البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : البنت التي تبلبلت    قيّم
التقييم :
( من قبل 12 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
6 - مارس - 2006

شاعرنا الكبير ، الأستاذ زهير:

ما قرأته في مداخلتك الأخيرة أفرحني، لجهة أنني شعرت بأن غلاظتي قد أثمرت ، هي عكرت ماء اليقين، الذي لا بد من تعكيره من وقت لآخر لكي نزداد يقيناً . وجاء دفاعك على أحلى ما يكون ، بل ليكون مناسبة نتعرف من خلالها على الوجه الآخر للباحث زهير ظاظا ، ونلامس وجوده الإنساني ، وما زادنا هذا إلا تقديراً .

وجودك اليوم في المكان الصحيح يعني الكثير للكثيرين منا الذين تزخر بهم أمتنا ولم يجدوا مكانهم بعد .

نتشوق لمعرفة المزيد والمزيد ، لكني ارتأيت بأن نترك ساحة الفلسفة لكي لا ينقطع حبل النقاش فيها ، ونفتح ملفاً آخراً ، وهذا متروك لتقديرك وما تظنه مناسباً   

 

 كنت قد كتبت رواية صغيرة الحجم ، تحكي قصة بنت مراهقة في زمن الحرب الأهلية اللبنانية . أراها في صميم موضوعنا الفلسفي الذي نتناقش فيه ، لأنها ترمز إلى صراع الإنسان مع أهوائه وانشطاره بين رغبتين . وهي تبرز أيضاً مقاومة الموروث الثقافي ، عندما يكون عميقاً ومتأصلاً ، مع الفكر المكتسب بمظهره الحضاري " التحرري " وما يخفيه من طموحات .   

الرواية اخترت لها عنوان " البنت التي تبلبلت ... " . الحدث ، الذي هو قصة حب فاشلة ، المغرق في عاديته ، اتخذته ذريعة للتوغل إلى الداخلي ، والحميم ، لفهم ما كان يعتمل من نوازع و تغيرات في نفس تلك البنت وعالمها المحيط  من : عائلة ووطن وأصدقاء . هذه البنت كانت تتنازعها رغبتان ، الأولى: الحفاظ على نقائها الفطري، وهو ما نقلته إليها تربيتها وما تشعره في ذاتها  السحيقة . والثانية: رغبتها في الحياة والتكيف مع زمنها ومحيطها وما كانت تدعيه من أفكار عصرية وما يستلزم كل ذلك من تنازلات لا بد منها 

الحكاية تبدأ هكذا :

 

 "البنت تحدث نفسها "

أتذكرين ? تلك البنت التي كنت أعرفها ! ... كانت رقيقة ، نقية ، دمثة الأخلاق ومنذورة لأن تكون أماً مثالية !... هكذا عرفتك ! فما الذي جرى لك ، لكي تتبدلي ? ما الذي حدث لك ، لكي تتبلبلي كالريح ... ? أهو الزمان من أشقاك وغير ألوانك ? وما الذي فعلتِه أنت بنفسك ، لكي أراك ، كأنك القطيع الشاردة : مشتتة ، مبعثرة ، ومنزوعة الروح  ............. ?
 
ستقولين : " ربما هي الحرب التي داهمتني باكراً ، أعدمتني ماء الحياة  ... أربعة عشر عاماً ،  هي عمر الورود ، إعصار الطفولة اللجوجة ، ودفق الشباب الذي لا يطيق الانتظار ... لم   أرها ، ضيعتها بالانتظار ...
 كان العمرجميلاً ، والوقت كان ودوداً : الوطن كان فيروز ، والحب كان فيروز ... . الأهل والأصدقاء ? كانوا بسطاء ، لا يعدون الأيام . حتى حدثت الزلزلة .... ! " .
 
لكني أنا رأيتها لما أقبلت ! هدية الزمان إليك ، لما أقبلت ، كما المهرجان ! كزهوة البستان أشرقت ، فرحت لها بذاك الزمان . ألا تذكرينها كما أذكرها أنا ? أم أنك تتناسين ?
أتذكرين ? جدتك ، لما كانت تغرس شتولها بقرب باب الحديقة ? تضع بذور الحبق =الريحان= في باطن الأرض ، ثم تهيل عليها التراب بكفيها وهي تتمتم :
" بحق الخضرأبو العباس ، تعيش زريعتي وما تيبس ..."
ترددها ثلاث مرات ، تزرعها عند بزوغ هلال القمر ، وتسقيها من بعد الغروب ،  ... كنت تضحكين في سرك وتقولين : " جدتي ، تعيش في الأساطير ! الماضي حكايات ، والحاضر ، دعاء وصلوات .... " . أتذكرين كيف كانت  شتولها بهجة للروح ? مساكب الفل والنرجس ، وأحواض البنفسج والمنتور ، كانت بهجة للروح !.... كانت تشبه أعوامك الأربعة عشرة . أفلا تذكرين ?
 
"الحرب استدامت حروباً " ، تقولين ، " هدمتنا الحرب ! أعادتنا إلى مهدنا الأول ، العراء ! " .
  صحيح ، عزيزتي ، الحرب استطالت ، وعبثاً بحثنا لها عن أسباب ، لكي نحتويها ، لكي نعقلها  . قالوا بأنها كانت حرباً طائفية . قلنا : بأننا انتفضنا  ضد مشروع الانعزالية والصهيونية ....... أبي أقنعنا وقتذاك  بأنها كانت أيضاً (حرب الرأسمالية ضد الطبقات  الكادحة)  وأنها حرب تحرير وثورة اجتماعية ! كان يردد : بأنها تحالف البورجوازية مع الفاشية ، والامبريالية العالمية ضد مصالح الشعوب الفقيرة ، من أندونيسيا ، إلى كوبا وفيتنام ، حتى الجزائر والصحراء الغربية ............  وكان يحفظ اسم لوركا وإلليندي إلى جانب المتنبي وأبي العلاء المعري ويتحدث عنهم بشيء من القدسية ........ هو كان أممياً ، ويحلم بالعدل الاجتماعي والمساواة بين البشر ..........
" يا الله ! كم أحبه أبي ! أمير طفولتي ، وملهم سنواتي الأربعة عشرة . سيبقى لغزاً أبي : كان عروبياً ، لكنه كان لا يكف عن انتقاد عبد الناصر الذي" نكل بالشيوعيين " ، على حد قوله،   "مع أنهم بنوا له السد العالي " ، ........... لكنه بكاه بحرقة شديدة يوم مات !
 
