البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : القصة القصيرة    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 salwa 
24 - مايو - 2007
في صباح يوم من الشهر الفائت ، جرت مناقشة بيني و بين صديق عزيز و أخ كريم لي حول كتاب قرأه . و تطرق النقاش الى الإبداع القصصي العالمي كإشراقة في سماء الأدب ، متفرداً بذاته ، و محتلاً موقعاً متميزاُ بين شتى الإبداعات المعروفة ..
لكنـه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تناول موضوع القصة القصيرة التي تأخذ بالأنفاس و تُطلقها قبل أن يجد الملل الى عقولنا طريقاً ..
 
القصة القصيرة أصبحت فناً خالصاً لا شريك له في عمقه و رصانته و بهجته و شموخه .. هذا ما قاله صديقي و هذا ما آمنت به بعد قراءة قصة قصيرة أهداني إياها ..
سأحاول اليوم أن أتجول في حديقة القصة القصيرة العالمية ، قاطفة بعض زهورها اليانعة ، واثقة من العثور على عقود بنفسجية ثمينة ، مقدمة إياها بكل حب و تقدير "للـوراق" ، آمـلة أن يشاركني الجميع بتقديم ما يستطيع من قصة مترجمة أو يقوم بترجمتها ، لعمالقة هذا الأدب القصصي الرفيع ، المنتشرين في بقاع العالم و المتكلمين بلغاته، و لتتسع بيننا دائرة الحوار و النقد البناء .
 1  2  3  4  5 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
قصة قصيرة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ذاكرة طفل
قصة: د. طارق البكري

لم أعد أذكر تفاصيل الماضي، يا لها من ذاكرة مبعثرة، تذوب يوماً بعد يوم، كما يذوب ثلج مع وداع فصل شتاء.
فجأة تضاء بعض زوايا مظلمة، لكني لا أفلح باستعادة تفاصيلها، أشعر كأن الزهايمر يزحف نحوي زحفاً سريعاً، يقضي على ما بقي من ذاكرة مهترئة..
أجد نفسي منفصلاً بلا ماض، أنسى لساعات وربما لأيام كل الماضي، لا يبقى غير اللحظة، وعندما أعود الى نفسي أتذكر بعض أشياء باهتة كسحابة تمر وتمضي..
وجهها وحده لا يغيب عني، في وقت ذاكرتي وحين ضياعها، تمشي معي حتى النهاية، تعرف أن مرضي يسير ببطء لكن بتأثير سريع، في كل يوم تزداد غيبتي رغم حضوري، وهي لا تبرح المكان.
مثل ظلي تعيش معي، مثل نسمات ربيع، تشعل شموعاً حولي كلما هبط ليل على ذاكرتي، تمسك يديّ، أعود فأجد نفسي بين كفيها.
تسألني أين ذهبت?
أقول لا أدري.. لا أدري.. ك
كيف أذهب وأنت تمسكين بي بكل هذه القوة??
أعرف مرضي، فأنا طبيب متمرس، أفهم ما معني أن يصاب الإنسان بالزهايمر، خصوصاً أني لست هرماً الى هذا الحد، ولكن مرضي يأكل ذاكرتي الضعيفة بشراهة بالغة كما تأكل دودة صغيرة أوراق شجر..
لا أملك لنفسي طباً ولا نفعاً، وقد طببت العالم، أبنائي الطلاب الذين تدربوا على يديّ منتشرين في كل مكان، لكنهم يعرفون أن علاج مرضي شبه مستحيل.
هي وحدها تقول أن لا مستحيل مع الحياة، وهي طبيبة متمرسة أيضاً، تركت عملها، عيادتها، مرضاها، واختارت أن تكون طبيبتي الخاصة.
ومع ذلك تمر أوقات لا أعرفها.
تغني لي أغان طفولية، أستيقظ أحياناً من غيبتي على صوتها الرقراق تنشد لي مثلما تنشد أم لابن رضيع ترجو نومه.
ما أطيب قلبها، هل كنتُ معها كما هي معي الآن? آه لست أعلم عن ماضيّ إلا اليسير اليسير، وهذا الجزء منه خصوصاً أطبق عليه ظلام ليل بهيم فلا أرى من خلاله أي ذكرى.
تقول لي إن لنا ابنا يعمل طبيباً في انكلترا، وتأتي فتاة من حين لآخر معها أولاد مزعجون تقول لي إنها ابنتي وهؤلاء أحفادي??
لا أدري، كم أخجل من هذه الذاكرة الصدئة.
أشعر أن ذاكرتي مثل ذاكرة طفل.
أحفظ تلك الأغاني التي تتمتمها تلك المرأة أمامي، آه، تلك المرأة، ترى من هي هذه المرأة?
أشعر أن طفولتي تزداد، ذاكرتي تولد من جديد...
عفواً، من أنت? قولي لي? لماذا تغنين هذه الأغنية? ومن أنا?
أريد أن أنام.
تمسك المرأة بيدي?
أسمع أصوات أولاد مزعجين.. ترى من هم هؤلاء? لماذا لا يتركوني لوحدي? أريد أن أنام...

