| العلم والأدب ثروة من ثروات الانسانية كن أول من يقيّم
السادة الكرام يطيب لي أن أشارككم بتعليق حول سؤال الموضوع المطروح ، وكأني بخلفية السؤال أن تكون لماذا الأدب أو الشعر ? فلندرس الرياضيات بدلاً عنه. من الناحية المنهجية فالسؤال غير صحيح ( مع كل احترامي لصاحب السؤال)، لأن أحد الموضوعين لا يُغني ولا يحلّ محل الآخر، وكأنما يُخيّر أو يفضّل ويفاضل الانسان بين أن يستغني عن أمه أو أبيه. ومن الناحية المجتمعية للثقافة الانسانية بوجهها الشامل، لا يُسمح باستثناء أي عنصر وأي فرع من نواحي الآداب والعلوم والتاريخ ... الخ والثقافة الانسانية كما هو معلوم للذين يعون، صانعها ومبدعها هو الانسان. وهذه الثقافة لها وجهًا ملازمًا إياها ، هو الوجه التاريخي والاجتماعي والعلمي، وعلى هذا يمكننا أن نتحدث عن تعدّد للثقافات تبعًا لتعدد المجتمعات والبيئات. فلكل مجتمع عاداته وتراثه وارثه في العلوم والآداب والفنون والجمال والتاريخ وكل فروع العلوم الانسانية، إضافة الى المعتقدات والديانات والافكار... فمن مجموع كل هذه العناصر قديمها وجديدها المتأصل والمتجدد مع العصر، يتكون الخزين والإرث المجتمعي الذي تتباهى به الأمم. وليس ما أقوله هو تشجيع لفرع أو حقل أو تحيز لأي فرع أو حقل من كل مجالات الآداب والعلوم التطبيقية أو النظرية او الانسانية، لأن في التمييز أو الانحياز تجنٍّ واغتصاب لمواهب وابداعات إنسانية ما انفكت الأمم على تشجيعها وتحفيزها. ولدينا في هذا المجال عبر تاريخ الأمم الأمثلة الكثيرة في تشجيع ومكافأة المبدعين في كافة مجالات الثقافة والابداع الانساني، فمن تاريخنا العربي احترام المجتمع العربي وسلطاته وسلاطينه على كافة أدواره التاريخية، إضافة الى التحفيزات والتشجيعات المادية والمعنوية من قبل الخلفاء والامراء لذوي الابداع من الاطباء وعلماء الرياضيات والفلك، والكيمياء، وكذلك الشعراء والادباء والمغنين والصنّاع المهرة والمبدعين في كل النواحي. فبذلك - وحسب علمي المتواضع، وبذات الوقت ليس من باب التكبر على الامم الاخرى معاذ الله - لم يتوفر في أي أمة من أمم الأرض حكام أو سلاطين بقدر عدد حكام هذه الامة النجيبة الذين أغدقوا على المترجمين والعلماء بكافة العلوم وليس فقط على الشعراء كما يزعم البعض من الكتاب. وأجازف هنا بالقول أننا أول أمة كرمت المبدعين قبل أن يُخلق السيد نوبل وقبل أن يذكر التاريخ اسم بلده مع احترامي الكبير لبلاده. وفي أيامنا المعاصرة نشهد الاهتمام الكبير في كافة أقطار المعمورة للادباء والمؤرخين والشعراء مثلما للعلماء في الرياضيات والطب... باعتبار أن هؤلاء المبدعين في كافة المجالات ثروة ثقافية للانسانية كلها. فالعالم لا يمكنه أن يعيش من دون الشعر والفنون والعلوم وحتى من العادات والتقاليد والارث الانساني النبيل، ويقصر اهتمامه بتسخير العلوم للنواحي المادية فقط. ولايفوتنا هنا التي تجرّ في كثير من الحالات الى الخراب والكوارث على الانسانية والمقصود هنا تطوير الاسلحة الفتاكة بتسخير علوم شريفة كالرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلك لأغراض تدمر الانسانية وجمال الحياة وقيمها الادبية والخلقية. لا أحب أن أطيل بل باختصار، إن الآداب والعلوم الانسانية كافة جناح ثانٍ للانسانية بجانب كافة العلوم الاخرى، يمكّنان المجتمعات من التطور المتكامل من غير نقص أو تهميش للابداع الانساني في خدمة الانسان الشامل ببعده الروحي -المعنوي والمادي. مع اعتذاري للإطالة سلام سليم | salam | 16 - أكتوبر - 2006 |
| الرياضيات أساس التقدم العلمي ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