أتذكرين !
يوم استفقت بالصدفة ، ذات صباح ماطر، لتري ذلك المشهد الخيالي : كان الجبل يبكي ! يخفي وجهه بيده ويشهق بقوة ! يستمع إلى المذيع في الراديو الذي كان يبكي بدوره ، ويشهق هو أيضاً .... باليد الأخرى ، كان يحمل سيكارة تكاد تحرق أصابعه ....... اليد التي كان يلبس فيها ساعته الفاخرة التي طالما أثارت إعجابك ! أتذكرين ?
" لن أفهمه أبداً أبي ! لن أفهمه " .
عشرة أعوام مرت بعدها ......... رأيتِه مرة أخرى يتنقل، كالحجل ، بين ركام بيتكم الذي هدمته الحرب . يبحث عن بعض الصور ينتشلها من بين الأنقاض :
" أوف ، أوف ، ولَكْ معَوَّدْ على الفجعات قلبي ... " ، كان يغني !
" يبدو أنها طقوس يا أبي ! طقوس اخترعناها ونعيد تمثيلها في كل مرة لنستعيد بها الفاجعة . طقوس ، نهدي فيها القرابين إلى آلهة الموت والدمار ! "
..............................................................................
 
لن تذكري رائدة الفضاء السوفياتية . لكن أمك سوف تذكرها لك بنشوة لو سألتِها عن الرفيقة ذات العيون الزرقاء الباردة التي صعدت إلى سطح القمر .
" آه يا جدتي ، لو تعلمين ، بأنهم في بلاد الرفيقة ذات العيون الزرقاء، قد أنبتوا القطن ملوناً في سفوح " التوندرا "على اسم " لينين العظيم " ، وأن تقريرها عن زيارتها للقمر يفيد بأنه كومة أحجار لا تنفع ولا تضر ."

يومها ، كان أبوك قد اصطحب أمك معه لاستقبال الزائرة الاستثنائية . كل الرفاق كانوا قد اصطحبوا زوجاتهم ......... يومها ، قال أبوك لأمك ، باستحياء شديد ، وبعد تردد طويل :
" بإمكانك أن تنزعي الغطاء عن رأسك لو أردت " .
لم يكررها مرتين . ورغم أن أمك لا تعرف شيئاً عن الاضطهاد الطبقي ، ورغم أنها لم تعد تذكر شيئاً مما قالته الرفيقة عن دور المرأة في حركة التحرر العالمي ، إلا أنها انتزعته إلى غير رجعة ، همها كان ، أن تشبه " أسمهان " و " ليلى مراد " بتسريحتها الجديدة .

 3  4  5  6  7 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لغز 4    كن أول من يقيّم
 

قـال الـحكيم وقد أثرتُ iiشجونه لـولا  ضلالي ما عرفتُ رشادي
ومن العجائب أن يدلَّ على الهدى مـا يـسـتـدل به على iiالإلحاد

*زهير
29 - مارس - 2006
بنبوك بابا والبنت التي ما تبلبلت    كن أول من يقيّم
 

بنبوك بابا: مزار صوفي، يعرف في حينا باسم (كراد الأيوبية) ويقع في سفح جبل قاسيون بدمشق، شرقي مجمع كفتارو =جامع أبي النور سابقا=  .
ويبعد هذا المزار عن بيتنا زهاء (300) متر. ويضم عدة أضرحة بالإضافة إلى الزعيم (بنبوك بابا) الذي تقول الأسطورة أن جسده لا يفنى، وقد أخرج قدمه من القبر لتبقى آية له على ولايته. وقدمه ظاهرة، رأيتها مئات المرات. ومعنى ببنبوك باللغة التركية (القطن) لأن المراسيم تقضى على الزائر أن يصطحب معه كيس قطن لتغطية رجل ببنبوك بابا الذي بدوره ينسج للزائر ثوبا من القطن ويدخره له ليأخذه منه في المحشر.

وكان في جوار هذا المقام شيخ ظريف  يحبني حبا جما، وأحبه أنا كذلك =حتى هذه اللحظات= وكان يحزنه أن أضيع حياتي سدى، فقال لي مرة وقد أخذ بيدي وخرج بي إلى الشرفة التي تطل على بنبوك بابا، ما هذا? فقلت له: أي شيء تريد، فقال: هذا ضريح من? فقلت ضريح بنبوك بابا. فقال لي: بنبوك بابا يا بابا خشب (اسلم بروحك قبل ما تحترق) كنت أنا وسادن المقام نجلس في جوار الضريح..ويخرج القدم من الضريح ويقول وهو يقهقه: (يا ابن الحرام ...إذا قلنا للمسلمين أنك خشب سيقولون يهود وسيتهموننا بإخفاء جثتك..خليهم في ظلماتهم يعمهون). وقد طولت في قصيدتي (بنبوك بابا) في وصف هذا الشيخ ومكانته في نفسي، وكيف كان لا يعبأ بكبار الشيوخ مع أنه معدود من العوام، تعلم القراءة ربما بعدما جاوز الأربعين ولا يزال على قيد الحياة حتى اليوم (29/ 3/ 2006م).
وهو المراد بقولي في القصيدة:

