بعد أن قرأت موضوع مارتن لوثر في مجلس الوراق الرائع والتعريف الذي قدمه صاحب المقال عنه وكأن لوثر أصبح من المنزلة التي تجعلنا نقيم له وزن وكأنه أسبل علينا من النعم التي لا تعد ولا تحصى رأيت أنه من واجبي أن يعرف القارئ الكريم وجهة النظر المختلفة عن مارتن لوثر و عن حركة الإصلاح الديني التي تزعمها وعن مدى الأذى والذل التي لحقتنا من هذه الحركة ومن الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي ربما يكون الموضوع طويلا لذا أرجو من إخوتي القراء أن يعذروني لأنها مادة تستحق أن يبذل الواحد منا جهده في سبيل أن تعرف الناس كيف تم اغتصاب فلسطين بذريعة الوعود الإلهية التي جاءت بالتوراة(العهد القديم)
سيكون موضوعي مقسم إلى
? مقدمة موجزة
? الأصولية المسيحية
? دعاة المسيحية الصهيونية
الأصولية المسيحية واليهودية والجامع المشترك بينهما
قبل كل شيء هل تعلم عزيزي القارئ إن أكبر عملية تزييف في التاريخ تتم بصمت وتآمر هي عملية تهويد المسيحية?
وهل تعلم أن الكيان الديني لإسرائيل كان وما يزال متجذرا في صدور المسيحيين الغربيين للعلاقة القائمة بين التوراة اليهودية والإنجيل وأخذ هذا الكيان ينمو ويكبر مع نشوء القوميات في القرن التاسع عشر حتى صار كيانا سياسيا عملت بريطانيا على زرعه في أرض فلسطين وجاءت أمريكا تسقيه من عيون أبنائها ودمائهم
قد يخطر ببال أحدنا أن يسأل لماذا دعمت بريطانيا الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ?
يجيبك وايزمن أول رئيس لإسرائيل بقوله (من حقك أن تسأل عن سبب حماسة الانجليز لمساعدة اليهود وعن عطفهم على أماني اليهود فلسطين والجواب أن الإنجليز لاسيما أصحاب المدرسة القديمة هم أشد الناس تأثرا بالتوراة وتديّن الإنجليز هو الذي ساعدنا في تحقيق آمالنا لأن الإنجليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين وقد قدمت الكنيسة الانجليزية من هذه الناحية أكبر المساعدات)
ويجبك بن غوريون أول رئيس حكومة لإسرائيل بقوله(إن كتاب المسيحيين المقدس الذي يرجع تاريخه إلى 3500سنة هو صك اليهود المقدس لملكية فلسطين)
يقول البرفسور يعقوب تالمون (إن الحق اليهودي التاريخي بفلسطين يفتقر إلى أساس ثابت في ما لوتم إقصاء مسألة الإيمان بالوعد الإلهي وفكرة الشعب الذي اختاره الرب(يهوه اليهود) واصطفاه من بين كل مخلوقات الأرض. مما يؤدي حتما إلى إظهار اليهود بمظهر الغزاة والامبرياليين)
ويقول الحاخام موسى ليفنغر أحد قادة غوش إيمونيم
(إن الفصل بين الصهيونية وبين أصولها التوراتية يعني نتيجة واحدة هي ذبولها وموتها كنبات اجتث من جذوره)
هذا ما قاله بعض زعماء اليهود عن العلاقة بين إنشاء الكيان الإسرائيلي وبين الكتاب المقدس وبالتحديد العهد القديم
عزيزي القارئ
بعد هذه المقدمة الموجزة أليس من حقنا أن نسأل عن رأي المسيحية بالصهيونية وبالوعد والأرض والميعاد ?
يجيبك مارتن لوثر زعيم حركة الإصلاح الديني نعم من حقك أن تسأل ومن حقي الإجابة
إن حركة الإصلاح الديني التي تزعمتها كان أحد أهم أهدافها بث روح جديدة للعهد القديم (التوراة)في الحياة الروحية المسيحية وكنت أؤمن بأن نبوءات التوراة بتخليص بني إسرائيل أو إنقاذهم ستتحقق ,وقد أخذت بالطروحات اليهودية جميعها وأدعو إلى إعادة اليهود إلى أرض الميعاد وإقامة دولتهم لأن الرب قد وعدهم بذلك كما جاء في التوراة(العهد القديم) ألم تسمع بقول الرب لإبراهيم (وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدا أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك , وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك , كل أرض كنعان ,ملكا أبديا وأكون إلههم ) سفر التكوين 7:17
نعم ياعزيزي هذا هو لوثر قالوا لنا إنه كان بطلاً للإصلاح الديني
بطلاً لأنه أحيا أمال اليهود في الأمة المسيحية
بطلاً لأنه أخذ على نفسه الإيمان المطلق بما جاء بالتوراة باعتبارها كلام الرب المقدس
بطلاً لأنه دعا إلى مساندة اليهود للعودة إلى أرض الميعاد التي وعدهم ربهم بها, نسي بطل زعيم حركة الإصلاح الديني لوثر بأن أرض ميعادهم كان عليها شعب آمن من جنس البشر أم أن إلهه أمره بعهده القديم أن يقتلع شعب بأكمله ليتححق وعد إلهه الذي يؤمن به
أنأ أعتقد بأن هذا الرجل كان من أحد أهم الأسباب التي جعلت العالم الغربي يدعم إسرائيل بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين لماذا?
