البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : أحاديث الوطن والزمن المتحول    قيّم
التقييم :
( من قبل 39 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
11 - يونيو - 2006
كان الأستاذ السعدي قد طرح ذات مرة تساؤلاً حول علاقة التاريخ بالسيرة الذاتية . حيرني بوقتها ذلك السؤال لأن المسألة تبدت لي بديهية ، ولما فكرت فيها ، استنتجت بأن التنظير لها صعب للغاية . فالسيرة الذاتية هي تاريخ شخصي تتقاطع أحداثة مع مجريات الحدث العام ، بالصدفة يحدث هذا التلاقي في الزمان والمكان ، هكذا يبدو ......  إنما مقاصد السؤال الذي طرحه كانت ربما : كيف تحكي السيرة الذاتية التاريخ العام ?

عندي مثال ساطع على هذا تعلمت منه أكثر مما تعلمت من كتب التاريخ . فجدتي ، رحمها الله ، كانت تقص على مسامعنا سيرة عمرها الطويل وتعيد تردادها بدون كلل أو ملل . منها تعلمت تاريخ طرابلس ، تقصه مشفوعاً بأخبار الذين كانوا من حولها ممن مات ، أو عاش ، أو ولد ،  قبل " الطوفة " مثلاً( طوفان نهر أبو علي ) أوبعدها ، ومن كسر يده في الزحام ، أيام ثورة القاووقجي ، أو عندما جاء ابراهيم هنانو إلى طرابلس ، وأين اختبأوا أيام " ثورة شمعون " . وتحكي أيام الأنكليز وكيف انتشروا بوقتها على شاطىء البحر ، وكيف جاء الفرنسيون بعسكر السنغال ، وعن أيام السفر برلك ورحلتهم مع الجوع والعذاب والجراد والمرض آنذاك ، وعن جيرانها اليهود وعاداتهم ، وكيف كانت طرابلس في ذلك الحين : الأحياء ، البيوت ، الطرقات ، النهر ، السوق ، القلعة ........ تاريخاً موثقاً بالأسماء والأرقام والوقائع من ذاكرة نبيهة صاحية ، ظلت طوال حياتها تنظم وتؤطر وتسلسل تلك المعلومات وتعيدها على مسامعنا على شكل حكايا ، تاريخاً متماسكاً كانت وحدها تعرف سره ، وتعرف كيف تمسك به بقبضتها الواثقة . كيف لا وهي من كان يعرف كيف يحصي ويحفظ كل شيء : الأرقام ، التواريخ ، الأعمار ، و عدد درجات السلالم التي تطلع عليها ، أو عدد حبات الزيتون التي تأكلها في كل وجبة ، ومواقيت الفصول والأعياد والزراعة في الحساب الشرقي وبحسب هلة القمر ، وحتى لو قامت بحشو الكوسى فإنها ستضع فيه " الحبة فوق الحبة ، والرزة فوق الرزة " تحسبها بالمثقال .

 ولطالما تساءلت عن سبب إصرارها على إعادة تلك القصص التي كنا نتذمر منها ونتأفف لها أحياناً . وفهمت بأن الزمن قد تحول وتبدل كثيراً من حولها ، وأنها تحاول ان تمسك بماضيها ، ان تستعيده على طريقتها . وبالرغم من أنها كانت تروي حياتها كأمتداد لحياة من سبقها أو تلاها من الأجيال ، بدون إسراف أو بطولة ، أو حتى خيال ، سرد مجرد سرد واقعي يسجل الوقائع ويثبتها في الذاكرة ، إلا ان تلك الذاكرة كانت تغربل وتنقح وتختار لحظتها وموضوعها ، وهي بالتالي إنتقائية . فالذاكرة هي إعادة إنتاج للواقع بحسب فهمنا للذات وللآخر .

هكذا خطرت لي فكرة هذا الموضوع ، إعادة إنتاج التاريخ من خلال السيرة الذاتية . وهذا ما سأحاول الكتابة فيه ، لكن ليس لوحدي : أدعو الجميع للمشاركة في هذا الملف من منطلق إعادة كتابة تواريخنا الشخصية : عبرها ، ستتبدى لنا أشياء كثيرة كانت مطوية في غياهب النسيان ، وستفتح لنا ربما شبابيك على الحاضر لو استطعنا أن نمسك بتلابيب الماضي ونستقرأ أبعاده .