وأردّ لـلـسـقـا الوفاء وقوله أيـام كـنـت لـسـره خطّابا
:أدنى المطامع في الحياة لطامع إن كـان كـلـبا أن يرى كلّابا
أمـا تـذؤّبـهـم فلستَ iiبواجدٍ فـيـمـن عـرفتُ معلما iiذأّابا
أتـظـن أن أبـا العلاء iiبقوله اثـنان أهل الأرض قال iiفصابا
اثـنان  أهل الأرض في iiأيامه والـيـوم  أصبح واحدا iiنصابا
يـا  صاحبيَّ القبر هل iiسقّاكما بـعـدي يـعاطي ربَّه iiالجُلابا
ما  كان أكرمه وأشرف iiعرضه عـن  أن أخوض بسره iiمغتابا
تـمـشي أبالسة الطريق iiأمامه بـالـذل  حـنزابا يلي iiحنزابا
ويـرد  عـفـرته إلى iiيافوخه حـتـى  تـصير لرأسه قعنابا
عـجـبا  لسلطته على تيجانهم إن  قـيل أو قالوا أتى (همبابا)
الله  يـشـهـد فيه كم من iiمرة نـادى  بـنـا في سره iiوأهابا
نـادى فلا البصري في iiحلقاته نـادى وغـنـانـا فلا iiزريابا

كانت تلك الكلمات من هذا الشيخ بمثابة العاصفة في صحراء معتقداتي، إذ لم تكن بعد تلك الأعجوبة قد فضح أمرها، حيث دب الخلاف فيما بعد بين كنة سادن المقام وحماتها، فركضت الكنة إلى بنبوك بابا واستلته من الضريح ورمت به إلى الزقاق، وصارت تدوس عليه، وتركله برجلها. ثم لما جاءت الشرطة حملوا (بنبوك بابا) وسلموه إلى وزارة الأوقاف، وآخر مرة رأيته فيها قبل مغادرة دمشق عام (1998م).
وأذكر هنا من القصيدة طرفا من خبر هذه البنت التي ما تبلبلت:

واستخرجت بنبوك من iiناووسه ومضت تنادي في الزقاق سبابا
هـذي كـرامتكم وهذا iiشيخكم يـا أسـوأ الـمـتسولين iiقبابا


قبر بنبوك بابا
 
وتفصيل الاحتيال في هذه الخدعة أن القبر مغطى بصندوق من خشب، وموضع القدم في الجهة المقابلة للنافذة التي يقف عندها الزائر، وليست في جهة النافذة، بمعنى أنك تضطر للبحلقة والزحلقة حتى ترى تلك القدم المصنوعة كما عرفت فيما بعد من خشب النارنج.

وتـرى  الضريح مسنما iiومقوسا ومـكـلـلا ومـجـلـلا iiومهابا
وعـلـيـه نـافـذة تطل iiخلاله وتـريـك  وهـم خـياله منسابا
نـقبت  إزاء الرأس نقب iiمشعوذ لـم يـسـتـشر صنما ولا iiكذابا
والساق في صدر الضريح تزيدها فـي  القطن أنوار السراج ضبابا
ألـعـاب  لاهـوت سـبينا iiأمه يـومـا فـأولـدنـا لـها iiألعابا
 

 

فرهاد خان
 
طوال طفولتي كنت أتردد بشكل يومي في موسم الحج لأخذ البخشيش من الحجاج الأتراك والهنود والداغستان، الذين يفدون للتبرك بتراب ببنبوك بابا، وكان فيما بعد أن قريبا لي يعمل في المطار استوقفه قبطان طائرة هندي اسمه فرهاد خان، وسأله عن بنبوك بابا، وهو يريد زيارته بوصية من أبيه الذي زاره قبل ثلاثين سنة، ومع فرهاد كيس قطن كما تقضي المراسم.

فرهاد على الضريح
 
فأجابه قريبي: ولكن هذه قصة كذب بكذب، فثارت ثائرة فرهاد وأصر على زيارة ببنبوك بابا، ولكن كان بنبوك بابا قد فضح أمره وتحول المزار إلى مزبلة للحي (ثم أعيد لاحقا ليكون مزارا، ولكن من غير بنبوك بابا) ولم يصدق فرهاد حتى رأى بعينه المزبلة، ثم لم يصدق حتى حفر القبر، وقال قولة مؤثرة: (والله إذا قلت لوالدي إن بنبوك بابا غير موجود في ضريحه فسوف يقول مباشرة، لقد عرج إلى السماء لأن أهل الشام فسدوا)

ملحمة بنبوك بابا
 
لما سمع الأستاذ جودت سعيد بقصة فرهاد أصر علي أن أكتب كل هذه الأحزان في قصيدة وأهديها لفرهاد، ففعلت وكانت قصيدة مطولة، تقع في أكثر من (600) بيت، أولها:
(من ذاكر في الشام بنبوك بابا..في صالحية قاسيون عجابا)
تعرضت فيها لذكر تاريخ البنابيك في الإسلام..
وفي هذه القصيدة زهاء مائة بيت خاصة بالحديث مع فرهاد، منها:

فرهاد أين أبوك في لاهوره ليراك كيف صدقته iiالإنجابا
سـمّاك  فرهادا لتحفر مثله فحفرت في أحسابنا iiالأعقابا
الحدث الطريف
 
لما فرغت من تأليف قصيدة بنبوك بابا وأنشدتها في مجلس الأستاذ الداعية الكبير جودت سعيد بالاتفاق معه، حدث ما يحسن ذكره، ولكن في الجلسة التالية لسهرة بنبوك بابا بعد مضي شهر على إنشاد القصيدة، حسب مواعيد جودت سعيد في عقد جلساته.
قام في هذه الجلسة شاب من أهل الشام يسمى (بشار الترك) يستأذن جودت سعيد في الكلام، وقال: أنا يا جماعة أريد أن أصارحكم بمشاعري. ذلك أنني ارتبت بكلام  زهير حول كتاب الرسول للشيخ سعيد حوا، وأنه استشهد ببنبوك بابا على صحة بقاء أجساد الأنبياء حية في قبورهم، فلما عدت إلى البيت فتحت من فوري كتاب الرسول للشيخ سعيد حوا وبحثت فيه فلم أجد ما ذكره هذا الشاعر.