كانت الكاثوليكية التقليدية تأخذ في تقويمها ل(العهد القديم) من الكتاب المقدس, بالتفسيرات المجازية التي وضعتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ومن هذه التفسيرات مثلا أن اليهود باؤا بغضب الله لما اقترفوا من آثام وما ارتكبوا من خطايا فسُبوا إلى بابل . وعندما تنكروا ليسوع الناصري وأنكروا أن يكون هو المسيح المنتظر تم سبيهم ثانية , فانتهى وجود ما يعرف بالكيان القومي اليهودي وزوال إلى الأبد ما يسمى بالأمة اليهودية ولكنهم كأفراد يستطيعون اعتناق المسيحية فينالون الخلاص الروحي الذي خسروه بإنكارهم ليسوع الناصري يضاف إلى ذلك أن النبوءات المتعلقة بعودة اليهود من السبي البابلي قد تحققت باعتبار الكاثوليكية في القرن السادس ق.م, حين دعاهم كورش الفارسي للعودة إلى فلسطين أما النبوءات الأخرى التي تبشر إسرائيل بمستقبل مشرق فإنها تعني بمفهوم الكاثوليكية (إسرائيل الجديدة ) أي الكنيسة المسيحية لأن هذه الكنيسة باعتبار الكاثوليكية هي الوريث المباشر للديانة اليهودية كما أنها تجسيد لمملكة الله الألفية كما كان القديس أوغسطين يعٌبر منذ القرن الخامس
المهم أنه لم يكن في الذهن الكاثوليكي التقليدي , قبل عهد الإصلاح الديني أي شكل من أشكال التفكير بعودة اليهود إلى فلسطين أو حتى بوجود أمة يهودية وكانت فلسطين باعتبار الكاثوليك هي الأرض المقدسة التي فاض منها نور المسيح ليضيء العالم وكانت القدس مدينة العهد الجديد الذي نسخ العهد القديم دافقا في وجود المسيحيين البشرى بالخلاص الروح
أما البروتستانت متمثلين بحركة الإصلاح الديني نبذوا أساليب التفسير التقليدية التي كانت شائعة بين الكاثوليكية بقوالب من الكنايات والرموز والمجازات وساد الميل في صفوف البروتستانت إلى الفهم الشخصي , وأخذ المعنى المباشر والبسيط دون أي قيد من كنيسة أو تأويل من قبل أي كاهن. فهنري فنش مثلا في كتابه(البعث العالمي العظيم) 1621م رفض تفسيرات القديس أوغسطين المجازية بشكل قاطع وأصر على فهم المعنى الظاهر ولذلك فإن إسرائيل الجديدة باعتباره لا تعني كنيسة الله كما قال أوغسطين يدعو ويبشر بل تعني إسرائيل التي انحدرت من صلب يعقوب حيث قال ( إن إسرائي ويهوذا وصهيون والقدس والكتاب المقدس لا تعني إسرائيل الروحية أو كنيسة الله التي تتكون من المسيحيين أو اليهود أو منهما معا ولكنها تعني إسرائيل التي انحدرت من صلب يعقوب , وينطبق الشئ نفسه على عودتهم إلى أرضهم القديمة جميعا وقوميا وانتصارهم على أعدائهم فمثل هذه التعبيرات ت ليس مجازا ولكنه يعني اليهود قولا وفعلا)
وعندما تأصلت البروتستانتية في الذهنية الأوروبية , وشاع في شعوب القارة الأوربية معرفة بتاريخ فلسطين ( كما هو مدون بالتوراة طبعا) باعتبارها الأرض المقدسة التي درج عليها أبطال الكتاب المقدس وظلت ماثلة في الصلوات والطقوس البروتستانتية ودائمة الحضور في ذهن البروتستانتي العادي بعدما أضحت حكايات العهد القديم وسير أبطاله هي مادة الحديث المتداول في كل مجتمع وكل بيئة تم الدمج بين أرض التوراة وبين أهل التوراة وأصبحت فلسطين في الذهن الغربي هي أرض اليهود أو الوطن الذي خص الله به بني إسرائيل في وعده المشهور لآبائهم الأولين .وسرى في النفوس بأن من الضروري عودة أو إعادة اليهود المنتشرين في مختلف بلدان العالم إلى أرضهم القديمة
وقد أثار الاهتمام بالنصوص التوراتية اهتماما عاما با ليهود الذين كانوا في أدنى درجة من الاعتبار والأهمية من وجهة نظر الشعوب الأوربية قبل حركة الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر.
