لم يكن نجيب محفوظ إلا ناقدا لواقع عايشه ، وأمسى يصحو وينام على تغيرات الثورة ، وإنفراد مجموعة الضباط الأحرار بمقاليد السياسة والحكم ، وتمكن عبد الناصر من الإطاحة بكل رأس تناطح رأ سه ، وإقدامه على تأميم قناة السويس وما تلى ذلك من عدوان ثلاثى واحتلال سيناء وا شتعال الحرب وتدخل القوتان العظميان آنذاك موسكو ووا شنطن ، والخروج المذل والمهين لقوات العدوان الغاشم وتحرر سيناء ومازالت صورة عبدالناصر وهو يعتلى المنبر ويخطب بالجامع الأزهر بالقاهرة ، والقلوب والحناجر تهتف وتحيط به ، صورة صعب نسيانها ، وصعود نجم عبدالناصر والذين معه صعودا ملك بعدها قلوب الشعب وعقلوهم ، بل لا أكون مبالغا إذا قلت أنه صار الحاكم الآمر الناهى لامرد لقضائه ، وأثرى الضباط الأحرار ثراءا فاحشا وهيمنوا هيمنة كاملة على البلاد والعباد ، وأصبح منهم الوزراء والمحافظون والكتاب والساسة 0والشعب سكران بنشوة الإنتصارات وتحقيق الأحلام والسعى نحو إقامة مجتمع تذوب فيه الفوارق الطبقية وإقامة العدالة الإجتماعية وتحالف قوى الشعب العاملة 0وما أشبه الليلة بالبارحة 0فالشعب يئن ويئن ويئن ، وكأنك ياأبو زيد ماغزيت 0والسلطات والقيادات والمتعة والوجاهة والمجد للضباط الأحرار والذين معهم ، والقبض والسحل والسجون والمعتقلات والتعذيب للمفكرين والمثقفين وأبناء الشعب المخلصين الذين يطالبون بالحد الأدنى من الحياة الإنسانية المتواضعة ،ودخل الشيوعيون والأخوان المسلمون والمعارضون لتوجهات الحكم السجون وطوردوا وعذبوا وإنتهكوا بدنيا وعقليا ونفسيا ، بل التصفية الجسدية إن أمكن ، والمحاكمات العسكرية العاجلة ، ولا أنسى الحكم البشع على خميس والبقرى بالإعدام ، وسبب ذلك مطالبهم المتواضعة فى حياة كريمة وهما العاملان بإحدى الشركات بكفر الدوار ، وهذا بالتأكيد إنذار مخيف وقاس وبشع وحقير ومرعب ، فالصمت الصمت الصمت 000وفى هذا السياق التا ريخى لتلك الحقبة المرة والمريرة فى حياة مصر المحروسة وسقوط الأمل فى حفرة اليأس 0سجًل وبكل أمانة ودقة ، نجيب محفوظ هذه التداعيات المريعة التى أصابت الوطن والناس فى مقتل0 (((((ومع ذلك فلم تعرف حارة حدة الخصام كما عرفناها ،ولا فرًق بين أبنائها النزاع كما فرق بيننا ،ونظير كل ساع إلى الخير نجد عشر فتوات يلوحون بالنبابيت ويدعون إلى القتال 0حتى اعتاد الناس أن يشتروا السلامة بالأتاوة ، والأمن بالخضوع والمهانة ، ولاحقتهم العقوبات الصارمة لأدنى هفوة فى القول أو الفعل بل للخاطرة تخطر فيشى بها الوجه 0وأعجب شىء أن الناس فى الحارات القريبة منا كالعطوف وكفر الزغارى والدرا سة والحيسنية يحسدوننا على أوقاف حارتنا ورجالنا الأشداء ، فيقولون حارة منيعة وأوقاف تدر الخيرات وفتوات لا يغلبون 0كل هذا حق ، ولكنهم لايعلمون أننا بتنا من الفقر كالمتسولين ، نعيش فى القاذورات بين الذباب والقمل ، نقنع بالفتات ، ونسعى بأجساد شبه عارية )))))))))ص7،6من الرواية 00000000000000وللحديث بقية 0
فى المقالات السابقة ، حاولت وبإيجاز شديد ، أن أطرح وجهة نظرى المتواضعة ، والظروف الإجتماعية والسياسية سواء التى تجرى بالوطن أوالتحولات السائدة بدول العالم ككل ، بإعتبار أن السياق التاريخى للعمل الإبداعى لابد من وضعه فى الحسبان ، فلاشىء يأتى من عدم وإنما من واقع معايش ووجود نحياه بخيره وشره ، ويهمنى أن أ ستهل البداية ، للولوج داخل العمل الإبداعى ومضمونه والشكل الفنى الذى يرتكن عليه 0 ولاأنسى مستويات التلقى للعمل الإبداعى والتراكم المعرفى والفكرى لكل متلق وقارئ، وكيف تشكل رؤيته ورأيه ومنهجه فى الحكم على المبدع وإبداعاته 000وبالتالى هناك مستويات متعددة للتلقى ، والعمل الإبداعى أكبر من أن ينحصر فى رأى واحد ، ويحكمنا المنطق النقدى الصارم فى إظهار جمالياته ومثالبه ونقده 0والنأى بالعقل عن الفوضى والترهل والورم الفكرى المنغلق والمحدود الأفق والضيق االمدارك 0إن العقل أشر ف وأجلً من أن يسقط فى حمئة العفن والسباب واللعن والقذف 0000وأبدأ وبإختصار الحديث عن (أولاد حارتنا) فهى رواية تقع فى 552صفحة من القطع الكبير ، تشمل إفتتاحية وخمس حكايات {{ أدهم وجبل ورفاعة وقاسم وعرفة }}}بعدد 114فقرة 0 وأوضح أكثر ، أن نجيب محفوظ وبعد إنتهائه من عمله الضخم "الثلاثية 0بين القصرين ،قصر الشوق ، السكرية "بإعتبارها من روائع روايات الأجيال على المستوى العالمى 0وصمته فترة طويلة ، ثم بدأ كتابة أولاد حارتنا ، على شكل حكايات ، فالسردية لدى نجيب محفوظ ، خيط متصل الأوصال ،متشابك المواضيع ، مترابط النسيج 0بلاغة لغوية ساحرة وألفاظ منتقاة بعناية وعذوبة غامرة 0000وتبدأ الحكاية الأولى (((أدهم ))) {{{ كان مكان حارتنا خلاء 0فهو إمتداد لصحراء المقطم الذى يربض فى الأفق 0ولم يكن بالخلاء من قائم إلا البيت الكبير الذى شيده الجبلاوى كأنما لتحدى به الخوف والوحشة وقطاع الطرق 0كان سوره الكبير العالى يتحلق مساحة وا سعة ، نصفها الغربى حديقة ، والشرقى مسكن مكون من أدوار ثلاثة 0ويوما دعا الواقف أبناءه إلى مجلسه بالبهو التحتانى المتصل بسلاملك الحديقة 0وجاء الأبناء جميعا ، إدريس وعباس ورضوان وجليل وأدهم ، فى جلابيبهم الحريرية ، فوقفوا بين يديه وهم من إجلاله لايكادون ينظرون نحوه إلأا خلسة ، وأمرهم بالجلوس فجلسوا على المقاعد من حوله 0000000}}}}}هكذا بدأت الحكاية واثناء الإجتماع أصدر الواقف قرارا خطيرا بإختياره أدهم لإدارة الوقف تحت إشرافه ، وتبودلت النظرات بين الأخوة تعكس مشاعر متابينة ، ودارى البعض مشاعره ، إلا إدريس إنفجر فى وجه أبيه غاضبا ، ولكننى الأخ الأكبر 0000000000ولكن الأب لم يبال ، وأكد أنه راعى فى إختياره مصلحة الجميع 0000ويبدأ الصراع الإنسانى الأبدى بين من يستحق ومن لايستحق ، بين العدل والظلم ، بين الخير والشر ، بين الكبير والصغير ، ويتحمل أدهم المسؤلية فى إدارة الوقف بكل همة ونشاط 0000وتنفجربأعماق إدريس أحط الإنفعالات وأ سوأها ، ويسلك السلوك المشين دون تعقل ، بل يهاجم وبضراوة والده الذى طرده من البيت شر طردة لخروجه على الناموس الأبدى ، إحترام الأب وتوقيره وتبجيله والإنحناء له والإحسان به 00000