البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الرواية والقصة

 موضوع النقاش : القصة القصيرة    قيّم
التقييم :
( من قبل 7 أعضاء )

رأي الوراق :

 salwa 
24 - مايو - 2007
في صباح يوم من الشهر الفائت ، جرت مناقشة بيني و بين صديق عزيز و أخ كريم لي حول كتاب قرأه . و تطرق النقاش الى الإبداع القصصي العالمي كإشراقة في سماء الأدب ، متفرداً بذاته ، و محتلاً موقعاً متميزاُ بين شتى الإبداعات المعروفة ..
لكنـه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تناول موضوع القصة القصيرة التي تأخذ بالأنفاس و تُطلقها قبل أن يجد الملل الى عقولنا طريقاً ..
 
القصة القصيرة أصبحت فناً خالصاً لا شريك له في عمقه و رصانته و بهجته و شموخه .. هذا ما قاله صديقي و هذا ما آمنت به بعد قراءة قصة قصيرة أهداني إياها ..
سأحاول اليوم أن أتجول في حديقة القصة القصيرة العالمية ، قاطفة بعض زهورها اليانعة ، واثقة من العثور على عقود بنفسجية ثمينة ، مقدمة إياها بكل حب و تقدير "للـوراق" ، آمـلة أن يشاركني الجميع بتقديم ما يستطيع من قصة مترجمة أو يقوم بترجمتها ، لعمالقة هذا الأدب القصصي الرفيع ، المنتشرين في بقاع العالم و المتكلمين بلغاته، و لتتسع بيننا دائرة الحوار و النقد البناء .
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فضفضة 000عن الذئب    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
قرأت قصة ألفريد  دوفينى منذ زمن بعيد ،ولم يكن الذئب بمنأى عن حياتى،فقد كان موجودا فى سورة يوسف بالقرآن الكريم حفظتها صغيرا على يد الشيخ بكتاب القرية وأتلوها أمام والدى الدارس والحافظ والمجود للقرآن الكريم الذى يُصلح لى أخطائى ويشدد على النطق السليم ومخارج الحروف0
 
  (((أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 12 قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ 13 قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ 14 فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ 15 وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ 16 قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ 17 وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ 18 ))))
كنت أقرأ هذه السورة وأنا مندهش من الإفتراء على الذئب البرىء من دم يوسف عليه السلام 0
شاهدت الذئب وهو يعدو  وراء الأغنام والكلاب تطارده ،بل هناك مثل شعبى مصرى يشيد بمن يعمل عملا بطوليا أنه(( جاب الديب من ديله)) ويقال أيضا لمن عمل عملا بسيطا ولكنه يفتخر به فنقول على سبيل السخرية (أصله جاب الديب من ديله )0
وفى يوم فؤجنا فى  أوائل ستنيات القرن الماضى   بعمى  ( الأخ الأصغر لوالدى (شقيقه ))يأتى بذئب صغير معه، ردا منه على سخرية جدتى والدته بأنه جاب الديب من ديله !!! وفزع كل من فى الدار، بل أحد أقاربى قام بتحنيط ديب وهو يهم بالجرى وأذهب إلى منزله لأراه وأتمعن فيه0 0
كنا نسهر بالغيط لرى الأرض وأسمع عوائه وهو يقترب من أرضنا أو يبعد عنها ،وظلت صلتى بالديب موصولة وأنا أشيد به لأنه ذُكر بالقرآن الكريم 00وشيوخ القرية يصفون بعض الرجال بأنه ديب يبلد ويقف ساكنا ثم ينقض على فريسته ويفتك بها على غرة 0
أعجبتى قصة موت الذئب لدو فينى وهو يصف الذئب (ومات من غير أن يصرخ صرخة واحدة)000
 

أى شجاعة وقوة يتحلى بها هذا الذئب ???

 
وأحسب أن دوفينى استنطقه بكلمات خالدة ستظل لأرباب العقول المتوقدة  سراجا منيرا (  000فاعمل دائباً واجبك الثقيل الطويل في السبيل التي أراد القدر أن يناديك إليها  ثم تجلد مثلي بعد ذلك، ومت من غير أن تفوه بكلمة)00
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
هذا الإنسان0000    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
السعى نحو الجمال والحض عليه 00دأب وديدن00 جميل النفس، عميق النظرة، رائع الكلمة ،حلو الإبتسامة،عذب المنطق0
 
هذا الإنسان الوديع الذى أودع الله جل جلاله فيه شمائل الخير والحب والجمال0
 
هذا الإنسان الكريم 000الأخ العزيز أستاذنا/عبد الحفيظ 00 حفظه الله لأهله ومحبيه0
 
هذا الذى يملأ سماء وأرض الوراق وطننا الثانى بكتاباته الغزيرة العميقة وصوره المنتقاة بحس وذوق فنى لايبارى 00
 
