موجز عن حياته وسيرته الذاتية ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
ـ 1 ـ تمهيد: لقد خفف الدكتور إبراهيم السامرائي عن كاهلنا عناء البحث لجمع المادة اللازمة لكتابة هذا الموجز عن سيرته الذاتية، حيث استجاب مؤخراً لإلحاحنا وإلحاح الكثير من أصدقائه ومحبيه بضرورة كتابة شيء عن سيرته ومسيرته العلمية الحافلة بالجد والعطاء العلمي المتميز، فدوّن عام 1995م سيرته الذاتية بأسلوبه الأدبي الرائق (3) ولغته العالية الأنيقة والبعيدة عن التكلف، ولكنه بقدر ما وفر على الباحثين مشقة جمع المعلومات عن سيرته، إلا إنه قد أتعب من ياتي بعده من الباحثين ـ ونحن منهم ـ إذ لا يتأتى لأحد أن يجاريه في طريقته وأسلوبه في الكتابة، ذلك الأسلوب الذي يسمى في لغة الأدب والشعر بـ " السهل الممتنع " ولا غرابة في ذلك لأن السامرائي أحد أساطين اللغة المعدودين في العصر الحديث، وبالإضافة إلى ذلك فهو شاعر مفلق، وقد أسلمت له اللغة قيادها فأصبحت سهلة طيّعة على لسانه وقلمه، فهو كما قال العقاد عن طه حسين: " إنه يكتب وكأنه يتحدث ". وإذن فلا مناص لنا من أن نكتب هذا الموجز بالطريقة التقريرية والسردية التي ابتعد عنها الدكتور السامرائي في كتابة سيرته الذاتية لرتابتها وجفافها. مولده ونشأته: ولد الدكتور إبراهيم أحمد راشد السامرائي عام 1916 م (4) في مدينة العمارة (إحدى حواضر جنوبي العراق) التي وفد إليها جده من سامراء المعروفة مع مجموعة من أقاربه، عاش الدكتور إبراهيم طفولة قاسية وعسيرة في منطقة العمارة في مطلع هذا القرن مع ما يصاحبها من قسوة الطبيعة والمناخ، حيث يسودها مناخ صحراوي شديد الحرارة صيفاً (تصل درجة الحرارة في أشهر الصيف إلى نحو 49 درجة مئوية) وشديد البرودة شتاءً، ولأن تلك المنطقة في ذلك الوقت لم تتوفر فيها وسائل الحياة الحديثة كالصحة والكهرباء والمواصلات..إلخ شأنها شأن معظم بلدان الجزيرة والخليج. ومن ناحية ثانية، فقد فجعه القدر بفقد والديه وهو ما يزال صبياً دون السابعة من العمر بعدما أنهكتهما رحلة معاناة طويلة من المرض وشظف العيش، فقد توفي والده متأثراً بكسر في ساقه وتبعته والدته بفترة وجيزة، بعد صراع طويل مع مرض السل . سيرته التعليمية والعملية: ابتدأ الدكتور إبراهيم السامرائي مسيرته التعليمية عبر "الكتّاب " الذي التحق به كعادة أقرانه في تلك الفترة، وأمضى به سنتين أجاد خلالهما قراءة القرآن الكريم ترتيلاً وتجويداً، والتحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية ومدتها ست سنوات، وقد نقل هو رفاقه في نهاية الصف السادس الابتدائي لأداء الامتحان الوزاري للشهادة الابتدائية (الباكالوريا) إلى مدينة البصرة، وأصيب أيام الامتحان بمرض الملاريا ، وهو من الأوبئة الشائعة في البصرة في تلك الحقبة ، ومع ذلك فقد أدى الامتحان وكان أول الناجحين فيه، ثم واصل دراسته للمرحلة المتوسطة بمدينة العمارة ومدتها ثلاث سنوات، وبعد الانتهاء منها انتقل إلى بغداد للالتحاق بالمدرسة الثانوية، القسم العلمي (مدتها سنتان) ولكنه لم يتمكن من مواصلة الدراسة بالمدرسة الثانوية، فتحول عنها بعد دراسة سنة واحدة فيها (الصف الرابع الثانوي) إلى دار المعلمين الابتدائية في مدينة الأعظمية، ومدة الدراسة بها أربع سنوات، وألحق بالسنة الثانية وبجانب دراسته في دار المعلمين الابتدائية، فقد أعد نفسه لامتحان الثانوية (الفرع العلمي) طالباً خارجياً، واجتاز الامتحان سنة 1941م بتفوق يؤهله للحصول على بعثة علمية، ولكن ظروف الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك، وفي عام 1942 م تخرج من دار المعلمين الابتدائية وجاء الأول على دفعته، اختير بعدها معلماً في مدرسة تطبيقات دار المعلمين الابتدائية النموذجية، ثم التحق بعد ذلك بدار المعلمين العالية، قسم اللغة العربية ومدة الدراسة بها أربع سنوات، وتخرج منها عام 1946م وجاء ترتيبه الأول على دفعته، وقد خرجت هذه الدار أفذاذ وعباقرة علماء وأدباء العراق في العصر الحديث، إذ كان مستوى الدراسة والتدريس فيها عالياً ومميزاً، وكان مدرسوها صفوة رجال العلم في العراق ومصر والشام. ولم يكتف الأستاذ السامرائي بما حصّله من الدرس أثناء مسيرته التعليمية هذه، بل سعى إلى جانب ذلك بجد ومثابرة منذ صباه للتزود بالعلم وقراءة أمهات كتب الدين واللغة والأدب والتأريخ وحتى علوم الرياضيات والفلك، ودرس جملة صالحة من المتون الأساسية مما كان يسمى الأصول للمتعلم لدى الدارسين في غير الدراسة النظامية على يد كبار الشيوخ المبرّزين في هذه العلوم، وذلك أثناء العطلات، وأوقات الفراغ ،وجمع إلى جانب الدرس القديم، قراءة نتاج أدباء العرب في مطلع هذا القرن مثل جرجي زيدان والمنفلوطي والرافعي ومطران..إلخ، كما أتقن كذلك ـ بمجهوده الشخصي ـ دراسة اللغة الإنجليزية قبل أن يلتحق بدار المعلمين العالية، فأعانه ذلك على الاطلاع على المصادر الحديثة في التربية وعلم النفس وطرق التدريس باللغة الإنجليزية. عين بعد تخرجه من دار المعلمين العالية مدرساً بمدرسة ثانوية نموذجية هي " كلية الملك فيصل "، وقد أطلقت وزارة المعارف على هذه المدرسة الثانوية النموذجية اسم " كلية " لأنها تتميز بميزة خاصة عن غيرها من المدارس الثانوية، حيث أن المواد التعليمية التي تدرس بها كانت باللغة الإنجليزية، وليس فيها باللغة العربية إلا مادتان هما اللغة العربية والتأريخ الإسلامي، وهي ذات اتجاه علمي وليس أدبي، ولهذا فإن وزارة المعارف ـ حينها ـ لم تكن تعين للتدريس بهذه المدرسة إلا من كان من أهل السبق والتقدم ، وقد مرّ بنا أن السامرائي حصل على المرتبة الأولى بين المتخرجين من دار المعلمين العالية. وفي عام 1948م أتيحت له فرصة الالتحاق بالبعثة التعليمية في فرنسا للدراسة في أشهر جامعاتها " السوربون "، وانتسب في السنة الأولى إلى معهد لتعليم اللغة الفرنسية هو " الاليانس الفرنسية " ، ولأنه من أهل الجد والاجتهاد فقد قرر أن يكون تخصصه في اللغات السامية وهو تخصص نادر لا يطيق أعباءه والتفوق فيه إلا أولو العزم من أمثال الأستاذ السامرائي ، وكان عليه ـ في الوقت نفسه ـ أن ينتسب إلى " المعهد الكاثوليكي " في باريس، وإلى " معهد متحف اللوفر" لدراسة اللغات العبرانية والآرامية والحبشية والبابلية والآشورية والسبئية، مع متابعة المحاضرات المتعلقة باللغات السامية في المدرسة العليا للدراسات في مبنى " السوربون "، وأفاد كذلك من الألواح والنقوش الأثرية للغات قديمة كالبابلية الآشورية والسبئية في معهد اللوفر، وأفاد من الدراسات المتوفرة بمكتبة المعهد التي أنجزت عن هذه اللغات لفهم أبجديتها ونحوها وصرفها، واقتضى الأمر منه الإلمام بشيء من اللغة الألمانية ليستعين به للوصول إلى الكلمات البابلية القديمة. أجهد الأستاذ السامرائي نفسه في استغلال أوقات سنوات بعثته في فرنسا متنقلاً بين كليات باريس ومعاهدها ومكتباتها التي تزخر بالكتب