شروح مفردات الحديث كن أول من يقيّم
قال ابن أبي الحديد معلقا على الحديث:
قال ابن قتيبة: رملت السرير وأرملته، إذا نسجته بشريط من خوص أو ليف. وذقن عليها، أي وضع عليها ذقنه يستمع الحديث.
وقوله: فقرع حجكم، أي خلت أيام الحج من الناس، وكانوا يتعوذون من قرع الفناء، وذلك ألا يكون عليه غاشية وزوار، ومن قرع المراح، وذلك ألا يكون فيه إبل والقابية: قشر البيضة إذا خرج منها الفرخ، والقوب: الفرخ، قال الكميت: لهن وللمشيب ومن علاه = من الأمثال قابية وقوب أراد أن النساء ينفرن من ذي الشيب ويفارقنه كما يفارق الفرخ البيضة، فلا يعود إليها بعد خروجه منها أبداً، وروي عن عمر: إنكم إذا رأيتم العمرة في أشهر الحج كافية من الحج خلت مكة من الحجاج، فكانت كبيضة فارقها فرخها. قوله: "إني لأرتع فأشبع، وأسقي فأروي " مثل مستعار من رعيت الإبل، أي إذا أرتعت الإبل، أي أرسلتها ترعى تركتها حتى تشبع، وإذا سقيتها تركتها تروى. وقوله: "أضرب العروض"، العروض: الناقة تأخذ يميناً وشمالاً، ولا تلزم المحجة ، يقول: أضربها حتى تعود إلى الطريق. ومثله قوله: "وأضم العنود". والعجول: البعير يند عن الإبل، يركب رأسه عجلاً ويستقبلها. قوله: "وأؤدب قدري"، أي قدر طاقتي. وقوله: "وأسوق خطوتي" أي قدر خطوتي. واللفوت: البعير يلتفت يميناً وشمالاً ويروغ. وقوله: وأكثر الزجر وأقل الضرب أي أنه يقتصر من التأديب في السياسة على ما يكتفي به، حتى يضطر إلى ما هو أشد منه وأغلظ. وقوله: "وأشهر بالعصا وأدفع باليد"، يريد أنه يرفع العصا يرهب بها ولا يستعملها، ولكنه يدفع بيده. قوله: "ولولا ذلك لأعذرت" أي لولا هذا التدبير وهذه السياسة لخلفت بعض ما أسوق، ويقال: أعذر الراعي الشاة والناقة إذا تركها، والشاة العذيرة وعذرت هي، إذا تخلفت عن الغنم. قال ابن قتيبة، وهذه أمثال ضربها، وأصلها في رعية الإبل وسوقها، وإنما يريد بها حسن سياسته للناس في الغزاة التي ذكرها، يقول: فإذا كنت أفعل كذا في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طاعة الناس له، وتعظيمهم إياه، فكيف لا أفعله بعده! وعندي أن ابن قتيبة غالط في هذا التأويل، وليس في كلام عمر ما يدل على ذلك وليس عمر في غزاة قرقرة الكدر يسوس الناس ولا يأمرهم ولا ينهاهم، وكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر بينهم! ولا كان في غزاة قرقرة الكدر حرب، ولا ما يحتاج فيه إلى السياسة، وهل كان لعمر أو لغير عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أن يرتع فيشبع، ويسقي فيروي! وهل تكون هذه الصفات وما بعدها إلا للرئيس الأعظم! والذي أراده عمر ذكر حاله في خلافته راداً على عمران بن سودة في قوله: "إن الرعية يشكون منك عنف السياق وشدة النهر"، فقال: ليشكون! فوالله إني لرفيق بهم، ومستقص في سياستهم، ولا ناهك لهم عقوبة، وإني لأقنع بالهيبة والتهويل عليهم، ولا أعمل العصا حيث يمكنني الاكتفاء باليد، وإني أرد الشارد منهم وأعدل المائل...، إلى غير ذلك من الأمور، التي عددها وأحسن في تعديدها. وإنما ذكر قوله: "أنا زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة قرقرة الكدر"، على عادة العرب في الافتخار وقت المنافرة وعندما تجيش النفس ويحمى القلب، كما كان علي رضي الله عنه يقول وقت الحاجة: "أنا عبد الله وأخو رسوله "، فيذكر أشرف أحواله، والمزية التي اختص بها عن غيره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة قرقرة الكدر أردف عمر معه على بعيره، فكان عمر يفخر بها ويذكرها وقت الحاجة إليها.
