| نموذج لاتساق دولة الإسلام بالعالم تشريعيا كن أول من يقيّم
ملخص ما سبق
تجديد الخطاب الديني هو "الاسم التمويهي" لتحريف رسالة الإسلام إلى العالمين , وكان هذا التجديد هو موضوع الكلام . ذكرنا أن فكرة التجديد تعود إلى نظرة خاطئة للرسالة أو للوحي , مضمون هذه النظرة هي أن الشريعة وسيلة تكيف للمجتمع مع متغيراته , وذلك بالمعنى البراجماتي لكلمة تكيف , أي بالمعنى النفعي المباشر , وأسفرت هذه النظرة عن نظرة أخرى , هي أنه : بما أن الوحي وسيلة تكيف لمجتمع , وبما أن المجتمع متغير , فتناول الوحي لا بد أن يتغير بحيث يلائم عمليات التحديث والتطوير المستمرة في المجتمع , هذا هو ملخص الأساس الذي تستند إليه أفكار التحريف أو التجديد.
رفضنا نحن فكرة تجديد الخطاب الديني , وكان رفضنا هذا يعود لرفضنا للأساس النظري الذي يستند إليه هذا التجديد والمتعلق بطبيعة الوحي , أما رفضنا لوجود "الشرذمة" القائمة على فكرة التجديد (=التحريف) , ورفضنا لوجودهم على قيد الحياة , أو على الأقل رفضنا لوجودهم في البلاد العربية , أو على الأقل جدا رفضنا لاحتفاظهم بمكانتهم الاجتماعية لو حدث أن مكثوا في دولة عربية مؤقتا (على سبيل الترانزيت) , وإصرارنا على نزع مهابتهم في عيون جمهور المسلمين , هذا الرفض المطلق والإصرار الذي لا رجعة فيه إنما يعود إلى موقفنا من الوحي كحراس له بتكليف إلهي وبمعونة إلهية , والله خير حافظ لكتابه , كما يعود إلى موقفنا من جمهور المسلمين باعتبارنا ساهرين على مهمة العودة به إلى حياة أكثر إشراقا , حياة يسودها النعيم في الأرض ويحفها رضى الله في السماء , حتى لو أصابنا من هذا الجمهور شيئا من سوء الظن , فإنما هي "نيران صديقة" تُنسيها الأيام , هذا عن دوافع الرفض .
أما عن المستندات النظرية للرفض فكانت في الجانب الأول "هدمي" أي تتعلق بنقض فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" , أما الجانب البنائي من المستندات فكان يتعلق بتذكير المسلمين بالوحي "كوسيلة" لضبط المجتمع وليس للتكيف معه , ومن الناحية الفكرية الخالصة , فهذا الضبط إنما هو ضرورة , لأنه إذا كان الضبط الخارجي للفرد ضرورة لخلق حالة اتساق بينه وبين المجتمع , فإن الضبط الخارجي للدولة وأفرادها ضرورة لخلق حالة اتساق بينها وبين العالم , والاتساق بالعالم ضرورة بالنسبة للإنسان لأسباب تتعلق بأصل مفهوم الربوبية , وهو مفهوم نفعي أساسا .