اعتبروا هذا الملف كأنه صندوق تبرعات ، وليتبرع لنا كل واحد بحكاية من طفولته أو تاريخه الحاضر ، أو حتى تاريخ عائلته . كل المطلوب هو أن تكون هذه القصة واقعية ومختصرة ، وأن يجهد قليلاً في جعلها ممتعة لدى قراءتها .

أتمنى لنا حظاً سعيداً .

 

 37  38  39  40  41 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
هذا الليل الذى طغى    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
       

عيد الأضحى المبارك من أعيادنا الإسلامية الخالدة والمتوارثة 0

إنه وكما نقول ،فى مصر المحروسة ،العيد الكبير 0
كنا أطفالا نعدو وراء المنادى وهو يسحب (عجل جاموس) مزينا بالورود بين قرنيه ويخترق الشوارع والحارات ،وهو ينادى ويتغنى بالذبح العظيم فداءا لسيدنا إسماعيل عليه السلام 0
كنا نلهث من التعب ونمتلأ بالسعادة والسرور 0
 
كان هذا اليوم هو يوم الوقوف بعرفة ،وتحاول الأمهات أن يجبروننا على صومه وحتى ننال الثواب العظيم والجنة هى المستقر والمقام 0
أتذكر كم كانت السعادة تشملنا ونتسابق فى الحكى 0
 من الذى سيصمد فى الصوم ???
عيد الأضحى موروث دينى يتسرب فى شرايين العقل وتلافيف القلب 0
 
أتذكر ،صغارا كنا ،نستيقظ فجرا حتى نصلى صلاة الفجر وننتظر حتى نصلى صلاة العيد ،ونردد مع الكبار (الله أكبر الله أكبر كبيراوالحمدلله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا  ،حق    لا إله إلا الله000)
 
اليوم 000يصرهذا الليل الأمريكى الذى طغى إلا أن يجعله يوما حزينا ،يوما  دمويا تراق فيه دماء البشر واستفزازا وإهانة بمقدسات الشعوب الإسلامية ومشاعرهم فى يوم عيدهم المبارك0
 
ولم تكن قولة بوش الصغير إنها (حرب صيلبية) فلتة لسان كما زعموا  وإنما حقيقة  دامغة تؤيدها الوقائع وتؤكدها الأحداث00
 
 

 
 
*عبدالرؤوف النويهى
31 - ديسمبر - 2006
و يطـل العيـد بـاكيـاً    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
سنة جديدة أطلت برأسها على - عالمنا – مترددة ..ماذا تحمل – لها - جعبة الأيام في طياتها و بأي انكسار ستودعها في نهاية مسيرتها ?? القلق يرسم أولى خطواتها و الحزن يلونها و سؤال يتضمن ألف سؤالاً يتأرجح بين شفتيها و يتوارى خجلاً خلف عينيها ...
 
في هذا العيد المبارك تُنْحَر الخراف – تضحية - حقناً لدماء سفكتها الجاهلية ... و إذا بنا إلى قانون الغاب نعود - و بشحطة - قلم نتحدى التعاليم الإلهية ... و كأن الغاصب يريد لنا العودة الى ما قبل الإنسانية ، يُنفذ "نُبُـوَّتـه" الملكوتية بحرب صليبية ذات "حـدَّين" في خضم صمت مريع و شنيع لمن لم يشبع بعد من استثمار الطواف حول "الحـرميـن" ...
 
عيـد أضحـى مبـارك ??? سنـة ميلاديـة سعيـدة ???
 
يتوقف ذلك على الأوامر "المُنْـزَلـة" مِـنْ مَـنْ نَصَّـبَ نفسـه نبيـاً عـالميـاً جديـداً و رُحِّـبَ بـه فـي بـلاد الديـن و الأنبيـاء الأتقيـاء و المُـنْـزَليـن .
salwa
1 - يناير - 2007
في انتظار سنة بلا رأس..    كن أول من يقيّم
 
...........................
لكل سنة رأس جديد ..?
فلمن أهدي القديم : ?
هل لحراس الصمت ..?
الذين ظلوا ظلا،
وفي الغياب يدسون زهوري .. ?
كي لا تتسرب إلى الحقول المجاورة ?!?
(...)
 
 

في انتظار سنة بلا رأس ،?
سنة بقلب ..?

