البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : التاريخ والايدولوجيا    كن أول من يقيّم
 عامر عجاج حميد 
9 - سبتمبر - 2006
بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن طرح موضوع نقاشي يخص موضوع تاثير الايدولوجيا على المعرفة التاريخية وكتابها على مدى ازمنتهم وهل توجد معرفة خالصة في التاريخ معرفة بمعناها العلمي المنزه من الانحياز والميول?
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
التاريخ والممارسة الاجتماعية    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 


التاريخ والممارسة الاجتماعية

 
 
 
 
 د.إسماعيل نوري الربيعي
imseer@yahoo.com
 

توظيب العلاقات

لعل الظاهرة الأكثر إلفاتا في عالمنا المعاصر،تقوم على حالة التبدل البارز في المضامين السائدة على صعيد الواقع.فبعد أن كان التنظير الذي طبع اتجاهات أصحاب الفكر قد توقف طويلاً عند قضايا واشكالات الحرية والسلام الاجتماعي والعمل على تحديد وترسيم معالم النظام الاجتماعي.نجد الانتقال وقد تبدى واضحا عند المعطى السياسي والاجتماعي هذا باعتبار توجيه الجهود نحو تكثيف مجال الإرادة الجماعية.وبقدر ما كان البروز لفلسفة التنوير التي طغت بتفصيلاتها الفكرية على سدة الواقع،فإن فكرة التقدم إنما جاءت بمثابة التعبير المباشر والجاد عن مضمون التنوير وإدراجه بكل قوة في مضمون تفاعلات الواقع لا سيما على الصعيد السياسي.
لم يكن تركيز الاتجاهات نحو تفعيل الواقع،قد توجه نحو إقصاء دور العقل،بقدر ما كان الاتجاه الرئيس وقد تطلع بكل ما يملك من قوة من أجل توسيع مجال الفعل الذاتي داخل المجتمع والعمل على جعل المبادرة نابعة من صميم التفاعلات وليس من منطلقات وتجليات التنظير الذي يطرحها العقل.إلا أن العلاقة القوية والوشائج العميقة بقيت تفرد بحضورها ما بين توجهات الفعل الإنساني والقوانين التي تفرضها الطبيعة وما يتضمنه من وعي تجربة التاريخ.لا سيما وأن مجال التعبير في المضمون السياسي والاجتماعي إنما يكون قوامه مستندا الى توظيب معالم العلاقة ما بين الإنسان والطبيعة التي يعيش في كنفها من خلال الرابط الذي ينظمه العقل العلمي.حيث المخاض الذي تبلور في الثورة الصناعية والنتائج المترتبة عنها،إن كان على مستوى التنظيم والتقانة وما أثمر عنها من وفرة في الإنتاج وتقدم واضح الاقتصاد أم في التحول الصريح الذي نال من طبيعة العلاقة بين الأفراد والسلطة.ولم يكن من اليسير إغفال دور التوجهات السياسية والاجتماعية التي برزت في تلك الحقبة،ومدى التأثير البالغ الذي أدته في حفز مجال التطور العلمي وقدرته على تبؤ مكانته الأثيرة والمهمة في صميم الواقع.وهكذا تكون فكرة التقدم وقد حضرت في صلب التفعيل التاريخي،من خلال تنامي الأطوار وانطلاقها من مجال الفكرة الى محور الإرادة باعتبارها الحافز الأصل في استيعاب لحظة الانتقال وتمثله العميق.
الجاذبية التي تبدت عليه النزعة العلمية والنجاحات البارزة والمميزة التي تحققت لها،جعلت منها في أشد حالات الوثوقية حول استنباط قوانين التطور التاريخي،هذا بحساب القدرة الكامنة فيها على ترصد الوقائع وإخضاعها لمنطق التحليل والبحث الدقيق الصارم.إلا أن هذه الثقة المفرطة سرعان ما اصطدمت بالنزعة النقدية التي شرع بتفصيلها رواد النظرية الاجتماعية،والذين لم يترددوا لحظة من توجيه أسهم نقدهم اللاذع والشديد الى هذه التكاملية الشاملة التي تبدت عليها النزعة العلمية،باعتبار الادعاء بالاكتمال المكتسب من واقع النجاحات السابقة.

