البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : التوبة    كن أول من يقيّم
 عمر  
29 - ديسمبر - 2005

من كتب الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين > الإحسان > عقبة واقتحام

 

التوبة واليقظة

بسم الله الرحمن الرحيم. (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء). اللهم اجعلني أُعظم شكرك.

نعيش في خضم الحضارة الاستهلاكية تابعين مجرورين، تَسْحبنا من البطن لأنها تنتج الغذاء ولا ننتج، وتسحبنا من الرأس، ومن الأسفل، بأسبابها القوية. نلبس ما يلبسون، ونفكر كما يفكرون، ونريد ما يُريدون، طوعا وكرها. والأبوان اللذان أنيط بهما حفظ الفطرة غثاء مع الغثاء، يجري السيل بالجميع جريا إلى الهاوية، ومنادي الإيمان هناك، امتزج عنده الوعي السياسي واليقظة السِّياسيّة بداعي الإيمان، فدعوته لاقتحام عقبة المواجهة، وللجهاد مباشرة. ويسأل الشباب ولا من مجيب عن أسباب الخواء الروحي وضعف الإيمان لأن الذين ينتظر منهم أن يجيبوا عن الأسئلة الحائرة منهمكون في مطاردة البدع وتكفير المسلمين. يختلقون البدع جَهلا أو ضِيقَ عَطَنٍ، فيُنازلون خيالات صنعوها ليوهموا أنفسهم والناس أنهم حماة الدين.

وصية الله تعالى للإنسان إن لم يجد الأب الحكيم، ولم ينشأ في المحضن الفطري السليم، أن يتبع سبيل من أناب إلى الله. والإنابة درجة من درجات التوبة. قال تعالى عن عبده لُقمان الذي آتاه الحكمة: )وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم(.(سورة لقمان، الآية: 13) ثم جاء القرآن بالوصية الإلهية جملة اعتراضية بين وصايا لقمان لابنه، قال الله تعالى: )ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما. وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي(.(سورة لقمان، الآيتان: 14-15)

إن غابت السلسلة الفطرية، سلسلة الأبوين، فاتبع خُطى "من" أناب. ابحث عن هذا "المن" لعل أنامِلَ روحانيته تمتد إلى قلبك بلمسات المحبة ونسمات الشوق إلى ربك والحنين إليه. ولعل التوبة واليقظة الروحية، وهي أعمال قلبية، تُؤصِّلُ لكَ دينا أوسع أفقا وأعلى مرتقى من مجرد "الالتزام" الذي لا يبدأ بك سلوك الطريق إلى الله، لأن سُلَّم الإسلام فالإيمان فالإحسان مفهوم غريب عن الوقت.

"أصل الدين في الحقيقة هو الأمور الباطِنَة من العلوم والأعمال، وإن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده: "الإسلام علانية والإيمان في القلب"".[1][1]

إفراط في الحديث عن "ثقافة الإسلام" و"حضارة الإسلام" و"البديل الإسلامي". وتفريط مخل في التربية. يا إنسان!

أول خطى التربية التوبة ثم اليقظة. كانت التوبة في عصور الفتنة بعد الخلافة الراشدة الأولى عبارة عن التوبة من الذنب والمعصية، والتائب في مأمن وعافية، لا هم له إلا صراعهُ الداخلي ووخز ضميره ومعاملته مع الله، يُؤَرِّقُه هم الآخرة. في عهد النبوة والخلافة الراشدة كانت التوبة من الشرك والمعاصي هَمّاً مزدوجا، لأن الجهاد وواجبه وضروراته وحضور الموت واحتماله في كل خروج في سبيل الله تُكَوِّن ظروفا يلتحم فيها مصير الفرد بمصير الجماعة، ويتميز فيها المنافقون من الصادقين. في زماننا صحوة إسلامية يغلب فيها الهم الاجتماعي الجماعي السياسي على الهم الفردي الأخروي، ويأتي مصطلح "الالتزام" الغريب عن القرآن ليمحو المعالم. فلا تمييز يرجى.

يتبع...



 

تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة