العروض الرقمي والأبجدي كن أول من يقيّم
بسم الله الرحمن الرحيم تحية طيبة وبعد .. وعدت الأخ خشان خشان بالحديث عن العروض الأبجدي ، وقد أعاقني عن ذلك أنني كنت كلما وصلت في كتابة المداخلة إلى نهايتها رفض الجهاز استقبال الإرسال ، وربما انقطع الاتصال بالشبكة لأسباب فنية ، أو غير ذلك ، وقد أعدت كتابة هذه المداخلة مرارا ، كما أسلفت في اعتذاري السابق ، وهو عذري اليوم . وقد دفع بي هذا إلى تهيئة المشاركة على ملف وورد ، تمهيدا لإرساله دفعة واحدة .. ولقد حز في نفسي قول الأخ خشان في رده على موقفي من الرقمي (وإن كان الأمر كما تفضلتَ بذكره من أنه مجرد ترميز جديد، فلبئس المتبجح أنا في تكراري لهذا القول.) وتالله إن كنت أرمي إلى شيء من هذا .. إذاً فلا رفعت سوطي إلي يدي .. وإنما أنا رجل ليس لي سبيل إلى ولوج منعرجات ومسارب الروابط ، التي تقدم لي ما أريد وما لا أريد .. وإنما حسبي من الجواب ما قل غير مخل ، وما دل غير ممل.. ومثال على ما أريد من الرقمي أو الأبجدي مثلا ما يلي : تختلط في عروض الخليل تفعيلة (مستفعلن) السالمة / الصحيحة في الرجز مع تفعيلة (متفاعلن) المضمرة في الكامل (والإضمار: تسكين الثاني المتحرك) .. كما تختلط تفعيلة (مفاعيلن) السالمة / الصحيحة في الهزج ، مع تفعيلة (مفاعلتن) المعصوبة في الوافر (والعصب: تسكين الخامس المتحرك) .. وعروض الخليل يحل المشكل بالطريقة المعلومة .. فهل وجد الرقمي لهذا الأمر حلا أسهل وأسلس وأوضح?. هذا ما أبحث عن مثله.. أما عن العروض الأبجدي فأقول : نادى المنادون بـنظرية (العروض الرقمي) وكنت قد حاورت بعض مبدعيه أو معتنقيه ، وزعمت بأنه لا يقدم سوى إضافة رموز عروضية جديدة ، أي إنه إذا كانت الرموز السابقة لتفعيلة (فاعلاتن) هي مثل : ( /ه//ه/ه) أو: (ـ ب ـ ـ) وما إليها ، فقد زادها العروض الرقمي نوعا كهذا : (2 1 2 2) أو كهذا: (2 1 4) أو كهذا: (2 3 2) وربما (3 4)! وربما (5 2)! وربما (7)!.. فأبوا إلا أنه شيء كبير ، وفي طياته علم غزير ، وأزعم بأنني لم أستطع فهمه أو سبر أغواره لفرط جهلي . واليوم .. تتبدى لي نظرية عروضية جديدة ، ربما تكون قد سرقت من العروض الرقمي ! وربما تكون قد لمحته من طرف غير خفي ! تلك هي نظرية (العروض الأبجدي) وفرق ما بين الأبجدي والرقمي هو أن العروض الأبجدي نال تغطية أكاديمية معتمدة ، قد تجعل موقف مبتدعه ومؤيديه أكثر متانة. ومن هنا أنصح من لديه كبير علم بهذا الرقمي ، أن يقدم فيه رسالة لنيل الماجستير أو الدكتوراه ، فينال بذلك تغطية أكاديمية مناسبة .. جاء في بعض مواقع الشبكة : ((...ناقش الباحث المغربي عبدالله التخيسي أطروحته لنيل دكتوراه الدولة في الآداب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط تحت عنوان (نظرية التناسب في الشعرية العربية المعاصرة.. دراسة في أصولها التراثية والحداثية ) وقد منحت اللجنة العلمية للباحث دكتوراه الدولة بدرجة حسن جدا... )) وأنا أسمع لأول مرة بدرجة أو مرتبة حسن جدا هذه .. وهذا لفرط جهلي أيضا .. كان الباحث أمينا حين ذكر أصول نظريته فلم يفعل كما فعل الألى سرقوا نظرية ابن مضاء القرطبي في نبذ العامل النحوي . فقد قال الباحث : ((ولعل عالما كبيراً وهو حازم القرطاجني كان قد رأى ما وراء نظرية الخليل لكن رؤيته هذه ظلت غائمة بعد أن كان قد وضع الحجر الأساس لنظرية التناسب، فتكسر علي محك التطبيق فعل سائر الشعريين العرب من القدماء والمحدثين)) ومما قال التخيسي : ((أما المعايير الأساسية التي اعتمدناها لتحديد الإيقاع في الشعر والنظم العروضيين فهما الحركة والسكون المتلازمان وتناسبهما تناسبا متساويا [حركة وساكن]، ورمزنا له بحرف: (ألف) وتناسبا مضاعفا حركتان وساكن ورمزنا لهذا التناسب بحرف: (باء) ورمزنا لثلاث حركات وساكن بحرف (جيم) .. وهكذا أمكن تحديد الإيقاع في الشعر العربي قديمه وحديثه من القصيدة التقليدية أو العمودية والقصيدة الرومانسية والقصيدة(التفعيلية) وقصيدة النثر، بل يمكن لهذه المعايير الثلاثة أو الأربعة بإضافة نسبة (دال) إلى النسب الثلاثة السابقة ونسبتها هي أربع حركات وساكن فتكون النسب الإيقاعية للشعر العربي القديم منه أو الحديث أربع نسب هي: (أ ب ج د) فهذه المعايير الأربعة لقياس الشعر العربي هي نفسها مقاطع للغة العربية في مختلف أساليبها وأجناسها..)) أ.