البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : من هو الأسبق في الظهور الشعر أم النثر ولماذا?    كن أول من يقيّم
 علاء 
24 - ديسمبر - 2005

 

عندما نتحدث عن الأدب العربي بصدد قسمين كبيرين كما هو الحال في الآدب العالمي شعر ونثر . فما هو الفن الأسبق من هذين الفنين في الظهور الشعر أم النثر.

يذهب الكثيرون إلى أن الشعر هو الأسبق في الظهور وذلك حسب مايتوفر من الدلائل التي وصلتنا من الأدب العربي بصفة عامة هو شعر من مقطعات وقصائد وعلقات... لكن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إن لغة الحديث اليومي عند العرب القدماء كانت هي الشعر أي أن العرب في محادثاتهم اليومية كانوا يستعملون الشعر للتواصل. لكني لا أجد دليلا قاطعا بهذا الشأن أي أن العرب كان كلامهم كله نظم. فكما نعلم ان الشاعر عندما كان يريد نظم قصيدة فإنه كان يمضي وقت طويلا قد يستغرق أياما أوشهورا احيانا فكيف يستعمل العرب الشعر في حديثهم اليومي إلى غير ذلك...فأنا لا أجد بأن هناك شعرا كان يستعمل للتواصل بين الأفراد من العوام إن كان هذا الحوا ر قد يكون بين فحول الشعراء فهذا لا يعني أن العوام كانوا يستعملون الشعر كحديث يومي...وكما نعلم أن الشعر يقسم إلى شعر ملحمي وشعر غنائي، الأول يتحدث عن أمجاد القبيلة وبطولاتها...أما الثاني فهو يجعل التغني بالذات هو الأساس...فلو كان الشعر يستخدم في الحديث اليومي لأضيف إلى هذين الصنفين " الشعر التواصلي" . ويستدل أنصار الشعر في ادعائهم إلى كون عصر التدوين دون الشعر لأنه هو الذي كان موجودا عند العرب... ويقولون إن كان النثر موجودا في العصر الجاهلي لدون أيضا...لكني أرى أن العرب كانوا يهتمون بالشعر ويقدسون فهم كانوا يحفظونه نظرا لطبيعته التي تعتمد على الوزن...

فما رأيكم في هذه القضية من الأسبق في الظهور الشعر أم النثر. فإن كان الشعر فلماذا وإن كان النثر لماذا .

أخوكم في الله علاء أبرون  

تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
النثر أسبق    كن أول من يقيّم
 
هذه القضية يتناولها الناس من باب الترف العلمي والعقلي ؛ لأن كل تناول لها ينشأ عن خرص وتخمين ، ثم تكون النتيجة ترجيحا بغير مرجح ، وتظل المسألة  رهن النظر مادامت بغير حسم ، لما يضفيه كل منا على الأدلة من ظنون قد لا تتوقف وعلى الأرض ساكن واحد ؛ لذلك فالبحث فيها سيكون من حيث قدرة الباحثين على اللعب بالمرجحات ، وإذا كان الأمر كذلك فدعونا نلعب مع اللاعبين ساعة من نهار  :   فنقول إن العقل يقبل فكرة التدرج في كل شيء بأن تكون البدايات بالمفردات ثم يتوالى عليها التركيب بالجمع بين مفردين أو أكثر حتى نقطة التعقيد التي يعجز العقل عن حلها وتحليلها ، وهذا قول شائع في أعمال الفلاسفة والمناطقة بل في كل لسان ؛ وعلى ذلك فالقول ببدء الكلام نثرا هو الأقرب إلى القبول والرضا ، لأن الشعر نثر وزيادة وهذه الزيادة بدأت بأنغام الألفاظ وأخذت ترتقي عبر أناقة الألفاظ وحسن سبكها في نطاق اختيار مخصوص  وظل النثر يترقى حتى تولد عنه الشعر ، وبينما يجري النثر سلسا على كل لسان عند الصغار وعند الكبار على السواء تجد الشعر عسر القياد ولا يتأتى لكل أحد ، والذاهبون فيه درجات بين الأدنى وبين الأعلى فهذا التمايز يرجح أنه جاء بعد أن لم يكن ، لأن التمايز في النثر قد تغني عنه العبارة الدالة على المقصود بغير عناء وليس ثَم قيد في أي درجة من درجات النثر كالقيد الذي يتقيد به الشعر الجيد منه والرديء . بقيت مسألة يتخذها الذين يحاولون الخروج عن حدود القضية الأم بأي وسيلة للطعن والتشهير وهي : هل القرآن الكريم - وهو نثر حتما - يدخل في باب الموازنة بين النثر والشعر  ?  والجواب : أننا نقول بالطبع لا . فبمثل هذه الموازنة خلط كفار قريش في الأمر فوصف بعضهم القرآن الكريم بالشعر ولما عجزوا عن جلاء الحقيقة وصفوه بالسحر والكهانة وما إلى ذلك ، وهذا دليل قاطع على أن القرآن أُنْزِلَ لمهمة الهداية وليس للموازنة فالموازنة لا تقام إلا بين شيئين بينهما تقارب ولا شيء يقوم لمعاندة القرآن فالتقارب معدوم ألبتة  . ومن قوله تعالى : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له......الآية ) يس / 69  ندرك أن الشعر مثله كمثل أي صنعة تحتاج إلى تعلم  في وجود النثر  ، ولكن النثر يجري به اللسان فطرة ،  وبهذا نجد متكأ صحيحا في دعوى أن النثر أسبق ، وليس ذلك قولا قاطعا فقد أعلمتك منذ البداية أن القضية مغموسة في الترف العقلي ولا ننال منها إلا القشور ،  وبالله التوفيق .
*منصور مهران
24 - ديسمبر - 2005
الشعر والنثر وجهان لعملة واحدة    كن أول من يقيّم
 

    أخي علاء

    اختلف الباحثون والدارسون العرب، قدامى ومحدثين  حول هذا الموضوع الشائك أي: أسبقية الشعر والنثر، كما اختلفوا في المفاضلة بينهما، بل و حتى في الإقرار بوجود نثر حقيقي قبل الإسلام يمكن أن نطمئن إلى صحة وجوده. فما وصلنا من خطب وأمثال وحكم وأسجاع وأقوال مأثورة عن بعض الجاهليين يعتبره البعض من الأدب المنحول المدسوس .

    ويمكن أن نجمل هذا الموضوع في رأيين متعارضين:

   ـ الرأي الأول يمثله الدكتور زكي مبارك  ومن لف لفه في كتابه وأطروحته المعروفة ( النثر الفني..) ، ويذهب فيه إلى تأكيد وجود نثر في العصر الجاهلي له خصائصه وقيمه الأدبية والفنية، رغم ظروف التبدي التي سببت في ضياع الجزء الأعظم منه، وقد نقل الجاحظ عن عبد الصمد الرقاشي قوله: ( ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره) البيان والتبيين ج1 / ص 281

أما الدليل  الأقوى الذي اعتمده فهو القرآن الكريم  لأنه، في نطره، يقدم صورة عن شكل هذا النثر وحالته التي كان عليها قبل عصر التدوين، ولا يعقل أن يخاطب القرآن قوما إلا بأسلوب القول الشائع لديهم، كما أن التحدي والإعجاز لا يكون إلا لمن بلغوا درجة معقولة من بلاغة القول.

وفي رأيي أنه إذا تأكدت صحة النصوص النثرية التي وصلتنا عن الجاهليين، على قلتها بالقياس إلى ما وصلنا من شعر كما جاء في الكلام الذي نقله الجاحظ  فمعنى هذا أن التزامن حاصل بين النوعين خلال مرحلة الجاهلية كلها والتي يقدر عمرها بنحو قرن ونصف قبل البعثة النبوية، ولا مجال للحديث هنا عن الأسبقية إلا إذا اكتشفت نصوص نثرية جديدة لجاهلية أبعد في الزمن عن الجاهلية التي نتعارف عليها الآن ، خاصة وأن معظم هذه النصوص النثرية تنسب لأشخاص معمرين. وهم شعرء أصلا ، فعمرو بن كلثوم مثلا صاحب المعلقة المشهورة  معدود ضمن خطباء العرب المشهورين....

  ـ أما الرأي الثاني فيمثله الدكتور طه حسين ومن لف لفه أيضا، وهو المعروف بتشكيكه في صحة شعر الجاهليين قبل أن يشكك في صحة وجود نثرهم أيضا، وحجته أن الحياة الأولية البسيطة التي كان يحياها العرب قبل الإسلام لم تكن  تسمح بقيام أي لون من ألوان النثر الذي لا يمكن أن ينشأ أو يزدهر إلا في حياة مستقرة تسمح بالروية والتفكير، والعرب الجاهليون، في نظره، بخلاف ذلك لأن حياتهم تقوم على الرحلة والنجعة.

وكأن التفكير حكر على جنس من البشر دون آخر!

   وفي رأيي: إن المقابلة بين نوعي الشعر والنثر، سواء على مستوى الأسبقية ، أو الكمية أو الأهمية لا يمكن أن تقدم أو تأخر شيئا من حقيقتهما الجوهرية التي اهتدى إليها العرب قديما بقريحتهم الفذة ، وبسلاسل اختباراتهم القاسية في الحياة وفي الإصرار على الوجود ، وهي وإن اختفت كثير من ملامحها المادية من خلال الخط أو النقش أو العمران، كما عند غيرهم من الأمم ، فلا شك أنهم قد أودعوا جزءا مهما من تلك الحياة في نثرهم وشعرهم.إذ كان جل اعتمادهم على اللغة في الاحتفاظ بصورة حياتهم

   ولا يزال أمام الباحثين مجهود ضخم  لرسم  صورة تلك الحياة الحقيقية  في أذهان أجيالنا الحالية، وذلك من خلال  استنطاق لغة الأدب العربي القديم استنطاقا موضوعيا بعيدا عن الميل والهوى أو التنقيص.

   ومما يؤسف  له حقا أن دارس الأدب العربي أنى اتجه في دراسته لهذا الأدب  يجد نفسه محاصرا بمجموعة من الشكوك والاتهامات: فالجاهلي منه غير أصيل ومنحول، والإسلامي ضعيف، والعباسي مصنوع مزخرف بعيد عن نبض الحياة، والوسيط منحط ...وحتى تجربة ( الحداثيين ) التي ألغت المسافة نهائيا بين الشعر والنثر، لم تسلم من حمى التخبط والفوضى والطموح المبالغ فيه أحيانا إلى درجة الرغبة في إقبار كل ما هم قديم ومهترئ في نظرهم ، ولا ضير عندهم إذا تبنوا مرجعيات أجنبية، بل لا بأس في إلغاء الأبجدية العربية واسبتدالها بأبجدية لاتينية كما أراد سعيد عقل و بعض أنصار ( القصيدة النثرية )

   إننا في درسنا الأدبي نضيع كثيرا من الوقت في التنظير وطرح الإشكالات والمزايدات والمصادرات بدل  التعود على مواجهة النصوص الأدبية العربية وقراءتها قراءة مباشرة  ودون خلفيات مسبقة... حتى لا يجرفنا الفراغ  والإعراض عن مواجهة النصوص القديمة  بصدق واتزان إلى كثير من المنزلقات الخطيرة.

   باختصار شديد علينا أن نقرأ أدبنا لا أن نقرأ حوله ، أما منطقتا الشعر والنثر فليستا معزولتين عن بعضهما كما قد يتوهم البعض ، ولكل من الشاعر والأديب كامل الحق والحرية في تجاوز منطقته إلى منطقة الأخر، ليس على وجه التقليد الفج أو الهجوم المدمر، وإنما على وجه التكامل والتنافس الشريف في اختبار الطاقة الإبداعية التي يتساوى فيها الجميع, والسلام.  

 

  

*عبد اللطيف
24 - ديسمبر - 2005