نامي ..?
أيتها السنة ، ?
نامي ...?
كحلم !!!
.............................................
حسين أكروح /عن موقع المرساة..
*abdelhafid
3 - يناير - 2007
آخ من جدودي .... تكوين الذاكرة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
أفتح اليوم هلالين في ملف الذاكرة والزمن المتحول للحديث عن العلاقات والروابط العائلية التي تشكل البؤرة الأولى لتشكل الشخصية الفردية في خلجاتها الأولى ، الأقوى والأعمق والأشد تأثيراً . هذه الأحاسيس والانفعالات المتأتية من المحيط العائلي وما ينسجه من حولنا من خيوط تحد من إمكانيات الخيار المتاحة لنا بشكل لا يرقى إليه الشك ، وتحدد غالباً مسيرة حياتنا لأننا نتاج له ، عروة في خيوط النسيج ، مجرد نقطة في بحر شاسع وفي أسر ليس منه فكاك .
 
هذه الظروف العائلية المحيطة بنا ، ومنذ اللحظة الأولى ، هي الحقل الذي تنمو فيه نبتة حياتنا وهي بالتالي مؤثرة ومقررة بشكل لا يرقى إليه الشك . هي مؤثرة في ظروفنا الواقعية لجهة المستوى المادي والثقافي والإجتماعي ، لكنها أيضاً ، وهو الأهم في موضوعنا ، الحجر المؤسس للذاكرة الانفعالية والنقطة الأبعد التي نتمكن من خلالها تقييم إدراكاتنا وأحاسيسنا .
 
وبما أن أحاسيسنا الأولى هذه هي وحدة القياس المرجعية والرئيسة والتي تشكلت من خلال العلاقات الأساسية التي عرفناها في طفولتنا ومحيطنا العائلي ، فإن هذه العلاقات تتحول ، وبشكل غير واع ، إلى أنماط نقيس عليها ونعيد إنتاجها بطريقة غير واعية .
 
نعم ، نحن نكرر الماضي ونعيد إنتاجه بطريقة لا واعية ونحن غالباً ما ندعي العكس . إنها لعنة أبدية نكررها ونحن مستلبون تماماً ولا نملك إزاءها غالباً ما يكفي من الإمكانيات ، ولا من الوعي ، ولا من الإرادة لكسر هذه الحلقة والخروج منها نحو أفق أشد ملائمة للواقع ، وأكثر تكيفاً مع حاجاتنا الشخصية .
 
هذا النوع من العلاقة السلبية مع الماضي والإرث العائلي المهيمن يشكل اليوم فرعاً في الدراسات النفسية الحديثة يسمى ب : " العلاقة بين الأجيال "
" liens transgenerationnels " . وغاية هذا العلم شفاء بعض الأمراض النفسية المتأتية من بعض العلاقات المختلة بين الأجيال . لكن اهتمامي به جاء لغاية أخرى وهي دراسة ومراقبة هذه العلاقات وتسليط الضوء عليها بصفتها جزءا مؤسساً وأساسياً في تكوين الذاكرة .
 
لن أدعي بأنني سأتمكن من الإحاطة بموضوع شائك وبعيد المدى زمنياً كهذا الموضوع ، طموحي لا يتدعى رغبتي في أن أنسل خيطاً أو خيطين من هذه الكرة المعقدة والمتشابكة رغبة مني في تسليط الضوء على هذا الجانب المعتم والأكثر عمقاً في شخصية الإنسان .
 
كنت قد وقعت على كتاب في علم النفس من تأليف الأستاذة في جامعة نيس ، والمعالجة النفسية الدكتورة : Anne Anceline Schutzenberger هو بعنوان :  
Aiie , mes Aiieux
 بما ترجمته بعبارة : " آخ من جدودي " والطبعة التي بين يدي تحمل الرقم 15 وهو صادر عن دار :
Desclee de brouwer / La meridienne
 
 
*ضياء
8 - يناير - 2007
آخ من جدودي ..... ( الماضي - الحي )    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
 
والكتاب يبدأ هكذا : ( الترجمة لي بتصرف )
 
بَبَّغاءُ جدّي
 
حدث ذلك ذات صيف كنت مدعوة فيه لزيارة أصدقاء لي يسكنون الجنوب الفرنسي .
 
