لا تعتذر عما فعلت     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
عندما قرأت ديوان محمود درويش الصادر عن منشورات : رياض الريس عام 2004 بعنوان : لا تعتذر عما فعلت ، تساءلت بوقتها عن معنى اختيار ذلك العنوان الذي هو في الحقيقة عنوان إحدى قصائده ( وهي السادسة بالترتيب ) والتي لا تشي مباشرة بالمعنى ........ لكن الناشر الذي كان قد اختار العنوان بنفسه كان قدعبر عن المعنى عندما اختار مقطعاً من قصيدة أخرى لتقديم الكتاب هي " القدس " تقول :
" أمشي كأني واحد غيري وجرحي وردة
بيضاء أنجيلية . ويداي مثل حمامتين
على الصليب تحلقان وتحملان الأرض .
لا امشي ، أطير ، أصير غيري في
التجلي ، لا مكان ولا زمان . فمن أنا ?
أنا لا أنا في حضرة المعراج ، لكني
أفكر : وحده ، كان النبي محمد
يتكلم العربية الفصحى. وماذا بعد ?
ماذا بعد ? صاحت فجأة جندية :
هو انت ? ألم أقتلك ?
قلت : قتلتني .... ونسيت ، مثلك ، أن أموت "
وفهمت بأن هذا الديوان يحكي علاقة محمود درويش بالتاريخ وبالذاكرة : المتعالي والمؤسطر في ثقافتنا ، وفي حالة محمود درويش ، فلسطين الأبدية التي عاشها في الواقع طفلاً طري العود يبحث عن الدفء ، واستقرت في الأسطورة - الملحمة - المأساة لكنها لا تزال تفتنه بجسدها المحرم رغم خيباته الكثيرة والمتكررة ، تفتنه بجسدها النافذة والبحر وتملأ خياشيمه برائحة الأرض والتفاح ....
إنها الأم - الأرض - التاريخ - المكان ، المحور الثابت الوحيد في نصه ونقطة الرجوع الدائمة . إنها علاقته بالتاريخ الحي والمؤسطر في حكايا الذاكرة التي لا تنفك عن الواقع مع أن قراءة الواقع توحي بعبثية ذلك النص ولا تتلائم معه . الإنسان يرث التاريخ الذي يضطرب ويتناقض في نفسه فيحيا في وهم الذاكرة .
إن ما يؤرق محمود درويش في هذا الديوان هو إحساسه بعبثية التاريخ الذي يكتبه الأقوياء ، في قصيدة " لا تكتب التاريخ شعراً " يقول :
لا تكتب التاريخ شعراً ، فالسلاح هو
المؤرخ .......................
وهو يحكي في أماكن اخرى كقصيدة : " سقط الحصان من القصيدة " انشطار الذات بين الماضي الأسطورة والواقع المخيب ويقرر بأن النسيان هو : الذاكرة المنتقصة ، وحيث يتحدث في قصيدة : " في شهوة الإيقاع " عن صراع الواقعي مع الخيالي المشاكس ، هذا الصراع الذي يتولد منه إيقاع التاريخ .
فالتاريخ ، هو احتفال بالقوة وليس له مقاصد ، هو واقعي وخرافي ولا يخضع للمنطق وهو تكرار جنوني لعلاقات القوة .
" التاريخ " لم يولد كما شئنا ، لأن " الكائن البشري " لم يوجد ? يتساءل الشاعر : " زيتونتان " :
أنا آدم الثاني ، تعلمت القراءة
والكتابة في دروس خطيئتي
وغدي سيبدأ ، من هنا ، والآن
إن شئت أن انسى .... تذكرت
انتقيت بداية ، وولدت كيف اردت
لا بطلاً .... ولا قربان
إن ما يريد قوله محمود درويش في ديوانه ، وهو ما التقطه الناشر الذي قدم للكتاب ، هو أن جزءا كبيراً من حركة التاريخ والأفراد يمكن تفسيره على أنه إعادة تصحيح لعلاقتنا بالماضي أو استعادة لها بشكلها المؤسطر . إن جواب الحاضر هو غالباً مشروط بعلاقتنا بالماضي وهو بالتالي إعادة إنتاج لديناميته المتجددة أبداً عبر هذه العلاقة الضمنية اللااواعية .
لا تعتذر عما فعلت ، بمعنى لا تجعل من ردات فعلك وتعاطيك مع الواقع رهناً للماضي المتأتي من اوهام الذاكرة . " لا ينظرون وراءهم " ، " لم يسألوا : ماذا وراء الموت " .
ومتحف خال من الغد ، بارد
يروي الفصول المنتقاة من البداية
هذا هو النسيان : أن تتذكر الماضي
ولا تتذكر الغد في الحكاية
شئت أن تكون هذه الاستعادة لديوان محمود درويش مقدمة لموضوع انوي الدخول فيه عن العلاقة مع التاريخ والجدود من وجهة نظر علم النفس .
|