ليس كذلك !!
دأبت دور الكتب الوطنية، ومراكز البحث، ومكتبات خاصة وغيرها في عصرنا على إصدار عدة فهارس مختلفة للمجموعات الخطية المحفوظة لديها، وقد اختلفت تلك الفهارس في الجودة والإتقان ، والاستيفاء بحسب كفاءة المفهرس الذي أعدها وخبرته، وتخصصه، وعكس ذلك.
وإذا كانت فهارس المخطوطات الأصل فيها دلالة الباحثين والمشتغلين بالتحقيق، وإفادتهم عن الكتب المخطوطة ونسخها وأماكن وجودها وأرقامها ونحو ذلك مما يشجع على إحياء التراث، ويساعد في التعريف به، فقد استفاد منها بالفعل فريقان على السواء: الباحثون عن مخطوطات تصلح لتقديمها رسائل علمية ، كما استفاد منها الذين يشتغلون بنشر التراث وتحقيقه من خلال هذه الفهارس المنشورة .
بل لم يستنكف بعض الباحثين من الاعتماد عليها، والإحالة إليها في المعلومات التي تؤخذ منها حول مخطوط معين، أو عن شخص معين مثل عالم مؤلِّف أو ناسخ.. ولكن الحقيقة أن هذا الأمر ـ وإن كان الأصل فيه السلامة، ولا ضير على فاعله ـ يشتمل على خطورة بالغة، ومظنة للزلل ظاهرة ؛ فقد تكون بعض المعلومات في الفهرس المعزو إليه خاطئة ، أو غير محررة ، إما في عنوان الكتاب، أو في موضوعه ، أو في نسبته إلى مؤلف معين لجملة من الأسباب؛ منها سهو المفهرس أو قصور علمه، وكونه غير متخصص ؛ فتصبح هذه المعلومات مضللة للباحث بحيث ترميه إلى متاهات بعيدة إذا اعتمد عليها، وبنى على ما فيها من غير تبصر وأناة.
ونتيجة لتلك الأخطاء؛ فربما ادعى بعضهم في كتاب عرف لدى المهتمين أنه مفقود، أنه وجده في المكتبة الفلانية أخذا من الفهرس ، مع أن الذي ذكر في الفهرس خطأ أو وهم.
وربما اطلع الباحث على فهرس لمكتبة في بلد معين، وأخذ منه معلومات عن كتاب يهمه، ثم شرع يسعى لتصويره بشتى السبل ؛ بل ربما شد الرحل إلى البلد الذي توجد به تلك المكتبة ؛ غير أنه في النهاية يكتشف أنه كتاب آخر لا يستحق أن يبذل فيه ولا هللة واحدة ، وكثيرا ما نسمع في المجالس بمثل هذا عن فلان وفلان، وقس ما لم يقل..
وأكتفي في هذه المقالة بمثال واحد ـ فما أكثر الأخطاء والأوهام في الفهارس ـ على خطإ وقع في فهرس نشرته مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، وهي إحدى المؤسسات المتخصصة، المعروفة بعنايتها وحرصها على مراجعة الفهارس التي تصدرها من قبل أناس متخصصين.
ومن ضمن ما أصدرته من الفهارس " فهرس مكتبة الشيخ مورمباي سيسي، ومكتبة الحاج مالك سه، ومكتبة الشيخ إبراهيم نيامي في السنغال " من إعداد : عثمان كن، وهو الفهرس (8) من (سلسلة فهارس المخطوطات الإسلامية في مكتبات إفريقيا)، سنة 1418هـ
وأنا أطالع في فهرس مكتبة الحاج مالك سه المتوفى في مدينة تواون بالسنغال سنة 1922 ضمن الفهرس المذكور في الصفحة/ 334 رقم (114) إذا بي أجد البطاقة التالية:
(( فرائد المنح للألفية السيوطي في المصطلح ، تأليف: أحمد بن محمد بن أبي بكر الحنفي (522هـ/1128م) راجع: الأعلام 1/215 ، [بداية لمخطوط ونهايته] عدد الأوراق 77، ملاحظات: شرح لألفية السيوطي ))
وقد وقفت عند هذا الكتاب متسائلا؛ من أين هذه المعلومات ? كيف يشرح أحمد الحنفي المذكور المتوفى سنة (522هـ) ألفية السيوطي (تـ911هـ)الذي تأخر زمنه بعده بما يقارب أربعة قرون ? وإذا كان هذا خطأ فمَن المؤلف الحقيقي لهذا الكتاب ?
وكادت هذه الأسئلة توقعني في حيرة لولا أنه انقدح في ذهني أني سبق أن دونت كتابا بهذ العنوان في بعض دفاتري، فرجعت إليها أقلبها، وإذا فيها ما نصه" فرائد المنح في شرح ألفية السيوطي في المصطلح للمحدث الكبير أحمد بن دهاه العلوي الشنقيطي (1222ـ 1361هـ)
. نسبه له: معجم المؤلفين الشناقطة ص/7، ومعجم المؤلفين المعاصرين لخير يوسف 1/60،
. وممن نسبه له كذلك عبد الله الحبشي في جامع الشروح والحواشي 1/260 لكنه وقع عنده ( أحمد بن دهاق) بالقاف وهو خطأ.
وقد أهمله العلامة الزركلي في الأعلام، وكحالة في معجم المؤلفين؛ فلم يترجم له أي واحد منهما.
وأما أحمد بن محمد بن أبي بكر الحنفي الذي ذكره المفهرس فقد توفي سنة (522هـ)كما عند الزركلي 1/215، وكحالة 1/254 وغيرهما ؛ ويستحيل أن يكون صاحب هذا الشرح ، ولاشك أن المفهرس اشتبه عليه الأمر، ولم يفطن لتاريخ وفاته، وهو معذور في ذلك.
ونخلص من هذا أن فرائد المنح من تأليف المحدث أحمد بن دهاه العلوي الشنقيطي (1222ـ 1361هـ) من غير تردد كما تقدم في المصادر المعتمدة، وبمناسبة ذكر هذا الشرح فلا أظن أحدا اطلع عليه ؛ بل لم أر أحدا قبل الآن ـ حسب علمي ـ عرَّف به، ممن تعرضوا لشروح ألفية السيوطي ، أو كتبوا عنها. والله أعلم . وفي هذا السياق أوكد أنه ينبغي للباحث أن يكون حذرا في التعامل مع فهارس المخطوطات، وأن يتثبت من المعلومات التي ينقلها منها ، ويعاملها بالتمحيص والنقد، ولا يقابلها بالرضا والتسليم ، ولا سيما عند حينما تكون أشياء مستغربة،ومعلومات مشتبهة وإلا سيكون بمثابة من تعلق بحبل رثٍّ ليصعد به على شجرة ؛ فلا يأمن إذا اتكأ على الحبل وحده أن ينقطع فيسقط صريعا للدين وللفم ، في حين لو تمسك بالاثنين: الحبل مع أغصان الشجرة لربما سلم ونجا... والحمد لله رب العالمين.
|