           أشكرك 00أشكرك 000أشكرك 00أخى الرائع 000
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
قصة قصيرة من الأدب الأمريكى المعاصر0    كن أول من يقيّم
 
                         غداء فى استراحة مارلتون
                                       للقاصة /  دونا  ليفى
                                                 ترجمة /صالح الرزوق
 
 
قابلت الشهر الماضي البنات خلال الغداء في استراحة مارلتون. و ذلك في الصالة المفضلة لدينا من المجمع الجديد. كان هذا المطعم اختيارا موفقا . بطريقة ما تناول الطعام هناك جعل شهيتي من غير حدود ، و كنت نصف الوقت أتناول من المأكولات ، ثم أيضا أفكر بكل ذلك المقدار من الثياب المعروضة التي لفتت انتباهي أثناء الصعود إلى فوق بواسطة المصعد ، بالأخص تلك التنورة الخفيفة ذات اللون الأحمر الداكن و لكن العاطفي و الدافئ. بعد أن أصبحت بين صديقاتي ، لم يكن بوسعي أن أغض البصر عن التألق الذي كان في تمام الانسجام مظهريا مع أعمارهن. طبعا ، هذا رهط من النساء ، بغاية الأناقة و المعاصرة. حتى لو لم يكن لدى المرء إلمام شخصي بهن ، إن مظهرهن الخارجي وحده يخبرك أن لهن نصيبا في كل شيء. ثم عادت لي ذكرى أخرى. لقد كن جميعا ممن خضعن لعمليات تجميل في الوجه. و بينما كنت أتأمل بإعجاب كيف أن الجروح تشفى من أذني كاتي ، قالت على سبيل تعليق عابر  " أنت من عليه الدور ! لقد خضعنا جميعا لحد السكين ، ما عداك ".
كنت على دراية أن كل واحدة من بين أعضاء حلقة الصديقات هذه ( هناك حلقة أخرى لها اهتمامات شخصية مختلفة ) تتوقع مني أن أطلب موعدا مع الدكتور فرانكيل. كنت أعتقد أنني على وشك أن أحمل سماعة الهاتف و أطلب رقمه ، و ذلك في موعد قريب. و لكن مجرد التفكير بالملاقط و إبر الخياطة كان يطمرني بالذعر. و ما زالت ذكرى الغيبوبة من جراء استئصال اللوزات حية في الذهن ، لقد حصل ذلك في الماضي حينما كنت في حوالي الرابعة من العمر.
بعد الاستماع إلى تعليق كاثي ، أضافت مارج : " آه ، سريعا ما سوف أكرر ذلك ، الخضوع لتجميل في الوجه هو أفضل قرار أزمعت عليه ".
على ما أعتقد لم أكن أنا بالذات جاهزة بعد . ليس ذاك لأنني لا أود أن أبدو في العين شابة . لقد كنت ، في أية حال ، أفضّل حقا أن أظهر بهيئة أخرى ، لنقل لانا تورنير ( 1 )  و هي في ريعان شبابها.
قالت جوديث : " لا تزهقي الوقت في التفكير ". و أضافت : " احزمي أمرك. و إلا اقتصر الأمر على ثرثرة مجانية عن نوايا مضمرة. صدقيني ، العمليات التجميلية هي خبز أية امرأة في الستين ".
و حينما كانت النادلة مشغولة معنا و تصب لنا القهوة في الأكواب ، استرقت السمع إلى حوارنا. لقد كانت لديها خطط خاصة من هذا القبيل. لذلك قالت : " بلغ مسامعي أن تبديل ملامح الوجه صرعة في هذا العصر ، أقله لدى السيدات الفرنسيات. أعتقد من ناحية عملية هذا يدخل في نطاق زرع الأعضاء . طبعا ، أنا لا أرغب أن يأتي أقارب و أصدقاء ذلك الشخص الفقيد الذي اندثر ، ليتحروا ماذا طرأ عليه. و من كل بد هم ينتظرون أن أتابع الحياة بنفس الطريقة حين كان ذاك الوجه معي. يجب فعلا التفكير بأشياء لها هذا الاتجاه ...".
ردت كاثي و جوديث في نفس واحد : " شكرا للاهتمام ".
في نفس الأثناء بدأت أشعر بالمغص. ربما لم يكن حريا بي أن أطلب وجبة ساخنة من سمك التيلابيا مع السلطة.
أصبحت ملامح مارج عويصة و جادة تماما و هي تحاول سرد قصة فرانسين أولسين. قالت : " ادخر زوجها قدرا من المال في حساب خاص فقط من أجل عملية للوجه. حسنا. أزمعت فرانسين أخيرا أن لا تحمل وجها صناعيا و لو كان شابا. كانت تعتقد أن من غير الملائم أن تغش الطبيعة بهذه الطريقة. و لكن ما علاقة ذلك بهذه الأفكار. إع ، حقا ، من يعلم. كانت تحبذ أن تكون هرمة كما يقتضي المنطق . حتى أنها سمحت لشعرها بالمشيب. و هكذا عقد زوجها إيرني موعدا لنفسه مع الدكتور فرانكيل . إنه لم يقتني وجها جديدا و حسب ، بل بحث عن زوجة أخرى ، و كانت أصغر منه بحوالي عشرين عاما ! ".
خيم الصمت على كل من وراء المنضدة.
و أنا أنظر إلى تلك الوجوه المستقيمة و من غير تجاعيد ، و لكن المضبوطة و الصارمة ، و بعيون شاخت بالسن و لا تعوزها الحكمة ،  شعرت كما لو أنني أخضع لعقوبة ابتزاز صامت.
قالت كاثي : " اعتبري أن هذا تحذير ، يا عزيزتي ".
قلت : " حسنا ، من دواعي الصدق ، يا بنات ، أنني لا أفكر بالرغبة لتجميل في الوجه بعد ".
انهمكن جميعا في ضحكة مجلجلة ، و مدت جوديث يدها إلى حقيبتها و سحبت منها مرآة صغيرة و قدمتها لي ، و هي تقول : " هاك. هذه هدية مني ! قدمها لي الدكتور فرانكيل على سبيل تحية. إن عنوانه و رقم هاتفه مسجل على قفاها ...".
قلت : " هلا أجد عذرا لديكن أيتها السيدات ! لست حقا جائعة و أنا أرى هناك تنورة حمراء و أرغب في قياسها ".
و لكن حتى قبل أن أتدبر أمري للنهوض ، سحبت مارج هاتفها الخليوي من المحفظة و قدمته لي.
و هكذا انتهى بي الأمر.
به طلبت موعدا من أجل عملية لتجميل الوجه ، و أنا أتناول الطعام في استراحة مارلتون.
 