وفي تاج العروس: وقال عبدُ المَلِك بن عُمَيْرِ: اللَّفُوتُ: التي إذا سَمِعَتْ كَلامَ الرَّجُلِ التَفَتَتْ إِلْيه، وفي حديث عُمرَ، رضى الله عنه، حين وَصفَ نفسَه بالسِّياسة فقال: إِنّي لأُربع وأُشْبِعُ، وأَنْهَزُ اللَّفُوتَ، وأَضُمُّ العَنُودَ، وأُلْحِقُ العَطُوفَ، وأَزْجُرُ العَرُوضَ. اللَّفُوتُ ": العَسِرُ الخُلُقِ"، وقد تقدم عن الصّحاح ما يُخَالِفُه. وقال أَبو جَميل الكِلابيّ: اللَّفُوتُ ": النَّاقةُ الضَّجُورُ عندَ الحَلَبِ" تَلْتَفِتُ إِلى الحَالِبِ فَتَعضُّهُ، فَينْهَزُها بيَدِه فَتَدُرٌّ، وذلك إِذا ماتَ وَلدُها، فَتَدُرّ؛ تَفْتَدِى باللَّبَن من النَّهْزِ، وهو الضَّرْبُ. فضَرَبَها مَثلاً للّذي يَسْتَعْصِى ويَخْرُج عن الطَّاعة. عن ثَعْلَبٍ: اللَّفُوتُ ": التي لا تَثْبُتُ عَيْنُها في مَوْضعٍ واحِدٍ، وإِنما هَمُّها أَن تَغْفُلَ" أَنتَ " عنها فتَغْمِزَ غَيْرَك". وبه فُسِّر قولُ رجل لابنِه: إِيّاك والرَّقُوبَ الغَضُوبَ القَطُوبَ اللَّفُوتَ.
وفي كتاب (الدرر في المغازي والسير) لابن عبد البر: في ترجمة غزوة السويق: ثم إن أبا سفيان بن حرب لما انصرف فل بدر آلى أن يغزو رسول لله صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة، فحرق أصواراً من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفاً له وجدهما في حرث لهما، ثم كر راجعاً. ثم نفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في أثره، واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر. وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرقرة الكدر. وفاته أبو سفيان والمشركون، وقد طرحوا سويقاً كثيراً من أزوادهم، يتخففون بذلك، فأخذه المسلمون، فسميت غزوة السويق: وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر بشهرين وأيام. قال المصنف رضي الله عنه: ولعمر، رضي الله عنه، حديث حسن في غزوة قرقرة الكدر، يقال إن عمران بن سوادة قال له وهو خليفة: إن رعيتك تشكو منك عنف السياق وقهر الرعية، فدق على الدرة وجعل يمسح سيورها، ثم قال: قد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع وأسقى فأروي، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وأرد العنود، وأزجر العروض، وأصم اللفوت، وأسم بالعصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك لأعذرت أي تركت، فضيعت. يذكر حسن سياسته حينئذ. والعنود: الحائد. والعروض: المستصعب من الرجال والدواب. والقرقرة: الأرض الواسعة الملساء. والكدر: طيور غبر كأنها القطا.
وفي الروض الأنف، تحت عنوان (غزوة قرقرة الكدر): القرقرة: أرض ملساء، والكدر: طير في ألوانها كدرة، عرف بها ذلك الموضع، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسيره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، فقال لعمران بن سوادة حين قال له: إن رعيتك تشكو منك عنف السياق، وقهر الرعية فدقر على الدرة، وجعل يمسح سيورها، ثم قال: قد كنت زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرقرة الكدر، فكنت أرتع فأشبع وأسقي فأروي، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وأرد العنود، وأزجر العروض، وأضم اللفوت، وأشهر العصا، وأضرب باليد، ولولا ذلك لأغذرت بعض ما أسوق أي: لضيعت فتركت، يذكر حسن سياسته، فيما ولي من ذلك. والعنود: الخارج عن الطريق، والعروض المستصعب من الناس والدواب
