اسميها لتكتم باسم نُعم كن أول من يقيّم
سوف أخالف عبد الله في ما ذهب إليه من أن نعما واحدة من صواحب عمر، وأعتقد جازما أن نُعما من عمر بمثابة بثينة من جميل، وعفراء من عروة، ولبنى من قيس بن ذريح، وهذا اعتقاد قديم، طوي عليه قلبي منذ أكثر من عشرين عاما، ولكن لم تكن نعم سوى الثريا، وإن شئت فقل، (لم تكن نعم سوى زينب الجمحية) وإن شئت فقل، لم تكن نعم سوى عائشة بنت طلحة، وإن شئت فقل : لم تكن نعم سوى امرأة من ولد أبي سفيان بن حرب، وهي نفسها التي كنى عنها بذات الخال، في قوله:
ألـمّا بذات الخال فاستطلعا iiلنا |
|
على العهد باق ودها أم تصرما | كل هذه الافتراضات جائزة، ولكن غير جائز (حسب رأيي) أن تكون هناك امرأة اسمها نعم في حياة عمر. وهذا عمر نفسه يقول:
أسـمـيـهـا لـتكتم باسم iiنُعم |
|
ويبدي القلب عن شخص حبيب |
وأكـتـم مـا أسـميها iiوتبدو |
|
شـواكـلـه لذي اللب iiاللبيب | ثم لماذا تكتم نعم هذه إذا كانت أخبار عمر قد ذكرت مع من هي أشرف منها: سكينة بنت الحسين (ر) ويستوقفنا في أخبار عائشة بنت طلحة انها تمثلت ببعض أبيات الرائية (كما يقول جبرائيل جبور) حين كانت مغاضبة لزوجها وهي تلمح إلى ما يفيد أن عمر قال رائيته فيها. وما يقال عن (نعم) يقال أيضا عن الرباب وأسماء. وقد لا تكون كل الأخبار التي وصلتنا عن عمر جديرة باعتمادها أساسا في رسم صورته، ومثال على ذلك اللقاء الذي يرويه أدباء العشق عن عمر وجميل بثينة وأنها اجتمعا مرة، يتناشدان أجمل ما قالاه في محبوبتيهما، فكان كل شعر عمر الذي أنشده شعره في (نعم). ولكن شهرة الرائية جعل من نعم قصة وسؤالا ملحا، كان كما يلوح لي يحدو الأخطل الصغير لما كتب قصيدته (نُعم) وهي قصيدة يصف فيها حب عمر لنعم، ومنها قوله:
ليلة ذي دوران هل كانت iiكما |
|
حـدثـتَ أم أخـيلة iiوصورُ |
ونعمُ هل كانت كما صورت أم |
|
بـالغ في تصويرها iiالمصور | وأما أن تكون نعم امرأة من قبيلة جمح، فهذا يعني أنها (زينب بنت موسى الجمحية) والاعتقاد الأرجح أن تكون هي نفسها نعم. ونقل أبو الفرج أن نعما هذه كانت امرأة جمحية، في تعقيبه على أغنية من شعر عمر في نعم.
