شهاب الدين أبو الفتوح السهروردي
كان فقيهاً شافعي المذهب أصولياً أديباً شاعراً حكيماً، متفنناً مناظراً لم يناظره أحد إلا أفحمه، قرأ بالمراغة على الشيخ الإمام مجد الدين الجيلي الفقيه الأصولي المتكلم ولازمه مدة، ثم تنقل في البلاد على قدم التجرد، ولقي بماردين الشيخ فخر الدين المارديني وصحبه، وكان يثني عليه كثيراً ويقول:
لم أر في زماني أحدا مثله ولكني أخشى عليه من شدة حدته وقلة تحفظه.
ثم رحل أبو الفتوح إلى حلب فدخلها في زمن الظاهر غازي بن أيوب سنة تسع وسبعين وخمسمائة ونزل في المدرسة الحلاوية، وحضر درس شيخها الشريف افتخار الدين وبحث مع الفقهاء من تلاميذه وغيرهم، وناظرهم في عدة مسائل فلم يجاره أحد منهم وظهر عليهم وظهر فضله للشيخ افتخار الدين فقرب مجلسه وأدناه وعرف مكانه في الناس، ومن ذلك الحين تألب عليه الفقهاء وكثر تشنيعهم عليه، فاستحضره الملك الظاهر وقدم له مجلساً من الفقهاء والمتكلمين فباحثوه وناظروه، فظهر عليهم بحججه وبراهينه وأدلته، وظهر فضله للملك الظاهر فقربه وأقبل عليه وتخصص به، فازداد تغيظ المناظرين عليه ورموه بالإلحاد والزندقة، وكتبوا بذلك إلى الملك الناصر صلاح الدين وحذروه من فساد عقيدة ابنه الظاهر بصحبته للشهاب السهروردي وفساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فكتب صلاح الدين إلى ابنه الظاهر يأمره بقتله وشدد عليه بذلك وأكد، وأفتى فقهاء حلب بقتله فبلغ ذلك الشهاب فطلب من الظاهر أن يُحبس في مكان ويمنع من الأكل والشرب إلى أن يموت ففعل به ذلك، وقيل بل أمر الظاهر بخنقه في السجن فخنق سنة سبع وثمانين وخمسمائة وقد قارب الأربعين. |