الجانب الأول من النقض , وهو الجانب الهدمي المتعلق بنقض فكرة الوحي كوسيلة تكيف , فهذه الفكرة ترتكز على فكرة أخرى هي أن الشريعة بالمعنى التقليدي إنما يناسب , من الناحية النفعية , المجتمع الإسلامي القديم , أما نقضنا لتلك الفكرة البلهاء فكان في التنبيه على أنها تتضمن مغالطة تسمى بمغالطة "المصادرة على المطلوب" , لأن تناسب الشريعة مع المجتمع الإسلامي القديم هو شيء متفق عليه ولا يعني أي شيء سوى الاستسلام الكامل لجيل الصحابة للوحي , أما البرهنة على فكرة "الوحي كوسيلة تكيف" فلا بد أن تتم عبر البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي قبل الإسلام وليس مع المجتمع الإسلامي , لأن الوحي لابد , حسب رأي المجددين , أن ينزل وهو مناسب لهم من البداية , لكن البرهنة على تناسب الوحي مع المجتمع المكِّي مستحيلة لأنها تصطدم بعدة عقبات وظواهر: الظاهرة الأولى : أنه لو كان الوحي متعلق بشكل مباشر بطبيعة المجتمع من الناحية النفعية المباشرة لبادر المجتمع المكِّي إلى إفراز وخلق الوحي وكافة نظم الممارسة المتعلقة بالإسلام قبل مجيء النبوة والوحي والرسالة , في حين أن التفاوت كان شاسعا بين المجتمع المكِّي وبين المجتمع الإسلامي لدرجة أن الدعوة ظلت سرية في حركتها عدة أعوام وظلت في مرحلة الاستضعاف ثلاثة عشر عاما حتى استقرت الأمور في المدينة . الظاهرة الثانية : هي أنه لو كان الوحي مناسب بشكل طبيعي مع المجتمع الإسلامي القديم لكانت إمكانية التعارض بين الوحي وبين الاختيار الإنساني مستحيلة , في حين أن القرآن يؤكد للمجتمع الإسلامي القديم في عدة مواضع من القرآن على ضرورة التسليم بالوحي عند تعارضه مع الاختيار .
أما عن التناسب المنطقي بين الوحي وبين الإنسان , كونه نزل بلغة بشرية وكونه يؤول إلى السعادة في الدنيا قبل الآخرة فهذا لا يدل إطلاقا على أننا يجب أن نتناول الوحي بالطريقة التي نراها , بل لا يدل هذا التناسب إلا على العناية الإلهية بالإنسان , وأحرى بالإنسان عند هذا أن يطمئن لا أن يعتريه القلق من الوحي فيعمد إلى السيطرة عليه بشتى الحيل.
أما الجانب البنائي لنظرتنا إلى الوحي فكانت ترتكز على عنصر آخر يختلف عن الفرد والمجتمع من ناحية ويختلف عن الإنسان والله من ناحية أخرى , هذا العنصر هو العالم التي يتعين على الدولة والمجتمع والفرد أن يكونوا في حالة اتساق معه , فبعد أن نفينا أن الوحي وسيلة تكيف , أو وسيلة لتنظيم المنفعة المباشرة , أثبتنا أن الوحي هو وسيلة لخلق حالة انسجام بين الإنسان والعالم , وحالة الانسجام تلك هي حالة السجود لله , وهي الحالة التي تسود الوجود كله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49) , (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء:44) (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) وكل ما على الإنسان هو أن يكون تعبيرا عن سجود الإرادة الحرة , تماما كما سجد العالم لكن بإرادته الحرة , لكن فكرة علاقة الشريعة بالعالم يبدو أنها فكرة غريبة إلى حد ما , لأن الشائع أنها فقط في علاقة تماس مع الإنسان , وذلك قياسا على سائر القوانين البشرية , من أجل ذلك لزم التوضيح بنموذج , ومن أجل ذلك كان هذا النموذج .
نموذج لفكرة اتساق دولة الإسلام بالعالم
هناك أمر تشريعي معروف في دولة الإسلام , وهو النهي عن خوض حرب هجومية في الأشهر الحرم , معنى ذلك أن التشريع لا يراعى فيه الإنسان (بالمعنى الضيق للمنفعة) , بل يراعى فيه طبيعة فترة زمنية تتكرر كل عام , طبيعة هذه الفترة , والتي تراعيها الشريعة , هي أنها محرمة . فكرة التجديد مؤسسة على الشريعة كوسيلة لتنظيم المنفعة (بالمعنى الضيق الذي لا يتميز فيه الإنسان عن الحيوان ) , لنحاول إذا أن نعثر على الجانب النفعي (بالمعنى السياسي الضيق) لهذا الحكم , لن نجد , لنبحث مرة أخرى , لن نجد مرة أخرى , بل على العكس , سنجد أن أمور الحرب والسلام هي آخر الأمور التي توضع لها القواعد لو فكرنا بشكل سياسي نفعي براجماتي , لأن هذه الأمور دون غيرها تمس وجود الدولة مسا مباشرا , ولا عجب من أن نجد الدولة عموما تتحلل من أي قيود تلتزم بها مع الشعب إذا تعلق أمر هذه القيود بسياسة الحرب , وهذا يؤكد أن الشريعة تتجاوز الإنسان ومنفعته (بالمعنى المباشر) , وأنها تتعلق بعلاقة هذا الإنسان بالعالم (الأشهر الحرم) , وأن الشريعة لا تتنكر لمبدأ النفعية لكن عن طريق غير مباشر هو طريق تمثل الإرادة الإلهية , تلك الإرادة التي تتجه نحو التوحيد بين الإنسان والعالم في حالة السجود الكامل لله .
