغ ماله علاقة بالتاريخ وهذه المحة انما هي السر الذي منه انطلق فن الوصف ليس بالأندلس فقط وانما في العالم العربي ساروا على نهجهم...
 
جمال الأندلس:
إن بلاد الأندلس ذات طبيعة ساحرة خلابة, بل هي من أجمل بقاع الأرض,فهناك السهول الخضراء والجبال المكسوة بالأشجار,والأنهار المتدفقة,والمياه العذبة,والنسيم العليل.
وكانت مضرب المثل في الجمال والنظافة ومظاهر المدنية، وكانت طبيعة الأندلس تخلب
الألباب بمروجها الخضر وأشجارها الجميلة وأزهارها الفواحة وأنهارها الرقراقة المتدفقة.وقد كانت الأندلس درة الحضارة الإِسلامية في أوربا،لا من حيث الطبيعة فقط وإنما من حيث جمالها العمراني ,الذي اخذ حليته من الطبيعة التي تحيط به.
وقد أحب الأندلسيون بلادهم ومدنها فتغنوا بِها وكتبوا شعراً خلد أسماء مدنهم مما يدل على إن كل واحد منهم كان متعلقاً ببلدته ويشتاق ويحن إليها إذا ما غاب عنها, ومما قاله الشعراء قول الرقيق ابن خفاجة في وصف الأندلس وجمال طبيعتها:
إن   للـجنة  بالأنـدلسِ        مجتلــى  حبٍ  وريَّا  نَفـَسِ.
فسنــا  صُبْحَتِـها  مـن        شنبٍودجى  ليلتها  من  لَعَسِ.
 
وقال شاعر آخر:
حـبذا  أنـدلسٍ  من  بـلدٍ      لم تـزل تنتج  لـي كل سـرورْ
طـائرٌ شادٍ  وظـلٌ وارفٌ      ومـياهٌ  سائحـاتٌ  وقـصــورْ
 
وتنعم البيئة الأندلسية  بالجمال , وتصطبغ بظلال, وارفة, و ألوان ساحرة, تتنفس بجو عبق عطر يضاعف من روعته وبهائه ما يتخلل جنباتها من مواطن السحر,ومظاهر الفتنة التي تبعث الانبهار والدهشة في النفوس. وقد أنعكس ذلك في شعر الأندلسيين بشكل عام, حيث ازدحم بصور متنوعة ملونة تمثل البيئة الطبيعية في هذه الرقعة المسماة بالأندلس. ومن هنا تشكلت صورة الأندلس في الأذهان متقاربة في أوصافها وألوانها وقسماتها...
هذه الصورة على العموم تأخذ عطرها وعبقها وملامحها وألوانها من الطبيعة, فهي أقرب إلى لوحة فنية ناطقة, إنها بستان زاهٍ أو حديقة غناء أو واحة خضراء.
وهذا ولا شك ما جعل الوصف من ابرز أغراض الشعر عند شعراء الأندلس،حيث تهيائت لهم أسباب الشعر وتوفرت لديهم دواعيه...
 
                          عهد الحكم الإسلامي :
 
فتح المسلمين بلاد الأندلس ( في عهد الأمويين أيام الوليد بن عبد الملك ) على يد طارق بن زياد,وموسى بن نصير؛ وقد حكم المسلمون الأندلس أكثر من ثمانية قرون.
حيث تم فتحها عام 92 ه/710م، وخرجوا منها عام 898 ه/1492م..
وقد كان المجتمع الأندلسي خليطاً من أجناس مختلفة؛ فهناك العرب الذين دخلوا الأندلس فاتحين أو هاجروا إليها بعد الفتح، وهناك البربر الذين شاركوا في الفتح الإِسلامي أو نزحوا من الشمال الإِفريقي، وهناك سكان الأندلس الأصليون من الأسبان الذين اعتنقوا الإِسلام، وكذلك أصناف أخرى من جنسيات متعددة كالصقالبة وغيرهم.
ولابد من الإشارة للعهود التي مرت بها الأندلس من الفتح ألي السقوط, حيث مرت بثلاثة عهود, هي:-
ــ الأول عهد الولاة:-
وهو عهد حروب وتأسيس.وفية نشاءه البذرة الأولى للشعر الأندلس.
ــ ثانيا العهد الأموي ,وينقسم ألي قسمين:-
أ-عصر الإمارة المستقلة
    ب-عصر الخلافة.
وهذا العهد-العهد الأموي- ازدهر فيه الأدب الأندلسي وتنوعت فنونه..
ــ ثالثا،عهد الملوك والطوائف.
وفيه انقسمت الدولة ألي دويلات تتنازع فيما بينها
ومن هذا العهد بدء الحكم الإسلامي يضعف ويتمزق شياً فشياً حتى انهار؛وسقطت الدولة الإسلامية التي حكمة الأندلس في القارة الأوربية.
 
كانت منبراً للعلم, ومسرحاً للفنون الأدبية, والعمرانية,وتعتبر من ارقى دول العالم في زمنها,ولكن تفرق القلوب,والأقبال على الدنيا جعل للأوربيين مدخلاً على الدولة الأسلامية في الأندلس
خالد
27 - فبراير - 2007
تكملـــة للفصل الاول    كن أول من يقيّم
 
                                     الشعر في الأندلس ...
 
توطئة:
ما لبث العرب إن استقروا في الأندلس، ورحل إليها شعراؤهم، حتى بدأ الشعر الأندلسي يشق طريقه إلى الوجود، ويقوى، وتتنوع فنونه، و لم ينقض وقت طويل، حتى نظم الأندلسيون أشعارهم...
ومما يلفت النظر شيوع الشعر في المجتمع الأندلسي، إذ لم  يكن الشعر وقفًا على الشعراء المحترفين وإنما شاركهم في ذلك الأمراء والوزراء والكتاب والفقهاء والفلاسفة والأطباء وأهل النحو واللغة وغيرهم. فالمجتمع الأندلسي بسبب تكوينه الثقافي القائم على علوم العربية وآدابها، ثم طبيعة الأندلس التي تستثير العواطف وتحرك الخيال، كل ذلك جعل المجتمع يتنفس الشعر طبعًا وسليقة وكأنما تحول معظم أهله إلى شعراء.(1)
الشعر في الأندلس:
 
والشعر في الأندلس امتداد للشعر العربي في المشرق؛ فقد كإن الأندلسيون متعلقين بالمشرق، ومتأثرين بكل جديد فيه عن طريق الكتب التي تصل إليهم منه، أو العلماء الذين يرحلون من الشرق أو الأندلسيين الذين يفدون إلى الشرق للحج أو لطلب العمل؛ وكانوا في غالب أمرهم مقلدين للمشارقة، ويبدو ذلك واضحاً في ألقاب الشعراء وفي معارضاتهم لشعراء المشرق. ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإِبداع والابتكار، والتميز بميزات تخصهم نتيجة لعوامل كثيرة،. ويمثل الشعر خاصة أحد جوانب الحضارة العربية الأندلسية، حيث عبر عن قوالب تلك الحضارة وعن مضمونها .
موضوعات الشعر الأندلسي:
 
عالج شعراء الأندلس مختلف الموضوعات ولأغراض الشعرية, وإن تميزت بعض الأغراض باهتمام أكثر من غيرها، كما إنه عالج طبيعة الصراعات السياسية والتغيّرات الاجتماعية في الأندلس وعن  البيئة الأندلسية الجديدة الجميلة التي طبعت الأدب الأندلسي بطابع خاص .
وقد حققوا قدرًا ملحوظًا من العمق في المعنى والبراعة في التصوير, فصوروا الخواطر النفسية والتأملات الفكرية بحكمة مما يُعد مجالا للإبداع في الشعر الأندلسي.يقول أمية بن عبد العزيز:
وما غربة الإنسان في غير داره   ولكنها في قرب من لايشاكله
وقول الآخر:
تفكر في نقصان مالك دائمًا   وتغفل عن نقصان جسمك والعمر
 
 
 
 
                    أهم أغراض الشعر الأندلسي:
 
كثر شعر الطبيعة والخمر ويعد من أهم أغراض الشعر الأندلسي، وكإن لطبيعة الأندلس الأثر الحاسم في جعل هذا الغرض من أميز أغراض الشعر الأندلسي. وتمثل طبيعة الأندلس الملهم الأول لشعراء الأندلس، خاصة إن مجالس الخمر واللهو والغناء كانت تقام في أحضان هذه الطبيعة ويتَّسِم هذا اللون من الشعر بإغراقه في التشبيهات والاستعارات وتشخيص مظاهر الطبيعة وسمو الخيال, كما كأن يقوم كغرضاً مستقلاً بذاته ولا يمتزج بأغراض أخرى، وإن امتزج بها لم يتجاوز الغزل أو مقدمات قصائد المدح.
ومن الغزل قول ابن فرج الجياني:
وطالعة الوصال صددت عنها        وما الشـيطـان فيـها بالمطــاع
بدت في  الليل  سافرة  فباتت         ديـاجي الليــل سـافـرة القنــاع
فملّكت الهـوى جمحات  قلبي        لأجري في العفاف على طباعي
 
ومن المديح قول الشاعر ابن هانئ مادحًا إبراهيم بن جعفر:
لا أرى كابن جعفر بن عليّ ملكًا       لابسًـا  جــلالـة  مــُلْــك
مثلُ ماء الغمام يندي شبابًا وهو        فــي حُلّتي تَـوَقٍّ  ونُـسك
يطأ الأرض فالثرى لؤلؤ رطــب      وماء الثرى مُجَاجة مسك
 
أوزان الشعر الأندلسي وقوافيه:
 
اقتدى الأندلسيون فيها بالمشارقة، يؤثرون من بينها ما غلبت عليه الأنغام الموسيقية، ولكن هذا التقليد لم يمنعهم من الإِبداع والابتكار, وحينما شاع الغناء، وتمكن سلطانه من نفوسهم، واحتاجوا بسببه إلى الأشعار السهلة والأوزان القصيرة، ابتدع الشعراء في أوزانه وقوالبه ما لم يكن عند المشارقة، ومن ذلك الموشح، الذي بنوه على تعدد الأوزان والقوافي ومن الموشحات موشحة لأبى الحسن على بن مهلل الجلياني حيث يصف فيها الطبيعة ويقول:
 
          النهرُ سلَّ حُساما              على قُدودِ الغُصون
ولــلنسـيمَ مـــجـــالُ
والروضُ فيه اختيالُ
مُــدَتْ علــيه ظِــلالُ
                    والزهرُ شَقَّ كِمَاما            وَجْداً بتلك اللحونِ
أما تــرى الطيرَ صـــاحا
والصبحَ في الأُفْق لاحـــا
والزهرَ في الروض فاحا
والبرقَ ساقَ الغَماما             تبكي بدمعٍ هَتُونِ
 
                                      الوصف في الشعرالأندلسي:-
توطئة:
الوصف يعد من افضل اغراض الشعر العربي,وأقربها إلى النفوس،ومن طبيعة الشاعر لا يقول الوصف الأ وهو واسع الخيال لديه القدرة على والاستطاعة على تصوير المحسوس, إلى صوراً حية,للسامع وكأنه يراه إمامه،ولابد من وجود الحوافز,والمواقف التي تثير مشاعر الشاعر وتجعله يبدع في الوصف...فلذالك عرف الوصف عند الأندلسيين بكثرة الحوافز الطبيعية والأحداث المتتالية.
 
تعريفه:
هو إظهار أو استحضار شئ , أو مكان,أو حيوان, أو إنسان, لا يقع تحت نظر القارئ عبر التصوير اللغوي إما بأسلوب نقلي يكون فيه التصوير معادلا للموضوع الموصوف, وإما بأسلوب ملون بالعاطفة والخيال,ما يجعل التعبير يتجاوز الموضوع الموصوف,اذ يعاد خلقه وفقا لرؤية الذات المعاينة.
ويعد الوصف من الأغراض الأصيلة في الشعر العربي، حيث طرقوا به كل ميدان قرب من حسهم أو إدراكهم أو قام في تصورهم.ولذا لم يكن عجيباً إن يقبل شعراء الأندلس عليه أكثر من إقبالهم على أي غرض.
وقد اشتدت عنايتهم به، حتى اتسعت دائرته لكل ما وقع تحت أعينهم، وخاصة وصف المناظر الطبيعية، والمشاهد الكونية،كالرياض، والثمار، والأزهار، والطيور، والبحار، والأنهار، وأفردوا للوصف القصائد، أو حلوا صدورها به، وربطوا بين وصف الطبيعة وسائر الفنون الشعرية.
ومن ذالك قول أبو البلقاء متغزلاً:
أَلثـامٌ شَـفَّ عـن ورد نــد           أم غمـام ضحكـت عن بَـرَدِ
أم علـى الأزرار مـن حُلَّتهـا        بـدرُ تـمَّ في  قضيـب أَملَـدِ
بــأبـي  ليـن  لـه  لـو  أنـه           نـقلـــت  عطـــفتـه  لـلـخلــد
لا وألحـاظ  لـهـا سـاحـرة          نفثـت في القلـب لا في العقـد
لا طلبـت الثـأر منهـا ظالمـا        وأنـا القــاتـل نفســي بيـدي
والى هنا نكون قد أنهينا الفصل الأول بعون الله, وسنفصل في الوصف ما يفي ويكفي  بحسب قدراتنا المتواضعة ,ومع ندرة مراجعه.وبالله نستعين
خالد
27 - فبراير - 2007
تحية عطرة 2    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أرحب بالأستاذ البحاثة خالد أبو روان في قافلة السراة، وأشكر أستاذنا فارس أرغن على تحيته العطرة، ولما دخلت الليلة الوراق استوقفتني رصانة هذه البحوث، فأردت أن أكتب هذه التحية العطرة فتفاجأت بقصة الترخيم في موضوع (واحة المتنبي) فأنساني الشيطان ما عزمت عليه، ليكتب ذلك في صحيفة أستاذنا سعيد أوبيد الهرغي، متمنيا أن يكون الأستاذ خالد قد قرأ سابقا الموضوع المنشور بعنوان (مشروع سراة الوراق) أكرر شكري وامتناني.. والسلام
*زهير
27 - فبراير - 2007
الفـصـل الثانـي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
             عناصــر الفصل:
 
