شخصية المعلم بين التقدير والاتهام
المعلم تلك الشخصية المحببة الى نفوس الطلاب ، والباعثة على خوفهم وذعرهم أيضا ، فمن هو المعلم ?? هو إنسان بسيط غالبا يقوم باحاطة التلاميذ الصغار ، ومعاملتهم ، بطريقة تحبب لهم الدرس ، وتجعلهم بفهمون المواضيع التي يريد إفهامهم إياها ،، وقد تصيبه العدوى أحيانا ، فيتصرف وكأنه في مثل سنهم ، ولقد اختلف الناس ، في شخصية المعلم وكيف تكون ، وخاصة في زمننا هذا ، حيث تطور كل شيء ، في عهد التقدم الحضاري والتكنولوجي ، الذي طال الكثير من نواحي الحياة ، وشمل جميع الميادين ، فكيف كان المعلم قديما ? وكيف أصبح الآن ? كان المعلم قديما محل التقدير والاحترام ، من قبل إدارة المدرسة ، وأولياء الأمور ، ومن قبل التلاميذ ، الذين ينظرون الى المعلم ، وكأنه شخصية خارقة ، لاتقبل الخطأ ، ولا تقترب من الهزل ، الجد يلازمه ، ملازمة ظله ، ما ان يدخل القسم ، حتى يستوي الجميع واقفا ، مرحبا ، ومحترما ذلك الإنسان ، الذي يعلم النشء ، العلوم المختلفة ، فيحظى بتقديرهم واحترامهم ، الم يقولوا في القول العربي المأثور : ( من علمني حرفا ، صرت له عبدا ) والعبادة هذه لا تعني المعنى الحرفي للكلمة ، فنحن في مجتمع مسلم مؤمن بالله ، لا يعبد الا إياه ، ولا يسجد الا للباريء الخالق ، ولكن كثيرا ما تذكر هذه الكلمة ( أعبدك) للتدليل على مدى الحب والتقدير ، وهي تحمل احد المعنيين دون الآخر حسب السياق ، فاذا قلنا للحبيب ( أعبدك) فلا يعني إنني أشرك بغير الله ، اما العبادة بالقول المأثور المذكور ، فإنها تعني التقدير والاحترام
وكثيرا ما كان أولياء الأمور يطلبون من المعلم ان يستعمل كل أدوات الشدة والصرامة ، من اجل ان يقوم أولادهم ، ويرشدهم الى طريق الصواب ،وينتبه لنفسه أولا ويقومها ، ليكون قدوة صالحة للطلاب ، يستمدون منه العلم النافع ، والسلوك الحسن ، كان المعلم يحظى بتقدير الإدارة واحترامها ، تقييمه للطلاب لا احد يستطيع ان يناقشه ، ودرجات امتحاناته كا لميزان ،لا ريب في صحتها ، لم يكن أي أمريء سواء كان من داخل المدرسة او خارجها يجرؤ ان يشك ولو مجرد شك ،،، وفي قلبه فقط ودون ان يخرجه أمام الناس ، اقول لم يكن احد بقادر ان يأتيه الارتياب ،، بشأن التقدير الذي أعطاه المعلم لأحد الطلاب ، ويوم كان السادس الابتدائي تجرى له الامتحانات الوزارية ، كانت درجات المعلم كالسيف ، ليس بمقدور احد ان يتجاوزها ،، وكانت رواتب المعلم ذات قيمة كبيرة ، بحيث يستطيع ان يعيش بها مكرما محترما ، وان يوفر منها للأيام السود التي قد تعترض طريقه ، ويسافر من راتبه هذا ، ونحن نعلم ان قيمة النقود تكون بالقدرة الشرائية التي توفرها ، وان نقودنا الحالية اليوم ، لم تعد قادرة على الإيفاء باحتياجاتنا ، لان المسئولين عن صك النقود ، لم يعودوا يهتمون بان تكون النقود الجديدة تقابل قيمتها ذهبا في البنك المصرفي ، وهذا التلاعب سبب أزمة اقتصادية للجميع بدون استثناء ، ولئلا اخرج عن الموضوع اذكر أنني حين كنت صغيرة وارى المعلمة أمامي ، يصيبني التلعثم والحياء ، من كثرة تقديري لها ، رغم الاجتهاد الذي كنت أتمتع به
اليوم وبعد ان تطورت الحياة ، وليس شرطا ان جميع أنواع التطور التي حدثت من النوع الايجابي ، أصابت رياح التغيير منزلة المعلم بين الطلاب والناس وأولياء الأمور ، لم يعد المعلم ، ذلك المخلوق الذي يصيب على الدوام ، والذي لا يتجرأ الخطأ على الاقتراب منه ، ولم يبق الحكم والفيصل في الأمور التعليمية التي يجري الاختلاف حولها ، ولم يعد الطلاب يسمعون ذلك المسكين الذي لم يستطع ان يطور أدواته التعليمية ، رغم أنواع التطور التي تحيط بحياتنا ، وهذا التطور ليس المعلم مسئولا عنه وإنما إدارات المدارس ، ووزارة التعليم في كل قطر عربي ، فهذه الوزارات لا تتبع جميعها سياسة تعليمية واحدة ، ففي دول محددة ادخل الكمبيوتر في التعليم في بداية الثمانينات ، بينما في العراق الذي يعتبر من الدول المتقدمة في مضمار التعليم ،،، لم يستطع إدخال الأساليب الحديثة الا في بعض المدارس النموذجية والتي يطلق عليها اسم ( المتميزين)
