البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : القصة القصيرة    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 salwa 
24 - مايو - 2007
في صباح يوم من الشهر الفائت ، جرت مناقشة بيني و بين صديق عزيز و أخ كريم لي حول كتاب قرأه . و تطرق النقاش الى الإبداع القصصي العالمي كإشراقة في سماء الأدب ، متفرداً بذاته ، و محتلاً موقعاً متميزاُ بين شتى الإبداعات المعروفة ..
لكنـه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تناول موضوع القصة القصيرة التي تأخذ بالأنفاس و تُطلقها قبل أن يجد الملل الى عقولنا طريقاً ..
 
القصة القصيرة أصبحت فناً خالصاً لا شريك له في عمقه و رصانته و بهجته و شموخه .. هذا ما قاله صديقي و هذا ما آمنت به بعد قراءة قصة قصيرة أهداني إياها ..
سأحاول اليوم أن أتجول في حديقة القصة القصيرة العالمية ، قاطفة بعض زهورها اليانعة ، واثقة من العثور على عقود بنفسجية ثمينة ، مقدمة إياها بكل حب و تقدير "للـوراق" ، آمـلة أن يشاركني الجميع بتقديم ما يستطيع من قصة مترجمة أو يقوم بترجمتها ، لعمالقة هذا الأدب القصصي الرفيع ، المنتشرين في بقاع العالم و المتكلمين بلغاته، و لتتسع بيننا دائرة الحوار و النقد البناء .
 3  4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
دمير قايا (أسطورة شرقية ) 00قصة يرويها الروائى الروسى /الكسندر كوبرين    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
هدأت الرياح. قد نضطر إلى قضاء ليلتنا في عرض البحر. يبعد الشاطئ حوالي ثلاثين كيلومترا تقريبا.كان مركبنا المؤلف من ساريتين يميل من جانب إلى جنب بكسل. أما الأشرعة المبلولة فكانت مبسطة.
 لف المركب ضباب ابيض كثيف ولم تكن ترى النجوم ولا السماء ولا البحر ولا الليل0 لم نوقد النار. حدثنا سعيد ابلي العجوز القذر والحافي,قبطان المركب بصوت خفيض ورزين قصة قديمة صدقتها كاملة.صدقتها لأن الليل كان صامتا بغرابة ولأن البحر غير المرئي من تحتنا ينام ويغطينا الضباب ونبحر ببطء في السحب البيضاء الكثيفة:
 