 


ثم ماذا
 
قال: فقلت ما أجرأ هذا الرجل على الكذب والله لأفضحنه على رؤوس الأشهاد. قال: ثم رجعت إلى نفسي وقلت: لعله في طبعة غير الطبعة التي في يدي، بل لعل عيني زاغت فلم تر ذلك الخبر المشؤوم، لأنني تصفحت الكتاب بطريقة سريعة. قال: فرجعت إلى الكتاب لأقرأه سطراً سطراً وإذا بي أرى ما ذكره هذا الشاعر موجوداً في كتاب رجل كان أستاذي وإمامي أكثر من عشرين عاما والكتاب في بيتي وأنا مثل الأطرش بالزفة

وكتاب الرسول هذا هو المراد بقولي في القصيدة:

سـلّـم على (حوّا سعيد) وقل له حـيـا  الرسولُ كتابُك iiالإعجابا
بنبوك فصل المعجزات فهل رأى فـي  مـعـجزاتك قدحه iiالخيابا
مـا  عـدّهـا لـلـقوم نبهانيُّهم فـعـلام  أنـت نـبشتها iiعجّابا


تاريخ بنبوك بابا:
أما متى اخترعت هذه الأعجوبة، فالأرجح أنها من منجزات المرتزقة أيام سفر برلك، في أوائل القرن العشرين، لأن أحدا من مؤرخي الصالحية لم يذكرها، حتى يوسف بن عبد الهادي. وقد فات النبهاني ان يذكر هذه الكرامة في كتابه (جامع كرامات الأولياء) فكفاه هذه المهمة الشيخ سعيد حوا.
جمال عبد الناصر:
والشائع عندنا في الحي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لما سمع بهذه الأعجوبة عند زيارته دمشق، أصر على رؤيتها، فزارها في جنح الظلام في صحبة بعض مشايخ دمشق.

*زهير
29 - مارس - 2006
مذكرات 7    كن أول من يقيّم
 

 

 

بين الرماد والورد

 

 

 

    " يأتي وقت بين الرماد والورد ، ينتهي فيه كل شيء ، يبدأ فيه كل  شيء "

 

أبحث عن وجهي في المرآة ولا أجد ما أبحث عنه . يلزمني الكثير لكي أصبح" حلوة" ، يلزمني أيضاً الكثير من الأناقة لكي أشعر بالثقة .

 

   بالأمس ، كان لدينا محاضرة في " الجماليات " . الأستاذ الطريف جداً، الذي جاءنا حديثاً من أميركا ،  بعد أن درس وأقام فيها سنين طويلة ، يأتينا بأفكار طريفة على شاكلته . هي تعكس بألوانها الفاقعة والمتنافرة ذوقه في اختيار ألوان ثيابه الصفراء والبرتقالية التي كان يبدو فيها كأنه صحن بيض بالبندورة . بساطته بالتعامل معنا فيها سذاجة مؤكدة ، رغم أنها تروق لنا كثيراً. لكنني أتساءل : كيف سيصمد بها أمام كل تلك المؤامرات التي تحاك ضده في الإدارة ?  يريد لنا بأن " نتحرر" ، ويظن بأن المشكلة هي في الكبت الجنسي ، وفي حرية إبداء الرأي . إن ما يتجرأ عليه بأفكاره عن " الحرية " وخصوصاً في حديثه عن الجنس ، الأكثرية يطبقونه بدون نظريات كبيرة ، لكن في الخفاء .............. أنا أسمي هذا أفكاراً مدللة لإناس مدللين ، لم يلمسوا قعر الهاوية . هو يقول بأنه يشعر بالإهانة في كل مرة يضطر فيها للوقوف على حاجز لقوات الردع .........  طبعاً ، هو لم يعش هنا أيام الحرب ، ولا يعرف أين يضع هذا النوع من الإهانة في سلم أولويات الحياة ، عندما يكون عليه أن يجد لها مكانها بين مشاعر أخرى أشد سطوة ،  مثل : الجوع والخوف والعيش بدون استحمام ، وفقدان الأمل بالعودة إلى الحياة العادية للبشر ......... لو جرب انقطاع الماء والكهرباء والاختباء في الملاجئ لمدة سنتين  متواصلتين ،  وكان عليه أن يحمل دلواً من الماء إلى الطابق الرابع صعوداً على الدرج المظلم ،  في كل مرة يضطر فيها لأن يقضي حاجته ، لفهم ما معنى الإهانة ..........

 

  بالأمس سألني ، خلال النقاش ، أثناء المحاضرة ، "هل من الممكن لي أن أحب رجلاً أشعر بأنه سهل المنال? " ........... كان يجب أن يختارني أنا بالذات لهذا السؤال ? ..... لمَ لا يسأل "أمال" ? . هي كانت قالت له : " والله ممكن يا أستاذ ، فهل سيكون للسوق ، أم للصندوق ، أم لغدرات الزمان ? هذا رهن بالظروف " . عندها سيضيع ، فهو لم يقرأ في مكيافللي هذا المثل  ........ ولَكُنا ضحكنا وقتاً طويلاً . لكنه سألني أنا ، وأنا قلت : " لا " .

