الأرقام العربية الحقيقية     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :     
هذا بحث أنجزه الدكتور محمد الفاسي(عضو الأكاديمية الملكية المغربية ورئيس رابطة الجامعات الاسلامية)ترجم له ب: الأرقام العربية الحقيقية. ونشرته مجلة المنهل في عددها الثاني والخمسين بعد الأربعمائة لسنة 1407 ه الموافق 1987م نسخته منها بتمامه لما فيه من جليل الفائدة ونفيس المعلومة:
الأرقام العربية الحقيقية
أغرب ظاهرة حضارية في عصرنا هي نكر العرب أو بعضهم لأعظم اختراع قام به اسلافهم في ميدان العلوم الرياضية وعم نفعه العالم بأسره واعترفت به كل الأمم وهو اختراع الأرقام العربية التي يستعملها المغاربة قاطبة وأهل الأندلس وصقلية أيام حكم الإسلام لهما.. وهذا الاختراع هو ما يسمى الأرقام العربية في القارات كلها باستثناء الأمم العربية الشرقية الذين يستعملون الأرقام الهندية, أي الأجنبية.. والمؤسف ليس هو أن يستعملوا هذه الأرقام وينبذوا أرقامهم الأصلية ولكن أن ينتقدوا من يستعملون الأرقام ظنا منهم أنها أوربية, وهذا سببه الجهل والجهل المركب أي جهل الشخص لشيء وجهله لكونه يجهله وهذا ناتج عن تشبثهم بما وجدوا عليه آباءهم بدون تفكير و لاتمحيص.
والواقع أن هذه الأرقام العربية التي يسميها أحد مؤرخي العلوم الرياضية من الايطاليين ( المعجزة العربية) وهو عنوان كتاب له.. دخلت الأرقام [كذا] المغرب في أول ظهورها بالمشرق قبل أن يعمد المشارقة لسبب نجهله إلى استعمالها بشكلها الهندي الذي يخالف تعريف الصفر كما صوره العالم النابغة الخوارزمي أي دائرة صغيرة فارغة لذلك تسمى الصفر كما يقال صفر اليدين أي فارغهما..لا كما يصور في التنكر الهندي بتقطة عامرة يتكون منها السطر في علم الهندسة إذن لا علاقة لها بالصفر.. ثم إن العبرة مع ذلك ليست في الشكل وإنما في المبدأ الذي بنيت عليه اشكال الأرقام العشرة التي فكر في وضعها الخوارزمي اقتباسا من فكرة هندية طورها ورقاها وأعطاها شكلها النهائي منطلقا من فكرة أن الصفر ليس فيه زاوية فهو فارغ ولا معبراً عن قدر أو قيمة ما وإنما يصلح لتكوين العشرات والمئين والألوف إلى آخره وهذا الصفر هو ما سماه العالم الايطالي بالضبط il Miracolo arabe أي المعجزة العربية وإذن إذا أردنا أن نعبر عن واحد نرسم زاوية هكذا1 وعن اثنين زاويتين إلى آخر التسعة على هذا الشكل:
(قلت: انظر الأرقام التي وضعها الأستاذ عبد الحي أعلاه فهي هي في المجلة)
وهذه هي الصور الأصلية كما توجد في المخطوطات المغربية والأندلسية ولما اقتبسها الأوربيون كوروا الزوايا كما يقول الفرنسيون مثلا- ومن هنا يلاحظ أولا أن كتابة الانكليز لسبعة هكذا 7 لا يتفق مع المبدأ الذي أسست عليه هذه الأرقام, كما أن تسعة احتيج لجعل ثلاث زوايا زائدة في قرنها اليساري ليس فقط للوصول إلى تسع زوايا و لكن أيضا لتمييزها عن ستة التي إن كتبت مفردة في ورقة بيضاء لا يعرف أهي ستة أم تسعة.
هذا وأما قصة انتقالها إلى أوربا فذلك قد وقع على يد راهب مسيحي جاء حوالي سنة ألف مسيحية إلى مدينة فاس وانخرط في جامعة القرويين مدعيا الإسلام واخذ عن علماء الرياضيات بها ولما تم تحصيله من هذه المادة بما في ذلك علم الجبر رجع إلى فرنسا عن طريق اسبانيا وادخل الأرقام العربية والجبر إلى أوربا باسميهما أي بالفرنسية مثلا Algebre les chiffres وهما يعرفان إلى الآن بهذين الاسمين في سائر لغات الدنيا..وفي كل المؤتمرات عند مناقشة بنود قرارات أو توصيات تسمع المتكلمين عن الفقر التي يشرحونها أو يدخلون عليها تعديلات أو يودون حذفها للتعبير عنها بقولهم مثلا البند عربي احراز من الأرقام الترتيبية للفصول التي تجعل لها مادة أرقام رومانية حيث يقولون مثلا ثلاثة روماني وهكذا- وهذا الراهب بلغ من أمره أن اعتلى كرسي البابوية تحت اسم سيلفستر الثاني( قلت: هكذا استظهرت الاسم من المجلة لأن شطر الكلمة مطموس أو يكاد)
ولقد ناديت في مناسبات كثرة بالرجوع إلى الحق ونظمت منذ سنين طويلة عندما كنت رئيسا لجامعة محمد الخامس بالرباط ندوة حول هذا الموضوع وأحضرت لأعضائها من علماء مشارقة وجامعيين ومجمعيين مخطوطات قديمة تحتوي على هذه الأرقام العربية كما نكتبها بالمغرب وكما يكتبها العالم حتى أنك في كتابة روسية بالعرف السرياني تبين الرقم العربي وكذلك في اللغة الصينية واليابانية ولكن بعض أهل هذه الأرقام العربية يصرون على كتابتها بالشكل المسمى هندي.. ويلزم ذلك مصاريف باهظة إذا اعتبرنا ما يجب أن يصرفوه على لوحات السيارات وغيرها من وسائل النقل من اضطرارهم لكتابة الأرقام العربية بجانب الأرقام الهندية وكذلك أرقام الدور والمتاجر وغير ذلك من المرافق العصرية وذلك منذ عشرات السنين ولكن قوة العادة والتشبث بها مما هو من طبيعة البشر كل ذلك يحول دون الرجوع إلى الحق وحقيق لوحدة العرب الثقافية.
وفي النهاية اكرر أن المؤسف ليس فقط هذا الاستمرار في التنكر لتراث عربي خالد ولكن أكثر من هذا وذاك اتهام المحافظين عليه بأنهم يقلدون الغرب في شيء نحن الذين مكناهم منه واقتبسوه منا- وليس فوق هذا الجهل جهالة.
ومن هذا ما صدر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ17 ربيع الثاني 1404 ه الموافق 20 يناير 1984 م وهو ما يلي:
'' كما اتخذ المجمع (يعني المجمع الفقهي الاسلامي) قرارا مهما في عدم جواز استعمال الأرقام الأجنبية المستعملة في أوربا بديلا عن الأرقام العربية'' وهذا بهتان عظيم إذ كما بينا قبله ما يسميه هذا القرار بالأرقام العربية هو أرقام أجنبية والأرقام العربية الحقيقية هي ما نستعمله نحن في المغرب العربي وأخذه عنا الأوروبيون كما سلف بيانه والمولى تعالى يهدينا إلى الصواب.''
انتهى بتمامه. |