البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : عالم الكتب

 موضوع النقاش : الحديث في شرح الحديث    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 محمد فريد 
13 - فبراير - 2007
اسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم هذه المشاركة لكتاب جديد طبع مؤخراً أرجو أن ينال القبول
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد انتظار طويل صدر الكتاب الخامس عشر للباحث والكاتب المصري الشيخ محمود محمود الغراب والذي يحمل عنوان:
الحديث في شرح الحديث من كلام الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
فدخل إلى المكتبة الإسلامية مع سلسلة الأبحاث التي سبق وأن أصدرها، والتي كان أولها: الفقه عند الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي.
والكتاب يقع في مجلدين: جزء أول، وجزء ثاني، كل منها /400/ صفحة من القياس الوسط، مجلد بتجليد فني أنيق بلون أسود وكتابة مذهبة.   وعلى نحو ما أورد المؤلف في مقدمة الكتاب فهو يضم /1447/ حديثاً نبوياً مع شرحها، جمعها الشيخ محمود من كتب الشيخ الأكبر t، أشار إلي مصادرها في متن كتابه، أخرج من هذه الأحاديث الإمام البخاري في صحيحه /485/ حديثاً، وأخرج منها الإمام مسلم /564/ حديثاً، وباقي الأحاديث ذكر تخريجها في موضعه.
وقد قسم الكاتب الشيخ محمود، أطال الله بقاءه ونفع به المسلمين، ما جمعه إلى /41/ عنواناً رئيساً سماها كتباً، فكان أولها "كتاب العلم"، ثم "كتاب الأدب"، ثم "كتاب الإسلام".. وهكذا إلى آخر كتاب بعنوان: "كتاب وصايا نبوية"، في كل كتاب منها مجموعة من الأحاديث المتعلقة به، وجاءت هذه العناوين على ما هو مألوف في المكتبة الإسلامية.
وكما عودنا الشيخ محمود في إصداراته السابقة لعلوم الشيخ الأكبر، أن ينقل للقارئ غير المتخصص بالدراسات العرفانية، ما يقرّب له هذه المعاني الذوقية، فقد نقل شرح هذه الأحاديث النبوية، مما قاله الشيخ الأكبر t في كتبه، والذي هو من فتوح العبارة الذي آتاه الله تعالى، مما لا يوجد في كتب شرّاح الحديث،  وأظهر معانٍ لم يُسبق إليها، قد تداولها بعض من جاء بعده وأغفل أكثرهم مصدرها، مما يُظهر علوّ شأن الشيخ الأكبر، وباعه الطويل في علوم الأذواق، والأحوال، والكشف، والإشارات، و الأسماء الإلهية، ومراتب الولاية الخاصة والعامة، وتضلعه باللغة العربية، وأصول الفقه، والأحكام الشرعية، وأقوال أصحاب المذاهب الفقهية، والتزامه الكتاب والسنة، وما أخذه عن الشيوخ الذين اجتمع بهم وذكرت أسماؤهم ، فكان متبعاً لا مبتدعاً، ولم يدرك من ناواه جميل ما أتى به t في تفسير القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، من الإشارات التي هي من السهل الممتنع، فنسب إليه ما نسب.   فإن كان يلتمس العذر لمن سلف ممن عادى الشيخ ولم يتحقق مما نسب إليه، ووقع في حق الشيخ مخالفاً أمر الشرع، لعدم تيسر الحصول على النصوص الأصلية، وغير ذلك .. فلا عذر اليوم لمن يدعي العلم والتحقيق، بعد أن صار العالم قرية صغيرة، وتوفرت السبل العلمية المتنوعة، للحصول على الأصول والمعلومات من مراجعها الأصلية.
"بالتصرف من مقدمة كتاب الحديث في شرح الحديث"                               محمد فريد الكيال
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ترجمة حياة الشيخ محمود-9    كن أول من يقيّم
 
محمود الغراب-9)
كما كان للشيخ محمود بعض المشاركات في المؤتمرات والندوات العالمية والمحلية التي تناولت أعمال الشيخ الأكبر نذكر منها:
- مؤتمر التصوف الذي أقيم في لوس أنجلوس بأمريكا عام 1996.
- التصوف عند ابن عربي في المركز الثقافي الإسباني بدمشق
- الحب والمحبة الإلهية، محاضرة ألقاها في قاعة المتحف الوطني بدمشق.