طارق
24 - مايو - 2007
هدية خاصة..    كن أول من يقيّم
 
هدية للأستاذ طارق / والمعذرة إن مارست فوضاي على قصتك /أرجو أن تروقك.Image hosted by allyoucanupload.com
*abdelhafid
24 - مايو - 2007
الى فيث والى جرحات ثأره    كن أول من يقيّم
 
الى فيث القصه جميله وحزينه فسبحان الله المعطي للمتنع والجائب للمريد.
 
الى جراحات ثأره الوحه .........معبره ! بل أجمل من ذلك
 
يغمرها شئ من المشاعر الثائره الحزينه المتداخله والعنيفه
 
ولكنها جميله اعجبتني.
دموع باحثه
24 - مايو - 2007
شكرا جزيلا لكم جميعا    كن أول من يقيّم
 
 قصص قصيرة رائعة لكبار الكتاب المبدعين ، قضيت معها وقتا ممتعا ، فالشكر الجزيل للاعزاء عبد الرؤوف  النويهي ، سلوى ، عبد الحفيظ ، طارق البكري انهم امتعونا بالقصص الجميلة والتعليقات المبهجة عليها
( فيث) قصة رائعة للكاتبة الايرلندية شيلا اوفلا ناجان ، ولست ادري متى تفكر المراة الثكلى بفقدان الابناء ان تأخذ ابنا لم تجد رعاية اهله كافية للمنع من السطو
ابهجتني قصة  ( الخوف) واتساءل ايضا ما الذي يدفع الانسان الى الابداع ? هل هو الخوف من الموت ، هل يستطيع الواحد منا ان يفعل كما فعل جلجامش حين بحث عن ثمرة الخلود ، ? وحين اعياه الحال ادرك ان الخلود لايكون للاجساد التي سرعان ما يدركها الموت ، ولكنه يكون للارواح ، بواسطة الاعمال الصالحة التي تضيف شيئا لبني الانسان
قصة ( عيش الغراب) قد اسعدتني ولكني كنت اضع يدي على قلبي اثناء القراءة خوفا من يكون النبات مسموما
(موت الذئب) قصة جميلة  تضفي على الذئب صفات الشجاعة والقوة مع انه معروف بالغدر فهو لايتميز بالوفاء كما هو الكلب
قصة ( غداء في استراحة ما رلتون) لدونا ليفي ، ترعبني العمليات التي تغير في الشكل ، وانا مثل بطلة القصة ارفض التغيير رفضا قاطعا ، وسوف لن تفيد معي تلك المحاولات بعطاء الهاتف والاتصال بالطبيب
( اغسطس) من اروع القصص القصيرة التي قرأتها ، تتحدث عن علاقة الصداقة ونبلها ، وعن الوشائج المتينة التي تربط بين الافراد الذين حكمت عليهم الحياة بالوحدة وموت الاحباب
( اجمل غريق في العالم) وجدتها غريبة كما هي قصص ماركيز
(عبودية الكراكيب) لم ار انها قصة قصيرة تتضمن حدثا
( ذاكرة طفل) قصة جميلة لطارق البدري اعجبتني كثيرا
 اكرر شكري لكل الاعزاء الذين شاركوا في تقديم الفرحة لنا بهذه القصص الرائعة ، واؤيد اقتراح الاخت العزيزة ( رودينا) ان يتم اختيار القصص العربية بالاضافة الى العالمية ، فالاثنان ممتعان
*صبيحة
24 - مايو - 2007
حديقة الحكماء..    كن أول من يقيّم
 