"...كان اسمه:دميرقايا ومعناه:الصخرة الحديدية.سمي بهذا الاسم لأن هذا الشخص لم يكن يعلم ما هي الرحمة والحياء والخوف.
 كان يمارس السلب مع عصابته في ضواحي استمبول وفيساليا المباركة ومقدونيا الجبلية ومراعي بلغاريا الخصبة. لقد أهدر دماء تسعة وتسعين شخصا بينهم النساء والعجزة والأطفال.
 أحاط به في إحدى المرات جيش السلطان القوي-أطال الله بعمره!.قاوم دميرقايا ثلاثة أيام كذئب محاصر بقطيع من الكلاب. وتمكن في اليوم الرابع من التسلل والفرار ولكن وحده, لأن قسم من أعوانه قضى نحبه في أثناء المطاردة والقسم الآخر لقي حتفه على أيد الجلادين على الساحة الدائرية في استمبول. استلقى دميرقايا بالقرب من موقد النار جريحا وينزف دما في كهف يصعب الوصول إليه حيث آواه رعاة الجبال المتوحشين. وفي منتصف الليل ظهر له ملاك نوراني يحمل سيفا متوهجا عرف فيه دميرقايا ملك الموت-رسول السماء :عزرائيل وقال له: -هذه هي مشيئة الله.أنا جاهز للموت. لكن الملاك قال:
 -كلا, يا دميرقايا, لم تحن بعد ساعتك.أسمع مشيئة الله.عندما تصحو من سكرات الموت أذهب وأحفر الأرض واخرج كنوزك وحولها إلى ذهب. ومن ثم اذهب إلى الشرق فورا وسر إلى حين أن تصل إلى مكان تتقاطع فيه سبعة طرق.تبني هناك بيتا بغرف قريرة وتفرشه بآرائك رحيبة وتكون مياه نوافيره صافية من اجل الاغتسال وان لا يخلو البيت من الطعام والشراب للغرباء ومن القهوة الفواحة وأراجيل ذات رائحة عطرة من اجل المرهقين.ناد على كل راجل وراكب واخدمهم مثل العبد الذليل.واعتبر بيتك بيتهم وذهبك ذهبهم وجهدك راحة لهم واعلم بأن الوقت سيحين عندما يغفر الله لك ذنوبك الخطيرة ويسامحك على دماءأبنائه. لكن دميرقايا سأل:
 -أية إشارة سيريني ربي عندما يصفح عني ويغفر ذنوبي?.... أجاب الملاك:-تناول من الموقد الذي يحترق بالقرب منك جمرة ملتهبة مغطاة بالرماد وازرعها في الأرض وعندما يكتسي الخشب الميت لحاء جديدا ويثمر, اعلم بان ساعة الصفح قد حلت.
 مضى على ذلك الوقت عشرون عاما.انتشرت في أصقاع بلاد السلطان-أطال الله بعمره-صيت ذلك المنزل بالقرب من الطرق السبعة بين جدة وسميرني.يخرج الفقير من هناك وفي جعبة سفره النقود والجائع شبعان والمتعب منتشي والجريح شاف.
 عشرون عاما.عشرون عاما طويلة كان دميرقايا يتطلع نحو قطعة الخشب الساحرة المغروسة في باحة المنزل إلا أنها بقيت سوداء لا حياة فيها.وبدأت تخبو عيون دميرقايا الشبيهة بعيون الصقر وانحنت قامته الصلبة وابيض شعر رأسه وأصبح بلون جناح الملاك.
 وفي صباح إحدى الأيام سمع دميرقايا وقع سنابك خيل فركض إلى الطريق فرأى فارسا ينطلق مندفعا على حصان مرغي ولاهث.اندفع نحوه دميرقايا وامسك الحصان من لجامه وتوسل إلى الفارس:
 -آه يا أخي,أرجوك أن تعرج وتدخل منزلي لتنعش وجهك بمائي وتسترد قواك بالمآكل والشراب ودع شفتيك تتلمظان بالنارجيلة العطرة. لكن الفارس صرخ بحنق:-دعني أيها العجوز!دعني!.
 وبصق في وجه دميرقايا وضربه بمقبض السوط في رأسه وتابع سيره. غلت دماء قطاع الطرق في عروق دميرقايا فألتقط حجرا ثقيلا من الأرض ورماه في اثر المسيء فحطم جمجمته.مال الفارس في سرجه وترنح وأمسك برأسه وسقط على الطريق المغبرة.
 ركض دميرقايا نحوه وقلبه مليء بالهلع وقال له بألم وحزن -لقد قتلتك يا أخي!!. لكن المحتضر أجاب:
 -ليس آنت الذي قتلني وانما يد الله.اسمع:أن حاكم ولايتنا رجل ظالم وجشع وغير عادل.لقد حاك أصدقائي مؤامرة ضده لكن أغوتني المكافأة النقدية الثمينة في حال إفشاء سرهم وخيانتهم وعندما سارعت لكي أفشي بالسر أوقفني الحجر الذي رميتني به.هذه هي مشيئة الله.وداعا.
 عاد دميرقايا مكروبا وحزينا إلى المنزل.لقد انهار سلم الفضيلة والتوبة الذي كان يتسلقه بصبر إلى الأعلى عشرون عاما كاملة.انهار فجأة من تحته في صباح صيف ما.
 ألقى بنظرة يائسة نحو ذلك المكان الذي اعتاد التوجه إليه كل يوم,إلى ذلك الجذع الأسود وفجأة!يالها من أعجوبة!!-لقد رأى كيف تتفتح أمام عينيه براعم جذع الشجرة الميتة وكسا الاخضرار الجذع وتفتحت عليه أزهار صفراء طرية. سقط حينها دميرقايا على الأرض وبكى فرحا.لقد تذكره الله العظيم و الرحيم وسامحه على الأرواح التسعة والتسعون التي أزهقها بسبب قتله خائنا واحدا...".
  عام 1906
ترجمة /ولاتو عمر       
موقع إيلاف
*عبدالرؤوف النويهى
21 - يونيو - 2007
قصة مجرية    كن أول من يقيّم
 