 
* هوامش المترجم :
 
1 – لانا تورنر ( 1920 – 1995 ) : ممثلة أمريكية . من أفلامها ساعي البريد يقرع الجرس مرتين ( 1946 ) ، الفرسان الثلاثة ( 1948 ) ، محاكاة الحياة ( 1959 )، إلخ...
 
* دونا كينوورثي ليفي :  شاعرة و قاصة أمريكية. لها كتابات منشورة في مجلة سالومي المتخصصة في القضايا و المسائل النسوية المعاصرة. تقول ( في رسالة شخصية ) عن هذه الفترة من التاريخ الحديث : العالم يغدو أكثر سوريالية مما سبق ، و نحن على حافة الفناء .
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
السبـاق الأزلـي بيـن المظاهـر الشابـة وواقـع الجاذبيـة الأرضيـة    كن أول من يقيّم
 
إنها قصة لموضوع شيق و جاد أتحفتنا به يا نويهي ... أحسنت و اللـه بإختياره .
 
التعليق على هذه القصة ليس بالسهل و لا يخضع لقواعد ثابتة .. و لذلك ستكون وجهات النظر متشعبة و مختلفة و متضاربة ، كل منها حسب القيم و المبادىء التي يؤمن بها من سيتناول التعليق على هذا الموضوع ....
 
و هنا ، أطلب من القراء الأعزاء المشاركة في هذا التعليق / النقاش / التحليل لهذه الظاهرة الإجتماعية التي أخذت بأنفاس العالم و "جيـوب الأفراد الغني منهم و الفقير" و التي جعلت من المثل القائل : "يخلق من الشبه أربعين" مثلاً مضللاً و ناقصاً .
 
مرة أخرى أشكرك أيها السيد الكريم للتحف التي لا تفتأ عن تقديمها لنا في هذا الملف المتواضع .
salwa
24 - مايو - 2007
إلى الأستاذ النويهي..    كن أول من يقيّم
 
أخجلتني والله يا أستاذي وأخي الكريم ،النويهي ، بهذه الكلمات الطيبة الرقيقة
والتي لا يستحقها إلا  كامل الأوصاف مثلك ،و مثل من كانت له نفس أفضالك
وأياديك البيضاء في مسيرة الوراق..
لا ولن أنسى ما قلته في حق شخصي المتواضع ذات تعليق -في ملف الفلسفة -
000وأخى الحافظ/ عبدالحفيظ 00دمعة فى قلبى ، أحبك أيها الرجل 00فلماذا تحزن هكذا ??الحياة أنشودة خضراء ولا فكاك منها 00...
*وأنا أيضا أبادلك نفس الشعورأيها الشهم النبيل ،ويعلم الله كم أقدرك وأجلك ،
وربما لن أبالغ إذا قلت أنني أول من يفتقدك حينما يطول -نسبيا- غيابك ..
 