حديقة الحكماء
عزيز الحاكم
كانت >ريغينه< ترقص عارية في المطبخ بانشراح هستيري، وكنت أجلس على الأرض محاولا إقناع نفسي بأنها امرأة جميلة• كان لها جسد حورية من حوريات البر ، لكني كلما أمعنت التحديق في وجهها بدت لي مثل قطة اسكندينافية، وكانت عيناها الزرقاوان أشبه ما تكونان بكرتين من عاج• ولذلك فضلت أن أنصرف عنها إلى رسائل>ريلكه<• كانت تقف أمام النافذة المطلة على شرفة الجيران فقلت لها : - ابتعدي قليلا عن النافذة • استدارت نحوي وقالت ضاحكة : - لاتخف، ثمة فقط رجل عجوز أراه من حين لآخر يتلصص على جسدي• ثم أقبلت علي وانتزعت كتاب ريلكه من بين يدي، وتهاوت على حجري وقالت بلهجة آمرة : - قبلني• الليلة سنضرم الشهوة في جسدينا• وأخذت تسكب الكأس تلو الكأس وتشرب بسرعة وهي تلف السجائر وتدخن فيمتلئ المطبخ بالدخان، وتغني مقاطع أوبرالية ل>نينا هاغن< وتتناول قطعة جبن تضع نصفها في فمها ثم تدنيها من فمي كي ألتقط النصف الآخر، وبعدها تغمض عينيها وتحتضنني بحرارة كاوية• - ماذا أصابك ? هل شبعت مني ? قلت لها بما لايخلو من رأفة : - كلا، من يشبع من هذا الجسد الناعم? انسلت من بين حضني غاضبة وصاحت: ها، إذن فأنت لايعنيك سوى جسدي• - لا تسيئي فهمي• لست بهيميا• ثم تركت المطبخ في اتجاه غرفة النوم وهي تردد: - أعرف أن>مارغريته< هي التي تستولي على قلبك• وخيم صمت وديع على المطبخ، ولاحت عند الباب>جولي< القطة المعقمة، وصارت تموء مواء شجيا شبيها بالمؤاخذة، فهششتها بقدمي وعدت إلى رسائل ريلكه: >لاتضطرب• ثمة ضرورة واحدة، هي العزلة الباطنية العظمى• لذ بنفسك ولا تقابل أحدا (•••) كن صبورا مثل مريض وواثقا مثل عليل في طور النقاهة (•••) أسلم نفسك لنفسك (•••) ودع الأمور تمضي على هواها •••< بيد أن نحيبا مكتوما اختلسني من تهويمات هذا الشاعرالمتيم بمسرات التيه فتركت الكتاب جانبا وقصدت غرفة النوم• كانت ريغينه تضطجع على بطنها وهي تنشج، وكانت>دولي< تنظر إليها في أسى ولما رأتني تهللت أساريرها وسارت تتمسح بساقي• فجلست على حافة السرير وبدأت أدلك كتفي ريغينه برفق لذيذ• وحين أحسست بفتور النوبة وارتخاء البدن ولجتها مثلما تولج العذارى الظامئات• كانت تصرخ وتعض المخدة وأنا ثابت العزم مثل تيس محنك ••• ثم استلقينا بجوار بعضنا ونحن نتداعب• وبعد أن نالت مرتضاها من اللذة تدحرجت أرضا وشرعت تلف سيجارة من العشب التايلاندي، دخنتها على مهل وقدمت لي نصفها، لكني اعتذرت عن التدخين وشربت كأسا من الفودكا• كانت تدخن وتنظر إلي كأنها تراني لأول مرة، والصمت يلف جلستنا، يخترقه زفير القطة البدينة• وفي لحظة حاسمة انتصبت ريغينه واقفة وقالت: - تعال، سنمضي لمشاهدة مسرحية >المسخ<• هل يعجبك كافكا ? - قرأت له >المسخ< و>القلعة<و >المحاكمة<و>اليوميات< و>ووصف عراك<• إنه كاتب كئيب ورهيب، لكن رؤاه الثاقبة تشفع له ذلك• - إذن فأنت تعرفه أكثر مني• - ألم تقرئي له شيئا ? - مرة بدأت في قراءة >المحاكمة< فتملكني الخوف من أن أضيع في سراديبها وأمسكت عن إتمامها• لكن صديقتي>بتينه< شاهدت العرض المسرحي فقالت إنه ممتع وجذاب• خرجنا نتأبط بعضنا، ووقفنا ننتظر قدوم الحافلة• كان المساء باردا وأجراس الكنيسة المجاورة ترج المسامع وتخز الأدمغة وكأنها مطارق أسطورية لامنتهى لدقاتها• توحي بالفراغ الأبدي وتزرع الوحشة في النفوس• وكان الشارع خاليا• من حين لآخر يعبر رجل وامرأة عبورا متسارعا وكأنهما ذاهبان إلى جنازة، أو يظهر شاب مرح يقف أمام شباك البنك الأوتوماتيكي كي يسحب مالا• أحسست بخواء أنطولوجي بارد، وبدا لي أن المكوث في البيت الدافئ أفضل بكثير من الخروج في هذا المساء المقفر والذهاب لمشاهدة مسرحية يتحول فيها الإنسان إلى حشرة• وطال انتظارنا الحافلة و>ريغينه< تحتك بي مثل قطتها، حتي أني فكرت في أن أتخلص من ذراعيها وأركض هاربا• سأمضي باحثا عن مارغريته في مشرب ال>ميتسو< أو في>المغارة<اليونانية أو في نادي >فاوست< ، غير أنها ظلت تتمسك بي وكأنها قرأت خواطري، وهي تنظر إلي بعينيها العاجيتين، وكنت أزداد تقززا• وفجأة انبعثت من ناحية الشمال سيارات هادرة تهشم بزعيق أبواقها صمت المساء، وعلى متنها شبان وكهول وفتية يرتدون أقمصة فريق المدينة وهم يهتفون بملء حناجرهم : >هانوفه، هانوفه إلى الأبد •••< كانوا يغنون أناشيد حماسية أشبه ماتكون بمارش عسكري مقيت• فنما في دواخلي هلع غامض وشعرت ببرد خفي يجمد أصابع قدمي• قالت لي ريغينه: - هل يحتفل الأنصار لديكم بفوز فريقهم على هذا المنوال ? - حين يفوز الفريق بالبطولة أو بالكأس• - نحن هنا نحتفل