جيغموند موريتس: الدموع في أعين الرجال
 
ترجمة: ثائر صالح
 
قَدِما من نفس القرية، من مكان ما في تخوم ترانسلفانيا، لكنهما كانا "مُقنزحين" في نفس الوقت، كما هو الحال مع باقي شعب السَيْكَيين. كانا مرحين على الدوام، رائقي المزاج، ووقفا في الصف بجنب بعضهما البعض دوماً، إلى أن أصبح لهما اسماً واحداً في آخر الأمر، وسمع منتسبو الفيلق كله بخبرهما، وكان اسم أحدهما شامو كِش، والثاني يوشكا شامو، لكنهما سوية كانا يوشكا شامو كِش.
- يا أخي – قال شامو كش –، بدأت أحس بالجوع.
وقتها لم يتذوقا الطعام ليومين. لم يكن لديهما أي شيء على الإطلاق. أرسلوهما إلى حواجز الأسلاك الشائكة، وكان هناك خلفهما مرج كبير، ولم يتسلل عبره بعض الجنود زاحفين إلا خلال الليل، وحتى هؤلاء لم يجلبوا إليهما سوى العتاد دون الزاد.
- ماذا سنأكل، أخي? - قال يوشكا شامو.
- ما لديك?
- عندي ماء.
- أما أنا فلدي الملح.
- لكن هذا شيء عظيم، لنطبخ حساء.
- من ماذا?
- من العشب.
- وهل سيكون هذا الحساء جيداً?
- بالتأكيد.
- تمهل، لن يكون جيداً. سأطهي حساء الحمّيض، هذا أحسن.
- لكن ما عندنا حمّيض.
- نقطف شيئاً منه. لابد من وجوده في هذا المرج الواسع. ما أن تخرج أمي هناك في القرية، إلا وتجلب منه طبخة على الفور.
- هذا رائع إذن.
حتى أنهما ضحكا لذلك. غير أنهما عبثاً زحفا على بطنيهما في المرج الذي سحقته البساطير، لم يجدا حمّيضة واحدة تستحق أن توضع في القدر.
- إذن، يا أخي، سأذهب خلف الأسلاك الشائكة، لم يطأ العشب هناك أحد، فلا يزال نضراً، سأجد هناك شيئاً منه...
- أذهب معك.
- لا تأتي، فلو بقي هناك واحد منا، لا يذهب معه الآخر من أجل حفنة حميض!
- أتعلم ماذا، سأذهب أنا في هذه الحالة.
- أتريد أن تأكل الحقل من أمامي? أعرفك أنا.
وبهذا انسل شامو كش تحت الأسلاك الشائكة على الفور.
زحف إلى الأمام ببطء، مثل الخلد الكبير السمين. كان يتحسس كل ورقة من أوراق الحشيش، يتشممها، تذوق كل عشب بري، لكنه لم يعثر على شيء مما اعتادت امه تجميعه في البلد، أعشاب طرية حلوة؛ غير أمه كانت بعيدة وكذلك البلد العزيز.
زحف وزحف، وتقدم زحفاً أكثر فأكثر، طاب له الزحف ببطء في الكلأ الأخضر، بنعومة وبصمت، متشبثاً بأصابعه خافضاً رأسه في العشب العالي الذي حان وقت حشّه بالمنجل.
لم تكن مواقع الروس بعيدة حقاً. كان خندق الرماة الروس على مبعدة مائة متر عنه فحسب، لكن توجد في الوسط شجيرات كثيفة الأغصان، وعشب عالٍ بحيث لا يراه أحد حتى لو وقف على ركبتيه. شامو كش تقدم إلى الأمام وتقدم. لم يعرف لِمَ يمضي، وإلى أين، انزلق كما الحلزون، حتى أنه لم يفتح عينيه إلا بالنزر اليسير، ولم تتبين العين تقدمه، سوى ما رآه هو، عندما انحنت سيقان الأعشاب النحيفة المنتصبة تنوء تحت ثقل جسده.
فجأة مسّ أذنه صوت خشخشة غريب.
للوهلة الأولى تنصت بفزع، ثم طفق يضحك بصوت خفيض، كي لا يصدر صوتاً.
سمع شخيراً.
ما العمل الآن?
من الذي ينام بهذه الطمأنينة تحت قبة السماء الواسعة? لو يرفع عينيه لا يرى سوى السماء الزرقاء الغامقة. تطفو فيها غيوم بيضاء في جهة الشرق. يا إلهي، كيف يستطيع الرجل النوم في الغربة هذه، بين الأعادي... الجسم يطلب حقه من الراحة. أما كيف يخلد المرء إلى النوم في بيته، عندما ينجز العمل اليومي، وكيف يتمدد على القش الناعم الذي حشي به الفراش، فلا يعرف ما الحياة حتى الصباح... إلا في منتصف الليل، عندما تبدأ الخيول بالزنخرة، فيتنبه ويقوم بواجبه وهو نصف نائم: يضع أمام الخيل علفاً طازجاً... ثم كيف يعتاد الإنسان على كل ذلك? أما الآن، فتكاد أجفانه تنطبق من النعاس، لكنه لا يقوى على النوم... وكأن فيضاً من النعاس قد شعّ من ذلك الرجل النائم بعمق وهدوء، ليغمره هو أيضاً، فتتلاصق أهدابه بعسلٍ حلوٍ كثيف، وليملأ جبهته بخدر لذيذ فيكاد يتوسد برأسه كومة تراب ناعم حفرها خلد، حتى ينسى كل شيء؛ كل ما يتعلق بهذه العالم وأوجاعه والتعب والجوع المخدّر، ويستسلم لأغلى إغفاءة...