*حفظك الله أخي الغالي من كل مكروه ،ومتعك بموفور الصحة والسعادة .
*abdelhafid
24 - مايو - 2007
قصة قصيرة من الأدب الألمانى 0    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
                                              أغسطس
                                                           هيرمان هسه
 
كانت تقيم في شارع " موستاكر" امرأة في ريعان الصبا، فقدت زوجها إثر حادث أليم ولم يمض على زواجها غير وقت قصير. وهاهي ذي قابعة في حجرتها الضيقة، فقيرة مهجورة، تنتظر طفلها الذي قدر له أن يولد يتيماً. ولما كانت تعاني وحدة لا يؤنسها فيها أي شيء، استقرت خواطرها دون انقطاع على الطفل المنتظر، فلم تدع شيئا جميلا رائعا مرغوبا فيه دون أن تتمناه وتتطلع إليه، وتحلم به لطفلها الصغير، فلم يكن يليق به أقل من قصر كبير مشيد بالحجارة، له نوافذ كبيرة من البلّور، تحيط به حديقة تتوسطها نافورة. أما بالنسبة لمهنته، فكان لا بد أن يكون على الأقل أستاذا في الجامعة أو ملكاً.

وكان يجاور السيدة "اليزابيث" عجوز طاعن في السن، أشيب الشعر، ضئيل الجسم، لا يبرح منزله إلا أحيانا، فإذا راق له أن يفعل ذلك وضع على رأسه قلنسوة تتدلى منها شرابة، وحمل مظلة خضراء عفا عليها الدهر، صنعت أسلاكها من عظام الحوت، وكان الأطفال يخشونه، والكبار يتهامسون فيما بينهم بأنه لابد أن تكون له أسبابه القوية التي تدفعه إلى حياة العزلة التي يحياها، وكانت تنقضي فترات طويلة لا يكاد يشاهده فيها أحد، إلا أنه قد يحدث أحيانا في إحدى الأمسيات أن تنبعث من منزله الصغير الخرب موسيقى رقيقة كأنها تخرج من عدد كبير من الآلات الدقيقة المرهفة. وحينئذ كان الأطفال العابرون يسألون أمهاتهم : أهي ملائكة تلك التي تنشد في الداخل، أم تراها جنيات? غير أن أمهاتهم كن يجهلن كل شيء عن هذا الأمر، فيقلن : " كلا .. كلا ، إنه لابد أن يكون صندوقا موسيقيا ."

هذا الرجل الضئيل الذي كان يعرفه جيرانه باسم " السيد بنسفاجنر"، كانت تربطه بالسيدة "اليزابيث" صداقة من نوع غريب. والواقع أن أحدهما لم يكن يتحدث إلى الآخر أبدا، ولكن الشيخ العجوز كان ينحني انحناءة مليئة بالود كلما عبر نافذتها، وكانت ترد عليه بإطراقة من رأسها في عرفان بالجميل، وفي كثير من الميل إليه. وكان كل منهما يحدث نفسه قائلا : "لو أن الأمور ساءت بالنسبة إلي، فسوف أذهب بكل تأكيد لطلب المعونة من منزل جاري" فإذا هبط الظلام جلست السيدة "اليزابيث" وحيدة إلى نافذتها، يعاودها الأسى على زوجها الراحل المحبوب، أو ربما فكرت في طفلها المرتقب، فراودتها الأحلام، فلا يلبث جارها العجوز أن يفتح نافذته متلطفا؛ لتنطلق من حجرته المعتمة أنغام ناعمة مريحة فضية مثل نور القمر حين يتسلل بين السحب. أما السيدة "اليزابيث" فكانت تتعهد من جانبها بضعة من نباتات الحيرانيوم القديمة تتسلق نافذته الخلفية، وكان ينسى دائما أن يرويها، ولكنها كانت دائمة الخضرة، حافلة بالأزهار، خالية من أية ورقة ذابلة؛ لأن السيدة اليزابيث كانت ترعاها في وقت مبكر كل صباح .
وذات مساء قارس البرد عاصف الريح كان الموسم فيه يتجه صوب الخريف، وقد خلا شارع " موستاكر" من الناس، أحست المرأة المسكينة بالمخاض، فارتاعت لأنها كانت وحدها تماما، ولكن عندما أوغل الليل، أقبلت امرأة عجوز تحمل في يدها مصباحا، فدخلت المنزل، وشرعت تغلي الما ، وتعد البياضات، وتقوم بكل ما يحتاج إليه طفل يجيء إلى العالم، واستسلمت السيدة " اليزابث" للرعاية في صمت، ولم تنبس بشيء، حتى إذا ولد الطفل، ولف في قماط ناعم جديد، ودخل في أول يوم له على الأرض، سألت المرأة العجوز: متى جاءت?
فأجابتها المرأة: " لقد أرسلني السيد بنسفاجنر" وسرعان ما غشى النوم الأم التي أنهكها التعب. وعندما استيقظت في الصباح، وجدت لبنا مغليا في انتظارها وكل شيء في الحجرة مرتبا في عناية فائقة، وإلى جانبها، رقد ابنها الصغير يصرخ من الجوع. غير أن المرأة العجوز كانت قد رحلت، فضمت السيدة "اليزابيث" الطفل إلى صدرها، وسرها أنه جميل قوي. وتذكرت أباه الراحل الذي لم يعش حتى يراه، فاغرورقت عيناها بالدموع، ولكنها احتضنت الطفل اليتيم الصغير، وابتسمت مرة أخرى، ثم عادت إلى النوم هي وصغيرها. فلما استيقظت، كان هناك مزيد من اللبن، وطبق جاهز من الحساء، ووجدت الطفل ملفوفا في أغطية نظيفة.

