هذه أوراق ممتعة عثرت عليها في ثنايا مذكراتي، أثناء عملي في مركز التفسير في جامع أبي النور بدمشق، وهي أوراق مهمة جدا، لأنها موثقة بالتاريخ، بحيث يمكن لمن أراد التأكد من مصداقيتها أن يسمع ذلك بصوت الشيخ أحمد كفتارو (رحمه الله) عن طريق طلب نفس الشريط من (تسجيلات الأنصار) حسب التاريخ الذي أذكره، وكل هذه الأشرطة التي أذكر تاريخها مفرغة أيضا على دفاتر مرقمة، موجودة في مركز التفسير فربما أشرت إلى رقم الدفتر ورقم الصفحة أيضا. ولم ألتزم في ترتيب هذه المختارات تسلسلها التاريخي، وإنما أقدم ما أجد أنه أولى بالتقديم. والشيخ عيسى الذي يرد اسمه في هذه الأوراق هو كبير النقشبندية في عصره الشيخ عيسى بن طلحة بن عمر بن عاشور الكردي الإسعردي الشهير اليوم في دمشق بالشيخ عيسى النقشبندي، مولده عام 1247هـ 1831م ووفاته يوم الأربعاء 27/ ربيع الأول/ 1331هـ الموافق 5/ 3/ 1913م وهو من قبيلة (بوطان) التي منها د. محمد سعيد رمضان البوطي، له ترجمة موسعة في كتاب (تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر) (ص284) وفيها: (كان طويل القامة، واسع العينين، كث اللحية، أقنى الأنف، واسع الخطوة، حاد الذهن، حاضر الجواب، قوي الحافظة، شديد المهابة، كلامه مفصل معرب غالبا، قوي الحجة، إذا تكلم أطرق مريدوه كأن على رؤوسهم الطير... جم التواضع للفقراء، لا يتنزل للأغنياء .. كثير البكاء .. قليل الأكل... لا تأخذه في الله لومة لائم .. سيف قاطع على المتصوفة المخالفين ... يحب النوادر والغرائب من كل شيء) وأما خلفاؤه في الطريقة فكثيرون جدا، أذكر منهم خلفاءه في دمشق وحدها =حسب المرجع السابق= وهم (محمد أمين بن ملا موسى الكردي الشهير بكفتارو = والد الشيخ أحمد= والشيخ محمد أمين الكردي الأيوبي الشهير بالزملكاني، والشيخ أحمد بهاء الدين شقيق الشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ صادق الشمعة، والشيخ إبراهيم بن أبي الخير الغلاييني، والشيخ مصطفى الحلو، والشيخ بكري الحمصي البصير الحافظ، والشيخ سليم نطفجي، والشيخ محمد حسن الكردي (ابن صاحب الترجمة) والشيخ محمد عطا الله الكسم مفتي الشام العام، والشيخ عبد الله الكزبري، والشيخ محمد النحاس، والشيخ أحمد عبد الحفيظ (إمام جامع التل) والشيخ طالب المسطول، والشيخ عبد الرحمن بن يونس الجزماتي (صهر صاحب الترجمة) والشيخ إبراهيم سلامة، والشيخ أبو الخير الميداني (زوج ابنته فاطمة الملقبة بعين الحياة). وأما الشيخ أمين كفتارو فترجمته مشهورة، ومولده عام 1294هـ 1877م ووفاته في رمضان عام 1357هـ 1938م. وأما الشيخ الزملكاني الذي يرد اسمه كثيرا في هذه الأوراق فمولده عام 1270هـ 1853م ووفاته عام 1346هـ 1927م وهو محمد أمين الكردي الأيوبي الشهير بالزملكاني. وهو أكبر خلفاء الشيخ عيسى وأشهرهم، مع أنه كان أميا ! فسبحان الله
12/ 6 / 83 قال: لما دخل شيخنا (ر) على شيخه كان من كبار العلماء، فبمجرد وقوع يده في يد شيخه وصل إلى رتبة الكشف، فقال له شيخه: أنت لا تحتاج إلى خلوة، ولكن انقطع عن كل شيء إلا ذكر الله. فكان شيخنا يقول: فبعد أربعين يوم أجازني بالإرشاد المطلق، وكنت أثناء ذلك أرى الشيخ وهو في بيته وأنا في بيتي، وبيننا من ثلاثة إلى أربعة (كم) ونتحدث كما يتحدث الجليس إلى جليسه.
