يفاخر الغرب بأن لهم الريادة في فن المسرح ، والسائد في الاعتقاد أن العرب لم يعرفوا أبا الفنون إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي بعد أن تأثروا بما ترجموه من مسحيات الفرنسيين والبريطانيين . ولكن الحقيقة أن العرب قد عرفوا فن المسرح الذي يستلزم وجود حوار وخلفية وحبكة ثم نهاية الحبكة ولكن القالب الذي كتبوا فيه هذا النوع من فنون الأدب يختلف عما عرفه الغرب لذا لم تعدّ تلك الكتابات مسرحاً بل سميت بأسماء مختلفة. وسأقوم بإيراد مثال يؤكد معرفة العرب للأدب المسرحي مع إجراء تغيير بسيط في شكل النص ليصبح قريباُ من شكل المسرح الغربي ، علماً أن كل ما ورد بين قوسين أضيف إلى نص التنوخي للإيضاح. فإن كان عندكم أمثلة أخرى فأتحفونا بها .
مسرحية جميل وبثينة
(من كتاب الفرج بعد الشدة)
تأليف القاضي التنوخي
( 327-384هـ ، 929-994 م)
الشخصيات :
(جميل ، بثينة، ليلى أخت بثينة،أم احسين بنت منظور، جارية ليلى ن عبد زوج بثينة، أبو ليلى وأخوها)
(المشهد الأول)
(المكان) : خيمة أهل بثينة
(مقدمة المشهد ): أن جميل بثينة حضر ذات ليلة عند خباء بثينة، حتى إذا صادف منها خلوة تنكر، ودنا منها، وكانت الليلة ظلماء، ذات غيم ورعد وريح. فحذف بحصاة، فأصابت بعض أترابها، ففزعت،( ودار المشهد التالي)
(ليلى) : ما حذفني في هذه الليلة إلا الجن.
(بثينة ) : ألا فانصرفي يا أخية إلى منزلك حتى تنامي.
فانصرفت (ليلى) وبقيت مع بثينة أم الحسين- ويروى أم الجسير- بنت منظور، وكانت لا تكتمها. فقامت إلى جميل، فأدخلته الخباء معها، وتحدثوا جميعاً، ثم اضطجعوا، وذهب به النوم حتى أصبحوا.
(المشهد الثاني)
(المكان) : (خيمة بثينة)
(مقدمة المشهد ): وجاءهم غلام زوجها بصَبوح من اللبن، بعث به إليها، فرآها نائمة، ونظر جميلاً، فمضى لوجهه، حتى خبر سيده. وكانت ليلى رأت الغلام والصبوح معه، وقد عرفت خبر جميل وبثينة، فاستوقفته كأنها تسأله عن حاله، وطاولته الحديث، وبعثت بجارية لها.
( ليلى ) : حذري جميلاً وبثينة.
فجاءت الجارية ونبهتها، فلما تبينت بثينة أن الصبح قد أضاء، والناس قد انتشروا، ارتاعت لذلك.
( بثينة ): يا جميل نفسك، فقد جاء غلام بَعلي بصبوح من اللبن، فرآنا نائمين.
( جميل) : وهو غير مكترث:
لعمركِ ما خوّفتني من مخافة عليّ ولا حذّرتني موضع الحذر
وأقسم ما تلفى لي اليوم غرّة وفي الكفّ منّي صارم قاطع ذكر
(بثينة) : أقسم عليك أن تلقي نفسك تحت النضد. إنما أسألك خوفاً على نفسي من الفضيحة، لا خوفاً عليك.
ففعل ذلك، ونامت، وأضجعت أم الحسين إلى جانبها.
(المشهد الثالث)
(المكان) : (خيمة بثينة)
(مقدمة المشهد ): ذهبت خادم ليلى إليها، فأخبرتها الخبر، فتركت العبد يمضي إلى سيده، فمضى والصبوح معه.
( العبد ) : إني رأيت بثينة مضطجعة، وجميل إلى جنبها.
فجاء زوجها إلى أخيها وأبيها، فعرّفهما الخبر، وجاؤوا بأجمعهم إلى بثينة، وهي نائمة، فكشفوا عنها الثوب، فرأوا أم الحسين إلى جانبها نائمة. فخجل زوجها، وسب عبده.
( ليلى ) لأبيها وأخيها : قبحكما الله، في كل يوم تفضحان المرأة في فنائكما، ويلكما، هذا لا يجوز.
(أبو بثينة وأخوها ): إنما فعل هذا زوجها.
( ليلى ) : قبحه الله وإياكما.
فجعلا يسبان زوجها، وانصرفوا.
وأقام جميل تحت النضد إلى الليل، ثم ودعها وانصرف. |