ولم تلبث الأم أن استردت صحتها وعافيتها، بحيث استطاعت أن ترعى نفسها وطفلها "أغسطس" وأدركت أنه لابد من تعميد ابنها، ولكنها لا تجد له إشبينا. وذات مساء، عندما أقبل الغسق، وانطلقت الموسيقى العذبة مرة أخرى من المنزل الصغير المجاور، ذهبت إلى باب السيد "بنسفاجنر"، وطرقته مترددة، فاستقبلها بصيغة ودية، وقال لها: " ادخلي!" وفجأة توقفت الموسيقى، وفي الحجرة شاهدت مائدة صغيرة عتيقة، يعلوها مصباح وكتاب. وكل شيء فيها عادي كما ينبغي أن يكون.

وقالت السيدة " اليزابيث": جئت لأشكرك على تلك المرأة الطيبة التي أرسلتها إليّ وأرغب في أن أدفع أجرها حتى أستطيع العودة إلى العمل وكسب شيء من المال، غير أنني مهمومة بشيء آخر فلا بد من تعميد الطفل، وتسميته أغسطس على اسم أبيه، ولكنني لا أعرف أحدا، ولا أجد له إشبينا.

قال جارها وهو يتخلل بأصابعه لحيته التي وخطها الشيب: " أجل .. لقد فكرت في هذا أيضا، وأحسب أنه من الخير أن تجدي له إشبينا عطوفا غنيا يمكن أن يتعهده إذا مسك أذى، إنني وحيد أيضا وعجوز وليس لي سوى أصدقاء قلائل ؛ ولهذا لا أستطيع أن أوصي بأحد، اللهم إلا نفسي، إذا تقبلت ذلك.

وكان هذا العرض مبعث سعادة للأم المسكينة، فشكرت الرجل العجوز ووافقت في حماسة. وفي يوم الأحد التالي، حملت الطفل إلى الكنيسة، حيث قاموا بتعميده وهناك ظهرت السيدة العجوز أيضا، ومنحت الطفل قطعة نقود فضية، وعندما اعتذرت السيدة اليزابيث عن قبولها، قالت العجوز : " كلا .. خذيها، فأنا امرأة عجوز ولدي ما أحتاج إليه ... ولعل هذه القطعة من النقود تجلب له الحظ، وأنا سعيدة إذا أسديت للسيد بنسفاجنر هذا الجميل، فنحن صديقان قديمان "

وذهبا معا إلى حجرة السيدة "اليزابيث"، فقدمت القهوة لضيفها، وكان " السيد بنسفاجنر" قد أحضر كعكة ، هكذا تحولت المناسبة إلى حفل تعميد حقيقي . وبعد أن فرغوا من الطعام والشراب ، وكان الطفل قد خلد إلى النوم منذ أمد بعيد ، قال الشيخ العجوز على استحياء : " الآن وقد أصبحت إشبين أغسطس الصغير ، كنت أحب أن أهدي إليه قصر ملك ، وأن أنفحه كيسا مليئا بالقطع الذهبية ، إلا أن هذه أشياء لا أملكها ، ولا يسعني إلا أن أضيف قطعة فضية إلى القطعة التي جادت بها جارتنا ، وعلى كل حال ، ما أستطيع أن أفعله له ، سأفعله ، وليس من شك أنك أردت لابنك الصغير ما تشتهيه الأم من أشياء جميلة رائعة . والآن ، فكري جيدا في الشيء الذي يبدو لك أفضل ما تشتهينه له ، وسأدبر الأمر ؛ لكي يتحقق ما تشتهين. لديك أمنية واحدة لطفلك أيا كانت ، أمنية واحدة فحسب ، أمعني الفكر . وفي هذا المساء ، عندما تسمعين الموسيقى من صندوقي ، اهمسي بأمنيتك في الأذن اليسرى لطفلك الصغير ، وستتحقق الأمنية ."

