خبر طريف من أجل التوضيح كن أول من يقيّم
كنا نفرًا قليلا ممن يجري الشعر على ألسنتهم في سن مبكرة ، وكان شيخنا يترقب منا كل بادرة شعرية ويتظاهر بالطرب لما يسمع منا ، واتفق يوما أن جئناه بأبيات معدودات وجميعنا قالها على قافية النون المفتوحة وهي من أسهل القوافي وأوسعها ، فتناول الشيخ أوراقنا وتأملها مليا ثم مزقها وقال :
عرفت موهبتكم من أول يوم قرأت فيه أشعاركم وكأنها الزغَبُ ، وكنت أستحثكم لتترقى الموهبة إلى درجة النبوغ ، واليوم أهنئكم فقد أمسكتم بأول خيوط النبوغ فلا تلتفتوا إلى ما جربتم فيه موهبتكم وخذوا مكانكم في طريقك النبوغ والله يوفقكم .
بهذه الكلمات أو ما في معناها كانت نصيحة شيخنا ، ومنها أدركنا أن الموهبة هي أول درجة تهيئ للصعود في سلم النبوغ فلا نبوغ بغير موهبة ، ولكن قد توجد الموهبة وتكون خاملة لا تحرك صاحبها مادام لا يتحرك بها فيقتلها وهي وليدة كأنها موؤودة بين المواهب اليانعات .
قلت : فالموهبة بداية وأساس ، ثم يأتي النبوغ من أمور أخرى خارج نطاق الموهبة ، وقريب من هذا ما قاله الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه ( قشور ولباب ) ، والموهبة تلتهب بالمشاعر الجياشة كالحب والفخر والحماسة و..... ، فعشق عنترة لعبلة كان أقوى هذه العناصر التي رفعته إلى النبوغ ، وأما شجاعته فهي مما يسميه علماء النفس عوامل التنبيه للفت الأنظار ؛ والعشق عند عنترة وغيره لا يكفي للتنبيه وحده فلا بد من إظهار البراعة في أمر يغري محبوبته بحبه ويجعلها تتعلق بهذا الحب وذلك المحبوب ، فقد وجدت في شجاعة عنترة شيئا ترغب فيه كل فتاة ليحميها من أي عدوان وخصوصا في مجتمع الجاهلية حيث لا قانون ولا نظام غير منطق القوة ، ويؤيد هذه الوجهة ما رووه أن أباه لما أمره بالكرّ ، قال عنترة : ( لا يحسن العبدُ الكرّ إلا الحلب والصرّ ) فلما أعلن عتقه كر وفر وقاتل حتى انهزم العدو ورجع قوم عنترة بانتصارٍ وغلبة ، وشعره الحماسي خير شاهد .
هما إذن عاملان من عوامل النبوغ عند عنترة : الحب وإظهار الشجاعة .
وأدع لإخوان الموقع فرصة المشاركة و ( النبوغ ) في دراسة المسألة وبالله التوفيق . |