 ــ نشئت الوصف في الشعر الأندلسي
 ــ ازدهار الوصف في الشعر الأندلسي
 ــ من أسباب تميز الأندلسيين بفن الوصف 
 ــ ابرز سمات الوصف في الشعر الأندلسي
 
 
        نشئت الوصف في الشعر الأندلسي:-
 
نشاء الوصف مع نشؤ الشعر في الاندلس,وكان ذالك في القرن الثالث الهجري,منذ اكتمل تعربها,وضل حيا في الأندلس حتى الانفاس الاخيرة للعرب هناك.
ولعل اول من كتب الشعر في الاندلس هم النازحون ,ومنهم عبدالرحمن الداخل,ـالذى وطد الملك لبني مروان في الاندلس ـ ولقد بعث الى اخته بالشام ابيات يصف فيها شوقه اليها والى بلده ووطنه الذي فارقه موجع القلب فارا من سيوف العباسيين,
حيث قال:
أيها الراكـبُ المُيَمِّمُ أرضي      أَقْرِ من بعضيَ السلامَ  لبـعضي
 إن جسمي كما تراه بأرض      وفؤادي   ومـالِكِــيه   بــأرض
 قُدِّرَ البَيْـنُ بيننا فافتـرقنا         وطوى البين عن جفوني غمضي
 قد قضى الله بالفراق عليـنا      فعسى باجتماعناا سـوف يقـضي
 
ومنه ايضاً هذهي الابيات التى تفيض بالحنين والشوق التي قالها في وصف نخلة فريدة في حديقة قصره بالرصافة. حيث قال:
 
تبدت لنا وسط الرصافة نخلةٌ  ٌ      تناءت بارض الغراب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى      وطول التنائى عن بنى وعن اهلي
نشأت بأرض انت فيها غريبة          فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلى
وقد اصبحت قرطبة في زمن عبد الرحمن ومن عقبه من الامراء مركز الحركة العلمية والأدبية في الأندلس.
ومن ذالك الزمن استمر الوصف  في تطور ونمو حتى  ضهر بالصورة التي  وجدناه عليها في شعر الاندلسيين.
وهكذا كانت نشئت الوصف في الشعر الأندلسي.
 
      ازدهار الوصف في الشعر الأندلسي:-
 
لقد ازدهر الوصف  مع نهضة الادب في فترة الخلاقة الأموية-العهد الذهبي- بالأندلس وتبدا باتخاذ عبد الرحمن الثالث لقب الخليفة الناصر لدين الله سنة316هــ  ،
وكانت قد وضعت بواكير الوصف-الطبيعيات-مع الاتجاه المحدث في فترة صراع الإمارة التي تبد من حكم عبدالرحمن الأوسط سنة206هـ
ومن الامثلة على  الوصف في هذهي الحقبة-صراع الامارة-قول عبد الرحمن الوسط وقد كتب به الى صديقه الشاعر عبدالله ابن الشمر:
 
ما  تراه  في اصطباح     وعقود الـقطـر تنـثـر
ونسيـم الـروض  يختا     ل على  مسك وعنبـر
كـلمـا  حـاول   سـبـقا     فهو في الريحان يعثـر
لا تكن مهمالة واســـ     بق  فما في البطء تعذر
 
ــ وكانت من دوافع هذا الازدهار ونهضته,في هذه الحقبة-فترة الخلافة- هي الوحدة والاستقلال,والامن والرخاء,والتحضر والرقى,مما اتاحت لهم النهضة الثقافية,ومن جرا ذالك ظهر الاتجاه المحافظ الجديد في الشعر الأندلسي, ومن نماذج الوصف في هذه الفترة,قول ابن عبد ربه في وصف القلم:
بكفه  ساحر البيـــان إذا        أدراه  في  صحيفة  سحرا
ينطق في عجمة بلفظته         نَصَمُُ عنها ونسمع البصرا
نوادر يقرع القلوب بها        إن تستبنها وجـدتها صورا
نظام  دُر الكلام ظمنه         سلكا  لخط الكتاب معتطرا
 
ــ ومن اسباب الازدهار :الحياة اللاهية التي عاشها الشعراء(4). وكثرة الشعراء في فترة الخلافة ساعد الى ازدهار الوصف, وجميع الاتجاهات الشعرية ايضا, فمن الشعراء:-
ابن عبدربه,وهانئ بن محمد, وابن يعقوب الاعمى,وابي بكر المغيري,وعبيد الله بنيعلى....وغيرهم كثيرا من الشعراء
ــ ومن العوامل ايضا واهمها مايلي:-
عناية الملوك والأمراء بالشعراء حتى اصبح قول الشعر زينة لكل اديب جمالاً لكل عالم حتى النساء اولعن بقول الشعر وبالوصف خاصة لانه من اجود وامتع اغراض الشعركقول حمدونة الأندلسية تصف وادياً(5):
وقانا لفحة الرمضاء واد    سقاه مضعاف الغيث العميم
حللنا دوحة فحنا علينا      حنو المرضعات على الفطيم
         من أسباب تميز الأندلسيين بفن الوصف:-
 
لقد تميز الأندلسيين بـفن الوصف ,ومن اهم العوامل التي ميزة غرض الوصف من دون الاغراض الاخرى للشعر هي:
حب الأندلسيين لوطنهم حباً تميزوا فيه عن غيرهم، و سحر الأندلس و جمالها، مما فرض على
  معظم الأدباء أن يصفوا هذا الجمال في قطع مفردة أو قصائد طويلة،(1)
  و لعل خير ما يعبر عن هذا الجمال و السحر قطعة لابن خفاجة يقول فيها:
 
يــا  أهــل  أندلــس   لله  دركــــم ُ          ماء و ظل و أنهار و أشجار
ما جنة الخـلد إلا في  ديـاركـــم    ُ         ولو تخيرت هذا كنت أختارُ
لاتحسبوا في غد ان تدخلوا سقرا            فليس تدخل بعد الجنة النارٌ
 
ففي هذهي الابيات اتضح لنا مدى حب الشعراء لوطنهم الأندلس, حتى انهم وصفوها بالجنة ولن يختاروا غيرها إن خيروا,وذالك لحبهم الشديد لبلادهم.
- و من أسباب هذا التميز أيضاً كثرة مجالس الأنس,سواء الخاصة او العامة، حيث كانت تتخذ من الطبيعة مسرحاً لها و كان الشعراء يقومون بمزج الوصف لمجالسهم, بوصف الطبيعة التى اثارة المشاعر,والهبت القرائح في نفوسهم. ولقد تغنوا الشعراء بوصف الطبيعة الأندلسية,وجمالها,
وهذه  قصيدة لابن سفر المريني يتغنى فيها بجمال الطبيعة الأندلسية،
و يقول فيها:
في   أرض   أندلس  تلتذ  نعماء      و لا يفــارق   فيهـا   الـقلب   سراءُ
وليس  في غيرها بالعيش  منتفع      ولا  تقوم  بحـــق  الأنـس   صهباءُ
أنهارها  فضة  والمسك   تربتها      والــخزّ  روضتهـا و الـدرّ حـصباءُ
و للهواء  بها  لطف يرقّ  بهمن      لا يـــ،ـرقّ  و  تبـــدو  مـنه  أهـواءُ
فيها خلعتُ عذاري ما بها عِوضٌ     فهي الرياضُ وكلّ الأرض صحراءُ
 
- ومن اهم الاسباب الذي ميزة الاندلسيين بالوصف عن غيرهم هو؛ان الطبيعة عندهم طروب تبعث جوالطرب,ووصفها يمثل الجوانب الضاحكة الندية منها, واكثر شعرهم في وصف المنتزهات ومجالس انسهم ولهوهم في احضانها.(2)
ومن ذالك الوصف يقول ابن خفاجة واصفاً نهراً:
لله نــهر ســال في  بــطحاء        أشـــهى  وروداً  من  لمى   الحسناء
متـــعطفٌ مـثل الـــســوارة        كــــأن هو الزهـر  يكنفه مجرّ  سماء
قد رقّ حــــتى ظــُنّ قـوســاً       مفرغا من فضة في روضة خضراء
وغدت تــحفّ به الــغصون        كأنـها هـدب  تحف بمـــقلة  زرقــاء
والريح تعبث بالغصون وقد       جرى ذهب الأصيل على لجين الماء
خالد
27 - فبراير - 2007
تتمة الفصل الثاني    كن أول من يقيّم
 
أبرز سمات الوصف في الشعر الأندلسي:
أما سمات  الوصف في الشعر الاندلسي,فهي كثيرة
 ومن أبرزها:- التشخيص؛ أي إسباغ الحياة على الأمور المعنوية أوعلى الجمادات و تجسيمها و مخاطبتها مخاطبة الكائن الحي، و هي سمة انتشرت في الشعر الأندلسي كثيراً. و من أشهر القصائد التي تمثل هذه السمة قصيدة لابن خفاجة في وصف جبل، يقول فيها:
 وقور  على  ظهر   الفلاة   كأنه    طوال الليالي ناظر  في  العواقب
أصخت إليه و هو أخرس صامتٌ    فحدثني  ليل  السّرى   بالعجائب
و قال  ألا  كم  كنت  ملجأ  قاتلو          موطن   أوّاه   تبتل    تائب
و كم مرّ بي من مدلج و  مؤوّبو        قال بظلّي من مطي  و  راكب
ومن ابرز سمات الوصف في الشعر الأندلسي
 نقل الإحساس بوسائل فنية جديدة متقنة؛ مع غلبت الجانب العاطفي,وهذه السمة الوصفية تعد من ضمن التجارب الشخصية ,التي اتسموا بها شعراء الأندلس,ومن هآؤلآ.. عبدالرحمن الداخل في وصف النخلة التى قال فيها:
تبـدت لنا وسط الرصافة نــخلةٌ       تناءت بارض الغراب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى      وطـول التنائى عن بنـى وعن اهلي
نشأت بأرض انت فيها غريبـــة       فـمثلـك في الاقصاء  والمنتأى مثلى
سقتك غوادي المزن في المتناى      الذي يسح ويستثمر السماكين بالوبل
 
لقد صورها حتى ان جعل نخلته كائناُ حياً,ذات صفات نفسية وعاطفية ,تشاركه فيما يكابد من آلام الغربة,والبعد المؤلم,عن الاهل والاحباب جميعا,ومن هنا استحقت نخلته ان يدعو لها بالسقيا في حنان واشفاق,كما يفعل الاحياء...على ان المقابلة بين حاله  وحال النخلة,تضفي على تجربته بعدا نفسيا ملحوضاً.
 
ومن ابرز السمات أيضاً:- أن معظم شعر الوصف عند شعرا الاندلس جاء في قطع قصيرة ,ومنه قول الشاعر ابن اللبانة في وصف جزيرة ميورقة :

بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها       وكساه حلةَ ريشهِ الطاووسُ .
فكأنما الأنـهارُ فيه مدامةٌ        وكأن ساحات الديار كؤوسُ

بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها = وكساه حلةَ ريشهِ الطاووسُ .
فكأنما الأنهارُ فيه مدامةٌ =وكأن ساحات الديار كؤوسُ

بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها = وكساه حلةَ ريشهِ الطاووسُ .
فكأنما الأنهارُ فيه مدامةٌ =وكأن ساحات الديار كؤوسُ

بلدٌ أعارته الحمامةُ طوقها = وكساه حلةَ ريشهِ الطاووسُ .
فكأنما الأنهارُ فيه مدامةٌ =وكأن ساحات الديار كؤوسُ
 ومن ابرز السمات ايضا:- إن معظم شعرهم جاء سهلاً واضحاً لا غرابة فيه و لا تعقيد.
كما نجد أن هذا الفن قد امتزج في معظم الأحيان بموضوعات تقليدية أخرى كالغزل و المدح و الخمر، و كانت تفتتح به بعض القصائد عوضاً عن المقدمة التقليدية، حتى إن بعض الشعراء مزج بين الرثاء و وصف الطبيعة.
ومثال ذالك مرثية ابن البانة "تبكي السماء"حيث استهلها بوصف الطبيعة الحزينة,وقال:
تبكي السماء بدمع رائح غاد  على البهاليل من ابناء عباد
ومزج بين الغزل وبين الصف في غزليته "راق الربيع" وقال:
راق الربيع وراق طبع هوائــه   فالنطر نطارة ارضـــه وسمائه
 
                                              انتهى الفصل الثاني
خالد
27 - فبراير - 2007
الفصل الثالث..    كن أول من يقيّم
 
 
عناصر المبحث :-
 
ـــ شعر الطبيعة عند الأندلسيين
ـــ أصناف من الوصف في شعر الطبيعة
ــ الوصف عند بعض شعراء  الاندلس
 
شعر الطبيعة عند الأندلسيين:-
وهب الله الأندلس طبيعة ساحرة ووافرة جمالاً.. جبالها الخضراء وسهولها الجميلة، وتغريد طيورها على أفنان أشجارها... كل ذلك له أثره في جمال الأندلس التي شغفت بها القلوب وهامت بها النفوس.
و هنا نجد تَعَلّق الأندلسيين بها، يسرحون النظر في خمائلها، وأخذ الشعراء والكتاب ينظمون درراً في وصف رياضها ومباهج جنانها.
يقول ابن خفاجة:
ياأهل الأندلس لله دركم              ماء وظل وأنهار وأشجار
ماجنة الخلد الا في دياركم           ولو تخيرت هذا كنت اختار
لا تخشوا بعد هذا ان تدخلوا     سقراً فليس تدخل بعد الجنة النار

 لقد شحذت الطبيعة  قرائح الشعراء عند الأندلسيين.
ولم يكن جمال الطبيعة في الأندلس هو وحده الذي ساعد على ضهور  شعر الطبيعة هذا، بل إن حياة المجتمع الأندلسي  والاستقرار السياسي من الموثرات ايضاً في هذا الشعر، الذي يمثل تعلق الشعراء الأندلسيين ببيئتهم وتفضيلها على غيرها من البيئات، ولكون الشعر عندهم يصف طبيعة الأندلس سواء الطبيعية او الصناعية، فهم يصورونها عن طريق الطبيعة كما أبدعها الله في الحقول والرياض والأنهار والجبال والسماء والنجوم، ويصفونها كما صورها الفن لديهم في القصور والمساجد والبرك والأحواض وغيرها، ومن هنا يكتمل تذوقهم لجمال الطبيعة فيزداد حبهم لها ويبدع شعرائها في وصفها
.
 