وما كاد ينتهي من قوله ، حتى خرج مغادرا الحجرة تصحبه الجارة العجوز ، تاركين السيدة اليزابيث في حالة من الذهول . ولولا أنها أبصرت قطعتي النقود في المهد والكعكة على المائدة ، لظنت أن الأمر لا يعدو أن يكون حلما . جلست إلى جوار المهد ، وهي تهز طفلها ، على حين استغرقت في التأمل واستعراض كثير من الأمنيات الجميلة . وخطر لها لأول وهلة أن تجعله غنيا وسيما ، ثم خطر لها أن تجعله قويا قوة خارقة ، ثم لماحا ، ذكيا ، ولكنها شعرت في كل اختيار بشيء من التردد ، وانتهت أخيرا إلى أن هذا كله لا يعدو أن يكون مزاحا أراد العجوز أن يداعبها به .

وساد الظلام فعلا ، وكاد النعاس يغلبها وهي جالسة بجوار المهد ، فقد أنهكها التعب على إثر قيامها بدور المضيفة ، ومن متاعبها ، وتفكيرها في تلك الأمنيات الكثيرة . وفجأة تناهت إليها من الباب المجاور ، موسيقى لطيفة ، أجمل وأرق من أية ألحان يمكن أن تنبعث من صندوق موسيقى . وأجفلت السيدة "اليزابيث" عند سماعها ذلك الصوت ، وتذكرت . وآمنت الآن مرة أخرى بجارها "السيد بنسفاجنر" وبهديته بوصفه إشبينا ، ولكنها كلما أمعنت الفكر ، واشتدت رغبتها في أن تستقر على أمنية ، اشتد عقلها حيرة ، وعجزت عن اختيار أي شيء .

وجدت نفسها في كرب شديد ، فانسكبت الدموع من عينيها ، وهناك ازدادت الموسيقى نعومة وخفوتا ، وأدركت أنها إن لم تبد أمنيتها في تلك اللحظة فقد يفوت الأوان .

تنهدت بصوت مرتفع ، وانحنت على الطفل ، وهمست في أذنه اليسرى : ابني الصغير ، أتمنى لك – وكلما ازدادت الموسيقى خفوتا استبد بها الفزع 0 فقالت مسرعة : "أتمنى لك أن يحبك كل إنسان" .

 

*مختار من القصة / عن مجموعته القصصية : (أحلام الناي) هيرمان هسه
ترجمة : محمد فؤاد عطا الله
- هيرمان هسه، الكاتب و الفيلسوف السويسري الشهير ذو الاصل الأماني ، الحاصل على جائزة نوبل للاداب عام 1946 عن روايته(لعبة الكريات الزجاجية)
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
أتمنى أن يحبك كل الناس 0    كن أول من يقيّم
 
((((((تنهدت بصوت مرتفع ، وانحنت على الطفل ، وهمست في أذنه اليسرى : ابني الصغير ، أتمنى لك ? وكلما ازدادت الموسيقى خفوتا استبد بها الفزع 0 فقالت مسرعة : "أتمنى لك أن يحبك كل إنسان" .)))
 
أغسطس شهر من شهور الحر الشديد فى مصر المحروسةويتصادف أن يتزامن مع شهر بؤونة ونسميه بؤونة الحجر00
نجمة أغسطس 00رواية ملحمية عن بناء السد العالى ، أبدعها الروائى المصرى /صنع الله إبراهيم 00
وسعدت أن أغسطس  لهيرمان هسه تحكى دقة وروعة الإختيار بين الأمانى والأحلام والتطلعات المادية الزائلة وبين المثل والمشاعر الخالدة 0
فكل ما يهم الجسد لابد أن يفنى ومايهم الروح هو الباقى
هذا الأديب العبقرى قرأت له فى سنواتى الأولى ، لعبة الكريات الزجاجية، مترجمة ،والحق يقال أجهدتنى كل الإجهاد وتحديت نفسى فى فهمها وأرغب الآن قراءتها علنى أزداد فهما وإدراكا وعلما 00 أنا الجاهل أبدا والساعى لبحر المعرفة لأحسو منه قطرات تروى بعض ظمئى القاسى من وعثاء السفر فى صحراء الحياة 0
بل سعيت سعيا لايكل ولايمل  أن أقرأ له ما يقع تحت عينى من أعماله الخالدة  العميقة الشديدة العمق ،المرتبطة إرتباطا وثيقا بالإنسانية فى أرقى صورها ،الداعية وبإلحاح على الوئام والحب بين البشر 0
 