المضمون الجماعي

لا يمكن الركون الى أحادية الطابع التي يمكن أن تفرض تأثيرها على نمط التفكير،ومن هنا يمكن القول إن مجال الانفتاح العقلي يمكن أن يكون له حضوره على صعيد الاستجابة للمضامين الجديدة النابذة للركود والوقوع تحت إسار التقليد والاتباع.فنشدان الخلاص من المؤثرات الثابتة باعتبار الاحتكام الى دور العقل،والتطلع نحو إفساح المجال لحضورية التنظيم الاجتماعي المستند الى العدالة والمساواة،يمكن أن يستمد من المحتوى العميق الذي تكتنز به المكونات التاريخية والثقافية للأمة.وعليه فإن التطلع نحو توظيب ملامح العلاقة ما بين التنظيم المأمول على صعيد المجتمع والأنشطة الإنسانية داخل البيئة والمحيط،يمكن أن يثمر عنه نزوعا نحو وحدة اجتماعية فاعلة ومؤثرة،قوامها توجيه النظر نحو المستقبل بثقة وتصميم.
الكلام عن التنظيم ومحاولة التوافق مع الأنشطة السائدة،لا يمكن له أن يحظى بالتأثير أو حتى شرعية الحضور ما لم يكن مستندا الى بنية ارتكازية،يمكن من خلالها أن يتم التوصيف لأي مظهر فاعل ومؤثر في الحياة الاجتماعية.ومن هذا المعطى يبرز العامل المرتبط بالإمكانات والموارد التي يمكن من خلالها الوقوف على المستوى الحقيقي والصميم لهذا المجتمع أو ذاك.ومن دون الاندراج في توزيعات الأغنى والأفقر،بحساب مقايسة التراكم والكم التي تظهر عليه الموارد المتاحة.يبرز دور الوعي التاريخي في تجسيد المعنى لطبيعة الرؤية المتداولة حول المضمون الجماعي وطريقة إنتاج النزعات والإرادات فردانية كانت أم جماعية.
يكشف التاريخي عن العلاقة الوثقى ما بين السعي الى الحداثة كمضمون تجديدي قوامه التفاعل مع المدركات التي يفرضها الواقع،وقوام الأهمية التي ينطوي عليها العقل لا بحساب التجريد أو المعيارية الكامنة فيه،بقدر ما يكون الاتجاه نحو التنمية والتعزيز لدوره والانتصار لمجالاته،لا سيما في مجال موضوعة الانفتاح والتنوّع والاختلاف،ومحاولة الخروج من التنميطات التي هيمنت من خلالها فورة الانتصار الذي تحقق للعقل في حقبة تاريخية معينة.ومن دون الوقوع في لوثة الإغراء الذي يفرضه الحضور القوي أو التمكن من ملامح الهيمنة،يكون من المهم أن يتقدم السؤال حول الأنساق الفاعلة في صلب الواقع الاجتماعي،وطبيعة العلاقة الحاكمة لهذه الأنساق إن كان على الصعيد الديني أم السياسي أم الجوانب الرئيسة الأخرى التي ينطوي عليها مضمون التفاعل الاجتماعي وتنظيماته.ومن هذا المعطى يكون البحث عن ملامح التأثير والتوجيه وطريقة التأثير الصادر عن هذا النسق أم ذاك.الى الحد الذي يكون فيه مجال الاندراج في متوالية العلاقة الحاكمة ما بين الأنساق،ليكون السؤال منن يفرض ملامح الرؤى والتصورات على من ? ومن دون السقوط في دوامة فعل الفرض والقسر،لا بد من التنويه هنا الى أن هذا الفعل يبقى طارئاً وعارضاً،هذا بحساب أهمية المبادرة الصادرة عن المجتمع وطريقة الهضم والتمثل الفاعل لنظامه الخاص.

اتجاه التاريخ

طغيان الفكر الشمولي لم يتوقف عند اتجاه بعينه،بل نجد التوجهات وقد تراوحت ما بين الرأسمالي الذي استحكم نطاق الفعل فيه نحو محاولة الاتجاه نحو تحقيق الأرباح.والاشتراكي الذي حفز مجمل مدركاته من أجل الخروج من إسار هيمنة الرأسمالي على علاقات الإنتاج.وما بين تنوع الاتجاهات تبرز النزعة التاريخية في أشد حضورها عند تيار فكري دونا عن غيره،حيث طبيعة الرؤية التي يتم توظيبها حول المجتمع بصورته العامة،وطريقة الترصد في صلب الممارسات وطبيعة التناقض الذي يحكم العلاقة ما بين المحددات العقلية وأنماط الإنتاج النازعة نحو الربح.وبقدر ما يحضر الذاتي وما تفرضه المصالح الخاصة يكون العائق الشديد الحضور حول مسألة الإيمان بالتطور التاريخي وخطه المرسوم الذي لا يحيد عنه.خصوصاً وأن مجال الإخضاع لمنطق التاريخ الواحد،يجعل من الفعل الاجتماعي في أشد حالاته اندراجا في هذه الكلية التي تفرض بتفاصيلها على دور المؤسسة التي كان لها الدور في توظيب معالم العلاقة ما بين المجتمع والسلطة،حيث المحددات واضحة غير قابلة للفرض والقسر.فيما تكون الكليانية في أشد حضورها عند مجمل التفاصيل من العلاقات الى الحد الذي يتفاعل هذا الحضور في صلب مضمون التقدم.
من واقع التحولات التاريخية التي فرضت بتفاصيلها على الواقع،يبرز التطلع نحو الانفتاح على واقع الفعل الذي تفرضه الوقائع.وإذا كان التقدم قد تم تداوله على صعيد الأفكار فإن التغيرات اللاحقة جعلت من الإنتاج صاحب السبق والأهمية على ما دونه.هذا بحساب التطورات التي فرضته التفصيلات المتعلقة بالثورة الصناعية،وما أفرزته من توجهات جديدة على مختلف الصعد الاجتماعية والتنظيمية والتوسع في عمران المدن.ومن هذا المعطى توسع مجال الحداثة حتى انطبعت في ترسيم معالم الرؤية التاريخية،حيث توجيه المضامين نحو حفز مجال التفاعل المستند الى الإرادة الجماعية،النابذ لهيمنة وسلطة التراث الذي غدا بمثابة المعيق لتوجهات التقدم.
الأصول المعرفية للتاريخانية جعلت من أطوارها وتحولاتها،خاضعة للمزيد من الملاحظات المتعلقة بمنطق التبرير لهيمنة السلطة وتوسيع مجال حظوتها على حساب الأفراد.وإذا كان الجانب الديني قد تعلق بترسيم معالم التاريخانية باعتبار النزعة الموجهة والمستندة الى الخط الواصل ما بين البداية المرسومة وصولاً الى النهاية المحددة التي لا تقبل الحياد أو التبدل،فإن الطور الجديد كان قد ترسم معالم حضوره استنادا الى العامل الاقتصادي،حيث الوثوق باتجاه التاريخ استناداً الى تطابق الذات في تفصيلاته.وطريقة الاندماج ما بين تيارات فكرية كان من العسير أن تلتقي كالمادية والمثالية،لولا تكون اتجاهات الحداثة بمثابة الأرضية لهذا اللقاء،لا سيما في إطار وحدة الأمة وتوجيه رؤاها وتصوراتها في الممارسة الإنسانية النازعة نحو الحداثة،وجعل هذه  الأخيرة طريقة وأسلوبا نحو تقريب موجهات الوعي في المعنى التاريخي،الذي عانى من سطوة التوجيه.

العقل والإرادة

المخاض الفكري الذي انطوت عليه العقلية الحديثة،كان القوام فيه يستند الى فكرة التقدم والتي تجلت في بروز الدور والأهمية للفاعل التاريخي الذي تصدر المشهد الجماعي. ومن دون الانحناء أو حتى الانضواء في تراتبيات الهيمنة التقليدية التي عملت على الإعلاء من شأن الخضوع لقوة التراث،كانت مغالية التثوير في العقل والخروج من دوامة التدجين التي تفرضها هيمنة سلطة بعينها. هذا باعتبار الاستناد الى روح الانفتاح على العالم ومحاولة الخلاص من الرؤية المحلية، حيث توثيق عرى العلاقة بالمستقبل الذي وضعت فيه الآمال والطموحات، انطلاقا من توظيب ملامح الإنجاز في صلب المعرفي والسياسي.باعتبار توجيه جميع الإمكانات نحو الإنجاز المادي المباشر الذي تقوم السياسة بالإشراف عليه، وتحديد معالم الرؤى والتصورات حول العالم انطلاقا من الممارسة والمنجز العقلي. ومن هذا المعطى يمكن الوقوف على تبلور مفهوم الضرورة التاريخية والذي يتم تفعيله من خلال حفز مجال الإرادة.
توجيه النظر نحو المستقبل لم يكن نابذا لأهمية العناية بأمر الماضي، وطريقة الوعي بإمكان الصراع المحتدم فيما بينهما، هذا باعتبار الالتفات الى طبيعة التفاعلات الاجتماعية وما يمكن أن ينجم عنها من صراعات وتداخلات. ومن دون الاعتماد على العامل الأحادي في تفعيل التاريخ، يبرز مكنون التقدم الذي يستمد حضوره من جملة عوامل يكون الأبرز فيها العقل والاقتصاد والإرادة الجمعية، حيث الترابط الجدلي الذي يمكن أن يصوغ ملمح الانسجام والتناسق، المستند الى دور العامل الصناعي في توسيع مجال الإنتاج وتطوير منافذ الاستثمار وصولا الى تحقيق الأهداف التي يترسمها الأفراد والجماعات داخل المجتمع.فيما يضطلع العامل السياسي بدور الحفز والحث للقدرات، من اجل تمكين فكرة التحديث وجعلها في صميم الواقع المعاش.
الانتصار الذي تحقق للعقل في تدبيج فكرة الحداثة، بقي يعاني من التموضع والمحدودية،حيث المجال الذي تخوض في النخبة وكأنه حكرا عليها. إلا أن الدفع بالعوامل الأخرى من اقتصاد وفعل جمعي، كان له الإسهام البارز في توضيح معالم العلاقة داخل مفهوم الاندماج في الوطن، والترفع عن لوثة الانتماءات الفرعية أو الخضوع لسطوة التراث وهيمنة القوى التقليدية داخل البنية الاجتماعية. ومن هذا التوزيع العلائقي المستند الى الربط الصارم بين (( العقل والإرادة)) يكون المنجز الإنساني وقد تبدى حاضرا بقوة في صلب التاريخ، انطلاقا من مستوى الترصد في مجال التوسع عند دور الفاعل الاجتماعي الذي تعمقت وتوطدت علاقته داخل المجتمع، لينجم عن هذا تحديد الدور والغاية والهدف الذي تبدى في صلب مضمون المجتمع الحديث، حيث الوثوق بأهمية التناسق والتدعيم ما بين الدعامة الاقتصادية بمجمل فعالياتها الإنتاجية وقدرة الدولة على التنظيم والإدارة وصولا الى توسيع مجال الحراك الجماعي