 

  هو يظن أن ما نعانيه للحصول على الشيء ، هو ما يحدد قيمته بالنسبة لنا . وفي هذا وجهة  نظر ، لكنه برأيي ،  نصف الطريق . هذه أفكار أميركية صرفة : يظنون أن كل شيء له ثمن ، أو مقابل ، وأن قيمة الشيء ، تكون بقيمة الثمن المدفوع مقابله .........  باعتقادي ، العكس هو الصحيح ،  أعتقد بأن حاجتنا إلى الأشياء هي التي تحدد قيمتها بالنسبة لنا ، وهي التي تحدد بالتالي : الثمن . إلا أنهم نجحوا في قلب المعادلة واختراع حاجات وهمية للإنسان ، وبالتالي قيماً وهمية . هذا هو الاستلاب بشكله الجديد ........ 

 

  على أية حال ، هو بسؤاله نبهني إلى شيء ما كنت غافلة عنه ! البديل ، يجب أن أحسم أمري معه .

 

*ضياء
1 - أبريل - 2006
الرسالة السابعة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

 

 

 

 

 

اليوم الشهيد !

 

 

   عزيزتي صفاء :

 

   جئت اليوم لأحدثك عن يومي الشهيد ! ذلك اليوم سأصفه لك بكل تفاصيله التي لا أزال أذكرها  بوضوح ، فهو اليوم الذي دفنت فيه كل أحلامي ، وكل البراءة التي كنت أعيش فيها ، حتى ذلك الحين .

 

   كان شتوياً ذلك النهار ، إلا أن الجو كان رائعاً ، لأن الشمس كانت قد سطعت من بعد رعود وأمطار دامت كل فترة ما قبل الظهيرة . التقينا قبيل العصر بقليل ، في نزهتنا المعتادة على الطريق السهلية ،   البحرية ، وكان لي قلبٌ يومَها  له جناحات . الأرض كما السماء ، كانت قد اغتسلت بماء غزير، أعاد إليها رونقها ، وأعاد إليها هدوءاً كانت قد عكرته العواصف . حتى البحر ، بدا إذ ذاك أكثر اتساعاً وجاذبية ، تحت خيوط الشمس النحيلة . الطريق ، الشجر ، البيوت ،  بدت كأنها رسمت من جديد ، لأن حجاب البلل الشفيف الذي كان يغلفها ، ضاعف من عمق اللون فيها ، فانقشعت معالمها . كل شيء كان وضاءاً ، مشعاً ، واعداً بالحياة .

 

  كنت أرتدي كنزة صوفية ، زهرية اللون ، مفتوحة قليلاً عند الصدر، تحت سترتي التي تخليت عنها ، بمجرد صعودي إلى السيارة . الجو فيها كان دافئاً بحرارة التسخين ، وبهجة الألوان الصارخة ، واتقاد الرغبة المطلة من جسمي ، ومن عينيه .

 

  ووجدته على غير عادة ، وبدون أي كلام ، ينحرف عن الطريق الاعتيادية . ووجدتنا وقد توقفت بنا السيارة ، في مكان خال بين الشجر ......... فجأة ، صرنا وحدنا في حضن الطبيعة ، كأننا عدنا لمهدنا الأول . المشهد ، كان خيالياً ، المشهد كان أسطورياً ، و كل ما كان قبله ، وكل ما كان بعده ، هوالسراب ........

 

    في تلك اللحظة الفريدة ، رأيته يرتمي على صدري . يهوي إليه كجرم هبط من السماء  الأعلى ،  ليتناثر فوقه كانشطارالنيازك . في دفعة واحدة ، صار يتدحرج على سفحه ، كانحدار الصخرعلى باطن الجبل .....  في دفعة واحدة ، لا تقبل الشك ، ولا التفكير ، ولا  التردد ، ولا الانتظار .......... في انحناءة ، تشع فيها العيون ، باتقاد غريب ، ويكاد يفر منها النظر ..... ثم ، وبنفس الوتيرة الصاعقة ، يدس يده داخل قبة الكنزة ، ليخرج من عشه ، طائراً ، كان قد أعياه الانتظار .  ليلتقط فرخاً ، كان لا  زال ، بطراوة اللحم . يحتضنه بباطن  كفه ،  بشغف وورع ، كـأنه الدر المكنون . نظراته  كانت مفترسة ، وذلك العصفورالمدلل ، كان شهياً ومثيراً ، ويحلم بأن  يطير . 

 

   كان شيئاً مذهلاً ما كنت أراه ، أهو صدري هذا المتحول ? هذا الحرون الجسور الذي يثب ويندفع بتلك الشهوة العميقة ? أهو صدري هذا ، الذي يعرف كيف يغري ويتغاوى برونقه وملمسه، وانزلاق النور عليه ، مشرباً بتلك الحمرة الخفيفة ? أهو نور الشمس ما جعله حقاً مضيئاً تلك اللحظة، أم أنه إنقشاع اللون عنه ، ليختلط فيهما بنضرة وإشعاع غير عاديين ?

 

  كان حقاً منظراً فريداً هذا الذي كنت أراه . صدري المسكون برغبات البوح الدفينة فيه دهوراً ، فم وشفتان طريتان لطالما اشتهيتهما  ، تجوبانه بالطول والعرض ، تتمرغان فوق ذلك السفح الدافئ ، في كر وفر ، كأنهما تسعيان إلى احتواء المكان .  ذاك التماس الصاعق كان مباغتاً ، ومتفجراً ، حتى بدت لي تلك اللحظة كأنها اختراق للقدر .

