مفعولاتُ وبحر المقتضب كن أول من يقيّم
أستاذي الفاضل زهير كرمٌ منك أن تتفضل بمداخلتك القيمة على ما طرحته هنا وغاية الجود في أن تكرمني بالانضمام إلى قافلة السراة، على قلة ما في اليد من علم. فلك من الشكر أوفاه .. وكم سعدت بمباركتك بشهر رمضان، وها أنذا أرد لك المباركة بالمثل وأوفى، وأنتهزها فرصةً لإزجاء المباركة إلى جميع سراة الوراق، داعياً أن يبلّغ الجميع أجر ليلة القدر، وأن يعيده عليهم أعواماً عديدة، وهم بألف خير وعافية.. ولقد سعدتُ أكثر وأكثر بذكرك أستاذي سليمان أبو ستة بما هو أهل له، وإن كنت أراه في طروحاته العروضية القليلة أعلى كعباً من الشيخ جلال الحنفي، على ثراء ما أورده في كتابه (العروض). فأستاذي سليمان صاحب رأي فذ، ونظرية متفردة في علم العروض، أبرزها في كتيبه القيم: (في نظرية العروض العربي). *** وقبل البحث عما أشرتم إليه، أودّ أن نُقرّ أولاً بأن الخليل رحمه الله، قد أثبتَ هذا البحر في عروضه، على ندرة شواهده لديه. فقد أشار الأخفش والزجاج من بعده إلى قلته، وأنكرا معاً أن يكون المقتضب والمضارع من شعر العرب، وزعما أنه لم يُسمع منهم شيء من ذلك. ورأى المعري أنهما من مستحدثات عصر الخليل، وليس لهما أصل في الشعر العربي. ونظراً إلى قلة المنظوم عليه؛ فلقد كان من الصعب معرفةُ زحافاته الحقيقية، وتوهم العروضيون بالتالي أن (مفعولاتُ) لا ترد إلاّ على (فاعلاتُ) بسقوط واوها، أو (معولاتُ) بسقوط فائها لزوماً، وهو ما سموه (بالمراقبة في المضارع). إلاّ أن كثرة ما كتب على المقتضب فيما بعد، وخاصة من قبل الوشاحين الأندلسيين، الذين جددوا في صوره كذلك، أعاد إلى (مفعولاتُ) اعتبارها، فكثر استخدامها لديهم. بل إن الوشاحين تجرؤوا على استخدام جميع زحافاتها الأخرى مثل: (مفعولَتُ، فعولَتُ، فعِلاتُ ... الخ) على الرغم من قبح بعض هذه الزحافات. يقول ابن زهر: أدِرْ أكؤُسَ الخَمْرِ (فعولاتُ مفعولن) عنبريّةَ النَّشْرِ (فاعلاتُ مفعولن) إنَّ الروضَ ذو بِشْرِ (مفعولاتُ مفعولن) ومثلها لأبي بكر بن رحيم: مَنْ صَبا كما أصبو (فاعلاتُ مفعولن) فَهْوَ للصِّبا نَهْبُ (فاعلاتُ مفعولن) واعلمْ أيّها القلبُ (مفعولاتُ مفعولن) وهي كثيرة فيما أبدعه الوشاحون من قوالب المقتضب الأخرى. ولعل الدماميني كان أول من ذكر شاهدها، بقول الشاعر: لا أدْعوكَ منْ بُعُدٍ=بل أدعوكَ من كثَبِ وقد أورده الغلاييني، وذكر غيره: والأهوالُ مزبدةٌ=بالظلامِ تصطخبُ |