كن أول من يقيّم
من الواضح أن الأخ يوسف لم ينظر في معجم الصحاح الذي وضعه الجوهري ( ت 400 هـ ) على ترتيب لم يسبق إليه ، ولم يطلع أيضا على ما قدم به محقق هذا المعجم المبتكر الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار من دراسة ضافية غطى بها جوانب الموضوع الذي طرحه الدكتور محمد جبر للبحث والنقاش . ومع ذلك فقد لمح الأخ يوسف في هذا الترتيب ما يكفل " مساعدة الشعراء على إيجاد الكلمات التي يختمون بها أبيات قصائدهم بالروي نفسه " . وهذا هو بالضبط ما قام به أول مبتكر لهذه الطريقة ، وهو أبو بشر اليمان بن اليمان البندنيجي ( ت 284 هـ ) في كتابه الذي أسماه " كتاب التقفية " .
غير أن غرض الجوهري من هذه الطريقة التي لم يسمع بصاحبها كان مختلفا ، وعلى حد قول العطار فقد " رأى الجوهري أن الفاء والعين لا تثبتان في موضع، ولا تبقيان على حال، أما اللام فثابتة، فترك ترتيب الكلمات على أوائل الحروف لان فيه متيهة الباحث الذي لا يعرف التصريف والمجرد والمزيد، فكلمة " أكرم " واستنوق وترهل ومحجة تضلل الباحث الشادي، بل رأيت بعض العلماء يضلون في الكشف عن مواضعها من المعجم، ولا يعرف في أي حرف هي. " أما طريقة الجوهري فمأمونة هادية، فيجد الباحث " أكرم " وكل ما تفرع من مادة " كرم " في باب الميم، واستنوق في باب القاف، وترهل في باب اللام، ومحجة في باب الجيم، وإذا كان الباحث عارفا بالمجرد والمزيد فإنه سيجد أكرم في فصل الكاف، واستنوق في فصل النون، وترهل في فصل الراء، والمحجة في فصل الحاء. " وأعتقد أن ما ذكرته هو الذي حمل الجوهري على اتباع منهجه الذي ابتكره ابتكارا " .
ولا أرى ثمة تفسيرا مقنعا غير هذا التفسير الذي اهتدى إليه محقق الصحاح ، ومع ذلك يبدو لي أن هذا الغرض فقد قيمته في عصرنا الحاضر وخاصة بعد أن أقرت مجامعنا اللغوية ضرورة الأخذ بالترتيب المعتمد على أوائل الحروف ثم ما يليها ، كما هو الحال في المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
بل إن صحاح الجوهري نفسه قد خرج لنا بحلته الجديدة في النشرة التي أخرجها محمود خاطر عام 1922 عبر إعادة ترتيبة لمختار الصحاح للرازي .
وهكذا ، يخيل إلى أن الأخ الدكتور محمد جبر إنما يدعونا إلى نقاش حول موضوع تم تجاوزه ولم يعد الزمان يسمح بالعودة إليه ، وهو ، ربما ، ما يفسر إحجام ( المثقفين العرب بوجه عام والمتخصصين بوجه محدد ) لأكثر من أسبوعين عن الخوض فيه . |