لكن الآخر خطر فجأة في باله: صاحبه يوشكا شامو الذي ينتظره خلف السلك الشائك وينتظر الوريقات الطرية التي يمكن تجهيز الحساء منها.
طار كل نعاسٍ من جفونه على التو... حياته ليست مهمة، فقد مات آخرون كثيرون، بالآلاف وبعشرات الآلاف أيضاً، ولا أحد يعلم كم الذين ماتوا منذ الخليقة حتى اليوم، وبعد الآن سيموت الجميع يوما ما.. لكن يوشكا شامو ينتظر الوريقات الطرية.
فكر شامو كش عميقاً.
حفز في داخله كل حبه للحياة وتقدم زاحفاً، كالضب.
أمامه الجندي الروسي نائم هناك على العشب، متمدد بثيابه الخضراء، وقد انزلقت القبعة عن رأسه، وهطل شعره البني الأشقر الطويل على جبينه المتعرق الحار. فمه مفتوح قليلاً، ووجهه وديع مسالم وهو نائم على كومة من الحشائش. سقط السلاح من يده، وهذا جراب الخبز إلى جانبه، كان نائماً مثل الرضيع الذي تحتضنه أمه، سعيداً ومطمئناً للحماية الأمومية. لا يعبأ بما قد يحصل له، فقد يُقتل غيلة، أو يقتل تقبيلاً، قبل أن يستيقض... هذا الروسي، علام اتكل?.. تموج الأرض المقدسة تحته، تكاد ترى نبضها الدافئ يتماهى مع تنفس البطل الروسي المنتظم الهادئ.
لمعت عينا شامو كش. صفا بصره، راقب، تفحص كم عميق هو نوم المسكوفي هذا.
ثم مد يده، وبيده حربة البندقية الحادة المدببة..
عندما لم تفصله سوى سنتمترات عن جسد الروسي، عن صدره المنكشف المشعر أحمر البشرة الملتهث، توقف... كما لو من توقف هو ذاته الحديد الصلب، القاتل القاسي، كما لو تردد، ارتعش تحت تأثير فكرة جميلة وعادلة ما. ثم تراجع، وتحول إلى اليد الثانية.
أمسك شامو كش بيده العارية بندقية الروسي الطويلة، ورفعها من العشب... ياله من كائن مطيع
هذا السلاح، هذا الجهاز، عندما لا يرتبط بروح الإنسان الحية. كان الموت الروسي في القبضة المجرية... والآن تراخت القبضة وانفتحت، وامتدت اليد المجرية: التقطت جراب الخبز الأسمر...
ما كان بحاجة إلى سواه.
جال ببصره على الرجل الضخم المحمر النائم مرة ثانية. لم يعد شاباً، برزت شعرات لحيته البنية الشقراء الطويلة المتفرقة في وجهه، كانت تقاسيمه متعبة، مثل ملامح الآباء الذين طحنتهم معارك الحياة.
- نم، يا أخ – دمدم شامو كش مع نفسه؛ ولبس البندقية والجراب في عنقه وأخذ يزحف عائداً.
سمع شخرة، فاعتراه الفزع. فزع بشدة: لو يفيق عاثر الحظ، يصبح لزاماً قتله.
ترقب بصمت، مثل دودة الحنطة التي تتظاهر بالموت عند أدنى حركة، ولا تنطلق لسبيلها إلا بعد برهة...
هكذا انطلق هو أيضاً لسبيله، عائداً فوق نفس العشب الذي وطئه... وكيف لا يمكن التعرف إلى دوس الأرنب على الثلج، أقدام زوجي الأرانب، زوج يافع إلى الأمام يتبعه زوج ناضج خلفه. أو خطو الثعلب، كيفما يخبب بغير انتظام، ماسحاً بذيله الثلج الطري.. طريق الإنسان أثقل وطأة، يكسر العشب الحي ويحفر خندقاً في المرج المعشوشب.
عندما انسل تحت السلك، وجد يوشكا شامو في مكمنهما. كان جالساً، نام وهو جالس. نام، مثل المسكوفي، ولم يستيقظ.
من ينام يعرض نفسه إلى عقوبة شديدة: الضرب بالسوط، أو الربط على عمود، وفي أيام الخطر طلقة في الرأس... لكن كيف أخلد هذا الآخر إلى النوم... لم يقدر المسكين على انتظار العشب الطري اللذيذ.
 