كنت قد استيقظت باكراً في تلك الصبيحة وتوجهت إلى الحديقة لكي أشاهد شروق شمس ذلك النهار حيث تطلع من وراء جبال " سانت - بوم " . وبما أنني كنت أجهل تماماً عادات أهل البيت ، ورغبة مني في عدم مضايقتهم ، فلقد انتخبت لنفسي مجلساً بقرب المسبح مقابلاً لجهة الشرق تحت شجرات الصنوبر المظلة . كل شيء من حولي كان مشرقاً ، وادعاً ، مشبعاً بالهدوء والطمأنينة .....
 
فجأة ! أسمع صوتاً هاتفاً يأمرني :
 
ـ إلى الطاولة ! هيا بسرعة ، هلموا استعجلوا ...
 
الكلاب التي كانت مستلقية بقربي ، بقرب المسبح ، تبدأ بالركض باتجاه الصوت . أراها تتوجه نحو غرفة الطعام الكبيرة لأجد نفسي ألحق بها بشكل تلقائي مستجيبة للأوامر . في غرفة الطعام الخالية لم يكن يوجد إلا ذلك الصوت الجهوري الواثق يتابع مهمته في إلقاء الأوامر :
 
ـ إلى الطاولة " مونيك " ، هيا أسرعي ! ما هذه الجلسة ? استقيمي في جلستك !
 
ومع أنني لست مونيك إلا انني استقمت في جلستي وأنا اتلفت من حولي : الكلاب التي أسرعت بالحضور قبلي أراها تقف بكل احترام أمام قفص معلق في غرفة الطعام فيه ببغاء بانتظار بقية الأوامر . وعندما لم يعد هناك تتمة ، أراها تعود من حيث أتت لتستكمل رقادها بقرب المسبح . أراني أفعل الشيء ذاته ....
 
فيما بعد ، وبينما كنا نتناول طعام الإفطار في القاعة نفسها برفقة أهل البيت ، حدثني مضيفي بأنه كان قد ورث هذا الببغاء العجوز ، الذي يقترب عمره من المئة سنة ، عن جده المتوفي . لا يزال هذا الببغاء يتكلم بذات اللهجة التي كانت تتكلم بها العائلة منذ مئة سنة ، ولا يزال يردد نفس الكلام الذي كان يقال في البيت : إنه الذاكرة الحية ! وهو في هذا الصباح كان قد أعاد ما كان يقوله الجد عند استضافته لأحفاده في المنزل في فترة الأعطال المدرسية .
 
لم يكن لأحد بأن يفهم ما الذي كان يثير ذاكرة الببغاء في لحظة معينة لكي يعيد ترداد ما كان يقوله هذا الفرد من أفراد العائلة أو ذاك . بالنسبة لهم ، العائلة ما زالت هنا ، بدفئها وحرارتها وهناك نوع من التواصل العجيب الحاصل مع الماضي بفضل ذلك الببغاء . هو نوع من الولاء يربط الجيل الحاضر بالجيل الماضي من خلال تلك الأوامر يعاد إلقاؤها وكأنها نبتت من اللامكان لكنها مع هذا ، تعطي للحاضر حيوية وطمأنينة وهي في الوقت نفس تحمل أسراراً وخفايا عن الماضي ، من الممكن أن تقال وتعرف في أية لحظة . 
 
إنه الماضي - الحي . الماضي الذي لا يزال يؤثر في الحاضر ويعيد تكوينه .
 
 
*ضياء
8 - يناير - 2007
عودة إلى النظرية الجبرية    كن أول من يقيّم
 
أرعبني كلامك يا أستاذة ضياء !! وخاصة عن العلاقة السلبية مع الماضي والإرث العائلي المهيمن فإن كنا نكرر الماضي بطريقة لاواعية فإننا سنعود إلى مشكلة الحرية من جديد ،... والإرث العائلي يأخذنا إلى ( الإرث القومي ) ، وقد قرأت يوما عن ( النظرية الجبرية ) وعن سقوطها مع تطور العلوم المختلفة ، ومع مقالتك السابقة اختلطت علي الأمور فأضفت إلي مزيدا من الأسئلة لا مزيدا من الأجوبة ...مع تقديري وشكري
*محمد هشام
11 - يناير - 2007
آخ من جدودي ..... التاريخ الذي يعيد نفسه    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
 
 
تحيتي لك أستاذ محمد هشام وأهلاً بك معنا في أحاديث الوطن والزمن المتحول .
 