كلما فاز الفريق في مباراة ما، لكنه حين ينهزم تصير المدينة كلها مهددة بغضب الأنصار• - ما رأيك في أن نذهب إلى المطعم الصيني? لقد سئمت الانتظار• - و>كافكا< ? - نؤجله إلى يوم آخر• كان المطعم هادئا ودافئا، وثمة بضع زبائن يأكلون في صمت أو في تهامس متقطع، والخدم يدبون مثل نمل وقور، كما لو أنهم في معبد بوذي تشع الألفة من جنباته، والموسيقى الصينية ترحل بالبال صوب السهوب الأسيوية النائية• فسألت >ريغينه<: - هل قرأت (ذئب السهوب) ل>هرمان هسه< ? وعوض أن تجيبني بالسلب أو بالإيجاب أغمضت عينيها وفتحت ذاكرتها ورتلت في شبه صلاة: >فليتصور المرء أمامه حديقة بها مئات الأشجار وآلاف الزهور ومئات الفواكه والأعشاب• فإذا كان البستاني لايفهم في النبات غير التمييز بين ما يمكن أكله وبين العشب الضار، فإنه لن يستفيد من معظم نباتات حديقته بل سيمزق أشد الزهور سحرا وأكرم الأشجار، ولربما كرهها ونظر إليها في ازدراء •••< - برافو • ذاكرتك قوية، أما أنا فاني أنسى ما قرأته بمجرد أن أطوي الكتاب• - لأنك كاتب• راقني تأويلها واكتشفت جانبا من ذكائها، لكني تمنيت في قرارة نفسي لو أنها ظلت مغمضة العينين، حتى أتمكن من سبر ملامح وجهها الطفولي، عساني أعثر فيه على ما يجعلني أقوى ارتباطا بها، لأني لم أكن أجد فيها ما يغري بالانجذاب إليها، بل إني غالبا ما كنت أسائل نفسي كيف سمحت للضرورة أن تصطادني• فقد كانت>ريغينه< هي ملاذي في لحظات الفراغ حين تكون مارغريته في عملها وأبقى محتارا بين الذهاب إلى مشرب>الميتسو< أو إلى السينما• ولو كانت مارغريته معي في كل وقت لما فكرت إطلاقا في ملاقاة هذه القطة المزاجية• وكان إبراهيم يقول لي: - لو كنت مكانك لعشت معها في بيتنها• إنها حمامة جميلة• لم أكن أستوعب دوقه المتدني وكنت أرد عليه بعنف: - بل هي قطة متقلبة الأطوار تكون مستغرقة في الضحك، وإذا بها تأخذ في البكاء بشكل هستيري• - هذه حال الألمانيات كلهن، فهن يعانين من سكيزوفرينا عجيبة ومتعبة• ما كنت أحدق فيها• كانت التقاسيم الموسيقية قد اهتدت بي إلى وجه صاحبة المطعم: امرأة في الثلاثين ترتدي فستانا صينيا من الساتان الوردي والبسمة لاتبرح محياها، وهي تتنقل من مائدة إلى أخرى وتسأل الزبناء: - هل أعجبكم طعامنا ? قلت لها بصوت لايخلو من شبق: - طعامكم لذيذ وأنتم ألذ• - شكرا لكم، هذا لطف منكم• العفو، العفو ••• حدقت في ريغينه باستغراب بليد ممزوج بالغيظ وقالت: - هي تسألك عن الطعام لا عن رأيك في جمالها• - لابأس فهي وسيمة وتستحق الكلام الجميل، لاتكوني بخيلة• - وأنا ? - أنت أيضا ••• - لكنك لاتقول لي مثل هذا الكلام إلا حين نكون في الفراش على مشارف الذروة• كنت أتملى مشية المرأة وهي تحيينا بانحنائها المتواصل وتكتم سرورها بلباقة آسرة• فحولت ريغينه مبصري بيدها الراجفة وقالت بصوت مسموع شوش على سكينة المكان: - انظر إلي عندما أحدثك• - لكنك ••• وكدت أنطق بالخطيئة العظمى وأصارحها باشمئزازي وتطيري من عينيها القطيتين، لكني تجرعت الحقيقة على مضض مخافة أن تعاودها النوبة وتجهش بالبكاء من جديد ويقتم مسائي• كان وجهها، الشبيه جدا بوجه>ميا فارو< في بعض أفلام الرعب، ممتقعا وهي تنهض فجأة وترتدي معطفها من دون أن تنظر إلي• ذهبت صوب صاحبة المطعم كي أسدد الحساب إلا أن صراخ ريغينه أوقفني في منتصف السير: - سدد ما أكلت فقط• وخرجت في عجالة غاضبة، فتعقبتها وأنا أبحث عن وسيلة لا تخلو من شفقة لأهدئ من روعها• كانت تهرول مثل لص يتربص بأقرب منعطف كي يطلق ساقيه للريح، وكنت أسرع الخطى لأمسك بها قبل أن تعترض بجسدها طريق سيارة أو ترام جامح• ولم أرتح إلا ونحن ندخل إلى المنزل صامتين كما لو أننا عائدان من جنازة• ومن غير أن تخلع ملابسها كالعادة اندست تحت الغطاء وطفقت تبكي بشراسة مقرفة، ثم قالت ووجها إلى الحائط: - سأمضي إلى اسطنبول• - هذا أفضل لك، فأنت تعانين من الإجهاد• - اشتقت إلى>يشار<• - لكنك قلت لي يوم التقينا إنك تكرهين الأتراك• - يشار تركي من طراز مغاير• - طيب أتمنى لك سفرا هنيئا •ذ صفقت الباب خلفي وخرجت• كان بكاؤها يتسرب إلى خارج البيت ويمتزج بصيحات لاعبي الهايكيدو في النادي المجاور، وكانت العيادة النفسانية المقابلة للمنزل مشمولة بالراحة المطلقة• لعل النزلاء يغطون في أحلامهم الحية أو يحاولون فك رموز الصمت• لم أكن في عجلة من أمري، الآن وقد تخلصت من نحيب القطة المدللة أشعر بأني حر طليق وأسترجع مشيئتي في التيه واستضافة الصدف الفاتنة• ثم سمعت غناء قريبا وخرير مياه متنائية• كان الليل ساكنا والغناء يزداد اقترابا