 

  دقيقة أو دقيقتان من العمر دام فيهما هذا اللقاء . ربما تكون ثلاث دقائق ، وأنا لم انتبه ? ممكن ! كنت كالمصعوقة ولم أنتبه . كنت كالمصعوقة ولم أعد أذكر أيهما كان أقوى عندي لحظتها : شعوري باللذة أم بالغرابة ?

 

   أذكر بأنني لم أنبس ، ولم أتحرك في مكاني ، كأنني أتفرج على لعبة مثيرة تجري أمامي . ثم ? ....

 

  ثم توقف كل شيء ودفعة واحدة ! فجأة ، كما بدأ ، ارتد عني وهو لا زال متبلبلاً ، متهدجاً ، وكأن الخيط الذي كان بيننا قد انقطع ، كأن السحر قد توقف ، كأن الساعة قد دقت ، وعادت " سندريلا " إلى ثيابها الرثة .

 

 هو الخوف ، على الأرجح من أننا لسنا في مكان آمن ، ما أعاد إليه عقله .

 

الرغبة كانت قد أفقدته صوابه ، والخوف أعاد إليه عقله .

 

 دقيقتان من العمر، كنا فيها معاً ، بدون خوف ، وبدون عقل .........

 

دقيقتان من العمر ، خارج حدود السلطة ، والإرادة ، والتيقظ  ، والحسابات ........... 

 

دقيقتان من العمر ، خارج حدود الأخلاق ?

 

ربما ، ربما هما كذلك ، عزيزتي ،  لكنهما دقيقتان ، لهما من السحر والقوة والجمال أسنان  حفرت في قلبي ، وفي ذاكرتي البعيدة .

 

ثم ، عاد كل شيء ، إلى فقره المميت .

 

ثم ، هذا اللا شيء البارد ، القاتل ......... العدم الكامل ، العماء .......

 

لا شيء بعدها يستحق أن نقوله ، أو نذكره ، أو نعود إليه . صدقيني ، صفاء: هبطنا من الأسطورة إلى اللاشيء ، العالم الحقيقي ? بل هو الوهم الكبير .............

 

عاد هو ليعتذر ، بكلمات من زمننا الأرضي : كانت هفوة ، لحظة ضعف ، أشياء كهذه نسيت تفاصيلها ، وينزلق في غمرة تبريراته ليشتكي ، بأنه لا يحلم إلا بأن يراني ممددة أمامه وعارية تماماً . كان ينطق عن الهوى ، كان لا يزال يهلوس ........ لم أعد أسمع ما كان يقول ، انبهاري ، وتوتري ، كانا يمنعاني من التفكير ، إلا في شيء واحد بوقتها : هو أن أعرف مصيري معه !

 

استجمعت شجاعتي ، كل شجاعتي ، لأنها كانت تلزمني كلها ودفعة واحدة ، وقررت اقتناص اللحظة التي لن تتكرر أبداً . لو سكت لحظتها  لسكت العمر كله ، دون أن أسأل شيئاً . بقوة انفعال تلك اللحظة ، التي شعرت للتو ، بأنها تنتمي إلى طقوس القرابين ، تكورت الكلمات داخل صدري . وبقوة انفعال ما كان يعتمل في صدري من ألم ورهبة ، دفعتها ناشفة ، خشنة ، تكاد تلتصق ببلعومي ، فخرجت تتدحرج ، كالحجر الثقيل ، وصرت أطردها طرداً، وهي تتشبث بحلقي ، كمن ينتزع حشرة ........

 

  تأتأت ، بل ، غمغمت ، أو ربما حشرجت ، بصوت لم أسمعه من قبل ، ولا أعرف مصدره :

 

   ـ  " هل لا زلت ترى نهى ? " ، قلت .

 

   ـ  "نعم " ، أجاب .

 

   ـ  " وهل لا زلت تحبها ? " ، أضفت .

 

   ـ  " نعم " ، أضاف !

 

...................................................

 

  انتهى الكلام وانتهت مهمتي العسيرة !

 

  ثم صمتنا دهراً .............

 

  دهراً طويلاً صمتنا ، عزيزتي .

 

  ثم عدنا إلى المدينة ...........

 

  إلى المدينة عدنا ، عزيزتي ، صامتين ، مكسورين .........

 

  سأتركك الآن ، صفاء ، يبدو أن وقت الذهاب قد حان ، ولأن لكل شيء أوانا ، وأشعر الآن بأنني أريد أن أرتاح .  سأعود إليك غداً ، فاعذريني ، وإلى اللقاء .

 