أيـهـا الـقلب لا أراك iiتفيق |
|
طـالـمـا قد تعلقتك iiالعلوق |
من يكن من هوى حبيبٍ قريباً |
|
فـأنـا النازح البعيد iiالسحيق |
قـضـي الحب بيننا iiفالتقينا |
|
وكـلانـا إلـى اللقاء iiمشوق | قال: وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من قريش، يقال لها نعم، كان كثير الذكر لها في شعره. أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي عبد الله التميمي عن القحذمي والمدائني. قال: وهي التي يقول فيها: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر قال: وكانت تكنى أم بكر، وهي من بني جمح. وتمام هذه الأبيات على ما حكاه ابن المرزبان عمن ذكرت:
فـالـتقينا ولم نخف ما iiلقينا |
|
ليلة الخيف، والمنى قد تشوق |
وجـرى بـيننا فجدد iiوصلا |
|
قـلـبٌ حـولٌ أريبٌ iiرفيق |
لا تـظني أن التراسل iiوالبد |
|
ل لـكـل النساء عندي يليق |
هل لك اليوم إن نأت أم iiبكرٍ |
|
وتـولـت إلى عزاءٍ iiطريق | أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثت عن محمد بن حميد عن عبد الله بن سوار القاضي عن بشر بن المفضل قال: بلغ عمر بن أبي ربيعة أن نعماً اغتسلت في غديرٍ، فأتاه فأقام عليه، وما زال يشرب منه حتى جف. أخبرني محمد بن خلفٍ قال: قال محمد بن حبيب الراوية: بلغني أن نعماً استقبلت عمر بن أبي ربيعة في المسجد الحرام، وفي يدها خلوقٌ من خلوق المسجد، فمسحت به ثوبه، ومضت وهي تضحك؛ فقال عمر:
أدخل الله رب موسى وعيسى |
|
جـنة الخلد من ملاني iiخلوقا |
مـسحته من كفها في iiقميصي |
|
حين طافت بالبيت مسحاً رفيقا |
غضبت أن نظرت نحو iiنساءٍ |
|
لـيـس يعرفنني سلكن طريقا |
وأرى بـيـنـها وبين iiنساء |
|
كـنت أهذي بهن بوناً iiسحيقا | وهذا البيت الأول مما عيب على عمر. ومما غني فيه من تشبيب عمر بنعمٍ هذه: صوت:
دين هذا القلب من نعمٍ |
|
بـسـقامٍ ليس iiكالسقم |
إن نعماً أقصدت رجلاً |
|
آمناٌ بالخيف إذ ترمى |
بـشـتيتٍ نبته iiرتلٍ |
|
طيب الأنياب والطعم |
وبـوحفٍ مائلٍ iiرجلٍ |
|
كـعـناقيد من iiالكرم | ومنها: صوت:
خـلـيلي أربعاً iiوسلا |
|
بـمغنى الحي قد iiمثلا |
بأعلى الواد عند iiالبئ |
|
ر هـيـج عبرةٌ iiسبلا |
وقـد تـغـنى به نعمٌ |
|
وكـنت بوصلها iiجذلا |
لـيـالي لا نحب iiلنا |
|
بـعيشٍ قد مضى iiبدلا |
وتـهـوانـا iiونهواها |
|
ونعصي قول من عذلا |
وتـرسل في iiملاطفةٍ |
|
ونعمل نحوها iiالرسلا | غناه الهذلي، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن سريج لحنان: رملٌ بالبنصر في مجراها عن إسحاق، وخفيف ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو. وفيها عن إسحاق ثاني ثقيلٍ، ولسليمٍ خفيف رملٍ، جميعاً عن الهشامي. قال: ويقال: إن اللحن المنسوب إلى سليمٍ لحكم الوادي. ومنها من قصيدة أولها:
لـقد أرسلت نعمٌ إلينا أن iiائتنا |
|
فأحبب بها من مرسلٍ متغضب | يغنى منها في قوله: صوت
فـقـلـت لجنادٍ خذ السيف iiواشتمل |
|
عـليه برفقٍ وارقب الشمس iiتغرب |
وأسرج لي الدهماء واعجل بممطري |
|
ولا تـعـلمن حيا من الناس iiمذهبي |
فـلـمـا الـتـقينا سلمت iiوتبسمت |
|
وقـالـت مـقال المعرض المتجنب |
أمـن أجـل واشٍ كـاشـحٍ iiبنميمةٍ |
|
مـشـى بـيـننا صدقته لم iiتكذب |
وقطعت حبل الوصل منا، ومن iiيطع |
|
بـذي وده قـول الـمـؤرش يعتب |
