تعريف اسم البحر بـ ( الـ )
تحي حب وتقدير لرواد الوراق الكرام وبعد ..
علم العروض .. هو العلم الوحيد الذي ولد مكتملا ، فلم يضف إليه أحد عبر العصور إضافة يعتد بها ، والأصل في العلوم كلها أنها تولد بدائية ثم تتطور وتنمو عبر القرون والأجيال .. ويروى أن الخليل ، وهو مشهود له بالورع والتقى ، ولذلك وضعه أبو العلاء المعري في جنة غفرانه ، يروى أنه كان في الحج ، فدعا الله أن يرزقه علما لم يرزقه لأحد من الأولين ، ولا يرزقه لأحد من والآخرين ، ففتح الله عليه بهذا العلم ، الذي لم يزد عليه الدهر إلا إصبعا ..
درج كثير من الزملاء مدرسي اللغة العربية ، طبقا للكتب المدرسية الحديثة ـ وكثير منهم لا يتقن علم العروض بله فن العروض ـ درجوا على الخطأ في تسمية البحور، والتلعثم في لفظها ، والتردد في نطقها ؛ لأن ذوقهم غير مقتنع ، وعلمهم غير مطمئن ، وعقلهم غير متأكد مما يهمُّون بلفظه ؛ وذلك لضعف في الاطلاع ، لدى المدرسين والمؤلفين على السواء.
فكتب العروض تقول: ( البحر الطويل ) و( بحر الرجز ) فتعرّف البحر مع صفة الطويل وتنكـّره مع الإضافة إلى الرجز. وقد ظن بعض الذين هبطوا على مهنة التأليف أو هبطت عليهم ، أن الأمر مجرد تعريف وتنكير ، فألقى بعضهم بـ ( ألـ ) على البحور كلها فهو يقول: ( البحر الطويل و البحر الرجز ) وألقى بعضهم ( ألـ ) بعيدا عن البحور كلها فهو يقول: ( بحر الطويل وبحر الرجز ) .. وهـذا غير سليم .. وصواب الأمر - والله أعلم - ما يلي:
إن أسماء البحور نوعان:
. أسماء جـــامدة ، وهي حصرا ( الرجز والرمل والهزج والخبب )
. أسماء مشتـقـة ، وهي باقي البحور وهي ( الطويل والبسيط والخفيف والكامل والمديد والسريع والمنسرح والمضارع والمجتث والمقتضب والمتقارب والمتدارك والمحدث )
مع التذكير بأن ( المحدث والمتدارك والخبب وركض الخيل ) هي أسماء لمسمى واحد ، هو البحر المتدارك ، الذي استدركه أو تداركه الأخفش على أستاذه الخليل .. وقيل بأن الخليل أهمله عمدا لأنه وجده أقرب إلى النثر ..
فما كان جامدا من الأسماء فلا يقع صفة ـ كما تقول قواعد النحو العربي ـ ولذلك فهو لايتبع ما قبله في التعريف والتنكير ، وما كان مشتقا فهو يقع صفة ، ويتبع ما قبله تعريفا وتنكيرا .
ففي قولنا: البحر الطويل ، وقعت كلمة الطويل صفة للبحر، فتبعته في التعريف ( ولا أود الدخول في إعراب كلمة البحر نفسها ).
أما قولنا بحر الرجز ، فكلمة ( الرجز ) مضاف إليها وليست صفة ، ولا يجوز أن تقع صفة ؛ لأنها اسم جامد ، ولذلك لم تتبعه في التنكير ، بل إن المضاف لا يجوز أن يكون محلى بأل ، غالبا ، فالمعرف بأل لا يضاف إلا في القليل النادر ، حتى لا يجتمع في الكلمة تعريفان .
فنحن نقول : الكتابُ الجديدُ ، على الوصف ، ولا نقول كتابُ الجديدِ على الإضافة ، مع جواز الإضافة كما سيأتي بعد قليل .
ونقول كتابُ البحرِ على الإضافة قولا واحداً لا غير ، ولا نقول الكتابُ البحرُ ، إلا إذا جاز تأويلنا البحر بمشتق ، كالغنيّ مثلا ، فيكون المعنى : الكتابُ الغنيُّ ، وهو ممكن.. ويبدو التكلف واضحاً ..
ولهذا نقول: بحرُ الرملِ وبحرُ الهزجِ وبحرُ الرجزِ، بالإضافة لاغير، فهل يمكن تأويل بحر الرجز بالبحر الراجز أو المرجوز مثلا ، لنقول البحر الرجز بمعنى البحر الراجز أو المرجوز?. الواضح امتناع ذلك..
نعم يجوز لنا في المشتق أن نضيفه فنقول : كتابُ الجديدِ ، ولكن على تقدير حذف الموصوف ، أي : كتابُ العلمِ الجديدِ .
فالبحور المشتقة هي موصوف وصفة ، فنقول: البحرُ الطويلُ والبحرُ المقتضبُ والبحر المنسرحُ .. ولو أضفنا فقلنا بحرُ الطويلِ على الحذف ، أي على تقدير: بحرُ الوزنِ الطويلِ ، أي على حذف الموصوف ، لجاز لنا ذلك ، ولكن الأولى هو ما لا تأويل فيه لحذف ، ولا تقدير لمحذوف .
والخلاصة :
نقول في المشتق من أسماء البحور : البحر الطويل والبحر البسيط بتعريف الصفة والموصوف .. ونجعل ذلك مصطلحا لاسم البحر ، وقد كان ..
ونقول في الجامد من أسماء البحور : بحر الهزج وبحر الرمل وبحر الرجز بالإضافة وتعريف المضاف إليه لا غير .. ونجعل ذلك مصطلحا لاسم البحر أيضا ، وقد كان ..
أما الخطأ في لفظ اسم البحر بين اسم الفاعل واسم المفعول ، فحدث ولا حرج .. فالبحر المنسرِح بكسر الراء لا يجوز أن يكون المنسرح بفتح الراء ، وكم يفعلها بعضهم !. والبحر المقتضَب والمتدارَك بفتح الضاد والراء ، فلا يجوز فيها كسر الضاد والراء ، وكم يلفظها بعضهم !. هذا والله تعالى أعلم .. ورحم الله ونضر الله من أهدى إلي عيوبي .. داوود .. |