الرسالة الخامسة كن أول من يقيّم
معنى السعادة ?
صديقتي العزيزة :
تحية وسلاماً يظللان يومك الذي أتمناه لك جميلاً وهادئاً .
كانت تلك العاطفة المهولة تسكنني بمكر واستبداد ، ولم أك أستطيع حيالها شيئاً . كانت حياتي تسير على وقع الانتظار المضني ، وترقب الأيام والساعات ، والشمس والمطر ، والأحوال الأمنية ، وتوقع رنين التلفون ، وتصيد الفرص واقتناصها ، حتى ولو كلفني ذلك ساعات ، بل نهارات من العناء في ترتيبها وتغليفها بالبراقع لكي تظهر كانها ، " طبيعية وبالصدفة " .............
لم أك أعرف كيف أواري كل تلك العاطفة . كنت أريد منه ، على الأقل ، اعترافاً صريحاً بأن ما بيننا يتجاوز إطار الصداقة من بعيد . كنت أرغب في أن يعلن لي شوقه واشتياقه الصريح ، ربما كان ذلك كافياً في لحظتها ، لإعادة التوازن إلى ميزان روحي الذي كان مختل الكفتين . ورحت أنتظر ....... سنتين قضيتهما في ترقب كلمات لم تأت أبداً . لم أكن أتوقع منه أن يعلن لي " الحب الكبير " ، كنت أدرك بأن هكذا تصريح ثمنه فادح ولن يقوى عليه . لكن ، أن يعترف ب " الخاص " في علاقتنا ، وبهذا الرابط الذي يجمعنا ويتجاوز إرادتنا إلى ما هو أقوى ......... كنت أظن أنه لا زال يكابر وبأن الأيام القادمة سوف تنصفني .......... وظللت أنتظر ، بصبر كبير . كنت أترك للأمل متسعاً بيننا دون أن أجرؤ أبداً على المواجهة أو طرح الأسئلة المحرجة . صبرت كثيراً على هذا وحيرني فيها سؤال : إذا لم يك ذلك حباً ، فكيف يكون الحب إذاً ?
أذكر أنه كان يحلو له بأن يمازحني أحياناً قائلاً :
ـ " لا تحبيني ! " .
كان يجد في ذلك ربما مناسبة لإفهامي بأنه غير قادر على التورط عاطفياً . من جهتي كنت أجد كلماته مهينة ولم يك بإمكاني أن أرد عليها .
هكذا ، عزيزتي ، عذبتني طويلاً كل تلك التساؤلات التي جهلت فيها معنى الحب في قاموسه ......... حتى اقتنعت بأنني غبية وبأنني لا أفهم هذه الأشياء ........ جربت أن أتعلم ، أن أدرب نفسي على معان جديدة للحياة والسعادة ، بدون فائدة . رويداً ، رويداً فهمت أن الخروج من حلمي ذي الأبراج العالية ، والدخول إلى عالم " الرؤية الواقعية " لن يكون مجانياً ، فهل سأقوى على دفع الثمن ?
ـ " أتمناك سعيدة ، سيرة " .......... كان يردد .
كيف ? كنت أسأل نفسي وأنا لا أرى السعادة إلا معه ومن خلاله ....... كيف يتمناني سعيدة وهو يبخل علي بالأمان الذي أبحث عنه ?
حتى سمعته يوماً آخر يقول لي :
" لو كان الأمر بيدي ، لجعلتك سعيدة ! أنت لا زلت تجهلين معنى السعادة . لو كنت على غير ما أنت عليه لجعلتك سعيدة ، كنت تعلمت مني أشياء كثيرة ......... الجنس مهم ، بل هو أهم ما في الحياة ......... تعالي لعندي بعد أن تتزوجي لأشرح لك ما أقول ... "
كنت أستمع إليه كالبلهاء ، كيف يمكنني بأن أعود إليه بعد أن أتزوج ? كنت أشعر بالإهانة وأن شيئاً في هذا المنطق يستعصي علي فأصمت .
وفي مرة أخرى ، أضاف :
" هناك تفاصيل لا يعرفها كل الناس ، حتى المتزوجون من سنين ، أغلب الرجال لا يفهم جسد المرأة ، لا يمكنني أن أشرح لك ، ............ أتمنى لك أن تتزوجي واحداً يعرف كيف يسعدك " .
كنت أصغي كالمشدوهة . حقيقة ، لم أكن أعي ما يقول . كأن هذا الكلام كان يأتيني من عالم آخرغيرالعالم الذي كنت أعيش فيه . السعادة ? لم أكن أحلم بأكثر من أن يضمني إلى دفء صدره لكي أشعر بالسعادة . هكذا كنت أعتقد !
ستقولين : " بلهاء " ? . من أين يأتي البله ، عزيزتي ? أليس من الأفكار المتناقضة التي نراكمها فوق بعضها دون وعي منا بتناقضها ? أوليس من الأحاسيس التي لم تورق إلا في الخيال ? من أن تضعي ثقتك المطلقة بفكرة ، برغبة ، بشخص ، بأي شيء خارج عن ذاتك السحيقة ! ........... لكنني كنت بلهاء ، بدون شك ! عمياء ، ربما ? وربما كنت مجرد عاشقة ..............
وفي ذات مرة قال لي باضطراب ظاهر :
ـ " أحلم بأن أراك ممددة أمامي وعارية تماماً ! " .
ـ " أنا ? " ، قلت مندهشة ........ استغربت ذوقه ، ولم أفهم !
أحلم بأن يطوقني بذراعيه بقوة ، بأن ينقض علي كما ينقض الأخطبوط على فريسته ، وأن ينغرس في جسمي كله فنختلط معاً ونصبح شيئاً واحداً وإلى الأبد .
لكن ، من كان يتجرأ بوقتها على قول هذا ?
هكذا عزيزتي ، صرت أرى ولا أرى . أفهم ولا أفهم . كل شيء كان واضحاً ومفهوماً ومع ذلك ظللت أتمرد وأعاند على الحقيقة .
رغبتي التي كانت تجذبني إليه كانت تحاول تخدير عقلي .. شيء ما في صدري كان يحبه ولا يقوى على التخلي عنه .. شيء ما في صدري كان يرفض هذا المنطق ويتمرد عليه ..............
سأعود إليك صفاء ، غداً أعود إليك لأصف لك كيف وصلنا إلى ذروة هذا التناقض فانتظريني .
إلى اللقاء . |