| رأي ابن تيمية في الصوفية كن أول من يقيّم
سيدي الكريم :الوليد, سلام عليكم قرأت كلامك وفهمته وهذا تعقيبي عليه: زعَمتَ يا سيدي أن ابن تيمية مضطربُ الرأي في شأن الصوفية, ولا أدري من أي تواليفه استخلصت هذا الرأي? على أنك لا تجدُ كلاماً لمن أسال في هذا الميدان الفسيح مدادَ قلمه, وأجال فيه قداح فكره: أثبتَ حجةً وأقومَ وضعاً, وأصدقَ لفظاً وأعم نفعاً, وأرق حواشيَ وأعذب ينابيعاً, من كلام هذا الرجل, وقد أجرى الله على يديه من الاصلاحات في عقائد الصوفية ما لاسبيل إلى إنكاره والملاجة فيه, وكلماته المأثورةُ, ورسائله المخَلدةُ, ناطقةٌ برسوخه وتماسُكه, وكمال منته, ومواتاةِ طبعه, فيما يعالجه من مسائل التصوف ودقائقه, ولطائف فنونه وحقائقه. ولعل الناسَ لما رأوه يمدَح في كتبه طائفةً من الصوفية ويَذُم أخرى, حَسِبوا ذلك تفاسخاً و اضطراباً, وعَدوه تناقضاً وتذبذباً, وليس هو كذلك. وهذا كلامه بلفظه: '' تنازع الناس في طريقهم(أي الصوفية) فطائفة ذمت الصوفية والتصوف, وقالوا: إنهم مبتدعون, خارجون عن السنة, ونقل عن طائفة من الأئمة من الكلام ما هو معروف, وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام. وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق, وأكملهم بعد الأنبياء, وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله, كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله, ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده, وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ, وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه, عاص لربه. وقد ينتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة, ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا, فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه, وأخرجوه عن الطريق, مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره.كما ذكر ذلك أبو عبد الرحمن السلمي, في طبقات الصوفية وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد. فهذا أصل التصوف ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع, وصارت الصوفية ثلاثة أصناف, صوفية الحقائق, وصوفية الأرزاق, وصوفية الرسم.'' انتهى المراد من كلامه. فهذا ملخصُ رأيه في التصوف وقد بَسَط لسانَه فيه في سفر ضخمٍ جليلٍ -سَهل مأخذَه ويسر تناولَه- من مجموع الفتاوى (التي جمعها ورتبها عبد الرحمن بن محمد بن القاسم), فأتى فيه بكل مفيد نافع, وتوسع في ذلك توسعاً حسناً, فارجع إليه وردد النظر في مقاصده وجواهر معانيه, ينبئك عن مدى اتزان فكره, وسلامة ذوقه ووجدانه, ونزوعه إلى الاستقلال في آرائه, وتحرره من الهوى الملجِم والتعصب البائِر. والسلام عليكم | *طه أحمد | 11 - أكتوبر - 2006 |