النادرة للتزود بالحصيلة العلمية والثقافية التي تهيؤه لإجادة درس اللغات السامية، وللتعرف على كبار المستشرقين وحضور محاضراتهم العامة، سواء ما كان منها عن اللغات السامية أو عن الحضارة العربية والإسلامية، وسافر عام 1953م إلى لندن، وأمضى فيها شهراً كاملاً للتزود بالمصادر المتعلقة بموضوع درسه المتوفرة بالمتحف البريطاني ومدرسة اللغات الشرقية في جامعة لندن، وكذلك المكتبات المتخصصة ببيع الكتب الشرقية والدراسات العربية والإسلامية، ومقابلة المستشرقين الإنجليز. يقتضي أو يتطلب حصول الباحث على درجة " دكتوراه الدولة " في جامعة السوربون إعداد رسالتين علميتين يكون له فيهما جدة وأصالة وزيادة معرفة تسمى الرسالة الأولى: الرسالة الكبرى أو الرئيسية، والثانية: الرسالة الثانوية أو التكميلية، وكانت رسالة السامرائي الرئيسية في لغة القرآن الكريم وعنوانها " الجموع في القرآن مقارنة بصيغ الجموع في اللغات السامية "، أما الرسالة الثانية أو الرسالة التكميلية فهي تحقيق كتاب " المثل السائر" لضياء الدين ابن الأثير. نوقشت رسالته في أول شهر مارس/ آذار 1956م تشكلت لجنة المناقشة والحكم من كبار المستشرقين وهم: الأستاذ ليفي بروفنسال عميد المعهد الإسلامي رئيساً، وعضوية الأستاتذة: بلاشير، وكانتو، وشارل بلا، ولاووست، وبعد مناقشة عسيرة امتدت سبع ساعات أجيزت رسالته ومنح درجة " دكتوراه الدولة " بمرتبة الشرف الأولى. عاد الأستاذ السامرائي بعدها إلى بغداد ليستقر ـ وقد آن له أن يستقر ـ بعد رحلة معاناة طويلة من الكد والاغتراب في سبيل التحصيل العلمي ليبدأ مسيرة مرحلة جديدة هي مرحلة البذل والعطاء العلمي في البحث والتدريس والتأليف..إلخ، وفي 23/3 / 1956م التحق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب والعلوم (نواة جامعة بغداد) مدرساً لنحو اللغة العربية وفقهها، ومدرساً للغات السامية (العبرية والسريانية). وفي 9 /4/1956م اقترن برفيقة عمره التي وجد في ظلها الدفء والاستقرار النفسي والعاطفي. رحلاته وأسفاره: استقر الأستاذ السامرائي في بغداد بعد عودته إليها من فرنسا متفرغاً للتدريس بالجامعة والبحث والتأليف، ولم يصرفه أي شيء عن العلم الذي نذر له نفسه،باستثناء شهر واحد من شهور سنة1959م بعد قيام الثورة حيث فرض عليه أن يكون مديراً للنشر في وزارة الثقافة، لأنه لم يهيء نفسه لمثل هذا المنصب الإداري، ولنفوره الشديد من تولي المناصب، فقد طالب بإعفائه من هذا العمل وإعادته للتدريس بكلية الآداب، فكان له ما أراد . ولم يفارق بغداد لمدة طويلة إلا عام 1962م عندما انتدب للتدريس في جامعة تونس لمدة عام دراسي كامل، ودرس في جامعة الكويت عام 1972م لمدة عام دراسي كامل، وحاضر لفترات قصيرة (أستاذاً زائراً) في جامعات بيروت والخرطوم وطرابلس (ليبيا) والجزائر، وحاضر كذلك في معهد الدراسات اللغوية التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة، أربع مرات بين سنة 1965م وسنة 1975م، وحاضر لمدة شهر في معهد العالم العربي في باريس. وبعد إحالته على التقاعد عام 1981م انتقل إلى الأردن ودرّس في الجامعة الأردنية من 1982 ـ 1987م. ودرّس في جامعة صنعاء من 1987 ـ 1996م. وفي كل بلد يحل به الأستاذ السامرائي فإنه يُفيد منه كما لم يفد منه أي أستاذ جامعي (5)، حيث يجد الفرصة المناسبة للتعرف على علماء ذلك البلد وعلى ذخائر مكتباته وما يزخر به من خصوصيات ثقافية أو لغوية..إلخ. |