موضوع جميل وحيوي لا يمكن الفصل بين العلم والأدب لدى العالم فالعالم الحقيقي هو الذي يكتب بحوثه بطريقة أدبية جميلة. ونورد هنا قول لأول عالمة رياضيات في روسيا (من القرن التاسع عشر) وهي صوفيا كوفاليفسكايا حيث قالت ما معناه لكي يكون الإنسان عالم رياضيات حقيقي يجب أن يكون شاعراً في نفسه. أي صاحب مخيلة ولديه قدرة على التأمل والتصور والتجريد. وهي نفسها كتبت روايات أدبية. أما في العصر الإسلامي فالعلماء العرب والمسلمين كانوا علماء في الرياضيات والفيزياء والفلك وكانوا أدباء وشعراء وخير مثال على ذلك عمر الخيام- الفيلسوف والرياضي والفلكي والشاعر المسلم العظيم صاحب رباعيات الخيام الشهيرة. لكن هناك نقطة مهمة وهي أن الرياضيات تنمي لدى دارسها التفكير المنطقي والدقة والتنظيم في العقل وهي واقعية وعملية أكثر من الشعر. على كل حال الرياضيات والشعر وجهان لعملة واحدة فالإنسان المبدع يحتاج إلى موهبة ولا حدود لابداعه فكما الرياضيات مجال خصب للابداع المبني على خبرة ومعرفة كذلك الشعر يحتاج إلى موهبة. ولا يصح أن ننطلق من تاريخنا قبل الإسلام حيث الشعر في أوج تطوره والعلم في أدنى تطوره لنسحب ذلك على الوقت الحالي.فلا يوجد تناقض بينهما ولكن إذا تطور العلم وازدهر المجتمع فحتماً سيتطور الأدب والشعرولكن العكس غير صحيح.والشعر حاجة للنفس وهوليس علم أما الرياضيات فهي علم. وأعتقد بأن مقياس تقدم أي علم هو بمدى استخدامه للرياضيات وكذلك مقياس تقدم اي مجتمع هو بمدى استخدامه للرياضيات. وكما قال العالم الايطالي العظيم غاليليه بأن الله خلق الطبيعة ككتاب مكتوب بلغة الرياضيات ولكي نقرأه لا بد من معرفة الرياضيات ويقصد أن الطبيعة مخلوقة على أساس قوانين رياضية محكمة ودقيقة وما على الإنسان إلا اكتشافها. | * الدكتور محمود | 17 - أكتوبر - 2006 |
| علمية الشعر كن أول من يقيّم
وهل الشعر إلا رياضة حَرفية.. فإن عمل ''ماكينة'' الذهن في حل معادلات الأرقام الحسابية, هو نفس عملها في فك أجزاء دوائر الشعر وتقطيع التفعيل, ولا يصح البتة نفي الصفة العلمية عن الشعر بحال ولا أعرف من فعل ذلك, فإن جثمان الشعر, وقوالب أوزانه -التي يفرغ فيها الشاعر صبابات مهجته, و لبابات حشاشته- دوائرُ محيرة وبحورٌ متلاطمة, وهو مبني على علم دقيق متشابك الأجزاء, متلاحم الأطراف, يقع فيه الاختلال لأوهى علة هو: علم العروض, وهو من علوم العرب التي تعلمها من نبغ فيهم في الشعر, وزاول قواعده, على خلاف بين الباحثين في أسرار العربية في: كون علم العروض هل هو من علومهم التي تعلموها أو هو علم مغروز في سجاياهم مطبوع في سليقتهم?- وكيفما دار الأمر فالشعراء بعد الخليل لا يستغنون عن علم العروض لفساد الألسنة وهجوم اللحن, وغلبة اللكنة العجمية, فإذا الشعر الهام الروح الملقنة مفرغ في سكة مستقيمة لازمة له إذا انتفت عنه أو اختلت: تجرد من صفته الشعرية تجرد الشجرة من ورقها لانعدام العلة. وعليه فإذا كان الشعر فرعاً من شجرة علم العروض وثمرتها المقصودة, فالشعر علم بقانون التلازم. أما ما سماه الأستاذ الكريم أبو البركات مهران: السؤال العقيم فعقمه من وجوه نقتصر على اثنين منها: اعلم أنه: من نظر إلى المدنية بعين رياضية تجريبية رأى طائرات سيارة في الأجواء, وبوارج سباحة في البحار فتلك إصدارات العقول المتمدنة, ونتائج تلاحق الأفكار, ومن فتح عينه عليها بأنوار أدبية نفسية, رأى النفس الأديبة التي صنعت, وأبدعت, وهتكت حجب الخزائن, ومن فتح عينا أكبر رأى بديع المصنوعات الذي خلق هذا العلمَ لطائفة ويسر لها أسبابه, وسلك بالأخرى سبيل الآخر وفتح لها أبوابه, وكلا أمد هؤلاء وهؤلاء من عطائه وهو العقل وقال وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.فهذه العلوم وجوه لمنن الله لا تزاحم بينها, وأعلام هداية منصوبة على طريق الآخرة كما قيل: عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير ثم إن الأدب حياة الأمم, ومادة عزتها, ومعقد قوتها المعنوية, فإذا أنت جردتها منه استلحقتها بأذيال الأمم: تتوطأها بأقدام المهانة, وتتوجأها بأيدي المذلة, ففي الأدب معنى أكبر مما نقش في الأذهان السطحية, والطبائع المدخولة, فهو رياضة للحس أن يتبلد, وللروح أن يتسفل, وللطبيعة أن يستولي عليها الاهمال, وهو أكبر من ذلك وأكثر, فالناس إليه أشد حاجة من المأكل والمشرب فهذه لها أوقاتها المعلومة, أما الأدب بمعاينة معانيه الكلية فنحتاجه في كل وقت, إذ هو جامع للمحاسن الدنيوية والدينية, وكل ما يرجع إلى الكمال البشري, والترقي الانساني في مدارج المكرمات. بل إنك إذا حققت في صحيفة الماضي والحاضر وجدت الأدب من أساسات العمران الناهض, والمدنية المتينة, قائما فيهما على قدم راسخة, وهيبة باذخة... وهكذا كنت قصدت بيان علمية الشعر في كلمات قلائل فجرى بنا الحديث إلى غاية تنقضي الأعمار دون استقصاء نواحيها... | *طه أحمد | 25 - أكتوبر - 2006 |