وسبق أن ذكرت المجلس العلمي المفتوح للجميع الذي كان يقيمه الشيخ محمود في منـزله في منطقة المهاجرين مصطبة، وأيضاً قيامه بمساعدة طلاب الدراسات العليا المتخصصة بابن عربي، واللقاءات المتلفزة التي سجلت له، وغير ذلك.
وقد تلقى الشيخ محمود على ما قدمه للمكتبة الإسلامية الكثير من رسائل الشكر، والإعجاب، والتهنئة، والإعراب عن جميل فضله بما قدمه لخدمة المسلمين في هذه الدراسات التخصصية، من مجوعة كبيرة من العلماء و بعض الرؤساء وأصحاب المراكز العلمية والدارسين وغيرهم بواسطة رسائل خطية نشر الكثير منها في كتبه السابقة نذكر منهم :
- الشيخ أبو الحسن الندوي رئيس رابطة علماء الهند والعالم الإسلامي.
- الدكتور عدنان الخطيب رئيس مجلس الدولة ونائب رئيس المجمع العلمي في سورية.
- الرئيس ضياء الحق رئيس جمهورية باكستان.
- القاضي عبد الرحمن الإرياني، رئيس جمهورية اليمن سابقاً.
- الدكتور عبد اللطيف صالح فرفور، جمعية الفتح الإسلامي بدمسق.
- الأستاذ محمد مصطفى ولد الشيخ، المستشار المالي للجمهورية الموريتانية.
- الدكتور إبراهيم سلمان العلاوي عميد شؤون المكتبات في جامعة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية.
- الشيخ عبد اللطيف زايد، مدير المعهد الديني في قطر.
- الشيخ علي عرفة حسن من علماء الأزهر.
وغير هم الكثير من الدول الإسلامية والعربية، طلاباً وأساتذة ومحبين.
محمد فريد
21 - فبراير - 2007
ترجمة حياة الشيخ محمود-10    كن أول من يقيّم
 
محمود الغراب-10)
هذا تعريف بالشيخ محمود محمود الغراب ومؤلفاته بشكل موجز ، أرجو أن أكون قد وفقت فيه، وأن ينفع الله سبحانه وتعالى به المسلمين.
وأما ما يخص سؤالك عن المسائل المختلف عليها مع الشيخ الأكبر، فلم يسعفني الوقت لتدارس هذا الموضوع مع الشيخ محمود، وربما نلتقي للحديث عن هذا الموضوع إذا شاء السميع العليم.
 والذي أظنه أن أحداً من علماء المسلمين ليس لديه ما يرفع هذا الخلاف، إذ أن الخلافات في أمور ملموسة غير مرفوعة فيما بينهم، فما بالك بالعلوم الذوقية، غير أنني أشير على من يود حقاً الاطلاع على بعض جوانب هذا الاتهامات أن يعود إلى موضعين:
1- كتاب شرح كلمات الصوفية والرد على ابن تيمية، ففيه/20/ صفحة لشرح موضوع وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر، إلى جانب غيرها من المسائل التي يتداولها بعض الكتاب المعاصرين.
2- كتاب ترجمة حياة الشيخ الأكبر  ففيه إيضاح لموضوع وحدة الأديان التي يتهم بها الشيخ الأكبر أيضاً، إلى جانب مواضيع أخرى.
في الختام لك خالص التحيات والدعاء بالتوفيق.
﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.      
                mfariiid@maktoob.com                   محمد فريد الكيال
محمد فريد
21 - فبراير - 2007
شكر وامتنان    كن أول من يقيّم
 
وشكرا لك يا أستاذ محمد فريد الكيال على هذا الإجابة الطيبة، أحسنت وأبدعت، وأنجدت وأتلعت، وأما سؤالك عن كتب الشيخ محمود غراب، فما صدر منها حتى عام 1990 فقد قرأته بعلم الله، ولا أغرب إن قلت لك أرجو أن أكون أول من قرأ كتبه كاملة غب طباعتها، ولكنني لست من أتباع ابن عربي، ولا يعنيني منها إلا الطرفة والأدب، وأنا لست صوفيا، وأحب أهل التصوف بعيدا عن الدعوى، وأعيش حياتي على أمواج من قصص الأولياء والصالحين، مما رأيت وشهدت، لا ما سمعت وقرأت. ولن تزول نضرة النعيم التي رأتها عيناي في وجوه أوليائه، نفعنا الله وإياك بمحبة الصالحين، وأقر عيننا برؤيتكم، وغفر لنا ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*زهير
21 - فبراير - 2007
شهادة أعتز بها    كن أول من يقيّم
 
                                               بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز المحترم زهير:
لم تكن هذه الكلمات العذبة أقلّ وطأً من سابقتها على قلبي، فهذه شهادة وتقدير أعتز وأفخر بهما، من الجهة التي منحتني إياها لا من كوني أستحقها.
