الأم الصغيرة ( من قبل 7 أعضاء ) قيّم
المرأة 0000حتى هذه اللحظة وأنا على مشارف الخمسين ، أحاول فهمها واشتبك دوما مع أحلامها وأغوص فى مشكلاتها ، ولم أصل بعد إلى االقناعة الكاملة بأننى فهمت المرأة أو على الأقل كونت فكرة قاطعة حاسمة عنها 0 الطريق طويل 00طويل وشاق وعنيف 000والعمر يجرى بأسرع ما يمكن أن تكون هناك سرعة 000ربما أصل ، أو لا أصل 0 منذ نعومة أظافرى _كما يقول الأدباء _وأنا مغروس فى حياة المرأة 00خرجت إلى الحياة ، وجدت أما صغيرة تزوجت وهى فى الخامسة عشر من عمرها ، دخلت الحياة وهى تحمل هموم العالم ومشكلات التعامل مع الناس والأهل والأقارب 0 تحكى لى أمى عن حياتها تقول : ولدت وقبل أن أبلغ السنتين من عمرى انتقل أبى إلى رحمة الله تعالى ، تاركا إياى وحيدة ، صغيرة ، غضة لا أعى من أمر الدنيا شيئا 0000أمى صمدت معى قليلا ، تحاول الثبات على المبدأ أن تربى وترعى إبنتها الوحيدة اليتيمة ، التى لاحول لها ولاقوة 0وتحت ضغط أسرتها تزوجت 0 وأصبحت أدور بين أعمامى وعماتى وأهل والدى وأيضا أسرة والداتى 000ذهبت إلى إلى المدرسة الإبتدائية بالقرة ، ولكن عدم الرعاية والمتابعة لم أحصل على شهادة الإبتدائية _البنت للبيت _ هذا هو الشعار فى الأربعينيات _ ربما ولازال فى أيامنا الحالية ، وصرت دمية تتحرك بين الأهل ، وفجأة أجد نفسى مخطوبة لرجل يكبرنى بستة عشر عاما ، هو أبوك ، الذى أحجم عن الزواج مدة طويلة وتزوج أشقاؤه الأصغر منه وأنجبوا الذكور والإناث وهو مصصم على العزوبية 0 لم أعترض على شىء ، ربما كان الزواج خيرا لى وحلا حاسما وقاطعا لحياة اليتم 0 تصمت أمى 0000ثم تواصل حديثها ضاحكة وتقول : كنت صغيرة جدا ، لم يكن لى صدرناهد ، وتغلبوا على المشكلة بأن حشوا السوتيان قطنا حتى يصير لى صدرا ، لم أعرف ولم يصل بعد إلى علمى ماهى الحياة الزوجية ??وكيف اعيشها وأتعامل معها 0000??? تقول أمى وعيناها تغيم بالدموع : كان والدك يرحمه الله ، رجلا عاقلا ، متفهما ، ساعدنى بكل ما يستطيع على إدراك الكثير من الأمور ، أخذ بيدى ، لم يتركنى وحيدة ، ملأ حياتى ، عشت فى وسط أسرة كبيرة العدد ، متعددة الإتجاهات ، أصحاب مجد ، وعائلة مشهورة ، وقوية ، هم أصحاب البلد ،العمودية منهم ومشيخة القرية وأصحاب كلمة وسيطرة ، فيهم الرعونة ، وفيهم العقل، ومنهم الكثير من المتعلمين 0 تقول أمى : أحببت هذا الرجل وشعرت مع بالأمان ، كان أبا وصديقا وأخا ، تقول أمى : ألف رحمة عليه 0 ولما أدركت أنا (عبدالرؤوف ) الحياة ووعيتها ، وجدت أمى الصغيرة ، مثابة وأمنا وطمأنينة وهدؤا، شعرت معها وبوجودها فى حياتى ، أنها صديقة وزميلة ، أخت ، تعاملت معى معاملة الكبار ، وجدت نفسى كبيرا وأعتقد أن الطفولة كانت شيئا منسيا ، وأتذكر قول تشيكوف "الطفولة 000أنا ليس لى طفولة " 000حملت الهم مع أمى ، والتى تراعى أطفالا صغارا هم أشقائى ، مشفقا عليها ، حنونا بها ، حاولت صغيرا وكبيرا العطف عليها واحترامها وتقديرها وتوقيرها ، مدافعا عنها ، ومكبرا لرأيها ، وسعيدا بحديثها ، ومؤيدا لتصرفاتها ، حتى أن والدى يرحمه الله كان إذا اشتد به الضيق وحاول أن يبيع أرضا أو يعمل عملا قد يضر بالعائلة (بيع بهائم أو بيع محاصيل) البيت فى حاجة اليها ، تقف أمى أمامه وتعترض ، وينظر أبى ويجدنى فى وجهه فيضحك ويقول : خلاص ابن أمه قاعد معانا وحيدافع عنها 000 ساعدتنى على الإنكباب على القراءة، تقر أ معى الكتب المدرسية ، تسَمع لى ما أحفظه من القرآن ، عبثت بمكتبة والدى ، يوجد فيها كتب قيمة ، تفاسير ، كتب فقه الإمام الشافعى وأبى نيفة ، محلة الرسالة للزيات ، دواوين شعر المتنبى المعرى كتب طه حسين والعقاد مجلات لا حصر لها 0واصلت االقراءة بنهم والتنقيب فى بطون الكتب الأغانى وابن إياس والجبرتى 0 صغيرا كنت وأمى تتهجى مع الكلمات ، تحافظ على كتبى ومجلاتى ، ولن أنسى ما حييت أن مكتبتى قد إمتلأت ، والكتب متناثرة هنا وهناك ، فلم أجد سوى دولاب الملابس ، واحتلت الكتب جميع الضلف، وخرجت الملابس مطردة تجرجر أذيال الخيبة ،منكسة الرأس مهزومة شر هزيمة ، غضبت أمى فى بادىء الأمر ثم وجدت أن الغضب لن يجدى فتيلا 0000وأصبح الدولاب هو المكتبة لكل جديد اشتريه 0 احتلت أمى من نفسى وروحى وكيانى مكانة سامقة ودرجة رفيعة وقدرا كبيرا 0 لم تبخل بخيرات البيت على الفقراء والمعوزين سرا ، تمد يد العون وبقوة ، حريصة على الكرامة ، فأحبها الجميع بلا إستثناء ، وأكرموا سيرتها وأكبروا إسمها ، وقدروا أفعالها الخيرة وعطفها وصدقها وكلمتها القاطعة والتى لاتخشى فى الله لومة لائم 0 زرعت فى نفسى الحب والحنان والإهتمام بالناس والترحيب بهم والتعامل الإنسانى معهم 0 أثرت أمى فىَ تأثيرا لايمكن أن ينسى ، وكثيرا وكثيرا جدا أختلف معها فى موضوع ما ، وأخشى أن أخدش رأيها أو تشعر برفضى له ،فيكون الصمت ملاذا لى وملجأا0 عظيم الشكر للأم العجوز من ابنها العجوز أيضا ، والتى تحب مناداته (رؤوف أو رأفت )0 والشكر كل الشكر للأستاذ /جميل 00ياأيها الرجل الجميل 0 ************************************* من دفترى هذه الصفحات كتبتها فى فبراير 2000م |