*ثائر
6 - يوليو - 2007
قصة مجرية - تتمة    كن أول من يقيّم
 
- أصح يا ولد ... – هزّ خلّه-، ولك...
لم يتمكن من بث الروح فيه.
- جئت إليك بالأكل!
غرز يوشكا شامو نظرات عينيه الناعستين في الجراب المنتفخ المليء بالخبز.
نظر إلى صاحبه، وهز رأسه. فهم كل شيء.
لكن الجراب احتوى كذلك شيئاً أخر، شيئاً غريباً فغرا له فاهيهما.
مشغولة غريبة: مهد صغير.
أمسكه يوشكا شامو بيده. وضعه في راحته، وأخذ يقلبه. مهد كامل وجميل. حُفر الخشب بسكين الجيب، وصُنع منه مهدٌ هزازٌ صغير.
صمت الإثنان، ونظرا.
صبّت الشمس أشعتها الساخنة من العلى، وقد تخدرا جراء انعدام الظل، وتكورت قطرات العرق على جبهتيهما وسقطت عندما وصلت حاجبيهما...
سقطت قطرة من دمع يوشكا شامو في وسط المهد.
- من أين جلبت هذا يا أخي?
- كان ينام هناك وحيداً يتيماً – قال شامو كش.
هز يوشكا شامو رأسه.
صمتا. أراد أن يقول: سآخذه لبنتي!.. لكنه لم يتفوه بشيء. بل صمت. وأراد الثاني أن يقول: خذه إلى ابنتك... ولم يتفوه بذلك هو الآخر.
قطعا من الخبز، وأكلا ببطء. لاكا الخبز الذي منّ به الله عليهما لقمة لقمة...
فجأة قال يوشكا شامو:
- يا أخي.
- ما الأمر، أخي?
- أين ينام هذا اليتيم?
- هناك، تحت.
وعاودا المضغ فوراً. قال يوشكا شامو بغتة:
- يا عيب الشوم، لو كنت قد عرفت...
وتابعا المضغ مجدداً.
قال يوشكا شامو من جديد:
- بوسعي أنا أيضاً أن أصنع شيئاً مثل هذا لبنيتي.
تفحصه بعين الخبير في الأعمال الفنية، وتمعن في شكل المهد الصغير.
ثم قال شامو كش:
- جميل، لكنه ليس بأمر متعذر.
فأجابه يوشكا شامو:
- لا.
واصل شامو كش:
- أعطني إياه، يا صديقي...
- أنا?.. لا أبداً...
- لكني لا أبتغي أكله يا رجل.
- لا أدري ما تبتغيه، لكني أريد أن أرجعه لصاخبه.
- كيف ترجعه وقد جلبته أنا?
- لكني أنا كنت من وجد... أن لي طفلة، أنا أعرف لماذا!..
لم يكمل كلامه، بل انطلق عائداً في الطريق الذي دعسه صاحبه على الفور. خاف أن تخونه حنجرته وتخنقه العبرة فلا يقوى على الكلام.
- ضع فيه شيئاً على الأقل، كيف ترجع المهد فارغاً? - قال له شامو كش بخشونة، وقطع قطعة من الخبز.. – من يدري، متى يحصل هذا المسكوفي على الخبز مرة ثانية.
كان المسكوفي قد أفاق، جلس على العشب هنا، طأطأ راسه، لا يعرف ما حل به.
لم يفزع إلا عندما ظهر وجه انسان أمامه بغتة.
يوشكا شامر أشار إليه، ثم مد له راحته وفيها المهد.
نظر الروسي بعينيه المحمرة العروق، ساهياً بجبن.
- هيا، خذه – قال له يوشكا شامو بلطف -، ليس فيه ديناميت، فأنت تعرف ما هذا!
أخذ الروسي المهد. نظر الأبوان في عيني بعضهما البعض، ثم استدارا على عجل. كلاهما خجل من الدموع في أعين الرجال عند ساحة القتال...
 