بداية دعني أعبر عن ترحيبي الخاص وسروري لحضورك بيننا بصفتك تنتمي لفئة العقول التي تفكر بطريقة رياضية مجردة لأن لاعبي الشطرنج ، ودارسي الفيزياء والرياضيات ، عادة لا يحبون الكلام مثلنا ويكتفون بالملاحظات مع أننا بحاجة لفكرهم ووجهة نظرهم .... لعبت الشطرنج فترة قليلة في حياتي ، في أيام المراهقة ، وكان أخي الكبير لاعباً ماهراً وكان يغلبني في كل مرة : كان كل همي الصمود أمامه لبعض الوقت وكنت كلما طالت مدة اللعبة ، كلما أحسست بالفخار .
 
وبالعودة إلى موضوعنا ، يهمني قبل كل شيء أن أؤكد بأنني لا أستطيع تقديم أجابات جاهزة ولا الإحاطة  بهذه الأسئلة الكبيرة ، وأن ما أقوله هو ملاحظاتي ووجهة نظري التي أسفرت عنها تجربتي في الحياة وهي ليست ملزمة لأحد : هو حديث نقوله ونتبادل من خلاله وجهات النظر ، هو رأي ذاتي يريد بأن يكون موضوعياً وهو حتماً ليس كذلك .
 
ليس عندي استراتيجية حرب كلاعب الشطرنج ! أنا أعيش فقط وبدون طموحات كبيرة ، وهذا ترف اخترته على حساب مغريات أخرى ، أعيش وأراقب فتتكشف لنفسي أشياء كانت تبدو لعيني مختلفة : كنت أظن مثلاُ بأن الحياة تتطور وأن الزمن يمشي بنا إلى الأمام وأن ما نعيشه من " ثورة " تكنولوجية سيؤدي إلى تحسين ظروف الإنسان وطريقة عيشه وبالتالي إلى " تحريره " من قيوده ونزعاته البغيضة التي تجعل من العالم ، في جزء كبير منه ، مليئاً بالحروب والشرور والمهانة للغالبية الساحقة من أبناء البشر .
 
أجدني اليوم أقل تفاؤلاً . نحن نتغير دون أن نتغير ، نتغير على المستوى المادي ، مع فروقات هائلة في مستوى هذا التغير الذي لا يطال كل الناس ، ربع البشرية لم تحصل بعد على القوت الضروي لوجودها ولا على شربة الماء رغم أن الغذاء متوفر ، لكنه لا يصل إليهم . ربع البشرية لا تزال تموت بسبب الأمراض المعدية والأويئة مثل الملاريا والتيفوئيد والطاعون رغم أن الدواء متوفر لكنه لا يصل إليهم . أكثر من ربع البشرية أمي ولا يحسن القراءة والكتابة وهذه لوحدها كارثة  فكيف يدعي الإنسان بأنه يخوض حرب النجوم بينما لا يزال أبناء الأرض ، في قسم كبير منهم ، يعيشون كالوحوش الضارية ?
 
لا لم يتغير شيء . التاريخ يعيد نفسه ونحن فيه نتبادل الأدوار ، فمن كان بالأمس قوياً هو اليوم ضعيف ومن كان غارقاً في الظلام هو اليوم تحت كل الأضواء . إنما على الصعيد الإنساني : لا شيء تغير ! فهل الحياة اليوم أكثر أمناً مما كانت عليه ? وهل إنسان اليوم أكثر سعادة من الماضي ? وهل نحن أكثر أخلاقية ممن سبقونا ? تلك هي الأسئلة التي أحاول طرحها .
 
 نحن ننتج في كل يوم أدوات لتحسين ظروف العيش الإنساني ، وننتج مقابلها أدوات دماره . جوهر المشكلة يكمن في طبيعة الإنسان وأنانيته التي لا تسمح له بتقاسم خيرات الأرض مع غيره من البشر ، تماماً كما الطفل الذي يسعى للإستئثار بأمه لأنه يحبها ويريدها لنفسه والذي يسعى للتسلط على لعب إخوته لأن موقع الأقوى يعطيه الشعور بالأمان . جذر المشكلة يكمن في طبيعة الإنسان . ليس الإنسان خيراً بطبيعته ولا هو بالشرير ، بل هو الإثنان معاً ! هو متناقض ويحمل في نفسه رغبتين : الأولى للحياة ، والأخرى للموت لذلك فهو يسعى إلى الحياة بقدر ما يسعى إلى الموت وهو مبرمج على هذا بطريقة غير واعية .
 