السذاجة متوفرة لحد بعيد عند "المجددين" , ستجد من يقول : هذا المثال الذي تسوقه للبرهنة على تميز الشريعة عن طبيعة المجتمع وظروفه التاريخية إنما هو ضدك وليس لك , فتحريم القتال في الأشهر الحرم كان سمة للمجتمع العربي قبل الإسلام , وإنما نزلت الشريعة مطابقة له , ومن ثم فالشريعة مطابقة للمجتمع , وليست مستقلة عن سياقه التاريخي . والسذاجة هنا كامنة في النظر إلى هذا الاتفاق العربي الخاص بتحريم القتال في الأشهر الحرم على أنه عادة عربية وليست تشريعا إسلاميا مأخوذا عن إبراهيم عليه السلام , الذي هو أبو إسماعيل الذي هو أبو العرب , إذا فالتطابق بين التشريع في هذه المسألة وبين عادة المجتمع ليست تبعية من الشريعة للمجتمع بل هي عودة للشريعة إلى نفسها , فما جاء به نبي الله محمد قد تطابق مع ما وُرِث عن نبي الله إبراهيم , ولم يخلق المجتمع رسالة نبي الله محمد ولا إرث نبي الله إبراهيم .
لن تنفُد جُعبة السذاجة , ولن نعدم من يقول : إن الأشهر الحرم لها طبيعة نفعية مباشرة للمجتمع العربي , ففيها تزدهر كافة النشاطات السلمية من تجارة وخلافه , وحيث أن هذا التشريع له طبيعة نفعية للمجتمع فمن الممكن استنتاج الطبيعة العامة للشريعة وهي أنها وسيلة انتفاع مرتبطة بالسياق التاريخي . ومكمن السذاجة هنا أيضا هو فقدان القدرة على التمييز بين استفادة المجتمع من تشريع مستقل عنه استفادة مباشرة , وبين صياغة التشريع بحيث يفيد المجتمع , وهذا الخلط يشبه أن نرى قطعة من الحلوى وقد التف حولها النمل فنقول لقد وضعت الحلوى وسط النمل , مع أن الصواب هو أن نقول : لقد التف النمل حول الحلوى , فكما أن الحلوى سابقة على التفاف النمل وليس تابعة له , فالتشريع سابق على الاستفادة منه وليس تابع له , وليس أدل على استقلال مبدأ تحريم القتال في الأشهر الحرم عن مبدأ المنفعة المباشرة من أن هذا التحريم لم يكن على الدوام له طبيعة نفعية , بل كانت هناك محاولات للعبث بالتقويم نفسه ليناسب الظروف السياسية لقريش , تمثلت هذه المحاولات في إضافة أيام وحذفها حسب المنفعة , وهي أيام النسيئة , والقرآن تصدى لهذه المحاولات ومنعها منعا باتا , في إشارة إلى استقلال الأشهر الحرم عن ظروف المجتمع ومنافعه الوقتية النسبية.
ستجد من يقول أيضا : تحريم القتال ليس وصفا للعالم بل هو تكليف للإنسان , ومعنى ذلك أن هذا التحريم إنساني ونسبي وذاتي , وليس كوني أو مطلق أو موضوعي , أي خاص بالإنسان فقط وليس تنسيق بين الإنسان والعالم , والحقيقة غير ذلك , فالقرآن يتحدث عن حرمة الأشهر الحرم كانت قبل خلق الإنسان : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ , وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36) , أي أنها حقيقة مفارقة للإنسان ومتحققة قبل مجيئه . ومعنى ذلك أن الشريعة إنما جاءت للتنسيق بين الإنسان وشيء مفارق لإدراكه هو العالم في كليته وكيفيته وشموله. | *يحيي رفاعي سرور | 23 - ديسمبر - 2006 |
| الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد (1) ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
قضية التجديد فى الإسلام ...قضية وجود . هكذا أطلقها صريحة مدوية المفكر العربى الكبيرالدكتور / محمد جابر الأنصارى . وقضية التجديد هى مسألة حياة أو موت ،بها نكون أو لانكون . وسبق لى أن أثرت موضوع التجديد ،ولإيمانى المطلق بقدرة هذه الأمة على تجاوز الأزمات وعبور الهزائم وتحدى المستحيل ،فإن السبيل الوحيد هو التجديد . وفى دراسة الدكتور/ نصر حامد أبو زيد ،ولا أخفى تقديرى الجم له ولكتاباته سواء اتفقت معه أو اختلفت ،يظل تقديرى له كصاحب فكر وباحث مستنير ،موصولاً ومتزايداً. وفى هذه الدراسة (الإستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد) ،يصبح فكر (أبو زيد) مشغولاً بالنقد القاسى لتجار الدين وكهانه الأفاضل ،ولايكتفى أبو زيد بالنقد بل يدعو إلى التجديد والحاجة الماسة إليه ،متفقاً مع الدكتور/ الأنصارى ،على أن قضية التجديد هى قضية وجود،وأزعم أننى قرأتُ هذه الدراسة القيمة ،وكأننى كاتبها وليس فقط مجرد قارىء لها. ************ الاستخدام النفعى للدين والحاجة للتجديد الدكتور/نصر حامد أبو زيد ينطلق كاتب هذا المقال من موقف واضح وصريح فحواه أن ما يطلق عليه اسم?'? الصحوة الإسلامية?'? في العالم الإسلامي عموما?,? وفي العالم العربي علي وجه الخصوص?,? ليس إلا تعبيرا عن أزمة تاريخية اجتماعية سياسية ثقافية بدأت ملامحها في التبلور في الربع الأول من القرن العشرين?,? وتحديدا مع أزمة?'? الخلافة?'? بعد قرار الكماليين بإلغائها?.? قبل ذلك بوقت قليل كانت الثورة المصرية ضد الاحتلال ثورة ?1919 -? تتوج انتصارها بتدشين دستور?1923? بعد نقاش حول مإذا كان من المفيد النص علي?'? أن دين الدولة الإسلام?'.? انتهي النقاش إلي أنه?'? لا ضرر?'? من هذه المادة?.? لكن أزمة الخلافة وما تبعها من جدل بين المؤيدين لإلغائها علي أساس أنها كانت مجرد نظام تاريخي اختاره العرب?,? ومن حقهم الآن أن يختاورا مايشاءون من أنظمة?(? علي عبد الرازق?)? وبين هؤلاء الذين رأوا في إلغائها جريمة دينية تعود بالمسلمين إلي?'? الجاهلية?'? إذا لم يسارعوا بإعادة إقامتها?(? رشيد رضا?.)? ومع فشل كل محاولات إقامتها نتيجة تنافس الحكام والملوك العرب وغير العرب علي تبوؤ سدتها تحولت دعوة?'? الخلافة?'? إلي دعوة إقامة?'? حكم الله?'(? الإخوان المسلمون?)? بتطبيق أحكام الشريعة?.? تلك هي البدايات الحديثة لتبلور مفهوم الدولة التي يجب أن يسود فيها شرع الله بدلا من القوانين الغربية?.? وهي بدايات تأزم كما نري?,? إذ لم يكن في الإمبراطوريات الإسلامية الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو دول الأندلس نظام تشريعي موحد يشبه من قريب أو من بعيد النظام القانوني في الدولة الحديثة?.? ومن اللافت للنظر أن دعاة دولة?'? الشريعة?'? وقفوا بحزم ضد محاولات?'? تقنين الشريعة?',? بمعني صياغتها في قوانين يستطيع القاضي مسلما كان أو غير مسلم أن يطبقها في القضاء?.? كان المبرر أن?'? تقنين?'? الشريعة سيحولها إلي قوانين?'? وضعية?'? فتفقد بذلك قداستها?(? رشيد رضا?).? ومعني عدم التقنين أن تظل مرجعية القاضي القانونية غير واضحة?,? فكتب الشريعة الفقه مليئة بمناقشات وتفاصيل وافتراضات واشتقاقات يعجز معها أي قاض عن اتخاذ قرار إزاء موضوع بعينه?,? ما لم يكن هو نفسه فقيها بالمعني الكلاسيكي?.? تفاقمت الأزمات بسبب طبيعة الدولة الوطنية القمعية غير الديمقراطية إذ هي إما وراثية أو عسكرية انقلابية?,? تحاول جاهدة استيراد إيديولوجيات ترسخ بها مشروعيتها السياسية?.? تعددت هذه الإيديولوجيات من أقصي اليمين?(? الوهابية?)? إلي أقصي اليسار?(? القومية الاشتراكية?),? لكنها اشتركت في ملمح واحد?,? هو طبيعتها القمعية اللاديمقراطية?,? وبنيتها المهترئة في علاقتها بالخارج?.? كان إقامة الكيان الصهيوني لدولته بمثابة مبرر لانتصار مفهوم الدولة الدينية?,? وكان انتصار هذا الكيان علي الجيوش العربية سببا كافيا ومقنعا للاقتناع بأن?'? الدين?'? عنصر للقوة?,? وأن البعد عنه قرين الضعف والهزيمة?.? قامت في شبه الجزيرة الهندية في نفس الوقت دولة للمسلمين الهنود أطلق عليها اسم باكستان?,? ثم تحللت إلي دولتين بعد ذلك?.? كانت أوروبا العلمانية?-? وهذا من المفارقات التاريخية الملتبسة?-? وراء إنشاء الدولتين لأسباب مختلفة بطبيعة الحال?.? كانت هزيمة?1967? الشاملة قد كشفت بالفعل عن وجود أزمة في الواقع?,? وكشفت أيضا عن وجود أزمة في الفكر وفي النظام السياسي بصفة خاصة?.? ورغم أن الهزيمة لم تكن مفاجئة تامة إذ ورد توقعها في النبوءات الشعرية والأدبية وبعض الكتابات السياسية?,? فإن حجم الهزيمة وشمولها كان هو المفاجأة الفعلية للجميع?,? المتفائلين والمتشائمين علي السواء?.? تجلي رد الفعل إزاء ما كشفته واقعة الهزيمة مما كان مستورا من أوضاع في فيض من الكتابات عن التراث بحثا عن جذور الأزمة?.? في هذا السياق يمكن التذكير بعشرات العناوين?,? نذكر مثلا كتابات?'? زكي نجيب محمود?'? التي تحولت من الكتابة عن?'? الوضعية المنطقية?'? للبحث في التراث?.? يمكن أيضا الإشارة إلي كتابات?'? طيب تيزيني?'? و?'?حسين مروة?'? و?'?مهدي عامل?'? و?'?محمد عابد الجابري?'? و?'?أدونيس?',? بالإضافة إلي بيان جماعة?'? الشعر?'.? كانت?'? إيران?'? نموذجا للدولة العلمانية القمعية بامتياز?,? بينما كانت?'? تركيا?'? قد أقامت علمانيتها علي أساس الحماية العسكرية?.? قدر للنموذج الإيراني أن يخلق نقيضه لأسباب لا تتسع لها هذه الورقة?,? بينما استطاعت تركيا أن تجذب العواطف والمشاعر الإسلامية إلي أرض?'? العلمانية?'.? قامت الثورة الإسلامية في إيران علي أنقاض عرش الطاووس?,? وحين نجحت أقامت?'? جمهورية?',? وتلك مفارقة أخري حيث كان من المتوقع أن تؤسس?'? خلافة?'? أو?'? إمامة?'.? أعطي هذا النجاح زخما هائلا لدعاة الدولة الدينية في كل مكان?.? فهل كان ذلك نجاحا بالمعني الإيجابي?,? أم كان قمة التعبير عن?'? الأزمة?'? السؤال يستمد مشروعيته من النقاش اللاهوتي والاجتماعي السياسي الحاد الآن في إيران?,? وهو نقاش يتحدي الأساس المعرفي لمقولة الدولة الدينية?.?
| *عبدالرؤوف النويهى | 8 - أكتوبر - 2007 |