أصبح المعلم في وقتنا الحاضر تلك الضحية التي يحلو للجميع ان يوجهوا اتهاماتهم إليها ، في القسم يثير الطلاب الأشقياء الفوضى ،، والمعلم المسكين يجد نفسه عاجزا عن وضع حد لهذه الشقاوة ،، التي لا يعلم من اين تنطلق ? أصبح المعلم ولاسيما من أصبحت له فترة طويلة في المجال ،،،عاجزا ان يسمع او يرى ، او حتى قادرا على الضبط ، وبعد ان كان القسم من شدة الهدوء بحيث ترمي الإبرة وتسمع صوتها ، أصبح القسم من شدة الفوضى يكاد لا يسمع صوت المعلم وهو يشرح الدرس ، وانا اعني المدارس الخاصة ، والمدارس الحكومية التي يكون في القسم الواحد اكثر من خمسين طالبا او يزيد
وبالنظر لارتفاع الأسعار المطرد ، ولان النقود المسكوكة مجرد أوراق لا قيمة لها ، أضحى المعلم يعاني من شظف العيش ، ومن الفاقة المستديمة ، وكل هذه الأمور جعلته عاجزا عن الاهتمام بأناقته التي يعطيها المفتشون في وزارة التربية 30 بالمائة من قيمة التقدير ، يضاف لها الشخصية المهيمنة على الطلاب ، والقدرة على الضبط ، وامتلاك المعلومات ،، والقابلية على التوصيل ، فليس كل من امتلك المعلومات الكبيرة بقادر ان يكون معلما مقنعا للطلاب حائزا على تقديرهم
أصبحنا الآن نسمع دعوات كثيرة عن شخصية المعلم ، وكيف يجب ان تكون ، بعض الآراء تقول ان المعلم إنسان ، بحاجة الى أشياء عديدة له ولأسرته ، فيجب ان نوفر له احتياجاته قبل ان نطلب منه ان يكون معلما قديرا ،، وناجحا ان ينقل العديد من الناس من الظلمات الى النور ، البعض الآخر من الآراء تذهب الى ان المعلم يجب ان يتماشى مع سنن التطور ، وان طرق التدريس التي نجدها في الدول المتقدمة ، يجب ان يسير على نهجها معلمونا ، ويدافع هؤلاء عن وجهة نظرهم بان المعلم هو اصل العملية التربوية ، وانه علي عاتقه يقع امر تحويل البلاد من حالة الجهل التي تعيش في غمارها ، الى حياة التقدم والازدهار التي تشهدها الأمم المتقدمة ، مثل أمريكا وبريطانيا ، ويضيف بعضهم ان المعلم بدلا من ان يردع التلميذ ويمنعه من إثارة الفوضى ، ويجبره على استظهار الدروس ، عليه ان يصادق هؤلاء الطلاب ، ويكسب قلوبهم / وبذلك يقبلون على التعلم بحب ، ويتناسى أصحاب الرأي الأخير انه من الصعب جدا بل المستحيل ان ننقل حياة طفل صغير من الخوف المستمر الذي يشعر به تجاه الأب او السلطة السياسية مثلا ،، الى ديمقراطية التصرف والسلوك ،، التي لابد لها من مران طويل حتى تنجح وتأتي اكلها
يجب على قادة الراي في بلادنا ، ومن يدرسون الحالة التعليمية ويضعون لها الحلول الناجعة مما الم بها من تأخر ان يأخذوا حالة المعلم ، ويتناولوها بالدراسة المستفيضة ، ليمكننا ان نتصدى للحالة المتأخرة التي يعيش بها تعليمنا ، وان يحاولوا ان يعدوا المعلم إعدادا صحيحا ومناسبا ، ويوفرون له طرق التدريس ، في الريف مثلا تختلف عن المدينة ، كما يجب ان يولوا المعلم الاهتمام المناسب ، الكفيل بتمكينه من الساهمة وبنجاح ، من إخراج الطلاب من حالة الجهل التي يعيشون بها ،، الى حالة من التطور والازدهار تنشدها مجتمعاتنا ، بعيدا عن أسلوب التلقين الذي يعمل به بعض معلمينا ، فيفقد طلابنا نتيجة ذلك الأسلوب الخاطيء شخصيتهم المستقلة القابلة على فهم الدرس واستيعابه ، بعد مناقشته مناقشة تامة ، فليست كل الأمور التي تناسب الغرب ، ناجحة التطبيق في حياتنا العربية ، التي يجب ان نربي النشء بها على احترام مبادئنا ومثلنا ، لان الحياة لا تستقيم ولا تتطور بدون الاهتمام بالخلق الرفيع الذي يميز امة من الأمم ، وامتنا العربية ما كان لها ان تلعب ذلك الدور الريادي في حضارة العالم ، الا بعد ان كانت رسولا للأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة
صبيحة شبر |