مع العلامة الزركلي في كتابه الأعلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،
وبعد
فلا جدال أن كتاب الأعلام للعلامة المرحوم خير الدين الزركلي من أحسن ، وأجمل الكتب التي ظهرت في هذا العصر، بل هو أحسن وأجمل المؤلفات في موضوعه، وقد اجتمع له من المزايا ما لم يجتمع لغيره من الكتب، حسن تلخيص، وسهولة بحث، مع شمول وتوسع، وتنقيح وتمييز...إلخ
وقد كتب الله له القبول والانتشار بين الباحثين، واعتنى غير واحد من العلماء بالتنبيه على ما سها فيه المؤلف، أو أخطأ ، في حياة الزركلي وبعد موته،
وأفرد آخرون كتبا في نقده وتصحيح أخطائه مثل الأستاذ محمد بن عبد الله الرشيد (الإعلام بنقد الأعلام )، والعلاونة في كتابه (الإعلام بمافي أعلام الزركلي من الأوهام ) الملحق بذيله ثم في كتابه :" نظرات في كتاب الأعلام ".
وأذكر هنا بعض الأوهام التي لم ينبه عليها من اهتم بنقد الأعلام في مقالات من العلماء الأفاضل كالأستاذ محمد دهمان، والقاضي الأكوع، وغيرهما
وقد اجتمعت لي هذه الملحوظات من خلال صحبتي الطويلة للكتاب،ومراجعاتي المتكررة فيه، فأحببت تكميل ما بدأه أولئك الأفاضل، وتقييد ما أهمله السادة الأماثل، على أني لا أتعقبه إلا في شيء واضح عندي فيه من التواريخ حجة وبرهان تجنبا لطريقة التعسف والتسرع في التخطئة !!
وقد رأيت أن تكون على شكل تعليقات متسلسلة نثبت في كل مقالة تعليقا أو تعليقين حسبما ما يسمح به الوقت، وتتيحه الظروف.
وأسأل التسديد والإعانة ، وأن يجعل الصواب لي فيها حليفا، والتوفيق لي عاصما.
والحمد لله رب العالمين.
فمن ذلك ما ذكره الزركلي في ج 3/198 /3 الرندي، صالح بن يزيد ، أبو البقاء (601 ـ 684هـ)
قال الزركلي في ترجمته /:" ...من قبيلة نفزة البربرية، من أهل رندة، أقام بمالقة شهرا، وأكثر التردد إلى غرناطة يسترفد ملوكها، واجتمع فيها بلسان الدين ابن الخطيب .
قال ابن عبد الملك :كان خاتمة أدباء الأندلس ".
قلت: وقع الزركلي هنا في وهم ، ولم يتنبه له من نصب نفسه للرد عليه ..وانتقاده من الأستاتذة الكبار، أما أحمد العلاونة ـ صاحب لنظرات ـ فهو كما يقول النحاة :" التابع تابع ".
لأن لسان الدين ابن الخطيب ولد (713 هـ) كما ذكر الزركلي نفسه في الأعلام 6/ 235 فكيف يجتمع به أبو البقاء الرندي المتوفى سنة (684هـ) .
وهذا مستحيل وقد حيرني هذا الأمر، ثم تبين لي أن الزركلي رحمه الله وهم ، فقد نقل ترجمته من الإحاطة3/360 التي جاء فيها :" ...تكرر لقائي إياه ، وقد أقام بمالقة أشهرا، أيام إقرائي، وكان لا يفارق مجالس إقرائي، وأنشدني كثيرا من شعره ".
و الزركلي ظن أن هذا الكلام لابن الخطيب ، فقال إن أبا البقاء اجتمع معه بغرناطة، وليس ذلك بصحيح ، فإن الكلام المنقول لابن الزبير في صلة الصلة 3/84 ، وابن الخطيب يحكي عنه ، فقد قال في بداية الترجمة :" قال ابن الزبير ، شاعر مجيد في المدح والغزل ...وذكر الكلام السابق .
وهو ممكن بالنسبة لابن الزبير
ـ ومما ينبه عليه أن تاريخ ولادته، ووفاته ليس في الذيل والتكملة 4/137، لأن تكملة ترجمته ساقطة.، وكذا عند ابن الزبير 3/84
وكذلك أن مترجميه :ابن الزبير ، وابن عبد الملك، وابن الخطيب لم يشر أحد منهم إلى قصيدته النونية شهيرة في رثاء الأندلس ، وقد لفت نظري هذا الأمر ثم رأيت الزركلي قال:" وعجب الأستاذ عبد الله كنون من أن قصيدة الرندي لم يشر إليها ابن الخطيب في الإحاطة ".
وكذا رأيت الأستاذ محمد عبد الله عنان في تعليقه على الإحاطة، تنبه لهذا فقال:" وبالرغم من أن ابن الخطيب ، قد أوردلنا طائفة مختارة من شعر أبي الطيب ، وفيها ثلاث قصائد من مطولاته ، فإنه لم يشر بكلمة واحدة إلى مرثيته الأندلسية، بالرغم من أنها من غرر قصائده،
وهو أمر يدعو إلى الدهشة والتساؤل، فإماأن الناسخ لمخطوط كتاب الإحاطة قد أغفل إيراد هذه القصيدة اختصارا، أو ظنا منه أن شهرتها تغني عن إيرادها.
وإما أن ابن الخطيب قد أغفل إيرادها عمدا؛ذلك أن هذه القصيدة قد نظمت عقب انهيار الأندلس سقوط قواعدها الكبرى ونزول ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة عن عدد كبير من البلاد والحصون للنصارى.
وقد كان ابن الخطيب من أولياء نعمة بني نصر(بني الأحمر) ملوك غرناطة، وربيب نعمتهم، وربما رأى أن وجود هذه القصيدة في مؤلفه قد يسيء إلى ذكريات ابن الأحمر الكبير، الذي وقعت في عهده محنة الأندلس، ثم نظمت القصيدة في عصره أيضا بقلم شاعره الأثير أبي الطيب فرأى إغفالها".
ولكني أقول:إن صح هذا بالنسبة لابن الخطيب ، فليس يصدق على ابن الزبير ، وابن عبد الملك الذي كان في مراكش .
|