وما يصح على الإنسان ، يصح على المجتمع الذي يعيش فيه والثقافة التي ينتمي إليها لأن العلاقة بينهما جدلية . فالإنسان هو نتاج المجتمع في عمقه التاريخي ، العائلي والقومي والثقافي والديني ووو ....، وهو في الوقت نفسه من يعيد إنتاجه . لذلك ترانا ندور في حلقة مفرغة ونستعيد ذات الأخطاء . البرهنة على هذا مسألة لن تكون سهلة لكني سأحاول كما قلت سابقاً بأن انسل بعض الخيوط  من هذه الكرة المتشابكة وستسرني أية مساهمة ممكنة من الأصدقاء تساعد في تسليط الضوء على هذه الزواية حتى ولو لم تكن في الإتجاه الذي ذهبت إليه .
 
وللحديث بقية .
 
 
*ضياء
13 - يناير - 2007
هاملت يستيقظ متأخرا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
سلامي لك أستاذة ضياء وأشكرك كثيرا على مداخلاتك الجميلة ....وأعترف أني منضم إلى المرعوبين من هذه الدائرة ! وقد ذكرتني بالمسرحية الشعرية للكاتب السوري الكبير ممدوح عدوان : ( هاملت يستيقظ متأخرا )والتي يقول فيها  :
(كالسمك المذعور
ندور في بحيرة
يجف منها الماء
وظهره المطعون
يئن في أحلامنا الهوجاء)
حيث يسقط الكاتب شخصية هاملت على شخصية المواطن العربي الذي يصحو بعد فوات الأوان وهاملت الشخصية البرجوازية التي لاتستطيع أن تكون مثل أهل القصر(الذي تنتمي إليه ولاتحبه) ولا تستطيع أن تكون مثل عامة الشعب (الذي تحبه) فتعيش الصراع الذي ينتهي بقتل هاملت.... الغريب في هذه المسرحية أن ممدوح عدوان يتوقع فيها أن يزور زعيم عربي كبير إسرائيل .. وعدوان يريد من المواطن العربي أن يستيقظ قبل فوات الأوان ...وعند عرض المسرحية يزور السادات القدس فتكون المسرحية عبارة عن نبوءة كاتب !...وقد كان لي الشرف أن أحضر العرض الأول لهذه المسرحية وتنبأت فيها أن يتوقف عرض المسرحية وصدق أيضا هذا التنبؤ وتوقفت المسرحية الرائعة بعد يومين !
أريد أن أقول هنا بأني لاأفكر بطريقة رياضية مجردة بل تختلط عندي الأمور، وحتى الشطرنج، فإنه يحتوي روحا ونبضا أحسه وألمسه وعندما أمسك قطع الشطرنج هذه القطع الخشبية الجامدة فإنني أشعر بها وهي تختلج ! 
*محمد هشام
13 - يناير - 2007
آخ من جدودي ..... أشباح الماضي    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
حقيقة يا أستاذ هشام أنك فهمتني تماماً وأثبت بما يقطع الشك بأنك لا تفكر بطريقة مجردة فقط والمثل الذي جئت به صارخ بواقعيته غير أن ماء البحيرة قد جف وعلينا أن نتحول اليوم إلى حيوانات برمائية كالضفدع والتمساح والخيار بينها محدود جداً .
 
بإمكان مثقف اليوم أن يصرخ قائلاً كما قال " ديمتري أفييرينوس " :
 
تعالوا إلي أيها الباحثون عن المعرفة
تعالوا إلي أيها التواقون إلى الحرية
وأنا أزيدكم جهلاً فوق جهل ، وقيوداً على قيود .
 
وأنا أقول معه :
 
أيا قلبي ، لا تتحامق !
كف عن الحرث والبذر
في رماد الماضي .
 
الذاكرة مقبرة هائلة يتظاهر فيها الأموات بأنهم ما زالوا أحياء .
 
لدى كل منا مقبرة كهذه ، يحرسها بكل ما أوتي من قوة .
بشواهد قبورها يواجه الحياة ، وفيها يندب مصائبه ،
ويسوغ لنفسه جبنه .
هناك بين أشباح الماضي ، نعيش تلك الفسحة التي ندعوها العمر .
 
الخير ليس أبداً ما نرغب فيه .
 
*ضياء
15 - يناير - 2007
محمد عبد الوهاب ويجعلها عمار والجرذ    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
 
الأستاذة ضياء
 من غير قصد ذكرت هذه المسرحية فأرجعتني ذاكرتي ( قسرا ) إلى زمن مضى بجماله وروعته بتفاعلاته ومفاجآته ....أعني فترة نهاية السبعينات حيث كنت مازلت بين المراهقة والشباب ...تذكرت الجمال والقبح الآمال والإحباطات وكأن الذي قال (الإنسان حيوان متفائل ،لأنه ينسى الذكريات الصعبة ويحتفظ بذاكرته بالذكريات الجميلة) كأنه مخطئ فقد أعادتني الذاكرة لذكريات أليمة مع الذكريات الجميلة ، تذكرت الحركة الأدبية الرائعة التي شهدتها سوريا منذ منتصف السبعينات وحتى أوائل الثمانينات ، تذكرت المسرحيات الرائعة الملتزمة في مسرح القباني ومسرح سينما الكندي ، تذكرت صحيفة ملحق الثورة الثقافي الأسبوعية ، والتي عبرت عن فكر أروع أدباء تلك الفترة ، وتذكرت بالمقابل كيف توقفت هذه الصحيفة وكيف تحولت سينما الكندي إلى أفلام (الكاراتيه) وكيف تحولنا بعد ذلك للعب الورق والتندر على أصحابنا البسطاء ... ليت هذه الذاكرة بقيت مغلقة وليتنا حقيقة حيوانات متفائلة ....تذكرت سبب توقف مسرحية هاملت يستيقظ متأخرا وهو مضحك وواهي ...وتذكرت مسرحية الأديب العبقري سعد الله ونوس ( الملك هو الملك )والتي أراد أن يقول فيها أن كل ثورة تتحول بالضرورة لسلطة ديكتاتورية ، وفي نفس السياق كتب قاص في ملحق الثورة الثقافي قصة قصيرة جدا جدا هذا ملخصها((( مجموعة كبيرة من المواطنين تقف على باب مكتب موظف كبير الموظف غير مكترث بهم ولا يفتح الباب ليراهم المواطنون ينتظرون في الخارج طويلا  أحدهم يتذمر لأن لا أحد يكترث بهم يتقدم هذا (المواطن ) للباب ويدفعه يدخل الجميع إلى المكتب  المفاجأة أن المكتب فارغ يتقدم هذا (المواطن ) الغاضب من الكرسي الدوار يجلس على الكرسي الدوار ويدور يدور..... حتى لم يعد يرى أحدا ! ))) هذا هو الكرسي اللعين ، تذكرت أيضا أغنية وطنية لحنها محمد عبد الوهاب الذي كان يأتي سنويا في الصيف إلى منتجع بلودان قرب دمشق وكانت الأغنية مجاملة منه للقيادة السياسية وكانت من أروع الأغاني التي سمعتها لحنا  وكانت كلماتها باللهجة المصرية ( يجعلها عمار أرض بلادنا وأرض جدودنا وأرض ولادنا سوريا النور والنار رمز حضارة وإسمك أغلى شيء بوجودنا نور للي يصافينا نار ع اللي يعادينا ......) وفي تلك الفترة كانت الإذاعة السورية تضع الأغنية طول اليوم فغناها الجميع وكنا نرددها في البيت والمدرسة وعند ( الخباز) وفي الحمام أيضا...ومن سوء حظ الملحن الكبير محمد عبد الوهاب أن سينما الكندي عرضت في نفس الفترة فيلم أجنبي إسمه ( الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة ) ولا أذكر شيئا من الفيلم القديم سوى أن الموسيقى التصويرية للفيلم هي نفس موسيقا أغنية محمد عبد الوهاب ويبدو أن هذا الملحن العظيم أمتعنا بلحن (لطشه) من ذلك الفيلم !
وفي تلك الفترة كنت وأخي جمال نؤلف المسرحيات والأغاني والأشعار كلها حول موضوع واحد وهو الجرذ ! هذا المخلوق الذكي والمكروه من الجميع كان هو الموضوع الوحيد لأعمالنا الساخرة ... وللحديث بقية    
*محمد هشام
16 - يناير - 2007
 37  38  39  40  41