آخ من جدودي .... تكوين الذاكرة     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :     
أفتح اليوم هلالين في ملف الذاكرة والزمن المتحول للحديث عن العلاقات والروابط العائلية التي تشكل البؤرة الأولى لتشكل الشخصية الفردية في خلجاتها الأولى ، الأقوى والأعمق والأشد تأثيراً . هذه الأحاسيس والانفعالات المتأتية من المحيط العائلي وما ينسجه من حولنا من خيوط تحد من إمكانيات الخيار المتاحة لنا بشكل لا يرقى إليه الشك ، وتحدد غالباً مسيرة حياتنا لأننا نتاج له ، عروة في خيوط النسيج ، مجرد نقطة في بحر شاسع وفي أسر ليس منه فكاك .
هذه الظروف العائلية المحيطة بنا ، ومنذ اللحظة الأولى ، هي الحقل الذي تنمو فيه نبتة حياتنا وهي بالتالي مؤثرة ومقررة بشكل لا يرقى إليه الشك . هي مؤثرة في ظروفنا الواقعية لجهة المستوى المادي والثقافي والإجتماعي ، لكنها أيضاً ، وهو الأهم في موضوعنا ، الحجر المؤسس للذاكرة الانفعالية والنقطة الأبعد التي نتمكن من خلالها تقييم إدراكاتنا وأحاسيسنا .
وبما أن أحاسيسنا الأولى هذه هي وحدة القياس المرجعية والرئيسة والتي تشكلت من خلال العلاقات الأساسية التي عرفناها في طفولتنا ومحيطنا العائلي ، فإن هذه العلاقات تتحول ، وبشكل غير واع ، إلى أنماط نقيس عليها ونعيد إنتاجها بطريقة غير واعية .
نعم ، نحن نكرر الماضي ونعيد إنتاجه بطريقة لا واعية ونحن غالباً ما ندعي العكس . إنها لعنة أبدية نكررها ونحن مستلبون تماماً ولا نملك إزاءها غالباً ما يكفي من الإمكانيات ، ولا من الوعي ، ولا من الإرادة لكسر هذه الحلقة والخروج منها نحو أفق أشد ملائمة للواقع ، وأكثر تكيفاً مع حاجاتنا الشخصية .
هذا النوع من العلاقة السلبية مع الماضي والإرث العائلي المهيمن يشكل اليوم فرعاً في الدراسات النفسية الحديثة يسمى ب : " العلاقة بين الأجيال "
" liens transgenerationnels " . وغاية هذا العلم شفاء بعض الأمراض النفسية المتأتية من بعض العلاقات المختلة بين الأجيال . لكن اهتمامي به جاء لغاية أخرى وهي دراسة ومراقبة هذه العلاقات وتسليط الضوء عليها بصفتها جزءا مؤسساً وأساسياً في تكوين الذاكرة .
لن أدعي بأنني سأتمكن من الإحاطة بموضوع شائك وبعيد المدى زمنياً كهذا الموضوع ، طموحي لا يتدعى رغبتي في أن أنسل خيطاً أو خيطين من هذه الكرة المعقدة والمتشابكة رغبة مني في تسليط الضوء على هذا الجانب المعتم والأكثر عمقاً في شخصية الإنسان .
كنت قد وقعت على كتاب في علم النفس من تأليف الأستاذة في جامعة نيس ، والمعالجة النفسية الدكتورة : Anne Anceline Schutzenberger هو بعنوان :
Aiie , mes Aiieux
بما ترجمته بعبارة : " آخ من جدودي " والطبعة التي بين يدي تحمل الرقم 15 وهو صادر عن دار :
Desclee de brouwer / La meridienne
|