الأقاليم الطبيعية :
إن هذا الشعر يصف مختلف البلاد الأندلسية ، فكان لبعض الاقاليم شعراؤها الذين اهتموا بوصف ديارهم
 فابن زيدون مثلاً يتغنى بقرطبة وزهرائها، وابن سفر المريني يصف اشبيلية،
وابو الحسن ابن نزار يتعلق بوادي أشتات فيصوره تصويراً ينم عن براعة بما يتركه في النفس من طراوة الندي والظل والشجر يقول:

  وادي الأشتات يهيج وجدي كلما      اذكر ما افضت بك النعماء

   لله ظلك والهجير مسلط                قد بردب لفحاته الأنداء

والشمس ترقب ان تفوز بلحظة منه فتطرف طرفها الأفياء

والنهر يبسم بالحباب كانه سلخ نضته حية رقطاء

فلذاك تحذره العيون، فميلها ابداً على جنباته ايماء
 
كما أن وصف الطبيعة في الأندلس,يمثل الجوانب الضاحكة الندية لهم،فكذلك المرأة صورة من محاسن الطبيعة الأندلسية عندهم،فيرون في المرأة ظلها وجمالها، ولذلك كانت الحبيبة روضاً وجنة وشمساً لدى الشاعر،وإضافة ألي ذلك،فإن شعرهم يعنى بوصف الطبيعة وتصويرها على نحو إنساني تملأه الحركة والنشاط، كما في شعر ابن زيدون وابن خفاجة وغيرهما كما فعل لسان الدين ابن الخطيب في موشحته التي عارض بها موشحة ابن سهل والتي يقول في مطلعها: (1).
 
جادك الغيث اذا الغيث    همي يازمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك الا حلماً   في الكرى او خلسة المختلس...
 
وهنا نجد إنه أيضا من اثر الطبيعة إنه اخترع قالب شعري جديد وهو (الموشح) ذلك الفن الشعري المستحدث الذي غنى طبيعة الأندلس
 يقول الشاعر احمد ابن حمديس في وصف الليل, والثريا, وطلوع الفجر, وشروق الشمس
 
وليل رسبنا في عباب ظلامه     إلى إن طفا للصبح في افقه نجم
كأن ألثريا فيه سبع جواهر       فواصلها جزع به فصل النظم
وتحسبها من عسكر الشهب سرية  عمائمهم بيض وخيلهم دهم
كأن السهى مضنى اتاه            بنعسة بنوه وظنوا ان موتته حتم
كأن انصداع الفجرنار يرى لها  وراء حجاب حالك نفس يسمو
وتحسبه طفلاً من الروم طرقت    به من بنات الزنج نائبة أم
أأعلم في احشائها ان عمره لدى   وضعه يوم فشيبه الهم
ودرت لنا الشمس النهار مذيبة  على الأرض روحاً في السماء له جسم
 
وقال ابن خفاجة في وصف الليل:
وليل كما مد الغراب جناحه         وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق،والليل    فحمة شرار ترامى والغمام زناد
سريت به احييه، لاحيه السري     تموت ولا ميت الصباح يعاد
يقلب مني العزم انسان مقلة لها    الأفق جفن والظلام سواد
بخرق لقلب البرق خفقه روعة به، ولجفن النجم فيه سهاد
سحيق ولاغير الرياح ركائب        هناك ولاغير الغمام مزاد
 
 وهكذا كان شعراء الاندلس يعبرون عن مشاهد طبيعية رأوها وعاشوا في رحابها
واحسوا بجمالها.
والطبيعة في الأندلس ,ووصفها لها يمثل الجوانب الضاحكة الندية، وكذلك المرأة صورة من محاسن الطبيعة في الاندلس، فهي تجد في المرأة ظلها وجمالها، ولذلك كانت الحبيبة روضاً وجنة وشمساً لدى الشاعر، إضافة إلى ذلك. فإن شعرهم يعنى بوصف الطبيعة وتصويرها على نحو إنساني تملأه الحركة والنشاط، كما في شعر ابن زيدون وابن خفاجة وغيرهما كما فعل لسان الدين ابن الخطيب في موشحته التي عارض بها موشحة ابن سهل والتي مطلعها.

جادك الغيث اذا الغيث همي يازمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك الا حلماً في الكرى او خلسة المختلس...


وهنا نجد انه ايضاً من اثر الطبيعة انه اخترع قالب شعري جديد وهو (الموشح) ذلك الفن الشعري المستحدث الذي غنى طبيعة الاندلس.
يقول احمد ابن حميدس في وصف الليل والثريا وطلوع الفجر وشروق الشمس:

وليل رسنبا في عباب ظلامه الى ان طفا للصبح في افقه نجم
كأن الثريا فيه سبع جواهر       فواصلها جزع به فصل النظم
وتحسبها من عسكر الشهب سرية  عمائمهم بيض وخيلهم دهم
كأن السهى مضنى اتاه بنعسة بنوه وظنوا ان موتته حتم
كأن انصداع الفجر نار يرى لها وراء حجاب حالك نفس يسمو
وتحسبه طفلاً من الروم طرقت    به من بنات الزنج نائبة أم
أأعلم في احشائها ان عمره لدى    وضعه - يومٌ? فشيبه الهم
ودرت لنا الشمس النهار مذيبة على الأرض روحاً في السماء له جسم

وقال ابن خفاجة في وصف الليل:-
وليل كما مد الغراب جناحه    وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق، والليل  فحمة شرار ترامى والغمام زناد
سريت به احييه، لاحيه السري  تموت ولا ميت الصباح يعاد
يقلب مني العزم انسان مقلة لها     الافق جفن والظلام سواد
بخرق لقلب البرق خفقه روعة به،    ولجفن النجم فيه سهاد
سحيق ولاغير الرياح ركائب     هناك ولاغير الغمام مزاد

        وابن هانيء الاندلس يعمد في الوصف الى طرافة التشبيهات ويقدم لنا صورة حيه للطبيعة بما فيها من عوارض الغيث ومعركة السحاب والريح، ويعد ابن هاني عبقرياً تبدو عبقريته في الاغراض التقليدية كالمدح والوصف والحكمة، وفي هذه القصيدة نجده يبدع في وصف الربيع:
ألؤلؤ دمع هذا الغيث ام    نقط ماكان أحسنه لوكان يلتقط
أهدى الربيع الينا روضة   انفاً كما تنفس عن كافوره السفط
غمائم في نواحي الجو    عالقة حفل تحدر منها وابل سبط
بين السحاب وبين الريح ملحمة معامعٌ وظبي في الجو تخترط
كأنه ساخط يرضي على   عجل فما يدوم رضى منه ولا سخط
وبعد كانت تلك اضاءه على طبيعة الأندلس شعراً... ووصفاً، ونماذج ممزوجة بالإبداع.
خالد
28 - فبراير - 2007
.,,.,.    كن أول من يقيّم
 
 
أصناف من الوصف شعر الطبيعة:
هنا سنعرض بض الاصناف التي امتاز الشعراء في وصفها وتصويرها حتى ان قارئ القصيدة يسلتهم جمالها وكانه يراها امامه, وقد استقراء الشعراء مجال البئة وتضاريسها ومعطيات الحيات الكونية فيها.في الادب العربي القديم لدكتور.محمدصالح الشنطي
وسنستهل تلك الاصناف بمايلى:-
 
ــ الروضيات:
وهو الشعر المختص في الرياض وما يتصل بها.
سنستهل الكلام عن الروّضِيات بهذه الأبيات الرائعة للقاضي أبو الحسن بن زنباع التي يصف قصة الطبيعة وفعل السحاب والأمطار في الأرض التي تتسربل بعدهما بحلتها الجميلة فتتفتح أزهارها وتنضج ثمارها حيث قال(2)
 
أبدت لنا الأيامُ زهرة  طيبها          وتسربلت  بنضيرها  وقشيبها
واهتزعِطف الأرض بعد خشوعها  وبدت بها النعماء بعد شحوبها
وتطلعت   في   عنفوان شبابها     من بعد ما بلغت عتيَّ  مشيبها
وقفت عليها السحبُ  وقفة راحم        فبكت  لها  بعيونها  وقلوبها
فعجبتُ للأزهار كيف تضاحكت       ببكائها   وتبشرت   بقطوبها
وتسربلت حللاً  تجر  ذيولها          من لدمها  فيها  وشق  جيوبها
فلقد أجاد  المزن في إنجادها         وأجاد حرُّ الشمس في تربيبها
وهذه أبيات جميلة للشاعر الوزير عبدا لله بن سماك والذي يقول فيها:
  الروض مخضرٌ الربى متجملٌ      للناظرين  بأجمل الألوانِ
  وكأنما بسطت هناك شوارها        خودٌ زهت  بقلائد العقيانِ
  والطير تسجع في الغصون كأنما   نقرُالقِيان حنت على العيدانِ
  والماء مطَّردٌ  يسيل لعابه             كسلاسلٍ من فضةٍ وجمانِ
  بهجات حسنٍ أُكملت  فكأنها        حسن اليقين  وبهجة الإيمانِ
 
ــ الزهريات : الشعر المختص بالأزاهير .
 
وقد وصف الأندلسيون الأزهار وأكثروا في هذا النوع من الوصف فوصفوا الورد والنرجس والشقائق والنيلوفر والياسمين والقرنفل واللوز وغير ذلك مما وقعت عليه عيونهم في تلك الطبيعة الخلابة من زهريات وسنستعرض بعض
الأمثلة الجميلة التي قيلت في بعض منها,فهذا ابن حمديس يرثي باقة ورد أصابها الذبول فتحرق حزناً وأسى عليها فقال هذين البيتين
يا باقة في يميني بالردى ذبلت      أذاب قلبي عليها الحزن والأسفُ
ألم تكوني لتاج الحسن جوهرةً      لما غرقتِ،فهلاَّ صانك الصدفُ
وهذه أبيات في زهرة الياسمين للمعتضد بالله عباد بن محمد بن عباد يصفها مشبهاً إياها بكواكب مبيضة في السماء ويشبه الشعيرات الحمراء التي تنسرح في صفحتها بخد حسناء بدا ما بدا فيه من آثار فيقول:
أنما  ياسـميننا  الغضُّ          كواكبٌ في السماء تبيضُّ
والطرق الحمر في جوانبه      كخد حسناء مسه عضُّ
ويقول ابن حمديس في وصف النيلوفر:
ونيلوفرٍ أوراقه  مستديرةٌ تفتَّح  فيما  بينهن له  زهرُ
كما اعترضت خُضر التراس وبينها      عواملُ أرماحٍ أسنَّتُها حُمرُ
هو ابن بلادي كاغترابي اغترابه كلانا   عن الأوطان أزعجه الدهرُ
وهذه أبيات رقيقة جداً ومن أروع ما قيل في وصف الشقائق لابن الزقاق:
ورياض من الشقائق  أضحى     يتهادى بها  نسيم  الرياحِ
زرتها  والغمام   يجلد منها     زهرات  تروق  لون  الراح
قلت ما ذنبها ? فقال مجيباً      سرقت حُمرةَ الخدودِ الملاح
وهذا أيضاً وصف بديع لشجرة لوز قاله أبو بكر بن بقي:
سطرٌ من اللوز في البستان قابل  نيما زاد شيءٌ على شيءٍ ولا نقصا
كأنما كل غصنٍ كُمُّ جاريةٍ    إذا النسيم ثنى أعطافه رقصا
وهذا وصف جذاب لزهرة ألأقاح للأسعد ابن إبراهيم بن بليطة ويقول:
أحبب بنور الأقاح    نوَّاراعسجـــده في لجينــه  حارا
أي عيون صُوِّرْنَ    من  ذهبرُكِّبَ فيها اللجينُ أشفارا
إذا رأى الناظرون   بهجتها قالوا نجومٌ تحـــفُّ أقمارا
كأن ما اصفرَّ من    مُوسِّطه عليلُ  قومٍ  أتوه   زوارا
 
ــ الثمريات:-
 الشعر المختص بالأثمار,والبقول,وما يتصل بها.
وصف الأندلسيين للثمرة نفسها فقد وصفوا التفاحة والسفرجل والرمانة والعنب وحتى الباذنجان !! وأبدعوا في ذلك كثيرا فقال أبو عثمان ألمصحفي وقد تأمل ثمرة السفرجل الأبيات التالية الرائعة المحبوكة في نسيج رائع, ولفظ رقيق ومعنى أنيق موشى بلوعة حب وشكوى صب رغم إنه شطح في آخرها قليلاً ( وزودها ) حتى نسي إن ما بين يديه ما هو إلا حبة من السفرجل!!ويقول:
 
ومصفرَّةٍ تختال في ثوب نرجس        وتــعبق عن مسك زكيِّ التنفس
  لها ريح محبوبٍ وقسوة قلــــــبه       ولونُ محبٍ حُلَّةَ السُــقم مـكتسي
   فصفرتها من صفرتي مستعارةٌ        وأنفاسها في الطيب أنفاسُ مؤنسي
   فلما استتمت في القضيب شبابها      وحاكت لها الأنواء أبراد  سندس
 مددت يدي باللطف أبغي قطافها      لأجعلها ريحانتي وسـط مجلسي
وكان لها ثوبٌ من الزغب أغبرٌ      يرف على جسم من التـبر أملسِ
فلما تعرَّت في يدي من لباسها        ولـــم  تبق إلا في غلالة نرجسِ
 ذكرتُ بها من لا أبوح بذكره         فأذبلـــها في الكف حرّ تنفس
 
 وهذا أحمد بن محمد بن فرح يقدم صورة بهية لثمرة الرمان فيقول:
 
ولابسة   صدفاً    أحمرا    أتتك وقد ملئت جوهرا .
كأنك فاتح  حُقٍّ  لطيفٍت     ضمَّن مرجانَه الأحمرا
 
وكذلك كأن للعنب نصيب عند شعراء الأندلس فقال فيه الشاعر أحمد بن الشقاق ما يلي:
عنب تطلَّع  من حشى  ورق لنا  صُبغت غلائل جلده بالإثْمدِ
فكأنه من  بينهن كواكبٌ      كُسفت فلاحت في سماء زبرجدِ
 