انتهى ما قاله أبو الفرج، والفت النظر هنا إلى ان غالبية الباحثين الذين كتبوا عن عمر بن أبي ربيعة جعلوا فصول الكتب مرتبة حسب شعره في صديقاته ومحبوباته، فمن ذلك كتاب المرحوم عمر فروخ (عمر بن أبي ربيعة المخزومي وفصل في تطور الغزل والنسيب في الشعر العربي) وكتاب د. يحيى الشامي (عمر بن أبي ربيعة) وكتب كثيرة، ولكنني رأيت الأستاذ جبرائيل جبور قد توسع في ذلك جدا، وجعل نصف المجلد الثالث من كتابه (عمر بن أبي ربيعة) في ترجمة صواحب عمر، ويقع هذا الجزء في (584) صفحة عدا الفهارس، وسوف يطول الحديث لو أردنا معرفة أخبار عمر مع كل صديقاته اللاتي بلغن حسب الكتاب عشرين صاحبة، عدا الجواري، وهذه تراجم أشهرهن: 1- الثريا بنت علي الحارثية، وعلي أبوها ابن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، من عبد شمس، كان سكنى أهلها في حي (أجياد) بمكة حيث يسكن أهل عمر، وقبيلته مخزوم. وهي المراد بقوله:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى |
|
فـصـادف قـلـبا خاليا iiفتمكنا |
وإذا قيل في كتب الأدب صاحبة عمر فهي المراد. كما ذكر الأصبهاني (10/ 103) (2/ 129) تزوجت وهو غائب في اليمن، واختلف الرواة في زوجها فقيل سهيل بن عبد العزيز، اخو عمر بن عبد العزيز، وقيل : سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. فقال فيها عمر بعد ذلك شعرا كثيرا، وأشهر ما قال في ذلك البيت السائر على كل لسان:
أيها المنكح الثريا iiسهيلا |
|
عمرك الله كيف يلتقيان. |
2- عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية، (أم عمران). وأبوها أحد العشرة المبشرين، وأمها بنت أبي بكر الصديق، أم كلثوم ، وقتل أبوها يوم الجمل حسب ما هو ذائع. فتزوجت أمها عبد الرحمن بن أبي ربيعة، وهو أخو عمر. وهي بلا شك أظرف نساء العرب، وأحلاها وقصصها مشهورة، وهي أم نفيسة زوجة الوليد بن عبد الملك، وأم طلحة الجود (أحد أجواد العرب) وكل أولادها من زوجها الأول: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. فلما مات تزوجت مصعب بن الزبير كما هو مشهور، فلما قتل تزوجت رجلا من عشيرتها اسمه عمر بن عبيد الله بن معمر، وتوفيت عام 101هـ 3- سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (ر) ويقال في جمالها ما يقال في جمال عائشة بنت طلحة، وقد احتكما إلى عمر ليحكم أيهما الأجمل، فقال لعائشة أنت الأجمل، وقال لسكينة أنت الأملح (الأغاني (14/ 168) وأنوه هنا إلى وجود امرأة أخرى تحمل اسم سكينة، وكانت في صواحب عمر، وهي : سكينة بنت خالد بن مصعب، كما يذكر عبد اللطيف شرارة (عمر بن أبي ربيعة: دراسة ومختارات) (ص 81)
4- زينب بنت موسى الجمحية ،(أخت قدامة صديق عمر في صباه) وقد نالت النصيب الأكبر من شعره، فكتب فيها زهاء عشرين قصيدة. وفي الباحثين من يرجح أنها نفسها (نعم) كما سبق وذكرنا ، انظر جبرائيل جبور (ج3 ص104) و(ص208)
5- رملة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية، وهي أخت طلحة الطلحات والي سجستان ليزيد بن معاوية. قتل أبوها يوم الجمل وكان قد خرج مع عائشة (ر) وكان لأهلها قصر في البصرة يعرف بقصر بني خلف، نزلت به عائشة ضيفا عليهم، وفي أخيها قال ابن قيس الرقيات قصيدته التي منها:
نـضر الله أعظما دفنوها |
|
بسجستان طلحة الطلحات |
وفي أخبار عمر ما يفهم منه أن الثريا كانت تغار منها 6- كلثم بنت سعد المخزومية: زوجة عمر بن أبي ربيعة، وإحدى أميرات مخزوم في عصرها. تزوجها بعد أخبار طويلة امتحنته فيها لتعرف أن شعره في النساء لا يعدو الأدب، وهي أم ابنه (جوان) والي تبالة. وبقيت زوجة لعمر حتى ماتت. ومن نوادر شعره فيها، رسالة شعرية يبدو أنها من أوائل شعر عمر، ومطلعها:
مـن عاشق كلف الفؤاد iiمتيم |
|
يهدي السلام إلى المليحة كلثم |
وفيها قوله:
ولـقد قرأت كتابها iiففهمته |
|
لو كان غير كتابها لم iiيفهم |
عجمت عليه بكفها iiوبنانها |
|
من ماء مقلتها بغير المعجم |
7 ـ فاطمة بنت عبد الملك بن مروان (زوجة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز) أخباره معها كلها تدور حول أنفة أهلها من تشبيبه بابنتهم، وما ذكر من خبر دخوله خباءها. وأن يقول في ابنتهم:
ونـاهدة الثدين قلت لها iiاتكي |
|
على الرمل من جبانة لم توسد |
إلى آخر الأبيات. انظر القصة كاملة في الوراق، وهي من الأخبار الطوال، وأولها: (وقال عمر بن أبي ربيعة: بينا أنا خارج محرما) وفي القصة ذكر لصواحبه: رملة بنت مروان وأختها أم عمرو وأم الحكم ومن مشهور شعره فيها القصيدة التي يقول فيها:
بعيدة مهوى القرط إما iiلنوفل |
|
أبوها وإما عبد شمس وهاشمُ |
والقطعة التي يصف بها قميصها، وكان قد التقاها يوم قصدت مكة لأداء فريضة الحج والتقى بها (كما يقول أهل الأخبار) فسألته أن يستر خبر الزيارة، فاشترط قميصها الذي يلي جلدها، ففعلت مضطرة فقال الأبيات التي آخرها:
قـمـيص ما يفارقني iiحياتي |
|
أنيس في المقام وفي الشخوص |
8- سبيعة العراقية: من ولد عبد الرحمن بن أبي بكرة، كانت من اجمل النساء فيما يزعمون، رآها عمر في موسم الحج، وكانت امرأة شريفة، ولما قفلت عائدة إلى العراق شيعها عمر حتى الخورنق، فأعجبت به، وقالت له لو بلغت إلى أهلي وخطبتني لزوجوك، فقال: ما كنت لأخلط تشييعي إياك بخطبة، ولكن أرجع ثم آتيكم خاطبا، فرجع وكتب القصيدة التي يذكر فيها قصتها:
من البكرات iiعراقية |
|
تسمى سبيعة أطريتها |
وفيها قوله:
وفي حبها زرت أهل العراق |
|
وأسـخطت اهلي وأطريتها |
وطلب من صديقته (جميلة) وهي إحدى مغنيات الحجاز أن تغني الأبيات، فأجابته. فلما وصلت الأغنية إلى سبيعة كادت تموت فرحا وسرورا، وقصدت مكة لزيارة عمر، وزيارة المغنية جميلة وشكرها على صنيعها، وطلبت من جميلة أن تغينها الأبيات لتسمعها بصوتها، فلما غنتها جميلة أغمي على قلب سبيعة، وأقامت عند جميلة أياما تستعيدها الغناء. وكانت أغنية جميلة هذه من أشهر اغاني عصره، بل كانت السبب في محبة إبراهيم الموصلي للغناء كما يذكر أبو الفرج (7/ 141) 9- فاطمة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندية: من أميرات كندة في عصرها، وجدها الأشعث بن قيس، رآها في بعض مواسم الحج، وخطبها من أهلها فاشترطت هي أن يأتي العراق، وقالت: (لا والله لا يتحدث أهل العراق أني جئت ابن أبي ربيعة أخطبه) وأخباره معها مذكورة في كتب الأدب، انظر بعضها في الوراق عن طريق البحث عن البيت:
فهذا سحرك iiالنسوا |
|
ن قد خبرني خبرك |
والبيت:
فجاءت تهادى على iiرقبة |
|
من الخوف أحشاؤها ترعد |
وانظر في الكتب المشار إليها آنفا ترجمات بقية صواحب عمر، ومنهن الرباب وأسماء والملاءة بنت زرارة، ونوار، وقريبة، وسلامة وعزة وعفراء وعبلة وعمرة وجبر وجمل، وعثمة وعبدة وتكتم، ورقية ورخيم ورميم وسقير والبغوم وعاتك، وأثل ورامة، ونائلة ومروة ونجد وأمامة، ولبابة بنت عبد الله بن عباس وهند بنت الحارث المرية، التي قال فيها رائعته:
(ليت هندا أنجزتنا ما تعد)
وسعدى بنت سعيد بن خالد، وأختها سلمى التي قال فيها قصيدته الطريفة (خبروني أن سلمى = خرجت يوم المصلى) وإياها عنى بقصيدته: (شاع شعري في سليمى واشتهر)
وجوار وحرائر لم يسمهن، وفي الناس من يرى أن الشعوبية عدت على ديوان عمر، وبدلت أسماء بأسماء، ودست في قصص شعره أخبارا تعمدت فيها الإساءة لشريفات العرب (والله أعلم) |