كلما واصلت سيري• هذه الأغنية أعرفها (زمن الحب) للمغني اليوناني جورج موستاكي تؤدى بلكنة ألمانية• دخلت الحديقة الكبرى• تحت شجرة عريقة شبيهة بخيمة إمبراطورية جلس ثلاثة كهول حول فانوس يضيء بالكاد وجوههم فبدوا بلحاهم الكثة مثل شخوص>بيلاسكيز< المتحلقين حول ضياء الحكمة• - هالو، مساؤكم سعيد• لم أتلق أي جواب وواصل أحدهم غناءه: Nous prendrons le temps de vivre D'être libre Mon amour Sans projets et sans habitudes Nous pourrons rêver notre vie Viens je suis là Je n'attends que toi Tout est possible Tout est permis ... سألت المغني: - ماذا يفعل جورج موستاكي هنا ? توقف عن الغناء واحتسى كأسا طافحة بالفودكا دفعة واحدة وتلمظ في بطء ثم قال من دون أن يرفع بصره نحوي: - يشرب الفودكا تحت شجرة الحكمة• وأطلق ضحكة صاعقة أنقدتني من برد المساء، فأحسست بالألفة منذ البدء وقلت في سري هؤلاء هم أصدقائي الحقيقيون، وأخرجت قنيناتي الصغيرة التي أحتمي بشربها من قر العزلة أينما حللت، وتقاسمنا كأس المودة والصفاء• قلت للمغني: كنت أعتقد أن>نانا موسكوري< و>ميراي ماتيو< هما وحدهما المطربتان المعروفتان في ألمانيا• - هذا صحيح، لأنهما صوتان مكرسان إعلاميا، أما موستاكي فهو معروف لدى الهامشيين أمثالنا وهذا شرف له• أضحكني يقينه المتواضع وبدا لي أن أمازحه بسؤال لا يخلو من استفزاز مضمر• قلت له: - وأين تعلمت الفرنسية ? - بين أحضان خليلة باريسية كانت تصحح أخطائي ثلاث مرات في الأسبوع (وضج بالضحك قبل أن يواصل) كنت أعيش في باريس وأملك مكتبة هناك، وكان موستاكي مياوما على زيارة المكتبة• كان وديعا وطيب القلب ككل اليونانيين الحكماء• - ولماذا ••• قاطعني المغني بهدوء جرماني وقور: - آه، لمادا تركت بيتي وجئت لأعيش تحت هذه الشجرة ? حسنا، فقد رفضت العيش مع زوجة هستيرية لاتقيم وزنا للمعرفة ولاتومن إلا بالجنس البهيمي والمارك، حتى أنها في إحدى نوباتها السيكوباتية أحرقت كل ما أملك من كتب، فاضطررت إلى كي فرجها بالسيجار وقضيت خمسة أشهر في السجن، جئت بعدها إلى هذا المسكن الآمن• - أليس لديك أبناء ? - لي بنت تعمل مضيفة طائرة وابن يتابع دراسته الجامعية في بوسطن وابن ثالث يعيش في اليابان• أنا الآن حر •• ثم اتكأ على جدع الشجرة وأغفى، فسألت الكلوشار الثاني الذي كان يقرأ كتابا ما بفضول صحفي بليد: - اسمح لي، كيف تستطيع القراءة في هذه العتمة ? رفع الكهل بصره وألقى علي نظرة باسمة وقال وهو يفتل شعر لحيته: - لا وجود للعتمة إلا في عقولنا• لذلك يستحب اللجوء إلى ضوء القلب• افتح بصيرتك واسمع: هذه قبعتي، وهذا معطفي، وهنا أدوات الحلاقة في جراب من القطن لقد حفرت اسمي في الصفيح الأبيض حفرته ها هنا بهذا المسمار الثمين• في جراب الخبز جوارب وأشياء أخرى لن أبوح بها لأحد تغدو بالليل وسادة لي• هذا دفتر يومياتي هذا قماش خيمتي هذه منشفتي وهذه خيوط أفكاري• - أهذا شعرك ? - كلا ، هذا مقطع من قصيدة سردية لشاعر اليوم>غونته آيخ< ••• وأنت ما الذي جاء بك إلى هنا? أربكني السؤال• كنت أحاول أن أستفسر الكهل الثالث الذي لم يكن ينظر إلى أحد• كان متدثرا بالصمت الجليل وكأنه يحلق في مكانه• لكن السؤال وقع على مسمعي كالصاعقة فحرك البواطن وأيقظ حيرتي: ما الذي جاء بي إذن ? لماذا تركت البيت الدافئ والجسد الظامئ وخرجت في عز المساء القارس كي أرتطم بهؤلاء الحكماء المنسيين الذين يحتفون بالعزلة والتيهان ولايأبهون بالوراء ? لم ينتظر الرجل مني جوابا• كان يعرف أن السؤال وحده كفيل بتلقيني درسا في ضرورة اتقاء الفضول واحترام خلوة الآخرين، ثم استلقى على دراجته الهوائية وعاد إلى كتابه، فأدركت أن وجودي الآن بين هؤلاء المتوحدين قد جاوز حدوده• ألقيت عليهم آخر نظرة وانسحبت في خلسة هادئة• وعندما وصلت أمام المنزل، رأيت ضوء غرفة النوم موقدا، وسمعت صراخ إبراهيم وهو يتوعد>مايا< ويكسر الأطباق، و>مايا< تفتح النافذة وتحاول أن تلقي بنفسها من الطابق الثالث، وإبراهيم يحرضها على ذلك بساديته المعهودة، والطفل يبكي بكاء خافتا• فوقفت لبعض الوقت أترقب ما سيحدث، ثم قفلت راجعا باتجاه منزل مارغريته، لكني سمعت أزيز فرامل تكبح وهتافا مألوفا، وحين استدرت رأيت ريغينه تجلس خلف مقود السيارة وهي تشرب من قنينة البايلي: - تعال• أين كنت، بحثت عنك في كل حانات هانوفه •اصعد• لن أذهب إلى اسطنبول وليمض كـل الأتراك إلى الجحيم•
2007/10/3
.........................................................
*abdelhafid
24 - مايو - 2007
ملاحظة..    كن أول من يقيّم
 