هذا الروائى العالمى 00لم تكن جائزة نوبل للآداب شرفا له ورفعا من قدره بل علا نجمها وأشرقت بنورها أن تُوجت بإسمه  وشرفت به 0
 
ما أجمل الأم وأروعها 00وهى تتمنى لوليدها كل هذا الحب 0
أمنية غالية وجوهرة ثمينة وخلود للخير فى الأرض وفى البشر وإسعاد الحياه 0

ما أعظمك 00أيتها الأم  الرؤوم الحنون العظيمة الإختيار 00

ما أعظم أمنيتك (000أن يحبك كل الناس) 

كم أم تتمنى ذلك لوليدها ???

*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
لما لا    كن أول من يقيّم
 
أرجو أن تفهمونى تطالبون بالقصص العالميه المترجمه فقد لما لا توسعون الدائره لمن من الممكن غدا يصبحون أمثال الكتاب العالميين لما لا توسعون الدائره لكتاب القصه القصيره من العهد الجديد و تعرضوعها للمناقشه  أليس من الممكن أن تكون إحداهم فى جودة وروعة هذه القصص وربما تتعداها براعه وروعه وتخرج الوراق من بين جنبتها كاتب تكون هى الموطن الفكرى والإلهامى الأول له
*رودينا
24 - مايو - 2007
قصة قصيرة من الأدب الكولومبيى000للروائى العالمى 00ماركيز    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
                                 أجمل غريق فى العالم
 
 
ظنّه الأطفال لمّا رأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقترب منهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌ كبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطيء وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوز و الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق.
شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث.
أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :
“ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه.”
عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت.
كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه ليعرف الرجال أن الغريق ليس من قريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية الصغيرة ، و كانت القرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلك الرجالَ من زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًا لدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا و كريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي في حوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقص منهم أحد..
في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًا يبحثون في القرى القريبة عن المفقودين فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق …أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره الطحالب البحرية ويقشّرن ما لصق بجلده بالسكاكين..
لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتمي إلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ، كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح في متاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل مَلَكي الموتِ في فخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهت النسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثل هذا الجمال و الهيبة..
لم تجد نساء القرية للجثة، بسبب الطولِ المفرطِ ، سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل رِجْلا الميتِ في أكبرِ السراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميه بعد أن جربوا أكبر الأحذية.
فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن في تفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا من “الأورغندي” الشفاف فذلك يليق بميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال..
جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بين أصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن ينظرن بإعجاب إلى الجثة بين الحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من قبل ولا لبحر “الكاراييب” أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن ” أن لذلك علاقة بالميّت” ، وقالت أخرى ” لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوت وأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشك أنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك أنه يكفيه أن ينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج من الصخور ماءً ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف”..
أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها ، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
دخلت النسوة في متاهات الخيال.
قالت أكبرهن:” للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان”. كان هذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّا الأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا بجانب الأزهار وذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل “لوتارو”.
في الواقع ما قالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيد التفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعت وكأن قلب الميت قد عاد للخفقان بقوة..

بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكت البحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد يحمل بالفعل اسم إستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعره واللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثة ممدّدة على الأرض ، وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكم ظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخل فيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل زيارة ، هكذا كالغبي، قبل أن تجد ربة البيت له كرسيا يتحمله…ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل مرة ألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضا لبقائه واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوا يقولون له “ابق وأشرب القهوة معنا” ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: “حمدا لله لقد ذهب هذا الأبله”.
هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..

في الفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف على وجهه. لقد رأين الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعت أصغرهن في النواح فزاد الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..
وزاد البكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض..
عندما عاد الرجال بعد أن تأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوه النسوة.
قالت النسوة: “الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!”..
أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هو التخلص من هذا الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجال نقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقل الغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة لتنزل دون عائق إلى الأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لا تتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتى الآخرين. ولكن كلّما تعجّل الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقت حيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة يحاول أن يلبس الميّت “الكتفيّة” حول كتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه الأيسر، وبعد صراع لغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :” مالهذه الوشايات والفوضى، ماذا تعلقن? ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر? ما هذه الفوضى، أليس هذا إلا جثّة?”..
بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّت فانقطعت أنفاس الرجال دهشة: “إنه إستبان!” لا داعي لتكرار ذلك لقد تعرفوا عليه. من يكون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل المثال? لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفه وبندقية قديمة بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..
لكن الجثة التي أمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد!
إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين. بدا الخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا القدر من الجمال? لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحد الرجال: “لو كنت محله لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكون قد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن جثتي المزعجة هذه.”