أشكرك على ثقتك وطيبة كلامك.
ثم إنني أغتنم الفرصة لأهنئك على صحبة من رأيت وشاهدت مما لا يفوز به إلا من أدركته العناية الأزلية فقد قيل:
مـا لذة العيش إلا صحبة الفقرا
 
هم السلاطين والسادات والأمرا
فيا سعادة من لقيهم وعاش معهم، أو شاهدهم فأصابه خيرهم، وأرجو من الله العلي القدير أن لا يخيب رجاء من سمع بهم أن يلقاهم أو تصله بركاتهم أو بركات من صحبهم.
                                    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                                                                             محمد فريد الكيال
محمد فريد
25 - فبراير - 2007
مقالة رقم/1/ الحديث    كن أول من يقيّم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
منذ ثمانمائة عام خلت، كتب الشيخ الأكبر t في شرح بعض الأحاديث النبوية معاني لم يسبق إليها في أيامه، وعندما قرأها المتأخرون وجدوا فيها إشارات والالتفاتات يجدر بالعاقل أن يتأملها ويستفيد منها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وإذا كان بعض الشراح المعاصرين قد استفادوا من نظرات الشيخ السابقة لهم، فمن حقه عليهم أن يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا عنه منه، مع أنني أقبل أن يكون المتأخر قد عرف ذلك دون الأخذ عمن سبقه، غير أنني  أحب أن أعترف للمتقدم بالأسبقية على الأقل،  وسوف أختار من كتاب الحديث في شرح الحديث، خلال مقالات متلاحقة إن شاء الله تعالى، بعض الفقرات القصيرة التي تعطي للقارئ شيئاً من تلك الأفكار الحديثة، وأرجو من الأصدقاء رحابة الصدر في تقبل هذا العمل، والنظر إليه بموضوعية مطلقة بعيدة عن الأحكام العاطفية المسبقة.
المقالة رقم/1/:
        ينقل الشيخ محمود محمود الغراب من أقوال الشيخ محي الدين ابن العربي في معرض الحديث التالي ما يلي:  
 
قال رسول الله r: " إن في الجسد بضعة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب".
وفي رواية: "إن في الجسد مضغة، إن صلحت صلح الجسد، وإن فسدت فسد الجسد، ألا وهي القلب".
(أخرجه: البخاري ومسلم وابن ماجة والدارمي نحوه بلفظ قريب).   
   ف ج1/531- مواقع النجوم/144
أراد الشرع بالقلب هنا المضغة التي يحوي عليها الصدر، ولا يريد بالقلب لطيفته وعقله، وفي هذا التنبيه سرٌ -لمن فهم- وعلمٌ لا يحصل إلا بالكشف، قال تعالى: ﴿ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ يعني تعمى عن الحق، فيريد بالصلاح والفساد إذا أراد المضغة، ما يطرأ على البدن من المرض والصحة والموت، فإن القلب الذي هو المضغة، هو محل الروح الحيواني، ومنه ينتشر الروح الحيواني في جميع ما يحس من الجسد، وما ينمى، فإذا لم يتحفظ الإنسان في غذائه، ولم ينظر في صلاح مزاجه وروحه الحيواني المدبر لطبيعة بدنه، اعتلت القوى وضعفت، وفسد الخيال والتصور، من الأبخرة الفاسدة الخارجة من القلب، وضعف الفكر وقل الحفظ، وتعطل العقل بفساد الآلات التي يدرك بها الأمور، وكذلك الأمر إن صلح، وهو المستخدم لجميع الأعضاء بالخير والشر، وهو تنبيه من الشارع لنا بما هو الأمر عليه، فإن العلم بما هو الأمر عليه في هذا الجسم الطبيعي العنصري، الذي هو آلة للطيفة الإنسان المكلفة في إظهار ما كلفه الشارع إظهاره من الطاعات، التي تختص بالجوارح، فاعتبر الشارع الأصل المفسد إذا فسد لهذه الآلات، والمصلح لهذه الآلات إذا صلح، إذ لا طاقة للإنسان على ما كلفه ربه إلا بصلاح هذه الآلات واستقامتها وسلامتها من الأمور المفسدة لها، ولا يكون ذلك إلا من القلب، فهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه r، فلو أراد بالقلب العقل هنا، ما جمع من الفوائد ما جمع بإرادته القلب، الذي يحوي عليه الصدر، ولهذا جاء باسم المضغة والبضعة، لرفع الشك، حتى لا يتخيل خلاف ذلك، ولا يحمله السامع على العقل، وفي هذا تنبيه على أنه إذا غفر الله للقلب غفر لسائر جسده، فإن جميع الأعضاء تبع للقلب في كل شيء دنيا وآخرة.