*ضياء
1 - أبريل - 2006
عادات مختلفة    كن أول من يقيّم
 
لهذه القصيدة قصة مطولة لا أرى داعيا لذكرها هنا، و(ناتي) هو الاسم المستعار لفتاة نزلتُ على أهلها ضيفا في (بخارست) أياما معدودات، وكانت دليلي في التعرف على معالم بخارست التاريخية. ثم لم تسمح لي ظروفي الاجتماعية لما أتت هي إلى (أبو ظبي) أن أقابلها بالمثل، بل ولا بشيء يذكر أمام إنسانيتها الدافئة، وأنوثتها الطاهرة، ولهفتها على خدمتي في بلدتها. فكم كنت وغدا معها، ثم مع أسرتها، وأبيها الطيب، وأمها التقية، وأخيها الذي صاحبني أيضا يوما كاملا يتنقل بي في حدائق بخارست.
فـي ظـلال iiالعبراتِ ولـهـيب  iiالذكريات
وأعـاصـير  iiالحكايا والـجراح  iiالماطرات
أكـتب الأشواق iiهذي لـك  يـا أجمل iiناتي
راجـيـاً أنـك iiجاوز تِ  جـمـيع iiالعقبات
واسـمـحي  لي أنني أُهْـدي  أحر iiالقبلات
اسخري  ما شئت iiلكن لا تـزيـدي حسراتي
أنـا من ذكراك iiمخنو ق  إلـى قـاع حياتي
قـسـمـاً  بالقبلة iiال أولى  على وجنة iiناتي
لـم يـزل iiزنـبـقها مـنتشراً  في iiوجناتي
وعـلـى  مد iiسهولي سـوسن  من iiهمسات
أنـت فـيها كل شيء أنـت  يـا كل شتاتي
ابـعـثـي لي iiقبلات وأعـيـدي iiبـسماتي
فـأنـا عـدّلـتُ iiمن أجـلك  تاريخ iiحياتي
لـم أعـد أبصر iiشيئاً مـن دخـان السنوات
كـان  إدخـالـك iiفي الإسلام  كبرى سيئاتي
كـلـمـا قمتُ iiأصلي بـصقتْ فوق iiصلاتي
وأنـا أصـغر من iiأن تـنـظري في كلماتي
وأنـا نـذلٌ إلـى iiأن يـرث  الله رُفـاتـي
آه مـا أكـثـر iiفـي جـدولك العذب هَناتي
كـم  رسـمنا iiزفرات ومـحـونـا  iiزفرات
وركـبـنـا في iiبحار مـائـجـات iiعاتيات
وتـشـدين على iiكفي يـديـك  iiالـراجفات
وضـيائي  وجهك iiال مـشرق بين iiالظلمات
كـان قـنـديلاً iiولكن حـطـمـته  iiترّهاتي
ليس فيه من حديث ال عـار  إلا iiقـبـلاتي
*زهير
1 - أبريل - 2006
لغز 5    كن أول من يقيّم
 

قـال  الـحكيم إليك مني حكمةً مـلءَ  الـنهار صباحة وجمالا
إيـاك تـنـظر في خيال أسود فالتيسُ يُحسَبُ في الظلام غزالا

*زهير
2 - أبريل - 2006
مذكرات 8    كن أول من يقيّم
 

 

 

في الطريق إلى الجحيم

 

 

 

  " شخص واحد هو من تفتقده ، ويصبح العالم خواء .........."

 

لامارتين     

*ضياء
3 - أبريل - 2006
الرسالة الثامنة    كن أول من يقيّم
 

 

 

 

رأسي الصغيرة 

 

 

 

    عزيزتي صفاء :

 

  عدت إليك لنستكمل ما انقطع بيننا من حديث ، ربما أكون قد تأخرت بعض الشيء ، فقد شغلتني عنك هموم الحياة اليومية ، التي نستلهك عمرنا في تصريفها . ما أشقانا بها !

 

    " نعم ! " ، عزيزتي ، قال " نعم ! " بكل بساطة ، وأناقة ، وفتور ..........

 

   ولم أعد أسمع شيئاً ! تلك الكلمة ، قطعت حبل الكلام ! قطعت حبل الشوق ، وحبل الوداد ،  وحبل الرغبة ، وكل الحبال التي كانت موصولة بيننا حتى تلك اللحظة ........  للتو ، شعرت بأنني ذبحت من الوريد إلى الوريد ! كما قربان المعبد ، ذبحت ! وراحت روحي تنتفض داخل  جسدي ، الهامد هو كلية ، كأنه ميت ..............  كان من الصعب علي احتباسها في داخلي ، روحي القتيلة ، لأنها كانت تنوح وتتلطم في حنايا صدري . روحي التي نزعت حجابها ، وشعثت شعرها ، وشقت قميصها، وصارت تنتفض كالملسوعة ، تركض وتتدافع  بداخل صدري ، تريد أن تخرج منه  ........ كرهتها ! كرهتها واحتقرتها ، وتمنيت أن أجهز عليها فأرتاح .......  ثم ، لا أدري كيف ، عقلتها ! كالفرس الجموح كانت تصهل وتتطاوح ، وعقلتها ! وذلك بأن أهرقت عليها أسيداً حامضاً من أحقاد نفسي الغاضبة ....... قلت لها :  " موتي ! "  أو " اهمدي ! " ، فهمدت ...  كأنني كنت أنا جدتي لما كانت تنهرني من بعيد ، بينما أحاول بأن أتسلق الشجرة ، ترمقني  بعينيها الصغيرتين الثاقبتين وتلوح لي بإصبعها وهي تقول : " اهمدي ! " فأهبط  للتو . أنصاع خوفاً ورهبة ، وأهمد ......... هي ارتدت إلى دهاليز نفسي ، روحي الذبيحة ، واختبأت فيها كما الفأرة الصغيرة الخائفة ، وكانت ترتجف ...........

 

  بالكاد استطعت السيطرة على ذلك الارتجاج العنيف ، وحبست نفسي داخل نفسي ، حتى أخذت أشعر بدوار كبير، كأن العالم من حولي ، بدأ يتفتت وينهار ...  كأن جبلاً في داخلي ،  قد قض قضيضاً ........... فجأة ، بت لا أشعر بما يحيط بي من موجودات ، وسط  هذا الدمار العارم . صار الدمار لي وحدي . وصرت وحدي ،  داخل عالمي المتفتت من حولي ، المتفجر في نفسي ، وكان لا بد أن أبتعد عن هذا الجحيم ، وبسرعة  ..........

 

   لم أنتظر لكي نصل لقرب البيت ، نزلت في أول المدينة ، عند ساحة التل ، ومن هناك ،  استقليت سيارة أجرة لتوصلني ، مع أن بيتنا ليس بعيداً كما تعرفين ، إلا أن رجليَّ لم تكونا لتحملاني إليه ، ثم إنني خشيت أن يفجأني انفعالي وأنا في منتصف الطريق ..........

 

  بالفعل ، ما أن أغلقت على نفسي باب السيارة ، حتى انفجرت بالدموع . سيلاً جارفاً منها كان يتصبب من رأسي ومن عيوني ومن خياشيمي وربما من أذني أيضاً ......... صرت أمطر بالبكاء !

 

  كيف السبيل لإيقاف هذا الطوفان ? كيف أعود إلى البيت وأنا على هذه الحال ? سائق السيارة احتار في أمره وأضناه الفضول ، إلا أنه لم يتجرأ بالسؤال أبداً ، كأنه شعر بخطورة الموقف ، فتهيب عن السؤال . فتحت محفظتي لأدفع له أجرته وأنا أرتعد . فجأة ، رأيت أميري المزعوم داخل المحفظة : أطل علي منها في صورة له على بطاقته الجامعية التي كان قد أعطانيها ، منذ مدة ، لأسجله للامتحانات القادمة . كان يبتسم ! لم أطق ساعتها أن أراه يبتسم داخل محفظتي ، وتولد عندي شعور غامض وكأنه يسخر مني ........... كل الناس تبتسم في الصور، لكنني كنت بحاجة لعذر وقتذاك  أبرر به فعلتي ..... وبتصميم عجيب ، تناولت البطاقة والهوية وطلب التسجيل وحتى الطوابع الأميرية التي كانت معها ، كلها بقبضة واحدة ، ثم ، فتحت شباك السيارة ، وألقيت بها إلى الطريق .......... سائق السيارة الذي كان يراقبني اندهش لدرجة جعلته يلتفت عدة مرات إلى الوراء ، ليتأكد بأن ما كان يراقبه في المرآة حاصل فعلاً .........

 

  أغلقت محفظتي بهدوء ، بعد أن دفعت له أجرته ، ثم ، ألقيت برأسي إلى الوراء على المقعد ، كأنني أرتاح من المهمة التي فرغت للتو من إنجازها ......... دموعي ، نشفت تماماً ، أنفاسي هدأت ، وصار بإمكاني العودة إلى البيت دون أن يلحظني أحد .

 

  بالطبع عزيزتي ، هذا الانتقام الساذج ، من رأسي الصغيرة ، لن يغير بطبيعة الحال شيئاً . هو ردة فعل آنية لإخفاء الشعور بالعجز ، يمنحك شعوراً خادعاً بالقوة ، وبأنك لا زلت قادرة على الفعل  والتأثير ،  وبأنك لا زلت تمسكين زمام الأمور ......... المشكلة  للأسف ، هي أعمق من هذا وأكثر تعقيداً .

 

  سنعود إليها في رسالتي القادمة فانتظريني ............

 

 

*ضياء
3 - أبريل - 2006
على قَبة الكنزة    كن أول من يقيّم
 

حـيّـا  خـدودك بين البان iiوالعلم حـَيَـاً  كـمثلك مُنهلّاً على iiأكمي
يـروي عـذابـات مشتاق iiلفتنتها لا  مـن يـد لـيـد بل من فم لفم
أتـى  فـرنسا ضياءٌ من iiطرابلسٍ ومـن ضـيـاء فرنسا شعلة iiالأمم
مـكـرّمـا  مثل شعري أين أبعثه يُـطـوَى ويُنشَرُ بين الناس iiكالعلم
نـاهيك من أدب ناهيك من iiحسب كـأنـنـي  منهما أرنو إلى iiحلمي
لـلـشوك كالورد حظ من iiنسائمها ونـسـمة  الصبح للريحان iiوالسلم
وقـد تـعـيب على ورد بلا iiجذل كـمـا  تـعيب على شوك بلا iiألم
جـنى زهيرك منها غير ما iiقطفت يـدا زهـيـر بما أثنى على iiهرم
هـذا الـغناء الذي ماج الرجاء iiبه تـسـيل أنفاسه من مهجتي iiودمي
كـمـا تـسيل دماء العازفين iiعلى أوتـارهـم  وتـروّى مـن iiأكفهمِ
يـلـفـهـا بـمقام من ضياء iiبما يلفني  الشوق من رأسي إلى iiقدمي
إن الـتـي حـرّمت قيثارتي زمنا الـيـوم تـأكـل كـفيها من الندم
كبرا وعجبا كما شاء الهوى وقضى والكبر والعجب معدودان من iiشيمي
حـتـى متى ذلتي في باب iiهيكلها يـحـيـلـني صنم فيها إلى iiصنم
مـهـددا بـسـيوف الحُرْم iiمتهما بـمـا يـقصر عن إبليس من iiتهم
ضـيـاء  والله إنـي مثلما iiكشفت يـداك عـن صورة الغدار iiوالقزَم
وكـلـمـا نظرت عيني لمحفظتي رأيـت صـورة مـغدور iiومبتسم

 

 

*زهير
4 - أبريل - 2006
سؤال    كن أول من يقيّم
 

أحييك شاعرنا الكبير / الأستاذ زهير...وقد استمتعت بهذا القوافي الجياد ...

ولي سؤال  من وحي الفضول بعيد عن الشعر..أرجوا أن لا يحرجك .. لأني أتساءل بيني وبين نفسي :هل كتاب:" ترتيب الأعلام للزركلي على الأعوام ، لزهير ظاظا من عملكم أم  مجرد اشتراك في الاسم، وإذا كان من عملكم فلو تمدوني بنبذة عن فكرة الكتاب ..

واسمع لمحبك ومفديك على هذا الاجتراء...فهكذا الكبار دائما يتواضعون في أنفسهم ...حتى يجترئ عليهم ..

*أبو النصر
4 - أبريل - 2006
 3  4  5  6  7