أعد سكان القرية أكبر جنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضار الزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
عندما تأكدت نساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحم المكان بالزهور وبالنساء..
في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريق إلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرون أنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب، وبينما كان الناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرف لاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذا الغريق.
ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكوا أنفاسهم في تلك اللحظة التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحد سكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة أشياء كثيرة لابد أن تتغير في قريتهم..
عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكن شبح إستبان من التجول في القرية ومن دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقف ودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..

منذ ذلك اليوم قرر سكّان القرية دهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في حفر الآبار في الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِ السنواتِ القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِ حاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَه الورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم:
“أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيث ضوء الشمس.
هناك هي قرية إستبان!”.
* * *
 
 

ترجمة: د. محمد قصيبات
جابرييل جارسيا ماركيز  روائي وقاص معاصر من كولومبيا حائز على نوبل للآداب
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
قصة قصيرة من الأدب الإنجلبزى 00عبودية الكراكيب    كن أول من يقيّم
 
                          عبودية الكراكيب
 
 
هل تستطيع أن تفكر في شخصٍ ما في حياتك والذي إذا ظهر أمامك وتحدثت معه سيجعل جسدك يشعر بعدم الارتياح ?
من هو الشخص الذي اذاتحدثت معه سيجعلك تشعر وكأن المكان ليس كافياً لكل منكما ... ربما لا يتذكر عقلك الواعي هؤلاء الأشخاص ... ولكن عقلك الباطن دائماً يحتفظ بذكراهم بداخله ،إن احتفاظك بمثل هذه العلاقات غير المريحة في حياتك يهبط من مستويات طاقتك بالتدريج.

.. ترى كم من نوعية تلك العلاقات في حياة كل واحدٍ منا?
كم من الأشخاص لنا معهم علاقات، من أي نوعٍ كانت، لكن أرواحنا ترفض وجودهم في حياتنا ? كم من الأشخاص يثقلون علينا بذكراهم? ولماذا يضطر الإنسان من الأساس إلى التعامل مع أشخاص لا يود معرفتهم أصلاً ?
هل هى الحياة العصرية بكل مفرداتها السخيفة التي تفرض نفسها علينا ? وكيف يمكن الفرار من ذلك?
 كيف يمكن لشاب فى عصرنا القاسى أن يعيش دون "كراكيب" في روحه?

وإذا افترضنا أننا قمنا بعملية استبعاد لكل من نعرفهم لكننا لا نريد أن نعرفهم ، من المفترض
وقتها أن يتبقى لنا الأصدقاء والأحباء .. لكن ..كيف ذلك في زمن يغادر فيه الأصدقاء بلا رجعة إلى بلادٍ بعيدة وربما تصبح أنت نفسك من"كراكيبهم " التي ما عادوا يرغبون فيها ؛إذ تذكرهم بأوقاتٍ مؤلمة فى بلادٍ رفضتهم..!

وحينها لن يتبقى لك سوى الحزن .. والحزن وحده ..

كيف ستمنعه عن نفسك ?!
فأنت يمكن أن تمنع نفسك عن سلوكٍ ما بشكلٍ عقلاني ..
لكن كيف يمكن أن تمنع الحزن عنك ?!
ستمشى في الشوارع ذاتها لكن الوجوه لن تكون هي نفسها .. ربما أنك لا تعرف الناس جميعهم في محيطك لكنك على الأقل تألف وجوههم .. لكنك في تلك اللحظة حتى لن تجد وجوهاً تألفها ..! ستفتح مذكرة أرقام الهاتف خاصتك ..فتشعر بأنها صارت غريبةً عنك : يوماً ما كان فيها أرقام تقرأها لست في حاجة للاتصال بها ..لكنك تعرف أنك تستطيع الاتصال حين تريد ذلك ربما تختلق سبباً ما وتتصل لمجرد أنك ستحادث شخصاً ما يعرفك .. وسيقول لك "أهلاً" ربما يقولها ببرود .. لكن حتى هذا لن يكون موجوداً..

فهل الاحتفاظ بـ "كراكيب الروح" .. هو أفضل من تلك الوحدة ?
0000ربما!

 

* كارين كينج ستون، كاتبة انجليزية حقق كتابها (عبودية الكراكيب) 1998 نجاحاً كبيراً، ولدت بإنجلترا ولكنها انتقلت للعيش في بالي بإندونيسيا منذ عام 1990 حيث تقضي هناك 6 أشهر من كل عام وتسافر للغرب لتقضي بقية العام.
* (عبودية الكراكيب) كارين كينج ستون 1998 / الترجمة لمروة هاشم صدرت عن دار شرقيات
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
24 - مايو - 2007
 1  2  3  4