1918
*ثائر
6 - يوليو - 2007
ترجمة جميلة لقصة جميلة    كن أول من يقيّم
 
 
الأستاذ الكريم ثائر صالح : شكراً لك اختيارك الموفق لهذه القصة العميقة الدلالة . تأملت في التاريخ الذي يذيل أسفل الصفحة وتحسرت في نفسي قائلة بأن شيئاً لم يتغير ..... كنت قد سمعت ما يشابهها في مضمونها الإنساني الراقي من الكثيرين ممن لا يجيدون الكتابة لكنهم عاشوا مشاعر مماثلة أثناء الحرب اللبنانية ، ومن فرنسيين عاشوا أهوال الحربين العالميتين وخرجوا منها بنفس الإنطباع : مهما باعدت بيننا المنافسة والعداوة فإن للبشر مشاعر إنسانية مشتركة فيما بينهم قادرة على تجاوز هذه العداوة ، وقادرة على أن تجمع بينهم وقت الضرورة . للأسف ، لم تتوقف الحروب ، بل هي تبدل أثوابها وتتلون بالمساحيق ! شكراً لك اختيارك الموفق وترجمتك الجميلة والواثقة ولك كل التحية . 
*ضياء
7 - يوليو - 2007
الأستاذة ضياء    كن أول من يقيّم
 
سيدتي المحترمة ضياء، سررت كثيراً لأن القصة أعجبتك كما أعجبتني أنا لما فيها من معاني انسانية نبيلة تصلح لكل زمان ومكان فأخترتها للترجمة، وأشاطرك أسفك لأن البشرية لا تنصت لصوت موريتس وأمثاله، فيتحول الإنسان إلى وحش ليقتل أخيه دون أن يعرفه، وهو يدوس على كل الشرائع السماوية التي نهت الإنسان عن القتل، ويخترع الإيدولوجيات التي تبرر وتحلل له ذلك بدلاً من حل الخلافات بطرق حضارية لا عنفية.
وجيغموند موريتس (1879-1942) هو أهم كاتب مجري في القرن العشرين، برع في القصة والرواية. اهتم بجمع التراث الأدبي الشعبي، واستفاد منه في أعماله. صدرت أول مجموعة قصصية له سنة 1909 بعنوان "الكرايتسارات السبعة"، وهو عنوان واحدة من أجمل القصص في هذه المجموعة، وقد ترجمتها ضمن أنطولوجيا "لمحات من الأدب المجري" الصادرة عن دار المدى في 2002، وقد نشرتها في هذا المجلس، مجلس القصة والرواية.
*ثائر
8 - يوليو - 2007
حول الكرايتسارات السبعة    كن أول من يقيّم
 
 
نعم أستاذي الكريم ، كنت قد قرأت قصة " الكرايتسارات السبعة " عندما نشرتها وأعجبتني جداً لكنني لم أعلق عليها في حينها فأنا لا أجد الوقت الكافي دائماً للتعليق على كل ما أقرؤه ، ثم أنسى ذلك مع مرور الوقت ، لكنها قصة من الأدب العالمي الذي يستطيع ان يلمس في العمق الحس الإنساني الفطري الموجود لدى البشر ، مهما اختلفت ثقافاتهم ، ومهما تباعدت ظروف معاشهم ، فالفقر ، والحروب ، والمعاناة الإنسانية ، ولكن أيضاً جمال الأمومة والشعور بالتضامن من شخص لا تتوقعه احياناً ، كل هذه مشاعر إنسانية عالمية ومشتركة نعيشها في الاختلاف ، اختلاف الثقافة ، واختلاف الظروف ، بل هي أكثر عالمية ربما من العولمة بذاتها ومن البنوك والشركات العابرة للقارات .
 
