و التين في حد ذاتــه كن أول من يقيّم
اطلعت على مقال الأستاذة ضياء { الخوخة في عين ذاتها } ، و أنا أتهيأ لإرسال مقالي هذه عن التين ، و من عنوان مقالتها أخذت عنوان مقالتي ...
و نظرا لغنى مقالة الأستاذة من حيث المضمون و الشكل ... فإن استيعاب ما ورد فيها من معلومات قيمة و فهم مقصدها و تحليلها يحتاج إلى متسع من الوقت للنظر و التفكير ... و الأكيد المؤكد هو أن اهتمام استاذتنا بهذه الموضوعات الشائكة و المستعصية سيأتي و لاشك بنتائج هامة في تصحيح هذه الحالات الشاذة التي استعصت على التصحيح و طال السكوت عنها .
و أود هنا أن أثير انتباه الأستاذة إلى مصطلحات أخرى ، سبق لي البحث فيها و نشرت دراسات عنها ، و هي مصطلحات وقع الخطأ في تحديد مفهومها مند عهد الترجمة الأولى ببيت الحكمة ببغداد في بداية النهضة العربية ، و بقيت بمفهوم خاطئ في معاجمنا العربية المتداولة إلى عصرنا هذا ، و أعني به القرن الخامس عشر للهجرة : و المصطلحات هي : الحزاز ، الطحـلب ، الأشــن . و أعمل الآن على تحضير ملخص لدراستي عنها .
و التين في حد ذاتــه
شكرا لك أستاذنا زهير على تعريفك لأرجوزة الفواكه الصيفية و الخريفية لإبن بلدي أبي الحسن المراكشي . و شكرا على ذكرك لأسماء الفواكه المذكورة فيها .
و إليك بيان بعض ما سألت عنه فيها :
البكور ـ بكير التين ـ :
شجر التين معروف ، و هو النباتات المذكورة في القرآن ، و يُرْمَـزُ بالتين و الزيتون في القرآن الكريم ـ كما قال عمرو خالد ـ إلى أرض فلسطين الحبيبة .
و التين أنواع كثيرة و مختلفة في شكل و لون ثمارها و علو و حجم أشجارها ، و منه أنواع تزهر مرتين في العام . و ثمار الإزهرار الأول هو المسمى عندنا : البكور ، بمعنى إنتاج مبكر ، و منه البواكر ، و هي الخضر التي تنتج قبل الموعد المألوف ... و يطلق إسم البكور أو الباكور على ثمار الإنتاج الأول لشجرة التين خاصة . و أما ثمار الإزهرار الثاني فهي ثمار التين بالعربية الفصحى ، و تسمى باللهجة الدارجة المغربية : الكرمـوس . و بما أن ثمار الصبار cactus تسمى أيضا كرموسا ، فقد سميت ثمار التين بكرموس المسلمين ، و سميت ثمار الصبار cactus بكرموس النصارى ... و سبب التسمية يستند على ذكر التين في كتاب الله من جهة ، و على كون الصبار نبات دخيل ، و أصله من القارة الأمريكية ، من جهة أخرى.
قال أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم الغساني ، الشهير بالوزير ، في كتابه :" حديقة الأزهار في ماهية العشب و العقار " ، حققه و علق حواشيه و وضع فهارسه ، محمد العربي الخطابي ـ دار الغرب الإسلامي ـ ط. 1985 :
تــيــن : إسمه العلمي Ficus carica من فصيلة Moracées . إسمه الفرنسي Figuier ، و الإسم الإنجليزي Fig-tree .
أنواعه كثيرة ، فيه الأبيض و الأسود و الأحمر . فالأبيض له أصناف كثيرة منه { الودناكسي } يلد مرتين في السنة باكورا و تينا ، و هو أجود أنواع التين و أحسنها .
و الأسود له أنواع و أجناس ، فمنها من لا يلد إلا مرة في السنة ، و لا يلد باكورا و إنما يلد تيناً ، و هو الشعري ، و هو أجود هذا النوع ... و منها الغداني يلد مرتين في السنة ، و هو كثير بتلمسان مشهور بها .... و الأحمر له أنواع : النقال و الغزالي و الحمرا .
و التين أفضل الفواكه و أحسنها و أقلها مضرة و أكثرها منفعة ...
و قال محقق الكتاب بهامش الصفحة :
الغداني : و نوع التين الغداني ـ أو الغدان ـ ما يزال معروفاً بهذا الإسم ي المغرب ، و لا سيما في شماله ./هـ ....
إنتهى ما نقل من حديقة الأزهار .
و أقول أنا بنلفقيه ـ [ كما يقول شاعرنا : و أقول أنا زهير ] ـ :
و لعل في شمالنا المغربي الآن بقية من صنف الغدان أو الغداني ... و لا شك أن الخبر اليقين هو عند عبد الحفيظ ، و سعيد ، و وحيد : و هم من أبناء شمال مغربنا الحبيب .
هذا عن التعريف بشجرة التين .
أما بالنسبة لي فتبقى فاكهة التين عندي من أحب الفواكه إلى نفسي ... و لي معها ذكريات و ذكريات ...إذ كنت في الطفولة ، و خلال العطل الصيفية التي نقضيها بعزبتنا بناحية مراكش ، مكلفا بجني ثمار التين من شجرتين ـ نسميهما " كرمتين " كبيرتين : إحداهما تعطي ثمارا سوداء في حجم الكمثري = les poires، و نسميها { كرمة أمي } ، و الثانية تنتج تينا أبيض في حجم البرتقال و نسميها { كرمة أبي } . و أقوم بعملية الجني هذه في الصباح الباكر من كل يوم ليكون التين حاضرا على مائدة الفطور ، لأن من عادتنا اليومية أكل التين مع شرب الحساء المُـعَـدِّ من سميد الذرة أو القمح أو حتى دقيق الشعير ، قبل شرب القهوة بالحليب و أكل التريد بزيت الزيتون أو الزبد الطري .
و أحلى ثمار تين أكلتها في حياتي ، كانت ثمار نوع خاص في بستان خالة لي رحمها الله ، و يعرف هذا الصنف في منطقة بربرية أمازيغية باسم ينطق محليا { لاَ مْـثـَـلـْـهـا } ، فهمت في ما بعد أنه يعني بالعربية " لا مـثـيـلَ لهـا " ، و هو فعلا نوع لا مثيل له في عظم و كبر شجره و لذة و حلاوة و نكهة ثماره ، و قـلما أعثر عليه حاليا في أسواقنا بالمدن و القرى .
و المعروف عن شجر التين من ناحية التقنية الفلاحية الشعبية ، إنجاز عملية " التذكير " بمعنى عملية التلقيح ... و هي كعملية التأبير pollenisation التي كان العرب يقومون بها في أشجار النخيل ، إلا أنها تختلف عنها من حيث الثقنية اختلافا كبيرا ، و هي عملية علمية معروفة في علم الغراسة و البستنة باسم caprification أو تأبير التين ، و العامل الأساسي في إنجازها هو حشرة متخصصة في هذه العملية تسمى آبرة التين أو caprifiguier : جنس حشرات من فصيلة الآبرات ، تخصب التين .
و للحديث بقية عن : الباكور و الدلاع أو الدلاح . |