نظام التفاعل

في التوسّط الذي يحتلانه ((الذات والعقل)) داخل العلاقة القائمة بين العناصر الرئيسة التي تمثل الواقع الاجتماعي.يبرز السؤال المباشر حول مفهومي النظام والتغيّر اللذيّن بقيا يمثلان نقطة التوتر في توجيه التصورات إزاء المجتمع وطبيعة التفاعلات القائمة فيه.هذا بحساب التطلّع الجديد نحو توسيع مجال الوعي وتفعيل نطاق التفكير،من خلال الاستناد الى الرؤية المنفتحة القائمة على اشتراطات مجال نقد الظواهر والإفلات من هيمنة الثوابت والمسلمات التي تفرضها سطوة القوى القديمة.ومهما كانت ملامح الكبت والثبات الذي تفرضه ملامح التطابق،حيث الاستناد الى فكرة النظام الاجتماعي،وأهمية الاندراج في تفصيلاته وفروضه القائمة على الشروط وهيمنتها التي لا تقبل الإزاحة أو حتى الحركة.يتبدى مضمون الفعل حاضراً بكل وضوح في انقسامية ملفتة،يكتنفه المزيد من حالات التقاطع والفورة العارمة،والت تصدر عن أو حتى ذوات،يرتكز هدفها في كسر الثابت والراسخ،والعمل بحدة نحو الإفلات والخلاص،بطريقة تتجاوز المكنون العقلي،الى الحد الذي ينطوي على الإضرار بالذات وإلحاق الأذى بها.
ما بين الاتحاد الذي يصل حد الاندماج،والفصل الذي يثير النزعة الارتيابية،يكون هذان العنصران ((الذات والعقل)) في أشد حالات الاحتدام حول الظواهر التي تفرد بحضورها على صعيد الواقع الاجتماعي.ومن دون الوقوع في دوامة تقديم عنصر على آخر،أو الاندراج في التراتبيات التي تفرضها حظوة عنصر ما،ورسوخ تأثيره في الواقع.يكون من المجدي توجيه مجال النظر نحو ملامح ترسيم الوعي بالتاريخ،والذي ظل على مدى طويل يقوم عند مجال ((النظام)) الذي استحكم على مجمل النشاط العقلي الإنساني،حيث الوثوق بالعناصر المؤثرة وأهمية اتحادها.ومن أحوال التطور والأوضاع التي فرضتها التغيرات التي طرأت على الواقع الاجتماعي،بحساب تنامي الفعاليات التي ارتبطت بوثوق بترسمات الحداثة،برزت ملامح الفصل ما بين الذات والعقل.لتكون النتيجة وقد تواشجت عند مضمون التغير،الذي غدا الحافز الأبرز في توجيه مسار الوعي لدى المجتمع.وإذا كان الفرض قد توقف طويلاً عند مجال الغاية الثابتة التي توجه مسار التاريخ،باعتبار الالتحام بالفرضيات التي قدمتها المزيد من الجدليات،أو الرسوخ عند مجال الغاية المحددة الذي ترسمته الأديان.فغن نظام التفاعل مع الحداثة قام على النهل من فكرة التغير،حيث توجيه مسار الفعل وحشده في صلب الفعل الاجتماعي،والإقرار بأهمية انبثاق الوعي من صلب العلاقات والأنساق التي تميز المجتمع،من دون الخضوع للمؤثرات الخارجة عنه،ليتبلور مفهوم الفاعلية التاريخية.المنطوي على الوعي الجاد والعميق في أهمية توجيه الإمكانات والفعل نحو المضامين،التي تبرزها الإرادات والتحديات والرؤى والتصوّرات في المجال الخاص،من دون الوقوع تحت إسار التنميطات العقلية،المستمدة من مصدرية أخرى لا كرامة لها سوى سطوة العقلي على حساب الذاتي.

الوعي بالظواهر

ما بين التاريخي وغير التاريخي تبرز المعضلة الأشد حضوراً حول توصيف الوعي المتداول إزاء القضايا الأساسية،التي تواجه مجتمع ما.بل أن الحدود الفاصلة ما بين الحديث والتقليدي تكاد مرتكزاتها تحضر بكل قوة،لا سيما وأن سطوة القديم لا تتوقف عند التوجيه والحث،بقدر ما تكون رواسبها كامنة في اللاوعي الجمعي،الى الحد الذي تستقر مستويات التحليل للظواهر،عند المؤثرات القديمة.وعلى هذا الأساس يحضر الجانب الصوري الموغل في السطحية في تفسير العديد من الظواهر الكبرى،ذات الأثر البارز في تحول المجتمعات،حتى أن التمثل هنا يبقى يعاني من النقص الفاضح،حول ترصد الآليات والفعاليات الرئيسة.خصوصا وأن الاتباع والنقل والاستيراد المباشر،يكون له الأثر البالغ في ترسيم التصوّر المشوه،الذي يكون بمثابة القاعدة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو حتى الخلاص من سطوتها وحضورها الكثيف.
القصور والاضطراب في الوعي بالظواهر،بقي يمثل الدالة الأشد حضورا في المجتمعات التقليدية،حتى كان الالتباس وقد أفرد بأثره في صلب مسألة الحداثة،والتي بقيت تمثل السؤال المفجع الذي يثير المزيد من المواجع والأسى في الذات العربية.حتى أن الكثير من المنظرين العرب باتوا أسرى السؤال المقارنة الذي تم عقده ما بين التجربة العربية في التحديث التي بقيت على حالها الأولى الجنينية،والتجربة اليابانية التي استطاعت أن تشق طريقها بثقة وحضور ملفت.بل أن مجال الإشعاع صار يصدر عنها كقوام قابل للنهل والأخذ بعينها باعتبار الرسوخ والنضج الذي تبدّت عليه في الوسيط الحضاري الدولي.
الفصل الذي بقي يعاني منه العقل العربي في تفسير الحداثة،جعل منهم رهن لثبات الأنماط والسياقات القديمة،حتى أن مكنونات التحليل لهذه الظاهرة بقيت تشرع بأسئلتها نحو الإمساك بشرط التوصيف القديم  بقي يدور في فلك الانتقال من نظام الى آخر.وكأن القضية تتعلق بتحقيب مرحلي،قوامه الخلاص من وضع والإقبال على وضع آخر،من دون الارتقاء الى مكنونات التحول والتي تفرض تقديم الرؤى والتصورات حول الحادث وأثر الفاعل الاجتماعي فيه.بل أن مضمون التلقي يبقى الحاضر الأهم على اعتبار غياب الإمكانات الذاتية وضمور الإرادة الحرة،باعتبار واقع الهيمنة الأجنبية التي فرضت بحضورها على الكيان السياسي العربي،إبان بدء تجربة التحديث،والتي تم النظر إليها باعتبارها حتمية تاريخية،لا يمكن الإفلات من تأثيرها،بعد أن جاء الغازي الأوربي بسفنه ومدافعه ليهدد عقر دار الإسلام في أعقاب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح،أو أن اللقاء الأشد وثوقا جاء متلازماً مع الغزو البونابارتي في نهاية القرن الثامن عشر.ومن الوعي المجزوء الواقع في التفسير اللاحق للظواهر،يكون معنى التاريخ في أشد حالات الالتباس والتداخل،حيث الخضوع للتفسير الجاهز،والذي يتم إلحاقه بالروح تارة أو بالعقل تارة أخرى،حتى كان التشظي في أقصاه.
 طويل.

 

*اسماعيل نوري
14 - سبتمبر - 2006