وردت في نص - حديقة الحكماء - بعض المفردات والعبارات ، قد يرى البعض أنها تخدش العام ،
 
وكنت قد ارتأيت حذفها ، وأضع مكانها نقط الحذف .........، لكني غفلت عن ذلك في آخر لحظة .
 
أرجو المعذرة ، وأترك للأستاذ المشرف كامل الصلاحية في التصرف..
*abdelhafid
24 - مايو - 2007
إشتفان أُركين    كن أول من يقيّم
 
إشتفان أُركين:
مذكرات بُركة
 
في 22 آذار 1972 انهمر المطر طوال النهار، وأنا تكونت في مكان لطيف للغاية. سوف احدده بالضبط: في بودابست (عاصمة المجر)، المنطقة الثالثة عشرة، أمام المنزل رقم 7 في شارع درافا، حيث انخسف الرصيف.
عشت هناك. داس الكثيرون عليّ، ثم شرعوا في شتمي وتلويث سمعتي وقول كلمات خشنة في حقي وهم ينظرون إلى الخلف نحوي. كنت بركة ليومين، تحملت الإهانات من دون اعتراض. كما هو معروف أشرقت الشمس في الرابع والعشرين. آه، كم عجيب هو هذا الوجود! نشفتُ، عندما أصبح الجو جميلاً!
ماذا أكتب بعد? هل قمت بدوري بشكل جيد? هل تصرفت بغباء? أكانوا ينتظرون مني شيئاً أخر في شارع درافا رقم 7? ما عاد الأمر مهماً الآن، لكن من الحسن معرفة ذلك لأن البرك ستولد من بعدي أيضاً هناك. نحن نعيش حياة قصيرة، أيامنا معدودة، وبينما كنت هناك في الأسفل، نمى جيل متعطش للعمل، جلّه برك حالمة، طموحة لأن تكبر، واعدة، كلها أخذت تستجوبني وتلحّ، ما هي التوقعات في هذا الخسف الذي يعد بالكثير.
أما أنا فكنت بركة ليومين لا غير، وعلى أساس ذلك لا أستطيع سوى قول هذا: في الحقيقة والواقع وبرغم حدة الكلام، ورغم الريح العاصف في شارع درافا، ورغم شروق الشمس على الدوام حتى عندما لا يكون لزوم لذلك، فالأمور لا تنتهي إلى المجاري على الأقل... إيه، ما أجمل الحفر والمطبات! انكسار الأنابيب! انخساف الأسفلت في الشوارع! أنه لشيء عظيم في هذه الأيام! يا شباب، لو تسمعون نصيحتي، هيّا! هلمّوا إلى شارع درافا!
 
(ترجمة ثائر صالح)
 
إشتفان أُركين (1912-1979) كاتب مجري معروف، اشتهر بأعماله المسرحية وبقصصه القصيرة، وقد ابتكر ما أسماه بقصص الدقيقة الواحدة، كناية عن قصرها الشديد.
 