وفي الفائق للزمخشري باب (الذال مع القاف) عمر رضي الله-إن عمران بن سوادة أخا بني ليث قال له: أربع خصال عاتبتك عليها رعيتك. فوضع عود الدرة، ثم ذقن عليها، وقال: هات، قال: ذكروا انك حرَّمت العمرة في أشهر الحج. قال عمر: أجل؛ إنكم إن اعتمرتم في أشهر حجكم رأيتموها مجزئة عن حجكم. فقرع حجكم، فكانت قائبة من قوب عامها، والحج بهاءٌ من بهاء الله. قال: وشكوا منك عنف السياق ونهر الرعية. قال: فنزع الدرة، ثم مسحها حتى أتى على سيورها، وقال: أنا زميل محمد في غزوة قرقرة الكدر، ثم إني والله لأرتع فأُشبع وأُسقي فأُروى، وأضرب العروض، وأزجر العجول، وأذب قدري، وأسوق خطوي، وأردُّ اللفوت، وأضم العنود، وأُكثر الزجر، وأُقل الضرب، وأشهر بالعصا، وأدفع باليد؛ ولولا ذلك لأغدرت. يقال: ذقن على يده وعلى عصاه-بالتشديد والتخفيف: إذا وضع ذقنه عليها. أجل: تقع في جواب الخبر محققة له، يقال لك: قد كان أو يكون كذا، فتقول: أجل، ولا يصلح في جواب الاستفهام، وأما نعم فمحققة لكل كلام. قرع حجكم، أي خلا من القوام به، من قولهم: أعوذ بالله من قرع الفناء؛ وهو ألا يكون عليه غاشية وزوار، وأصله خلو الرأس من الشعر. القائبة: البيضة المفرخة؛ فاعلة بمعنى مفعولة؛ من قبتها: إذا فلقتها، قوبا. والقوب: الفرخ، ومنه المثل: تبرأت قائبة من قوب، يعني أن مكة تخلو من الحجيج خلو القائبة. انتصاب عامها إما بكانت، وإما بما يفهم من خبرها؛ لأن المعنى: كانت خالية عامها. من في قوله: "من بهاء الله" للتبعيض أو للتبيين". العنف: ضد الرفق؛ يقال: عنف به وعليه عنفا وعنافة، وهو في هذه الإضافة لا يخلو إما أن يكون قد أضاف العنف إلى السياق إضافة المصدر إلى فاعله، كقولهم: سوق عنيف. وإما أن يريد عنفه في السياق فيضيف على سبيل الاتساع، كقوله عز وعلا: (بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ والنَّهَارِ). بمعنى بل مكركم فيهما. النهر: الزجر. الزميل: الرديف. رتعت الإبل، وأرتعها صاحبها: أراد أنه في حسن سياسة الناس بهذه الغزاة كالراعي الحاذق بالرعية الذي يرسل الإبل في مرعاها ويتركها حتى تشبع، وإذا أوردها تركها حتى تروي. ويضب العروض منها: وهو الذي يأخذ يمينا وشمالا، حتى يرده إلى الطريق. ويذبها عما لا ينبغي أن يتسرع إليه قدر وسعه، ويسوقها مبلغ خطوه، أو يسرع خطوه؛ كأنه يسوقه انكماشاً منه في شأنها. وير اللفوت: وهي التي تتلفت وتروغ-وروى: "وأنهز اللفوت"؛ وقيل: من النوق: الضجور التي تلتفت إلى حالبها لتعضه فينهزها، أي يدفعها. ويضم العنود: المائل عن السنن، ويزجر ما دام الزجر كافيا، وإنما يضرب إذا اضطر إلى الضرب. ويشهر بالعصا، أي يرفعها مرهباً بها. احتج عليهم بأنه كان يفعل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع طاعة الناس وإذعانهم له، فكيف لا يفعله بعده! لأغدرت: أي لغادرت الحقَّ والصواب، وقصرت في الإيالة-وروى: لغدَّرت أي لألقيت الناس في الغدر، وهو سهل فيه حجارة. وقال أبو زيد: غدرت أرضنا: كثرت حجارتها. والغدر: الحجارة والشجر، ومنه قولهم: فلان ثبت الغدر. ويجوز أن يكون أغدرت بمعنى غدرت.
وفي تهذيب اللغة للأزهري مادة (عند): وروى شمر بإسناد له رفع الحديث فيه إلى عمر أنه وصف نفسه بالسياسة فقال: إني أنهز اللفوت وأضم العَنُود وألحق القطوف وأزجر العروض. قال: العنود: التي تعاند عن الإبل تطلب خيار المَرْتع تتأنَّف، وبعض الإبل يرتع ماوجد. وقال ابن الأعرابي وأبو نصر: هي التي تكون في طائفة الإبل أي في ناحيتها. وقال القيسيُّ: العنود من الإبل: التي تعاند الإبل فتعارضها. قال: فإذا قادتهن قُدماً أمامهن فتلك السلوف. وقال في التهذيب أيضا مادة (لفت): وفي حديث عمر حين وصف نفسه بالسياسة فقال: إني لأُرتع وأُشبع وأنهز اللفوت وأضمُّ العنود وألحق العطوف وأزجر العروض. قال شمر قال أبو جميل الكلابي: اللفوت الناقة الضَّجور عند الحلب تلتفت إلى الحالب فتعضُّه فينهزها بيده فتدر، تفتدي باللبن من النَّهزِ.
|