البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : إسرائيل تهاجم أهدافاً مدنية في لبنان    قيّم
التقييم :
( من قبل 8 أعضاء )
 معتصم 
22 - أغسطس - 2006

روبرت فيسك

الجسر الجميل الذي يمتد فوق طرف الجبل في بيروت أصبح هدفاً "إرهابياً". الإسرائيليون هاجموا الطريق السريع الدولي من بيروت إلى دمشق بعد الفجر بقليل منذ أيام وألقوا بقنبلة عبر الفتحة المركزية للجسر الذي بنته شركة إيطالية - وهو رمز للتعاون بين لبنان والاتحاد الأوروبي - مما تسبب بانهيار الأسمنت المسلح للجسر مسافة مئات الأقدام إلى الوادي تحته. كان مصدر فخر لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وجه للبنان الجديد، والآن هو مجرد هدف "إرهابي".
وهكذا قدت سيارتي بحذر شديد على طول الطريق الجبلي باتجاه البقاع، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق في السماء فوقي - وما إن عدت إلى الطريق السريع حتى وجدت حفرة بعمق 50 قدما وكانت امرأة مسنة تنزل بحذر من أحد الجوانب على يديها وركبتيها محاولة الوصول إلى منزلها في الوادي الذي كان يتلألأ شرقاً. هذا أيضا أصبح هدفا "إرهابياً".
الأمر الآن هو نفسه في جميع أرجاء لبنان، في الضواحي الجنوبية حيث يوجد مركز قيادة حزب الله فجرت قنبلة ضخمة أطراف مبنى سكني قرب كنيسة، مما أدى إلى تحطيم النوافذ وانهيار الشرفات على السيارات الواقفة في الشارع. هذا أيضاً أصبح هدفاً "إرهابياً". تم إخراج رجل يتلوى من الألم ومغطى بالدم.
هدف "إرهابي" آخر وعلى طول الطريق إلى المطار كانت هناك جسور مكسورة وطرقات مليئة بالحفر. جميع هذه كانت أهدافاً "إرهابية".
في المطار، كانت ألسنة النار تندفع إلى السماء من خزانات وقود الطائرات، هذه أيضاً كانت أهدافا "إرهابية". وفي مكان آخر، هاجمت إسرائيل محطة توليد الكهرباء. هذه أيضاً كانت هدفا "إرهابيا". ومع ذلك عندما توجهت بسيارتي إلى مقر قيادة حزب الله، وهو مبنى مرتفع في حارة حريك، كان سليماً تماماً.
إذاً هل يمكن مسامحة اللبنانيين. وهل يمكن مسامحة أي شخص هنا - لاعتقادهم أن الإسرائيليين لديهم مصلحة أكبر في تدمير لبنان مما لديها في استعادة الجنديين الإسرائيليين?، لا عجب أن الخطوط الجوية الوطنية اللبنانية، فيدل إيست إيرلاينز، قامت بتهريب طياراتها من مطار بيروت إلى عمان قبل أن يلاحظ الإسرائيليون ذلك.
تحدث سياسيون أوروبيون عن رد إسرائيل "غير المتناسب" على أسر الجنديين الأربعاء الماضي. إنهم مخطئون. إن ما أراه في لبنان كل يوم يثير الغضب العارم. كيف يمكن أن يكون هناك أي عذر لعشرات القتلى المدنيين اللبنانيين? الشيء نفسه ينطبق على مدنيين إسرائيليين قتلا في هجمات حزب الله الصاروخية. ولكن الرجاء ملاحظة أن معدل القتلى المدنيين الإسرائيليين مقارنة مع القتلى المدنيين اللبنانيين وصل الآن إلى أكثر من 1 مقابل 30، هذا لا يشمل الطفلين اللذين تبخرا في منزلهما في الدوير يوم الخميس ولم يتم العثور على جثتيهما.
أشقاؤهما الستة دفنوا أول من أمس، بالإضافة إلى والديهما. هدف إرهابي آخر. وكذلك كان الأمر بالنسبة لعائلة مجاورة مع خمسة أطفال دفنوا أول من أمس أيضاً. هدف إرهابي آخر.
