تطور الإعلام المرئي في العقود الأخيرة إلى درجة لا يمكن استثناؤه في
شتى مجالات الحياة. ويحتل التلفزيون المرتبة الأولى من حيث الاستعمال
الإعلامي لانتشاره الواسع بين كل فئات المجتمع. فلا تجد بيتا في الحضيرة
أو البادية إلا والجهاز يأخذ مكانه بين أفراد الأسرة الواحدة. لقد أصبحت
كلمته مسموعة وتأثيره بالسلب أو بالإيجاب على الأطفال ملموس حتى ذهب
البعض إلى تسميته ب << الأب الثالث >> بعد الأبوين الحقيقيين ( الأب والأم )
لما يتمتع به من دور في توجيه سلوك الأطفال بصفة خاصة.. واعتبارا لمكانته
المهيمنة في الوسط الاجتماعي، وتأثيره التربوي على الناشئة، بات مــــن
الضروري إخضاع التلفزيون إلى السياسة التربوية بما يتلاءم وعملية التنشئة
الاجتماعية. لكن المؤسسات الإعلامية المرئية سواء الرسمية أوالمستقلة تحتج
بالإكراهات المادية والسياسية التي تحول دون الوصول إلى هذا المبتغى..
فقنوات التلفزيون لا يمكنها الاقتصار على استهداف الأطفال حتى تفقد عددا
كبيرا من مشاهديها لتمرير وصلاتها الإشهارية التي بها تدعم ماديا سير
استمرار بث برامجها. وكما هو معلوم يكون إقبال من يود الإشهار على
القنوات التي لها جمهورا واسعا من المشاهدين.. أما من الجانب السياسي،
فالتوجهات النظامية للبلاد وما يمارس على الدولة من ضغوطات حزبية
داخلية أو دولية هي التي تتحكم عموما في مسار البث التلفزيوني...
ففي ظل انعدام التلفزة التربوية الهادفة والتي تستهدف الأطفال وتحاكيهم
عالمهم وحياتهم الخاصة موازاة مع ما تهدف إليه المنظومة التربوية في
تكوين الإنسان الصالح، فلم يبق أمام الآباء إلا المحافظة على أبنائهم أصحاء
بدنيا ونفسيا بترشيد علاقة أبنائهم بالتلفزيون.. لكن الإشكال المطروح في
مدى استيعاب الآباء لدورهم التربوي إزاء هذه العلاقة الحميمية بين الأبناء
والجهاز.. فغالبا ما يتخذ هذا الدور منحى سلبي إما بترك الأبناء عرضة
لالتهام جل البرامج الغث منها والسمين، معتبرين التلفاز مجرد جهاز للتسلية،
فلا بأس أن يقضي الطفل أمامه أوقاته بدل الخروج إلى الشارع والاختفاء
عن أنظارهم دون معرفة ما يقوم به.. زيادة على ذلك يتخلص الآباء من
ضجيج الأبناء ويجدون الراحة في البيت عندما يكون هؤلاء بدون حراك
أمام الجهاز... وهناك أيضا من يحرم الأبناء من التلفزيون كلية بالتخلص
منه في البيت اعتقادا منه بهذا الإجراء سيتفادى كل ما من شانه أن يؤدي
بهم إلى الانحراف...
إذن كيف يمكن ترشيد استخدام التلفاز بطريقة معقلنة بعيدا عن حرمان الأطفال
من مزاياه الثقافية والترفيهية، وبعيدا عن كل إسراف في الاستعمال لا تحكمه
ضوابط قد يضر بحياة الأطفال الدراسية وبصحتهم النفسية والبدنية??
تحياتي
|