الكرايتسارات السبعة - 2 كن أول من يقيّم
الكرايتسارات السبعة - الجزء الثاني - أُمي العزيزة، أعرف مكاناً يوجد فيه كرايتسار واحد. - أين يا ولدي? لنبحث عنه قبل أن يذوب كالثلج. - كان في الخزانة الزجاجية، في درجها. - آه أيها الولد التعيس، لو ذكرت ذلك من قبل، فقد لا نجده في مكانه الآن. نهضنا، وذهبنا صوب الخزانة الزجاجية التي ليس فيها زجاج منذ زمن. لكن الكرايتسار كان في الدرج، إذ كنت أعرف بوجوده. لثلاثة أيام كنت أتهيأ لسرقته، لكني ما جرؤت. كنت أود شراء بعض الحلوى به، لو أنني تجرأت على ذلك أيضاً. - إذن، أصبح عندنا أربعة كرايتسارات. لا تحزن يا ولدي، لدينا الآن النصف الكبير من المبلغ. نحتاج إلى ثلاثة فقط. ثم لو كان العثور على هذا الكرايتسار قد استغرق ساعة واحدة، فالعثور على الثلاثة الباقية لن يدوم حتى المساء. تعال بسرعة علّنا نجد كرايتساراً في كل درج من الأدراج الباقية. لكن لو كان في كل درج كرايتسار واحد، لأصبح المبلغ أكثر من المطلوب. والخزانة الشائخة كانت تخدم في شبابها في مكانٍ توافر فيه ما كان يمكن تخزينه. لكن عندنا ما كان لليتيمة من حمل ثقيل، فالخزانة ليست مريضة ينخرها السوس ناقصة الأسنان دونما سبب. أمي كانت تلقي موعظة قصيرة عند فتح كل درج جديد. - هذا الدرج غنياً ... كان. هذا لم يكن له أي شيء. أما هذا فكان يعيش بالدَيْن. أنت يا متسول يا سيئ يا مسلول، أما عندك كرايتسار? آها، لن يكون عند هذا، فهو يخزن فقرنا. أما أنت، فعسى ألاّ يعطيك الله، لم أطلب منك إلا الآن فقط فما أعطيت. هذا يمتلك أكثر من الباقين، أنظر ... صاحت ضاحكة عندما سحبت الدرج الأخير الذي ما كان له قعر. علّقته على رقبتي، ثم جلسنا على الأرض لفرط الضحك. - انتظر – قالت فجأة – سنحصل على النقود فوراً. سأجدها في ملابس أبيك. في الحائط دُقّت مسامير، على هذه المسامير تعلقت الملابس. ولعجب العجاب، ظهر كرايتسار واحد حالما دست أُمي يدها في الجيب الأول. لم تصدق ما رأته عيناها إلا بصعوبة. - هاهو – صاحت – هذا هو. كم أصبح عندنا الآن? لا نستطيع حتى عدّها. واحد إثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة... خمسة. ينقصنا إثنان فقط. هه، إثنان لا شيء. حيثما توجد خمسة كرايتسارات، يمكن أن نجد كرايتسارين. فتشت كل الجيوب بهمّة كبيرة، لكن للأسف دون طائل. لم تعثر على شيء. حتى أحسن الطرائف لم تستدرج كرايتساراً واحداً. عند ذلك توهجت وجنتا أُمي كزهرتين حمراوين كبيرتين من الإثارة. ما كان يُسمح لها بالعمل، لأنها كانت تمرض على التو. بالطبع، هذا كان عملاً آخر، إذ لا يمكن منع أحد من البحث عن المال. جاء وقت العشاء، ومضى. وسرعان ما اقترب المساء. يحتاج أبي قميصاً نظيفاً ليوم الغد، لكن لا يمكن غسل الملابس. أما ماء بئر البرية فلا يزيل الأوساخ الزيتية من القميص. وقتها ضربت أُمي جبينها بكفها: - آه، كم أنا غبية! لم أفتش جيبي بعد. وما دمت قد تذكرت ذلك، لأدس يدي في جيبي. بحثت، وهاكم تفضلوا، وجدت في جيبها كرايتساراً. السادس. - دعني أرى جيوبك أيضاً. علَّني أجد هناك شيئاً. جيوبي! هه. يمكن ذلك. ما كان فيها أي شيء. غربت الشمس، وكنا هناك مع ستة كرايتسارات، ناقصة، وكأنها غير موجودة. ما كان اليهود يبيعون بالدين، أما الجيران فكانوا فقراء مثلنا، ثم أننا لن نذهب لنقترض كرايتساراً واحداً. ما كان بالإمكان عمل شيء سوى أن نضحك على بؤسنا من أعماق القلب. عندئذ جاء متسول. سأل بصوتٍ عالٍ باكٍ. كادت أُمي أن تفقد صوابها لكثرة ما ضحكت. - دعك من هذا أيها الرجل الطيب – قالت – طوال ظهر اليوم لم أعمل شيئاً، ينقصني كرايتسار واحد من قيمة نصف رطل من الصابون. حدّق المتسول، وكان رجلاً عجوزاً صالحاً، حدّق في وجهها. - كرايتسار واحد? سألها. - بلى. - أعطيك أنا. - هذا ما ينقصنا، حسنة من متسول. - دعي عنك هذا يا بنيتي، لا ينقصني القرش. ما ينقصني هو شيء واحد، حفنة تراب، بها يستوي كل شيء. أعطاني الكرايتسار في يدي، وانصرف. - الحمد لله - قالت أُمي – أسرع إذن. لكنها توقفت لبرهة، ثم ضحكت ضحكة عالية، عالية. - اكتمل المال في الوقت المناسب، تأخر الوقت ولا يمكنني غسل الملابس، حلّ المساء، ثم ما عاد عندي زيتٌ للمصباح. اختنقت من شدة الضحك. أختناق مرير قاتل، وحيث وقفتُ تحتها لأسندها عندما دفنت وجهها بكفيها، اندلق على يدي شيء ساخن. دماً كان، دمها الغالي. دم أمي التي كانت تستطيع الضحك على نحوٍ ما كان ليقدر عليه سوى القليل من الفقراء. 1908 جيغموند موريتس (1879-1942): أحد أهم الكتاب الروائيين المجريين في القرن العشرين. (ترجمة ثائر صالح) |