في "وارتبورغ" وجد لوثر متسعا من الوقت لترجمة العهد الجديد(الإنجيل) إلى اللغة الألمانية .إن هذا العمل لوحده كاف ليمنحه مكانة مرموقة بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في التاريخ الألماني، لأن ترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية لم تكن مفيدة كأساس و دافع للإصلاح فحسب، بل كانت كذلك واحدة من معالم اللغة و الأدب الألمانيين.و يمكن التساؤل عما إذا كان بمقدور الألمان، ابتداء من القرن السادس عشر - بدون لوثر - أن تكون لهم لغة أدبية مشتركة. هذا النجاح الذي حققته لغة لوثر يعود إلى أنها كانت تغترف من أعماق الحياة الشعبية.كما كان أسلوبه المدوي و الحاد عاملا آخر في نجاح هذه اللغة. و لأن الداعي لها كان فنانا في اللغة، كانت العقيدة تتقوى أكثر.
لم تحقق الإجراءات العقابية التي إتخذتها الكنيسة الكاثوليكية ضد لوثر مثل الطرد من المسيحية (أي التكفير )و الإقصاء أية نتيجة تذكر. غير أن خطر الصراع بين التيارات المختلفة داخل المذهب البروتستانتي الناشيء نفسه، حول قضايا سياسية أكثر منها دينية أصبح، شيئا فشيئا، أكبر من خطر الكاثوليكية الكامن و المتربص. و اشتدت الأزمة أكثر عندما اندلعت حرب الفلاحين عام 1525-1526. استنكر لوثر تلك الحركة الشعبية بشدة لأنه كان يرفض أية انتفاضة ضد النظام السياسي القائم آنذاك حتى لو كان ظالما لأن هذه الإنتفاضة، في رأيه، خطر على الإنجيل و على الإصلاح.
لم يكن لوثر في خدمة حقيقة الجديد(الإنجيل) فحسب، بل و عمد إلى حسابات سياسية لضمان نجاح الإصلاح.و قد أدى هذا، فيما بعد، إلى وضع شؤون الكنيسة بين يدي الدولة . و تفسير أنه كان يريد إنقاذ الإصلاح و لم يكن لديه خيار آخر.
لقد كان لوثر يعيش منذ مدة طويلة في معزل عن الحركات السياسية الكبرى و لم يعد لديه أي تأثير حاسم عليها. لقد كلفته مواقفه الحازمة من حرب الفلاحين الكثير من الأصدقاء و شعبيته، زيادة على الأزمة الكهنوتية التي نشبت عام 1525 بينه و بين" إيراسم " التي دفعت شخصيات بارزة من التيار الإنساني الألماني إلى الابتعاد عن الإصلاح.
في نفس السنة أيضا أي 1525 تزوج مارتن لوثر " كاتارينا فون بورا" و تخطى بذلك الزواج المفهوم القروسطي للرهبنة.
يمكن وصف العشريتين الأخبرتين من حياة لوثر حتى تاريخ وفاته عام 1546 بأنهما فترة تقدم للإصلاح نحو كنيسة حقيقية قائمة بذاتها. لقد أصبح الحفاظ على تلك الوحدة أمرا مستحيلا. و ترسخت القطيعة التاريخية مع الكنيسة الرومانية بصفة نهائية عام 1537.
إن النهج الحقيقي ل لوثر يتجلى في الصحيفة الشهيرة التي عثر عليها بعد وفاته، و هي آخر ما كتب، و تبدو ملخصا برنامجيا لأعماله و لحياته, و قد جاء فيها :
? لا يعتقدن أحد أنه طبق كل ما جاء في الكتاب المقدس و كما ينبغي إلا إذا قاد جموعا، طيلة مائة عام، مع أنبياء مثل إيليا و اليسع و يحي و المسيح و الحواريين. اقتد بهم... و اسجد على أثرهم في الصلاة.إننا متسولون. هذه هي الحقيقة? .
-------------------------------------------------------- ----------------
المصادر:
- Magazine Deutschland : N? 1/ Février 1996.
- Collection Encarta 2005
- Bibliorom Larousse.