وعلى أية حال ، نحن ندين لك باكتشاف جيغموند موريتس ، شكراً لك مجدداً .
*ضياء
9 - يوليو - 2007
مختارات قصصية من (مرايا وحكايات ) 000للدكتور فاروق مواسى 0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قصص قصيرة جداً،من إبداع أستاذنا الدكتور /فاروق مواسى ،الأكاديمى الفلسطينى اللامع،والذى شرّف(( الوراق))) أخيراً ،وأصبح من كبار السراة  المبدعين ،أحتفى بوجودى بينهم،وأسعد بتعرّفهم علىّ0
قرأت قصصا قصيرة ممتعة ورائدة ،من مجموعة (مرايا وحكايات)0
كم هى ممتعة وتفتح آفاقا جديدة فى القصة القصيرة جداً ،هذا الفن الصعب المرتقى ،إنها القصة الإبرة أوالدبوس التى توقظ  فينا الفكر وتفرض نفسها على تجارب حياتنا،وتحض على الإبتسامة المُرة0
كلمات محدودة ومعدودة لمواضيع لاحدود لها ولا تعد ولاتحصى0
 
                                 ************
                          سمــك
سألته وهي تهاتفه : أي الطعام أحب إليك ?
أجابها بلا تردد : سمك  !
ولم تكن تحب السمك ......
وألفت نفسها بعد أيام تكثر من شراء السمك  للعائلة  ، تقدمه مقليًا ومشويًا و تأكله  بشهية ....
وتساءلت العائلة : ما سر شراء السمك بهذا القدر ....ترى  هل رخص السمك ?
                            **************
                              المقام محفوظ
كان شيخ قبيلة قد وقع بين يدي  بعض  القبائل الأخرى  ، فارتأوا أن يهينوه  .
ثم إنهم قرروا أن  يسد الشيخ  مسد ثور الحراثة  ، فيشفي ذلك غليلهم ...وهكذا كان ....
...........
عندما عاد الشيخ إلى قبيلته  ألفاهم غاضبين يكادون يتميزون غيظًا على هذه الإهانة التي ألحقت بهم  .
هدأ الشيخ من ثورتهم ، وقال :
كلمة الحق يا إخوان ....صحيح أنهم فعلوا ما فعلوا وأساءوا إلي   ، ولكنهم مع ذلك حافظوا على الأصول وخاطبوني بالحسنى  ?
-        حافظوا !!!! كيف ? حسنى !!!!??? كيف ?
-        عندما كانوا يوجهونني يمينًا ويسارًا كانوا يتوجهون إلي باحترام :
يمين يا  شيخ !
شمال يا شيخ ! قدام يا شيخ  !
                      *********************
                       شخص واحد
صلى الحفيد كما صلى أبوه...
صلى الأب كما صلى جده...
صلى الجد كما صلى التابعون وتابع التابعين بإحسان إلى يوم الدين ...
قطعوا طريقاً واحدة، ودعَوا نفس الدعوات:
أن ينصرنا ويهزمهم، أن يحفظنا ويلعنهم...
وعلى الرغم من  أن الجيل تلو الجيل كان يمضي في نفس الطريق إلا أن عالم الآثار لم يجد على الرمال إلا آثار قدمين اثنتـــين.
*******************
 
صلاة .....وقصر
 
حاولت الزوجة أن تقنع  زوجها بأن يصلي  ، وهيهات  !
كبرت الزوجة وكبر الزوج  ، وهيهات  !
توافد الصغير والكبير على صلاة التراويح ، وعلى توديع الحجاج واستقبالهم .... وهيهات !
أدركت الزوجة رغبة زوجها - أن يكون له بيت ومأوى  فسيح ومريح ، فقالت له  وهي تعزف على هذا الوتر  :
أتعرف يا  سعيد أن الله  - سبحانه وتعالى -  إذا هداك سيبني لك قصرًا عنده  في الجنة  ....
فرح سعيد وأخذ يصلي ، فقد اقتنع بالفكرة  وآمن  ويا ما شاء الله !
وبعد  بضعة أيام  سأل زوجته  وهو يوشك أن ينوي الصلاة:
"  فكْرك   يا خديجة  ...... بدأوا بحفر الأساسات " ? !!!

*****************
 
******************
هل نجا الذين صلوا ?
 
كان الواعظ ينص وقد انتفخت أوداجه ، والمستمعون يهزون رؤوسهم وهم يحركون شفاههم:
" وهكذا سلط الله عليهم تسونامي لتبيدهم عن بكرة أبيهم ، ولتقوّض ديارهم جزاء بما ظلموا ، فحق عقاب ...
تصوروا  ! هدمت البنيات كلها.... وبقيت المساجد  شامخة تسبح الله عز وجل  ، أفليس في ذلك عبرة لمن اعتبر ???!!! "
استغرق السامعون  في التسبيح والتهليل .....
وإذا بطفل يسأل :
هل نجا الذين صلوا يا سيدي الشيخ ?
***********************************
                                          http://faruqmawasi.com
*عبدالرؤوف النويهى
22 - سبتمبر - 2007
شكرًا شكرًا على ذوقك في الاختيار    كن أول من يقيّم
 
أخي الحبيب الأستاذ عبد الرؤوف ، ولك تحيات طيبات
 
أشكرك بالغ الشكر على إثبات قصصي القصيرة جدًا ، وهي من من مجموعة ( مرايا وحكايـــا ) ، وأصدقك أنك جعلتني هنا أقرأها وكأنها لسواي . آمل أن أقرأ تعليقًا  نقديًا  أو أكثر من الأحبة رواد الموقع  .
 
ومرحبًا بكم !
faruq
23 - سبتمبر - 2007
وحيداً فى غرفته.    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
                                  وحيداً فى غرفته
...و سـرت الهمسات في أروقة المستشفى : "سيحل قي ضيافتنا اليوم رجل كبير" . كالشرارة أشعلت الهمسات الحركة في أقدام العاملين بها ... أسراب من ملائكة الرحمة تزاحمت في المدخل الرئيسي لإستقبال الموكب المهيب القادم من (....) بصوت مليء بروعة المتعبد هتف شخص من بين الجموع مبشراً : ها قد وصل الملك ... ها قد و صل الملك.
فوق سرير سرقت أغطيته لونها من نفناف الثلوج ، استلقى الملك حاضناً قلباً مرهقاً بآلام الآخرين . و بصبر الآلهة هيأ نفسه لرحلـة الترميـم التي قررها الأطباء .
 
وحيداً في غرفته ، منتظراً ، بدأت أنامل القلق تتسلل إلى هدوء عينيه تختبر صبره و تحاول إثارة الخوف في صدره .
 
وحيداً ، أحس بالحاجة لأن يتخلى عن المقاومة التي كانت رفيقة دربه دائماً .
 
 أحس بالحاجة لأن يريح رأسه المرهق الضاغط على قلـب ترققـت أساطيـره.
  أحس بالحاجة لأن يسترخي و أن يستسلم لنوم طويل يجمعه مع أحباب و أصحاب استسلموا منذ أمد .
 
 فجــأة ، إقتحم سكونه حفيف هادىء و حذر ، مصحوب برائحة ليلكية ناعمة .. منعشة . إلتفت برأسه نحو الباب متوقعاً مرجـاً مـن البنفسـج فـي غرفتـه يَلِـدُ ليلكـاً ...... و رآهـا .
 إحدى حفيدات نفرتيتي ملفوفة بمريـول التمريض الأبيض ، دخلت مبتسمة و في يدها ميزاناً للحرارة .
بإيمـاءة مـن يـده ، تقهقـر النـوم رجوعـاً و تربعـت ألـوان الشقـاوة فـي عينيـه . عايَـنَ الميـزان فـي يدهـا و الإبتسامـة بيـن شفتيـه ترسـم كلمـات نطـقـت بهـا الألـوان المتموجـة فـي مقلتيـه.
                       ***************
 
 
ملحوظة :
كنتُ، وقد قرر الأطباء إجراء جراحة لأحد شرايين قلبى ،أتكلم مع الأستاذة /سلوى ،صاحبة هذا الملف المتميز ،والتى لم تئل جهداً فى المتابعة والسؤال حتى تمت الجراحة بامتياز .
 باقة الورد التى أرسلتها لى الأستاذة /سلوى ،هذه القصة الرائعة .
 
*عبدالرؤوف النويهى
7 - أكتوبر - 2007
قصة سلوى سلوى للقلب !    كن أول من يقيّم
 
راقت لي قصة  سلوى الإنسانة - بلغتها ونفسها القصصي ، وأظن أن لدى الكاتبة نصوصًا أخرى يجدر بها أن تنشرها !
 
وللحبيب الأستاذ عبد الرؤوف تحيتي وحسن دعائي ،
 ونحن لم نأل جهدًا - نعم ، لم نأل جهدًا في تقدير عطائه ووفائه .
 
وتحيــــة فاروقيـــــة
 
faruq
18 - أكتوبر - 2007
 3  4  5  6  7