ــ المائيات:
الشعر المختص بوصف الأنهار,والبرك, والسواقي.
كانت الأنهار الكثيرة الوفيرة المياه،وما يتشعب عنها من برك،وخلجان,وغدران،وما ينبت على شواطئها,من حدائق،ورياض،وما يصاحبها من ظواهر طبيعية كمد,وجزر,وفجر,ونهار,وليل,وشمس,وأصيل من مظاهر الطبيعة الخلابة في بلاد الأندلس؛وكانت أكبر المدن مثل قرطبة وأشبيلية وغرناطة تقع على تلك الأنهار,التي كانت ترفد الأرض بالخصب,والعطاء فاتخذ الأندلسيون من ضفافها مراتع للمتعة,واللهو,ومن صفحاتها ساحات تمرح عليها زوارقهم,وأشرعتهم,وهم في هذه وتلك يعزفون أعذب الألحان,ويتغنون باعذب الشعر وأرقه....
وهذه الأبيات الرائعة لابن حمديس في وصف بركة من الماء في أحد القصور وقد احتوت على تماثيل لأسود تقذف الماء من أفواهها...
ولعل لفن النقش والنحت والزخرفة الذي كأن سائداً آنذاك أثر كبير في جمال هذه الصورة التي رسمها الشاعر بكل براعة:
وضراغمٍ سكنت عرين رياسة     ٍتركت خرير الماء فيه زئيرا
فكأنما غشَّى النُّضارُ جسومَها     وأذاب  في أفواهها البلورا
أُسْدٌ كأن سكونها متحركٌ في      النفس،لووجدت هناك مثيرا
وتذكَّرت فتكاتِها  فكأنما            أقْعت على أدبارها لتثورا 
وتخالها والشمس  تجلولونها      ناراً ،وألسنَها  اللواحسَ  نورا
 فكأنما  سَلَّت  سيوفَ جداولٍ     ذابت بلا نارٍ فعدُنَ  خريرا
وكأنما  نسج النسيمُ  لمائهِ         درعاً، فقدَّر سردَها تقديرا
وبديعة الثمرات  تعبر نحوها    عيناي بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجريةٍ ذهبيةٍ  نزعت إلى        سحرٍ يؤثر  في النُّهى تأثيرا
قد سَرَّحت أغصانَها فكأنما       قبضت بهن من الفضاء طيورا
خالد
2 - مارس - 2007
تكملة ..    كن أول من يقيّم
 
الأمثلة على وصف المائيات كثيرة جداً وسأكتفي بما قلته راجياً إن يكون المقصود قد تحقق من تلك التقسيمات والتصنيفات التي أوردتها.
وتبقى الطبيعة وحدة متكاملة من الصعب تجزيئها والدارس لشعر الطبيعة عند الأندلسيين لا بد وإن يستغرب من هذا الكم الهائل من الأشعار التي قيلت في هذا المجال ولا أظن إن أمة من الأمم قد برعت في تصوير الطبيعة بمظاهرها وظواهرها المختلفة كما برع الأندلسيون.
الثلجيات:-
 الشعر المختص في الثلج والبرد...
ننتقل الآن إلى الثلج الجميل الذي يكسو الأرض والسطوح والسفوح والأغصان العارية,بغلالة بيضاء نظيفة ناصعة وطاهرة,وكإنه قطن مندوف فيبعث في النفس بهجة ما لها مثيل, وعلى كل حال يبقى ما قيل في الثلجيات أقل مما قيل في الروضيات والمائيات حيث بدأ هذا النوع من الوصف متأخراً في بلاد الأندلس كمثيله في الشرق ومن الأبيات الرائعة التي قيلت في الثلج تلك التي قالها أبو جعفر بن سلام المعا فري المتوفى عام 550م وقال فيها:
ولم أر مثل الثلج في حسن منظر    تقر به  عينٌ  وتشْنَؤه نفسُ
فنارٌ بلا نور يضيء له  سناً          وقطرٌ  بلا  ماءٍ  يقلِّبه اللمسُ
وأصبح ثغر الأرض يفترُّ ضاحكا   فقد ذاب خوفاً أن تقبِّله الشمس
وهذه أبيات للشاعر الرقيق ابن زمرك يمدح فيها السلطان ويصف الثلج في نفس الوقت فيقول:
يا  من  به  رتب الإمارة تُعتلى    ومعالمُ الفخر  المشيدةُ تَبتنِي
ازجر بهذا الثلج حالاً إنه  ثلج      اليقين بنصر مولانا  الغني
بسط  البياض  كرامة لقدومه       وافترَّ ثغراً عن كرامة مُعتني
فالأرض جوهرةٌ تلوح لمعتلٍ        والدوح مُزهِرةٌ تفوح لمجتني
سبحان من أعطى الوجود وجوده   ليدل منه على الجواد المحسن
وبدائع الأكوان  في إتقانها    أثرٌ يشير إلى البديع  المتقن
 
وهذه أبيات جميلة لابن خفاجة في وصف الثلج يقول فيها:
ألا   فَضَلتْ  ذيلَها  ليلةٌ          تجرُّ  الربابَ  بها   هيدبا
وقد برقع الثلجُ  وجهَ الثرى    وألحف غصنَ النقا فاختبى
فشابت وراء  قناع الظلام    نواصي الغصون وهامُ الربى
  وما دمنا نتحدث عن الثلج فلا بد من الإشارة إلى البَرَد أيضاً والذي كأن له نصيب في شعر الأندلسيين ومنهم عبد الجبار بن حمديس الصقلي الذي كتب قصيدة تزيد عن العشرين بيتاً وصف فيها السيول والغدران والبرق والروض وخصص بعض أبياتها للبرد فشبهه بدرر على نحور فتيات حسان أو بلؤلؤ أصدافه سحاب أو بدموع تتساقط من السحاب وغير ذلك من الصور المألوفة وغير المألوفة ويقول فيها: 
      نثر الجوُّ على الأرض  بَرَدْ             أي درٍ لنحورٍ لو جمدْ
      لؤلؤٌ أصدافه السحْب  التي         أنجز البارق منها ما وعدْ
     ذوَّبتْهُ من سماء أدمعٌ               فوق أرض  تتلقَّاه  نَجَدْ

وهذان بيتان جميلان في وصف البرد وهو يتساقط من السماء والريح تعبث به فتبعثره قالها أبو بكر عبد المعطي بن محمد بن المعين:
كأن  الهواء   غديرٌ جَــمَد      بحيث البرود تذيب البَرَدْ
خيوطٌ وقد عُقدت في الهوا      وراحةُ ريحٍ  تحل  العُقد
                        ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
وهذه الأصناف التي صنفها علما الأدب ,لتمثيل وليست للحصر وإنما لوضع منهج لشعر الطبيعة وتقسيمات يمكن من خلالها تسهيل دراسة الشعر..
خالد
2 - مارس - 2007
الوصف عند بعض الشعراء..    كن أول من يقيّم
 
                                الوصف عند بعض شعراء  الاندلس:-
 
اولاُـــ الوصف عند الشاعر ابن خفاجة الأندلسي

توطئة:

هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خَفَاجَةَ, وُلِدَ في سنة 450هـ في جزيرة شقر من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس, وتوفي فيها سنة 533هـ


شاعر الطبيعة في الأندلس
كان ابن خفاجة يعد أديب الأندلس وشاعرها بدليل ما نعته به المقري في كتابة نفح الطيب . وكان رقيق الشعر أنيق الألفاظ. وقد تفرد ابن خفاجة بالوصف والتصرف فيه, ولا سيما وصف الأنهار والأزهار, والبساتين والرياض والرياحين, فكان أوحد الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس بالجنان, أي البساتين, ولقبه الشقندي بصنوبري الأندلس. وهو القائل:

يا أهل أندلس لله دركُمُ                  ماءُ وظل ُ وأنهارُ وأشجارُ
ما جنة الخلدُ إلا في دياركمُ           لو خُيرت .. هذا كنت أختارُ
لا تختشوا بعد ذا أن تدخلوا     سقرا فليس تُدخل بعد الجنة النارُ

وكان أستاذاً ونابغة عصره في وصف الطبيعة في مظاهرها الرائعة, وجمالاتها الفتانة, فهو يصورها ويشخصها صادق الحب لها, متقد العاطفة نحوها, ريان بالإعجاب بها .
يقول وهو يصف نهراً :

لله نهر سال في بطحاء         أشهى وروداً من لمى الحسناء
مُتعطف مثل السوار كأنه      والزهر  يكنفــه  مجر سماء
قد رق حتى ظُن قوساً مفرغاً    من فضة في بُرده خضراء
وغدت تُحف به الغصون كأنها     هُدب تحف بمقلة زرقاء

فالطبيعة إذاً عند ابن خفاجة هي كل شيء, فقد شغف بها ومزج روحه بروحها وبادلها الشعور والإحساس, وكان يتحدث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة وحركة
ولكن لو صدقنا التقدير نقضنا على أنفسنا القول بأنه شاعر الطبيعة وقلنا إنه كان يرى الطبيعة في إطار الفناء, وضمن إحساسه بالتغير, وحسّه الدقيق بالصراع بينه وبين الزمن، وصراعه مع الهلع، أو هاجس الموت، أو الخوف

فنجده يتقن في وصف الطبيعة والأشياء من حوله وصفاً يبلغ حد الإعجاز، ويتفنن في استحضار الصور والألفاظ والتراكيب من مخيلته حتى يكاد السامع يظن أنه بلغ في وصفح حد تصوير الأشياء بأبهى صورة وأجمل تركيب. والغريب أن ابن خفاجة نفسه كان يدرك شدة إلحاحه على الطبيعة واستغلاله لها في شعره, وكان هو نفسه حائراً في تفسير هذه النزعة المتمكنة, فهو يقول عن نفسه مستعملاً, ضمير الغائب: (إكثار هذا الرجل في شعره من وصف زهرة ونعت شجرة وجرية متر ورنة طائر ما هو إلا لأنه كان جانحاً إلى هذه الموصوفات لطبيعة فطر عليها وجبلة وإما لأن الجزيرة كانت داره ومنشأه وقراره...حتى غلب عليه حب ذلك الأمر, فصار قوله عن كلف لا تكلف, مع اقتناع قام مقام اتساع, فأغناه عن تبذل وانتجاع), فهو يرجح أن يكون حب الطبيعة لديه أمراً في تركيبه وجبلته, فإن لم يكن كذلك فهو أثر من آثار البيئة الطبيعية الجميلة التي نشأ فيها. متناسياً حالته النفسية، أولا يردي ذكرها وتأثيرها على إبداعه وإتقانه الوصف والجمال.
ونستعرض هنا بعضاً من قصائده في وصف الجبل وتلك هي التي يقول فيها:
 
وأر عن طمّاح الذؤابة باذخ ....... يطاول أعنان السماء بغارب
يسدّ مهبّ الريح عن كلّ وجهة ...... ويزحم ليلاً شهبه بالمناكب
وقور على ظهر الفلاة كأنه .... طوال الليالي مطرقٌ في العواقب

فهذه صورة الجبل الذي يمثل الطموح والارتفاع والاعتراض والوقار الصامت الذي يشبه إطراق المتأمل, ثم يأخذ هذا الصامت في سرد ما مرّ به من مشاهد, فهو شخص آخر إزاء الشاعر يحدثه:

وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك ....      وموطــــن أوّاه تبتّل تائب
وكم مرّ بي من مدلج ومؤوّب ...... وقال بظلّي من مطي وراكب

ولاطم من نكب الرياح معاطفي.  وزاحم من خضر البحار جوانبي
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب ... أودع منه راحلاً غير آيب
وحتى متى أرعى الكواكب ساهرا ...... فمن طالع أخرى الليالي وغارب
فرحماك يا مولاي دعوة ضارع ....... يمدّ إلى نعماك راحة راغب
فأسمَعَني من وعظه كلّ عبرة ...... يترجمها عنه لسان التجارب
فسلّى بما أبكى,وسرّى بما شجى .... وكان على ليل السّرى خير صاحب
وقلت قد نكبت عنه لطّية .... سلام فانّا من مقيم وذاهب

نرى أن إنسانية الجبل تتزايد تدريجاً في القصيدة, فإذا هو يمثل صورة أخرى من وقفة الشاعر نفسه, أو هو الشاعر نفسه, وهو لا يعبر عن طول الصمود ولذة الخلود, وإنما يعبر عن استثقاله للحياة, ووحدته بعد ذهاب إخوانه, وكان بذلك يعبر عن(قيمة الموت) أي يهون وقعه على نفس الشاعر التي تفرق وتهلع من الموت، وتحاول الهرب من شبحه المخيف, وارتاح الشاعر حين بكى, ووجد في (أخيه)- أو صنوه - الجبل عزاءً وودعه وهو أقوى نفساً على مواجهة مصيره.

وأما قصيدته في القمر فقد أثارتها في نفسه غربته, فجعل يتأمل هذه الدورة التي تعتري القمر بالنقصان والكمال, والاختفاء والظهور, وحفزه ذلك إلى مناجاة من(خلا بنفسه يفكر, ونظر نظر الموفق يعتبر), ونسب هذه المناجاة إلى القمر نفسه فقال:

لقد أصخت إلى نجواك من قمر .......... وبت أدلج بين الوعي والنظر

ولكن القمر ظل صامتاً على خلاف الجبل الذي وجد فرصته في السرد والحديث, فاستمد الشاعر في هذه المرة عظة من الصمت:
وإن صمتّ ففي مرآك لي عظة ...... قد أفصحت ليَ عنها ألسن العبر  
تمر من ناقص حوراً,ومكتمل ...  ...كوراً,ومن مرتق طوراً,ومنحدر
والناس من معرض يلهى,وملتفت ... يرعى, ومن ذاهل ينسى, ومدكر
 تلهو بساحات أقوام تحدّثنا ..         . وقد مضوا فقضوا,إنا على الأثر
فان بكيت,وقد يبكي الجليد,فعن ...... شجو يفجّر عي الماء في الحجر
وبعد هذه المقدمات نعود إلى تفسير الحقائق التي أجملناها حول موقف هذا الشاعر من الطبيعة وأبرزها صلة الطبيعة عنده بالعبرة أو بمشكلة الفناء التي كانت تلح على نفسيته إلحاحا يلحقه بالمرض النفسي. ورغبة الاصطفاء والانتقاء التي تجعله غريباً ومتفرداً، وكذلك عجزه عن وجود الحب، أو الشريك الذي كان يطمح إليه.
خالد
2 - مارس - 2007
 1  2