حول: لماذا يمجد العرب التاريخ ? وهل هو أهم من الحاضر والمستقبل ? كن أول من يقيّم
الأخ عبد العزيز:
أود في البداية أن أشكرك على طرحك لهذا السؤال، في نظري، العرب( أقول العرب بالجمع إشارة إلى الأغلبية السكانية ومعها الطبقة السياسية الحاكمة) عموما لا يهتمون بالتاريخ كعلم من العلوم الإنسانية، إنكم يهتمون به باعتباره حكايات وأساطير ممتعة / مسلية..ونرجسية..!!
واعتمادا على ذلك، يُنْظر إلى البحث العلمي التاريخي، والبحث العلمي عامة على أنه ترف معرفي يقوم به بعض الأفراد وفق إمكانياتهم المادية المحدودة، ورغم ذلك فقد عرف هذا الميدان تطورا مهما على المستوى المعرفي والمنهجي.
وفي إطار النقاش وإبداء الرأي في الموضوع، أسجل بعض الملاحظات التي يمليها واقع البحث التاريخي ومشاكل الحاضر الذي يضغط علينا بقضاياه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، تلك القضايا تطرح عدة أسئلة مختلفة تبقى أحيانا كألغاز، وستبقى كذلك ما دمنا مقصرين في معرفة ماضينا بكيفية علمية، تلك المعرفة التي تمكننا من بناء مجتمع تاريخي. فالمجتمع اللاتاريخي هو الذي ينظر ويبحث في الماضي بعواطفه، كأنه يتفرج على الماضي، كما لو كان في ملعب يشاهد مقابلة في كرة القدم، ويخرج وهو قابل للأمر الواقع، فكيفما كانت النتيجة فهو لا يملك القدرة على تغييرها حتى ولو كان حكم المقابلة قد أساء تسييرها.
إنه لمن المؤكد أن لكل ظاهرة أسبابها ومسبباتها، والإنسان يتميز بالفعل الذي يمكنه من امتلاك قدرة التواصل عن طريق عدة وسائل: الإيماء، الكلام...تسجيل أحاديثه، اختراعات...ومن ثم أصبح قادرا على التفكير العلمي الذي يمكنه من وضع خطط لتحسين عيشه والتنبؤ بالمستقبل.
إن الجواب عن أسئلة/الغاز الحاضر( وسؤالك أيها الأخ الكريم يعتبر من ألغاز حاضرنا نحن العرب) لا يستقيم إلا بالمعرفة العلمية للتاريخ. فالتاريخ الذي نتحدث عنه هو النظر في الحاضر انطلاقا من الماضي، فهذا الحاضر هو صورة مشوهة للماضي لأننا نعيش في الماضي..فحروف النصب والجزم لا تدخل على الفعل الماضي إلا بعد تصريفه إلى المضارع، بهذا المعنى يكون التاريخ عبارة عن مقبرة منسية ليس لأصحابها تاريخ يذكر، لقد انصهرت مقابرهم في أضرحة أسيادهم، حتى يخيل لك أن الهيمنة الاجتماعية لأولئك أزلية، إلا أن تلك الرؤيا قد استنفذت طاقتها.
ومن هنا يجب أن يُدعَّم البحث العلمي التاريخي، ويوجه نحو خدمة التنمية في محتواها الشمولي حتى يساهم في تنوير العقل العربي ويمكنه من تحديد المفاهيم التاريخية مع تقدير نسبية قيمة تلك المفاهيم، وحتى يكون قادرا على تشخيص مختلف قضايا هذا الواقع.
فنحن كما يقول المفكر الكبير د عبد الله العروي لا نختلف مع الغرب حول موضوع التخلف، بل نختلف في تفسير هذا التخلف وأسباب استمراره، وبعبارة أخرى يمكن القول أننا نختلف مع الغرب في الغاية من البحث العلمي التاريخي؛ وهذا يوجب علينا بالأساس إن تكون أدواتنا متكاملة ومختلفة، فالأمر يتطلب منا البحث عن الأسباب المتداخلة المفسرة لتخلفنا مع التركيز على فك ذلك التداخل وتحديد مستويات التفاعل والارتباك، ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن القضية الأساس تتعلق بالمعرفة العلمية التاريخية والمنهج.
فالدعوة موجهة للمسئولين لأنهم يتحكمون في زمام قافلة التعليم وطاقمها، إلى ضرورة الاهتمام بالتعليم وربطه بالتنمية، وتشجيع البحث العلمي حتى يصبح الباحث منتجا. فالإنتاج في البحث العلمي هو عندما يستطيع الباحث أن يكتب ويصل كتابه إلى القراء والمهتمين، فأي فائدة ترجى من تراكم البحوث المختلفة فوق رفوف المكتبات الخاصة، وفوق رفوف خزانات الكليات?!
في نظرنا لقد استنفذ مفهوم التنمية بمعناه الاقتصادي كل مبررات استمرار تداوله، لأنه أضحى روتيني وفقد جديته وبالتالي ليست له مردودية اجتماعية. وبذلك وجب النظر إلى التنمية
من مختلف الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية حتى نتمكن من الإطلالة على المستقبل ونحن نملك سلاح المعارك التي ستختلف دون شك عن معارك الماضي والحاضر. |