*ثائر
24 - مايو - 2007
إشتفان أُركين-2    كن أول من يقيّم
 
إشتفان أُركين:
 
طريقة الإستعمال
 
القصص المرفقة كتابات كاملة القيمة رغم قصرها. فائدتها أنها توفر الوقت للإنسان؛ لأنها لا تتطلب منه تركيزاً يدوم لأسابيع أو أشهر.
يمكن قراءة قصص الدقيقة الواحدة أثناء سلق البيض، أو إنتظار رفع السماعة على الطرف الثاني (وإذا ما كان الخط مشغولاً).
المزاج السيء والوضع العصبي المتوتر ليسا عائقاً. يمكن قراءتها وقوفاً أو جلوساً، في الريح أو المطر أو في الحافلة الشديدة الزحام. يمكن الإستمتاع بالكثير منها أثناء السير!
من المهم الإنتباه إلى عناوينها. المؤلف ابتغى الإختصار، لذلك لم يزودها عناوين فارغة.  يرجى الإنتباه إلى رقم الترام قبل الصعود. وعنوان هذه القصص مهم بالدرجة نفسها.
بالطبع هذا لا يعني أن قراءة العناوين كافية. العنوان أولاً، ثم النص: هذه طريقة الإستعمال الصحيحة الوحيدة التي يجب اتباعها.
تحذير! من لا يفهم شيئاً ما، عليه أن يقرأ الكتابة المعنية مرة أخرى. وإن لم يفهمها مع ذلك، فالخطأ يكمن في القصة.
لا يوجد بشر أغبياء، بل قصص الدقيقة الواحدة سيئة فقط!
 
 
1967
 
(ترجمة: ثائر صالح)
*ثائر
24 - مايو - 2007
الموت    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
  (((الموت يخنق الحياة ، و الخوف يشل العقل ...
        هل هناك حياة بدون عقل ?????  ))) سلوى 
 
 
أعود إلى الوراء سنوات تجاوزت الربع قرن من السنين ، وتحديدا 25/ 7/1980
هذا التاريخ محفور بذاكرتى ، قد أنسى تواريخ ميلاد بسمة ويوسف ، لكن هذا التاريخ لاينسى مهما تقدم بى العمر 0
 
فى ملف( أحاديث الوطن والزمن المتحول) بمجلس التاريخ ، وفى بدايات الصفحات الأولى ، نشرت جزءا حميما من حياتى مجموعة شخبطات سميتها _وهج الألوان _وتكرر ظهور إسم أختى قمر كثيرا ، وموتها بعد معاناة مريرة مع المرض (حمى روماتيزمية ) والتى أكلت النضارة والجمال وأحالت ضجة الحياة وصخبها إلى شبح يتهاوى إعياءا وهزالا وتساقط تاج الشعر الناعم المسترسل ، وانهيار الجسد تحت سياط المرض اللعين ، وفى أخريات أيامها ، وهى الشابة الفتية 16سنة لاتتمكن من المشى إلا بمساعدة الآخرين0 
كنت عائدا ليلا بعد منتصف الليل ، من سهرة مع أصدقائى ، وقبل أن أفتح الباب ، سمعتها وهى وحدها فى وسط البيت والجميع نيام ، تقول :  يارب أنا تعبت قوى ، وبعدين مش قادرة أمشى ، طب أعمل إيه ???
تراجعت عن فتح الباب وضربت الجرس الموجود فى الشارع ، ووجدتها تقوم بفتح الشقة  وتسأل مين ???
ضحكت وقلت لها :  أنا يا قمورة (إسم الدلع )
فردت:   إقفل البوابة ، أنا سهرانه مستنياك عشان تتعشى أصلهم كلهم ناموا وسابونى 0
وطبعا كنت متلخبط ومش عارف أأقول إيه 00وأنا عارف إنها أيام قليلة وسترحل ، فالحمى هاجمت القلب 0
والدكتور المعالج طلبنى على إنفراد بعيدا عن أمى وأبى ، وقال لى أختك بتموت وسيبها تاكل إللى هى عايزاه 0
وخرجت من عند الدكتور أضحك وعاكست أختى ورددت أمامها أغنية فيروز (قمارة يا قمارة ما تطلعيش الشجرة والشجرة عالية وأنتى لسه صغيرة )0وقلت : إنتى كويسة قوى وعايزين نشوف لكى عريس 0
لكنها نظرت لى نظرة جادة وكأنها تقول :بلاش تضحك علىَ00
 
لم يمر أسبوع إلا وقد لحقت بالرفيق الأعلى ،غفر الله لها ولنا ورحمها رحمة طيبة 0
وبعده بفترة ،كتبت عن حياتها وطفولتها وشقاوتها ومراهقتها ومرضها وقفشاتها ونكتها وروحها الطاهرة 0
وسميت هذه الكتابات (وجه أختى )0ولست أدرى حتى اللحظة إختفاء الكراسة رغم البحث المضنى0
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
قتل الأرانب 0000للروائى الإنجليزى /جون ريفنسكروفت (1)    كن أول من يقيّم
 
قتــل الأرانــب*
جون ريفنسكروفت**
ترجمة : فاطمة ناعوت***
 
 
لم أتطلّعْ يومًا إلى قتل الأرنب.
لا تقلّلوا من شأن هذا الأمر – فقد كنتُ أرتعد من الفكرة. كنت أفزع منه مثلما يفزعُ القتلةُ من أنشوطة المشنقة، أو كما يفزع غواصو البحار العميقة من التواءات العضلات، أو مثلما يفزع المدرسون التعساء من صباحات يوم الاثنين (1).
 
