هل تعتبر الأراجيز العلمية من الرجز التام أم تعتبر من الرجز المشطور ? يجوز كلا الاعتبارين كما سوف يتضح ، وأول ما يتجلى فيه هذا الاختلاف = تعداد أبياتها ، مثال ذلك ؛ قال الباجوري في تحفة المريد في شرح قول اللقاني [ أرجوزة ] = (( أي منظومة من بحر الرجز صغيرة الحجم أبياتها مئة وأربعة وأربعون ؛ بناء على أنها من كامل الرجز ، ومئتان وثمانية وثمانون ؛ بناء على أنها من مشطوره )) ، لكن كونها من الرجز التام فيه إشكال ؛ وهو أنه ترد في أعاريض الأبيات زحافات لا تجوز إلا في ضروبها ؛ كأن تكون العروض مقطوعة ، إذًا لا بد أن تعتبر من مشطور الرجز حتى نخلص من هذا الإشكال ، لكن قد يندفع هذا الاعتراض بأن نقول : إنها تعد من الرجز التام ، لكن جميع أبياتها تعتبر مصرعة كالبيت الأول في القصيدة والذي يجوز في عروضه ما يجوز في ضربه من زحافات وعلل ، فهي أبيات مفردة من الرجز التام ، ويَرِدُ على كلا الاعتبارين - أي كونها من تام الرجز أو مشطوره - إشكال آخر ، وهو أن كثيرًا من الأبيات في الأراجيز العلمية تكون مدورة ، فإن اعتبرناها من الرجز التام ؛ فكيف يكون الجزء الأول من الكلمة التي حصل فيها التدوير = قافية الصدر ? ، وإن اعتبرناها من الرجز المشطور ؛ فكيف يحصل التدوير بين بيتين ، وإنما هو يكون بين العجز والصدر في البيت الواحد ? والجواب عن هذا الإشكال سهل ، وهو أنه قد تُوُسِّع في الأراجيز العلمية توسعًا كبيرًا ، وأجيز فيها من الضرورات ما لا يجوز في سائر الشعر ، ومن ذلك أن يكون الجزء الأول من الكلمة التي وقع فيها التدوير قافية ، من ذلك قول الأستاذ الفضفري حفظه الله :
[ وقبل علم النسخ للقبلة iiللـ |
|
ـكعبة صلوا نحو شام فقبل ] |
وقد ذكر الشيخ محمد سالم الشنقيطي حفظه الله في مستهل إحدى منظوماته بعض ما يقع للناظمين من هذه الضرورات فقال :-
[ مـعـتـذرًا مـما يجس iiالنبها |
|
مـن الـبـرودة لـنظم iiالفقها |
لـمـا من التضمين في iiالقوافي |
|
يـحـوي ومن مزدوج الزحاف |
ومـن سـنـاد وتـداخل iiبأن |
|
يـلـز مـصراعين لفظٌ iiبقرن |
ومن دخول [ أل ] على ما أفردا |
|
لـفـظًـا من الذي يضاف iiأبدا |
وقـصر او نقل وحذف iiحرف |
|
عـطف وصرف عادم iiللصرف |
والـوقف من قبل التمام iiكعمل |
|
بـر يـزيـن وليقس ما لم iiيقل ] |
الخلاصة أنه يجوز اعتبار أي أرجوزة علمية من الرجز التام أو المشطور ؛ إلا إذا نص ناظمها على عدد أبياتها أو قال بأنها مشطورة أو تامة ، ومن الغريب أن الإمام ابن عاصم الأندلسي قال بأن أرجوزته [ مرتقى الأصول ] مشطورة ثم ذكر أن عدد أبياتها 850 بيتًا ، وكان ينبغي أن يكون عددها 1700 بيت على اعتباره ، وهذه المسألة يَهِمُ فيها بعض محققي المنظومات ، من ذلك ما قاله محمد مجقان الجزائري في تحقيقه لأرجوزة الإمام أبي عمرو الداني التي في القراءات والعقيدة ، فقد ذكر الإمام الداني أن أرجوزته هذه نحو 2600 بيت ، والمحقق عدها نحو 1300 بيت - تأمل - ، مما دفعه إلى أن يقول بأن هذا يدل على أن نصف المنظومة ساقط من جميع المخطوطات التي بيده ، أو أن كلمة [ أبياتها ] خطأ أو تصرف من النساخ ، وإنما صوابها [ أشطارها ] ، وليس هناك سقط ولا خطأ ، وإنما المسألة على ما سلف بيانه . |