هـ فقد رمز صاحب نظرية التناسب للسبب الخفيف (/ه) بحرف (أ) وللوتد المجموع (//ه) بالرمز(ب) وللفاصلة الصغرى (///ه) بالرمز(ج) وللفاصلة الكبرى (////ه) بالحرف (د) [ومن هنا فأنا أسميته بالعروض الأبجدي].. ولكن هذا العروض لا يرمز بشيء للسبب الثقيل // ولا للوتد المفروق(/ه/) ولا للمتحرك المفرد (/) أو الساكن المفرد (ه) أو اجتماع الساكنين (ه ه) وقد تقدم عليه الرقمي في هذا ... وبالتالي فإن رمز فاعلاتن الأبجدي هو (أ ب أ) وربما (أبأ) ورمز متفاعلن هو (ج ب) وربما (جب) ورمز مفاعلتن هو (ب ج) وربما (بج) إلخ ... قلت : ومن هنا فأنا من أسماه بالعروض الأبجدي .. ولم يسمه به صاحبه الدكتور عبد الله التخيسي ، فليسمه بعد ذلك من يشاء بما يشاء كما يشاء ، فلن يغير من الأمر شيئا .. ونظر صاحب العروض الأبجدي إلى دوائر الخليل الخمسة : دائرة المؤتلف وفيها بحران.. ودائرة المتفق وفيها بحران.. ودائرة المختلف وفيها ثلاثة أبحر.. ودائرة المشتبه وفيها ثلاثة أبحر.. ودائرة المجتلب وفيها ستة أبحر، فغير هذه الدوائر تغييرا جذريا قائما على تناسبات رباعية ، في كل تناسب أربعة بحور وهذه التناسبات هي: (تناسب التخالف .. وتناسب التماثل .. وتناسب التآلف .. وتناسب التطابق .. ) والمثير في الأمر هو أن كلا المبتدعَين ــ مبتدع العروض الرقمي ، ومبتدع العروض الأبجدي ــ يبدوان كأنما يمتحان من قليب واحد ؛ فهما لا يتورعان عن إقحام القرآن الكريم في هذه المعمعة غير الكريمة ..أما أهل العروض الرقمي فقد أنفذوا أمرهم ، فأخضعوا آيات القرآن الحكيم للتقطيع ، كما شهد موقع الفصيح ، الذي أغلق باب الحوار عند محاولة تقطيع سورة الفاتحة ، وأما صاحب الأبجدي فقد أشار إلى إمكان تطبيق النظرية التناسبية على الشعر والنثر ، بعبارة توحي بأنه يجمع القرآن الكريم والمقامات في صعيد واحد وهيهات.. بل توقع تطبيقها على لغات أخر حيث يقول: (ويمكن أن تطبق هذه النظرية علي لغات أخري كالفارسية والإسبانية) ، كما يقول : ((أما بالنسبة إلي نظريتنا فإن التفاعيل تؤول جميعها إلي تناسب (أ ب ج د) ليس في الشعر وحده وإنما في عموم اللغة العربية وآدابها...)) ويجتمع كل ذلك في قوله : ((فجمعنا أطراف هذه المباحث في رباعية واحدة من رباعيات النظرية سواء علي مستوي المجرد كما فعلنا في كل قسم من أقسام النظرية أم علي مستوي المجسد من النصوص الشعرية التفعيلية ومن قصيدة النثر، وذهبنا صعدا نحو المقامات ، والآيات البينات سورا وآيات دون أن تتأثر النظرية أو تتعثر في مدارجها ومعارجها نحو البحث عن تطبيقاتها في اللغات الأخرى )) والرقمي والأبجدي كلاهما يعلم علم اليقين ، ويغمض عين اليقين ، ويتجاهل حق اليقين ، الآيات التي تقطع أدنى سبب بين القرآن الشعر .. ويذهب صاحب العروض الأبجدي أو نظرية التناسب بعيدا حيث يقول : (وليس بخاف علي أحد أن نظرية التناسب هي وجه آخر للنظرية النسبية لآينشتاين بمعني من المعاني تتخالف مادتهما ويتآلف جوهرهما وتلتقي النظريتان في رباعيات من بينها رباعية الزمان والمكان والقول بعدم الفصل بينهما...) إن هذا الكلام وما يتلوه ، يحمل أكبر العذر لمن لا يفهمه ، أو لمن لا يريد أن يفهمه أو لمن يريد أن يضرب الذكر صفحا عن مجرد قراءته?. إن التجديد في العروض لا يعني التوسع في حمل مقاييسه على الشعر والنثر ، ولا ينطلق من إزالة الحدود بينهما ، فالشعر شعر والنثر نثر ، أو كما قال مارون عبود ( النثر مشي والشعر رقص) وإنما ينبع التجديد من قصر معايير الشعر على الشعر وحده ، والوقوف بها عند حدود التعريف الجامع المانع ، الذي لا يدخل في باب الشعر ما ليس منه ، ولا يجوز التوسع في هذه المعايير إلا لاستنباط أوزان عروضية جديدة ، للأشكال الشعرية الجديدة ، كالموشحات وما يصاقبها ، حيث أخفقت كل المحاولات التي دأبت على استنباط معايير للموشحات ، على غرار معايير الخليل للشعر .. أما اعتماد (الماستر كي) في المعايير والمقاييس فيعني ترك الأمر مشاعا للفوضى ، والباب مشرعا للشرذمة.. هذا والله تعالى أعلم .. مع أطيب تمنياتي .. داوود .. |