2 / 9 / 1983 قال: كان شيخنا أبعد الناس عن مواطن الشبهات ومثار التهم. ولما أراد زيارة بعض إخوانه في بيروت جمعني أنا وإخوتي فأوصاني ألا يدخل أحد على بيت زوجته =الثانية= أثناء غيبته. قال: وهي شرعا من حيث الحرمة بمثابة أمنا، ولكن رحم الله امرءاً جب المغيبة عن نفسه.
9/ 9 / 1983 وفيه قصة الدكتور مدحت شيخ الأرض سفير السعودية في سويسرا، وقول الشيخ أمين له لما أتى لمعاينته: (أنت تعالج لي بدني، وانا أعالج لك قلبك) قال: وقد صاحب شيخنا أكثر من خمس عشرة سنة وهو حتى الآن إذا ذكر أمامه الشيخ يبكي بكاء الأطفال.
21/ 10 / 1983م قال: لم يكن الشيخ أمين الزملكاني عالما حسب مصطلح الفقهاء، ولكن لما مات الشيخ عيسى الكردي خلّف عشرين خليفة، كانوا من كبار العلماء والأولياء، وكانوا يجلسون بين يدي الشيخ أمين الزملكاني كالتلاميذ، وهم العلماء وهو الأمي.
4 / 11 / 1983 قال: كان يصلي رجل خلف شيخنا في صلاة التراويح، فإذا كان الوتر انفرد وصلى وحده لكونه حنفي المذهب. فلما تكرر منه ذلك دنا منه شيخنا =أي الشيخ أمين= وقال له: لو رآك عمر بن الخطاب (ر) لقطع رأسك، أما قرأت قوله تعالى (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا).
قال: طلاب العلم يدرسون الجهمية ولا يدرسون الأناجيل، لذلك تكون النتيجة عقما.
... إذا كان يمكن أن تشرق الشمس في الليل فممكن أن يجتمع العلم والشقاء ... أصعب شيء عليّ أن أفهّم المشايخ الإسلام .. هذا أصعب شيء عندي .. مثل جبلة اسمنت، جفت ويبست، وكيفما أردت تقويمها لا تقوّم، ولو نقعتها بالزيت والسمن والحليب واللبن ما لانت لك. إما ان تكسرها أو تعمل أخرى بجانبها فيعرف الناس القبيح بالحسن.... فآية الشمس أنها تبعث النهار، فإذا قيل لك: هناك في السماء شمس ولم يكن نهار، كانت شمسا من حجر
قال: النهي لا يكون إلا بوجود المنهي عنه، فلما كانت العرب تأكل الميتة نزل تحريم أكل الميتة، أما اليوم فإذا قدمت لحم ميتة لزبونك فهذه جناية يعاقب عليها القانون.
أضاعوا علينا الإسلام، ويتحمل المسؤولية الشيوخ، والشيوخ لا يتحملونها اليوم، لأنه عندما بنيت شخصيتهم ما بنيت على عقول منتجة، وإنما بنيت على عقول عقيمة، ولذلك نحن إلى الوراء.
21/ 2/ 1986 (سورة لقمان الآية 17 ? 19) دعا فخري بك أحد فلاحيه لمشاركته في شرب الخمر، فقال له: أنت يا باشا عقلك بحجم اليقطينة الكبيرة، وإذا شربت العرق يأخذ من عقلك حزا صغيرا، وأنا عقلي بحجم الخردلة إذا شربت العرق لا يبقى في عقلي منها شيء فهل ترضى أن أبقى بدون عقل. قال فخري بك: فكلامه أثر فيّ وكانت توبتي على يده. وفيه دفتر هذا الشريط (ص19) من نوادر جحا أنه وقع إلى حلاق يتعلم البيطرة بحمير النور، فلما أكثر في عثراته في تعلمه برأس جحا قال له جحا: (كفى فأنا أريد أن أزرع نصف رأسي قطن، والنصف الآخر بطيخ) .
21/ 3/ 1986 تفسير سورة السجدة من الآية (12 حتى 20) تضمن الشريط البيان المسيحي المشترك بحضور رئيس قسم التعليم المسيحي في جامعة برلين د. برنارد هارد. وفي هذا الشريط من كلمات الشيخ النادرة: تعلم السكوت كما تتعلم النطق، فإن للسكوت مواضع ليست كمواضع الكلام. قال: (لقد أخرجوا الفلسطينيين من فلسطين مثل الهنود الحمر، ثم أخرجوهم من لبنان ورموا بهم في الصحراء، وكل هذا مكتوب، لكن العرب معروف عنهم أنهم إذا قرأوا لم يفهموا لتمزقهم وتفرقهم.... هذا كلام الله ، ما فيه حسن وصحيح وضعيف)