من كتاب الحديث في شرح لحديث – ج1/112
محمد فريد الكيال: mfariiid@maktoo.com
محمد فريد
18 - مارس - 2007
مقالة رقم-2-    كن أول من يقيّم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
منذ ثمانمائة عام خلت، كتب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي t في شرح بعض الأحاديث النبوية معاني لم يسبق إليها في أيامه، وعندما قرأها المتأخرون وجدوا فيها إشارات والالتفاتات يجدر بالعاقل أن يتأملها ويستفيد منها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وإذا كان بعض الشراح المعاصرين قد استفادوا من نظرات الشيخ السابقة لهم، فمن حقه عليهم أن يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا عنه منه، مع أنني أقبل أن يكون المتأخر قد عرف ذلك دون الأخذ عمن سبقه، غير أنني  أحب أن أعترف للمتقدم بالأسبقية على الأقل.
وقد سبق أن كتبت المقالة رقم -1- وأقدم اليوم
المقالة رقم/2/:
        ينقل الشيخ محمود محمود الغراب من أقوال الشيخ محي الدين ابن العربي في معرض الحديث التالي ما يلي:  
قال رسول الله r: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
(أخرجه: أحمد بلفظ صالح الأخلاق، ومالك بلفظ حسن الأخلاق). 
 ف ج2/363، 424، 562، 616، 617- ج4/17، 178، 459
 إن مكارم الأخـلاق أعمال وأحوال إضافية، لأن الناس الذين هم محل مكارم
الأخلاق على حالتين: حر وعبد، كما أن الأخلاق محمودة وهي التي تسمى مكارم الأخلاق، ومذمومة وهي التي تسمى سفساف الأخلاق، والذين تصرف معهم مكارم الأخلاق وسفسافها، اثنان وواحد، فالواحد هو الله، والاثنان نفسك إذا جعلتها منك بمنـزلة الأجنبي، وغيرك، وهو كل ما سوى الله، وكل ما سوى الله على قسمين ـ وأنت داخل فيهم ـ: عنصري وغير عنصري، فالعنصري تصريف الخلق معه حسي، وغير العنصري تصريف الخلق معه معنوي، والأعمال المعبر عنها بالأخلاق على قسمين: صالح وهو مكارمها، وغير صالح وهو سفسافها، وجميع مذام الأخلاق وسفسافها صفات مخزية عند الله وفي العرف، وجميع مكارم الأخلاق صفات شريفة في حق وخلق، ألا ترى إلى قول رسول الله r: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، يريد أنه يعلم ما هي، وكيف تصرف، وأين تصرف، ولتعلم أن المخاطبين بالأخلاق حر وعبد، فللعبد منها شرب، وللحر منها شرب، فإذا أضفت الخَلْقَ إلى الله تعالى، فكل ما سوى الله عبد لله، قال تعالى: ﴿إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً﴾ وإذا أضفت الخَلْقَ بعضه إلى بعض، فهو بين حر وعبد، فأما حظ العبد من الأخلاق، فاعلم أن السيد على الإطلاق قد أوجب وحرم، وأمر ونهى، وقد أباح فخير، وقد رجح فندب وكره، وما ثَمَّ قسم سادس، فكل عمل يتعلق به الوجوب من أمر من السيد الذي هو الله بعمل أو ندب إلى عمل، فإن العمل به من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك إن كان واجباً، وإن كان مندوباً إليه فهو من مكارم الأخلاق مع نفسك، فإن تضمن منفعة الغير ذلك العمل كان أيضاً من مكارم الأخلاق مع غيرك، وترك هذا العمل إن كان على هذا الحكم من سفساف الأخلاق، وكل عمل يتعلق به التحريم أو الكراهة فالتقسيم فيه كالتقسيم في الواجب والمندوب إليه على ذلك الحد، فترك ذلك العمل لاتصافه بالتحريم أو الكراهة من مكارم الأخلاق، وعمله من سفساف الأخلاق، وترك العمل فيه عمل روحاني لا جسماني، لأنه ترك لا وجود له في العين، وأما العمل الذي تعلق به التخيير وهو المباح، فعمله من مكارم الأخلاق مع نفسك دنيا لا آخرة، فإن اقترن مع العمل كونك عملته لكونه مباحاً مشروعاً، كان من مكارم الأخلاق مع الله ومع نفسك دنيا وآخرة، وكذلك حكمه في ترك المباح على هذا التقسيم سواء، فجميع الأقسام تتعلق بالعبد، وقسم المباح يتعلق بالحر، وقسم المكروه والمندوب إليه يتعلق بالحر وفيه من روائح العبودية شمة لا حقيقة، والشرع قد بين لك مكارم الأخلاق، فعليك بحسن الأخلاق وإتيان مكارمها وتجنب سفسافها، وقد ضمن r بيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، ولما كان من المحال أن يقوم الإنسان في خلق كريم يرضي جميع الخلائق، فإن أغراض الخَلْق متقابلة، إن أرضى زيداً أسخط عدوه عمراً، لابد من ذلك، فلما رأينا الأمر على هذا الحد، قلنا لا نصرف مكارم الأخلاق إلا في صحبة الله خاصة، فكل ما يرضي الله نأتيه، وكل مالا يرضيه نجتنبه، وسواء كانت المعاملة والخلق مما يخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغير، وإنها وإن تعدت إلى الغير فإنها مما يرضي الله، وسواء عندك سخط ذلك الغير أو رضي، فإنه إن كان مؤمناً رضي بما يرضي الله، وإن كان عدواً لله فلا اعتبار له، فحسن الخلق إنما هو فيما يرضي الله، فلا تصرفه إلا مع الله، سواء كان ذلك في الخلق أو فيما يختص بجناب الله.
تحقيق: معنى قوله r: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف، وظهرت مكارم الأخلاق كلها في الشرائع على الأنبياء والرسل، وتبين سفسافها من مكارمها عند الجميع، وما في العالم على ما يقوم عليه الدليل والمعرفة إلا أخلاق الله، فكلها مكارم، فما ثَمَّ سفساف أخلاق، فبعث r بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة، وأوتي جوامع الكلم، وكل نبي تقدمه على شرع خاص، فأخبر r أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فإنه نقص منها المسمى سفسافاً، فعين لها مصارف فعادت مكارم أخلاق، لأنها أخلاق الله، فألحق ما قيل فيه إنه سفساف بمكارم الأخلاق، فصار الكل مكارم أخلاق فما ترك r في العالم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقاصد الشرع، فأبان لنا مصرفاً لهذا المسمى سفساف أخلاق، من حرص وحسد وشره وبخل وفزع وكل صفة مذمومة، فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها على تلك المصارف عادت مكارم أخلاق، وزال عنها اسم الذم وكانت محمودة، إذا اتصف بها العبد في المواطن المعينة لها، لم يلحقه خزي ولا كان ذا صفة مخزية، فما ثَمَّ إلا خلق كريم مهما زال حكم الغرض النفسي، المخالف للأمر الإلهي والحد الزماني النبوي،  فتمم الله به r مكارم الأخلاق، وبه كان خاتماً، وهذا من حضرة الاسم الجامع، فتتمة مكارم الأخلاق هي تعريتها مما نسب إليها من السفسفة، فإن سفساف الأخلاق أمر عرضي، ومكارم الأخلاق أمر ذاتي، لأن السفساف ليس له مستند إلهي، فهي نسبة عرضية، مبناها الأغراض النفسية، ومكارم الأخلاق لها مستند إلهي وهو الأخلاق الإلهية، فتتمة النبي r مكارم الأخلاق ظهر في تبيينه مصارفها، فعين لها مصارف تكون بها مكارم أخلاق وتعرى بذلك عن ملابس سفساف الأخلاق.
ومن كان على مكارم أخلاق فهو على شرع من ربه وإن لم يعلم ذلك، ومكارم الأخلاق معلومة عقلاً وشرعاً وعرفاً، والتصرف بها وفيها معلوم شرعاً، فمن اتصف بها على الوجه المشروع وزاد تتميم مكارم الأخلاق وهو إلحاق سفسافها بها، فتكون كلها مكارم أخلاق بالتصرف المشروع والمعقول، فقد اتصف بكل ثناء إلهي.
 
 
من كتاب الحديث في شرح لحديث – ج2/91
محمد فريد الكيال: mfariiid@maktoo.com
محمد فريد
22 - مارس - 2007
 1  2