ولكن نظرة هذه الشعوب تغيرت بعد انتشار الحركة الجديدة تغيرا جذريا فقد راح الحنين إلى الماضي اليهودي وإلى بعث ذلك الماضي في مستقبل مشرق خاص وكان للنبوءات المتعلقة بمستقبل إسرائيل أهمية كبيرة وحظيت باهتمام بالغ لدى مختلف الأوساط الاجتماعية وساد الاعتقاد بالمسيح المنتظر , وإن كان من وجهة نظر مسيحية وبضرورة ووجوب عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة مقدمة لعودة المسيح وقيام مملكته مدة ألف عام وعلى ذلك لم يعد تحرير اليهود(إعطاؤهم حقوق المواطنين) هو لب المسألة اليهودية في القرن السادس عشر بل الدور الذي كتب على اليهود أن يقوموا به في عملية (الخلاص) حسب ما تنبأت به نصوص الكتاب المقدس
ولقد أدى شغف الجماهير البروتستانتية بالكتاب المقدس وانتشار العبرية والدراسات اليهودية في الجامعات ومراكز الثقافة الأوربية إلى شحن الأذهان بمقولات ومفاهيم المسيحية المتهودة ومنها
v أن مسيحية المسيحي لا تكتمل إلا إذا آمن بما جاء في كتاب العهد القديم
v التأكيد على اليهود كأمة , وأمة منفصلة , وعلى بعث هذه الأمة في وطنها القديم (فلسطين)
v اعتبار اليهود الشعب المختار , المقدر له أن يعود إلى الأراضي المقدسة
v التأكيد على أن كلمة الله , كما جاءت في الكتاب المقدس , معصومة من كل عيب أو نقص ولم ينلها أي تشويه أو تحريف
v وضوح قوة الإيمان بالنبوءات التوراتية المتعلقة بعودة المسيح إلى الأرض ليقيم مملكة الله في الأرض لألف عام
v الدعوة للعودة إلى الكتاب المقدس باعتباره كلمة الله
وعندما كان المسيحيون الأوربيون يرجعون إلى نصوص العهد القديم يقفون على النبوءات التي تبشر بعودة اليهود إلى القدس فيجتاحهم شعور ديني عميق بأنهم ملزمون بتحقيق هذه النبوءات
عملت حركة الإصلاح الديني (البروتستانتية) على إتاحة فرصة فريدة لليهود إذ توغلت في صدورهم نزعة قومية وحقنتهم..بمفاهيم أيديولوجية على غاية من الأهمية وهي بعث الشعب اليهودي في نهضة قومية شاملة, وعودة جماعية إلى فلسطين
ثم إن الأفكار والطروحات التي شاعت مع تجذر حركة الإصلاح الديني في الذهن الأوروبي وأصبحت جزءا أساسيا من الثقافة الأوروبية أوجدت الأرض الخصبة لنمو وازدهار الأصولية المسيحية واعتبرت في مابعد كمبادئ في الحركة الصهيونية وأهمها
v أن اليهود كانوا أمة , ويمكنهم أن يكونوا كذلك من جديد
v اليهودية دين قومي للشعب المختار
v أن اليهودي خارج فلسطين غريب , ويعتبر مبعدا أو منفيا عن وطنه القومي
ومثل هذه المقولات والمفاهيم ظل ماثلا في الذهن الأوربي كبرنامج تبشيري منذ بداية القرن السادس عشر ثم أخذ بالتحول في القرنين الماضيين إلى أطروحات في أيديولوجية عامة وأهما
v العمل على إعادة اليهود إلى أرض فلسطين تحقيقا لنبوءات التوراة وتأكيدا للوعد الذي قطعه الرب على نفسه أمام إبرام ( لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات) سفر التكوين 18:15
v التأكيد على الحق التاريخي لليهو دفي فلسطين استنادا إلى إنشاء دولة العبرانين فيها في التاريخ القديم .ثم طردهم منها. ولليهود اليوم الحق في استعادة بلادهم من الغزاة العرب
v التبشير بعودة المسيح إلى أورشليم ومن الواجب أن يسبق عودته عودة اليهود كأمة إلى الأراضي المقدسة
يتبع
المراجع:
الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي
الدكتور جورجي كنعان
بروتوكولات حكماء صهيون : عجاج نويهض
سفر التاريخ اليهودي: رجا عبد الحميد عرابي
..
|