-   " لستَ مضطرًا على فعل ذلك ! " هكذا قالت زوجتي "ماري"، التي كان القلقُ يزيد وجهها رهافةً، وكان هذا لطيفا منها، غير أن كلينا كان يعلم أن تلك لم تكن الحقيقة.
الحقيقة كانت حتمية أن أفعل ذلك. إذا لم أفعل، إذن ما الذي كنا نمثله هنا تحديدًا ? إعادة عرض لكوميديا " الحياة الطيبة " (2) ?
 
إذا لم أستطع أن أجبر نفسي على قتل أرنبٍ واحدٍ أعزل، فإن كل كلامنا حول أسلوب الاكتفاء الذاتي، ومحاولة الخروج من جنس الفئران، وإقامة حياة أكثر صحيّة، لن يغدو كل ذلك أكثر من كلام. مجرد كلام. وبوسعي الآن أن أسمع والدة "ماري"، بوسعي أن أرى حاجبيها المقوسيْن، وابتسامتها التي تقول: ألم أقل لك ?، وتهكمها الواثق :" أوه نعم، أنتَ دائما بارع في الكلام عن الأشياء، أليس كذلك يا جون...!".
 
حسنًا، لم تكن هي من يستحق هذه الترضية على أية حال ، لكن  ماري وأنا كنا في طريق أكثر إيغالا من إمكانية التراجع، تجاوزنا منذ زمن نقطة اللا عودة. تركنا وظيفتينا، تركنا بيتنا، ثم انتقلنا نهائيا إلى منطقة ريفية من البلد – والآن، انظروا إلينا.
 
أعجوبة العجائب، كنا نفعل الشيء الذي ظللنا نحلم به طيلة العامين الماضيين. وها نحن أخيرًا، برغم كل العقبات، ندير أرضا صغيرة تخصنا.
 
الأسابيع القليلة الأولى من محاولة تحويل المكان إلى شكل مقبول كانت شاقة، لكن مُرضية تماما. لا شك، فقد كانت الأرض المحيطة بالكوخ الريفيّ وعرة، وثمة أعمال بناء ناقصة، لكن المحيط العام كان رائعًا. لدينا ثمانية هكتارات من تربة عفيّة خصبة، محاصيل تُزرع وتنمو، دجاجات تقرققُ، بطّات توقوق، إوزات تزمِّرُ، بضع خراف تمأمئ،  وبطبيعة الحال كان لدينا أرانب، أرانب مشغولة بما تحب أن تفعله الأرانب عادة.
 
هل كان من الممكن أن أغامر بكل هذا، لمجرد أنني لا أستطيع أن أواجه ببسالة مذبحةً صغيرة - الشيء الذي هو ركن ركين من حياتنا الراهنة ?
 
كلا. إنه الوقت الحاسم. الوقت الحاسم بالنسبة لي، الوقت الحاسم بالنسبة للأرنبة.
 
كان اسمُها "تاج"، إحدى ثلاثة أرانب نيوزيلندية بيضاء. الذكر الضخم أطلقنا عليه اسم "بوبتيل"، أما الأنثى الأخرى فتُدعى "راج". كانت "راج" دائما حُبلى بحَملٍ ثقيل، ولو اتبعت "تاج" النهج نفسه لأصبح ثالوثنا الصغير في طريقه الصحيح المأمول نحو تزويدنا بحوالي 200 رطل من اللحم كل عام. هكذا تقول الكتب على كل حال.
 
لكن كان ثمة مشكلة. فرغم كل جهود "بوبتيل" (و كي أوفي الولد حقه لابد أن أقول إنه بذل قصارى جهده بالفعل)، إلا أن "تاج" رفضت ترمي كرتَها. أسبوع بعد أسبوع بعد أسبوع، و"بوبتيل" يؤدي واجبَه الرجوليّ بحماسٍ مذهل، غير أن "تاج" ظلّت على عقمها العنيد.
 
يقول خبراء الاكتفاء الذاتي : إذا كانت الأنثى غير منتجة، فإن مكانها الوحيد إناء الطهو ! وكانت "تاج"، تلك الأرنبة اللطيفة حلوة الطبيعة، من دون شك غير منتجة. حسنًا، لا مكان للعائشين على الصدقات في مزرعتي الصغيرة. "تاج" لابد أن ترحل.
 
-   "إذا لم تصبح حُبلى على نهاية الأسبوع،" أخبرتُ ماري، " إذن سيكون. سنجلب أنثى أخرى، وسيكون عليّ أن ....  ، أنتِ تعرفين."
 
وجاءت نهاية الأسبوع، وكل ما يمكنني قوله إن "تاج" ظلت عاقرًا كما هي دائما.
 
-   " غدًا،" هكذا أعلنتُ بينما أتجه إلى زر الكهرباء لأطفئ المصباح جوار السرير. " سوف أفعلها غدا."
 
في الظلام كنت أسمع تنفس "ماري".
 
-   " هل أنت واثق?"
-   " نعم، لقد حان الوقت."
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
 1  2  3  4  5