إرهابي، إرهابي، إرهابي. هناك شيء منحرف في كل هذا القتل والتدمير الهائل والاستخدام المستمر والسرطاني لكلمة "إرهابي" لا، دعونا لا ننس أن حزب الله انتهك القانون الدولي وعبر الحدود الإسرائيلية، وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وأسر جنديين آخرين وعاد بهما عبر الحدود. كان عملاً قاسياً محسوباً ولم يكن يجب أن يسمح لقائد حزب الله حسن نصر الله أن يبتسم ابتسامة عريضة خلال مؤتمره الصحفي. لقد جلب ذلك مأساة غير متوازية على أبرياء كثيرين في لبنان. وبالطبع، ودفع هذا حزب الله لإطلاق عشرات الصواريخ الكاتيوشا على إسرائيل.
ولكن ماذا كان سيحدث لو أن الحكومة اللبنانية الضعيفة هي التي كانت قد قامت بقصف جوي على إسرائيل آخر مرة عبر فيها الجنود الإسرائيليون الحدود إلى لبنان? ماذا لو أن القوى الجوية اللبنانية قتلت حينها عشرات المدنيين الإسرائيليين في غارات على عسقلان وتل أبيب والقدس الغربية? ماذا لو أن طائرة حربية لبنانية كانت قد قصفت مطار بن جوريون في اللد? ماذا لو أن طائرة عسكرية لبنانية دمرت 26 جسراً في إسرائيل? ألن يسمى ذلك "إرهاباً"? أعتقد أنه كان سيسمى كذلك. ولكن لو أن إسرائيل كانت هي الضحية، لأدى الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، ربما.
بالطبع، لا يستطيع لبنان أن يهاجم تل أبيب. قواتها الجوية تتألف من ثلاث طائرات هوكرهانز القديمة ومجموعة من الطائرات المروحية القديمة. سوريا، على أي حال تملك صواريخ تستطيع أن تصل إلى تل أبيب، ولذلك فإن سوريا لن تتعرض للقصف. لبنان هو الذي يتعرض للعقاب. ومع ذلك نقول إن الخراب الذي لحق بلبنان هو "غير متناسب" ونطالب بضبط النفس. أول من أمس ظهر أن القيادة الإسرائيلية تنوي "كسر" حزب الله وتحطيم "سرطانه الإرهابي". حقاً? هل يعتقد الإسرائيليون فعلاً أنهم يستطيعون "كسر" إحدى أقوى المنظمات المسلحة في العالم? وكيف?.
منذ أيام اهتزت بيروت مرة أخرى على أصوات انفجار القنابل بعد أن دعا السنيورة الرئيس بوش لإنهاء العنف. قال السيد بوش إنه سيطلب من الإسرائيليين التقليل من الخراب، لكن هذا هو السيد بوش نفسه الذي أمر الإسرائيليين بمغادرة مدينة جنين الفلسطينية عام 2002، وبعد ذلك لم يفعل شيئاً عندما تجاهله الإسرائيليون. وكما قال الدبلوماسي الأمريكي البارز نيكولاس بيرنز من وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين بشكل غير رسمي في باريس هذا الأسبوع، "سوف نعارض أي قرار في مجلس الأمن ينتقد إسرائيل".
وفي الوقت هذا تستمر الأكاذيب. يقول الإسرائيليون إن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن هجمات يوم الأربعاء الماضي في الوقت الذي يعرفون فيه أن الأمر ليس كذلك، حزب الله يهدد بقصف حيفا، وبعد أن تنفجر الصواريخ في حيفا يدعي أنه لم يقم بإطلاقها. وبعد ذلك هناك تلك الأهداف "الإرهابية" المدنية بالكامل.
كلما هاجمت إسرائيل لبنان، تطلق أسماء عملياتية لاستخدامها العسكري وأسماء مزيفة للاستخدام الإعلامي الدولي. في 1982 قالت إسرائيل للصحافة إن غزوها للبنان كان اسمه "عملية السلام للجليل" لكن اسم العملية العسكرية الحقيقي كان "عملية كرة الثلج" وكرات الثلج، بعكس السلام، تكبر أكثر فأكثر فيما تتدحرج إلى أسفل التلة. بالأمس أعطي الصحفيون الاسم المزيف لهذا القصف الأخير: "عملية الأجر العادل". عندما نعرف اسمها الحقيقي، سنعرف ربما ماذا يكمن وراء - حمام الدم الأخير هذا - إلى جانب الإرهاب، الإرهاب، الإرهاب.


نشر هذا المقال في صحيفة الإندبندنت البريطانية و قامت بترجمته إلى العربية و نشرته صحيفة الوطن السعودية  بتاريخ 18 يوليو 2006 .

تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة