نعم يستحقون التكريم - resource for arabic books

اننا في أمس الحاجة إلي الشعر القديم، الي توفير مصادره، الي اتاحتها للأجيال الجديدة التي لم تعد تجد دواوين الشعراء القدامي منذ العصر الجاهلي وحتي الحديث بسهولة، إما لشح المطبوع منها، أو لارتفاع سعره
تمنيت لو أن مؤتمر الشعر الذي أنفض يوم الثلاثاء الماضي كرم واحتفي بعبدالعزيز البابطين، الشاعر ورجل الأعمال الكويتي، فلم أعرف رجلا خدم الشعر العربي كما فعل قولا وعملا ماوصلني منه نتاج عمله والمؤسسة التي يرعاها ويديرها من ماله الخاص، لم أقترب منه علي المستوي الشخصي، ولم أشارك إلا مرة واحدة في الدورات التي أقامها، لكن في مكتبتي ركن كامل لما صدر عن تلك الدورات من كتب، يكفي ما تم تحقيقه من أعمال الشعراء الذين أطلقت أسماؤهم علي الدورات، مختارات محمود سامي البارودي كانت أندر من الندرة في سوق المطبوعات العربية، الآن متوافرة والمؤسسة تهديها مجانا لمن يطلبها في أربعة مجلدات، أشرف علي تحقيقها المرحوم الدكتور مصطفي هدارة وشارك في التحقيق عدد من الباحثين، كما تم تحقيق الديوان بمقدمة للدكتور جابر عصفور أعاد فيها اكتشاف البارودي.
إلي جانب البارودي، الأعمال الكاملة لأبي القاسم الشابي محققة، ومجموعة من الدراسات عنه، آخر دورة خصصت لأحمد شوقي ولامارتين، وصدرت عنها أيضا نصوص وترجمات وكتب عن حياة الشاعرين، ومن قبل كانت الدورة التي خصصت لسعدي الشيرازي، أي أن البابطين تحرك شرقا وغربا ليقيم جسورا قوامها الشعر، وليسد فراغات في المكتبة العربية، وفي الدورة الأخيرة ظهرت الوسائط الحديثة، الاسطوانات المضغوطة التي تحوي النصوص والصور، عبدالعزيز البابطين رجزق بثراء وفير. خصص جزءا من ماله للمؤسسة التي تحمل اسمه والتي يمنح من خلالها جوائز خاصة، وهذا أمر يستحق التحية والاحترام في زمن نري فيه الوهن يسري بين معظم من رزقوا المال والثراء وبين الفنون والثقافة، ربما أسمع بعض من يقول إن عبدالعزيز البابطين يشجع ويدعم الشعر العمودي فقط، أقول اننا في أمس الحاجة إلي الشعر القديم، الي توفير مصادره، الي اتاحتها للأجيال الجديدة التي لم تعد تجد دواوين الشعراء القدامي منذ العصر الجاهلي وحتي الحديث بسهولة، إما لشح المطبوع منها، أو لارتفاع سعره، مؤسسة البابطين توفر هذا، والرجل ينفق مثل الكرام القدامي، لا يبخل علي الشعر، ويستضيف في مؤتمراته مئات الشعراء من كل فج، وخلال المرات القليلة التي التقيته فيها وكلها لقاءات سريعة.. كنت أري فيه اخلاص المؤمن برسالته والعاشق لفنه، يقدم هذا بدون انتظار كلمة شكر أو تحية من أي جهة، بل ربما قوبل بشكوك البعض ولا أنكر انني في البداية كنت أتطلع إليه متسائلا عن السبب الذي يجعل ثريا رزق المال الوفير ينفق علي فن الشعر ويؤسس ويقيم المؤتمرات، لقد تكونت صورة نمطية للثراء النفطي غطت علي النماذج القليلة، الجيدة. التي تضرب المثل علي الاهتمام بالثقافة والفن، ولحسن الحظ أن البابطين ليس بمفرده، لقد قام محمد أحمد السويدي بجهد كبير في خدمة الشعر العربي، عندما بدأ التعامل مع الوسائط الحديثة فأنشأ موقعا للشعر العربي يضم الآن أكثر من مليون بيت مع امكانية البحث المتطور. لقد أنفق السويدي أيضا من ماله الخاص ليخدم الشعر العربي، وفي أقصي المغرب أسس محمد بنيس بيت الشعر المغربي الذي أصبح له حضور قوي علي المستوي العربي والدولي، وهناك جهود أخري لخدمة الشعر، لكنني أشير الي نماذج ينبغي أن نحييها وأن نحتفي بها لأنها تضرب المثال والقدوة المفتقدة في الواقع العربي رغم تباين الظروف واختلاف كل منها عن الأخري، كنت أتمني أن أري عبدالعزيز البابطين، ومحمد السويدي، ومحمد بنيس وكل من خدم ودعم وأسهم في التعريف بالشعر وتوفير مصادره ونتاج اعلامه، كنت أتمني أن أراهم مكرمين في المؤتمر الذي انفض الثلاثاء الماضي مثل الكثير من المؤتمرات التي عقدت في السنوات الماضية بالقاهرة، أثارت صخبا لأيام قليلة ولم تخلف أثرا!.