صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : الانكسار التاريخي    كن أول من يقيّم
 زائر 
21 - نوفمبر - 2005
هناك أسئلة عديدة في تاريخنا تحتاج لدراسات دقيقة و عميقة من بينها كيف حدث الانكسار التاريخي في أمتنا.كيف انتقل الحكم من خلافة راشدة إلى ملك عاض ثم تحول إلى ملك جبري.
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الانكسار التاريخي الذي هو نتيجة افتراق القرآن والسلطان    كن أول من يقيّم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين محي الأموات باعثهم بعد مماتهم وكذلك يبعث هذه الأمة من جديد كي تنهض وتستيقظ من سباتها وما ذلك على الله بعزيز .وصلى الله على سيدنا محمد الرحمة المهداة إلى العالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

في هذا الكتاب يبين الأستاذ عبد السلام ياسين كيف وقع الانكسار التاريخي نتيجة افتراق السلطان مع القرآن وتخاصم السلطان والقرآن والفصل بين الدعوة والدولة في وعي الاجيال وكيف اعادة السيدة الى بيتها معززة مكرمة السيدة التي هي الشورى .هذه مشاركة لي في الموضوعواسأل  الله أن ينفع بها آمين يا رب العالمين .

 الانكسار التاريخي

الخلافة والملك

 

الفصل الثاني من كتاب الخلافة و الملك

1-خلفاء الله في الأرض

2-الإمام الشهيد

3-حمية الجاهلية تستيقظ

خلفاء الله في الأرض

قال الله تعالى: )وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليـبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون(.[1]

قال أبو بكر بن العربي في تفسير هذه الآية: " قال علماؤنا: هذه الآية وعدُ حقٍّ، وقول صدق، يدل ذلك على صحة إمامة الخلفاء الأربعة، لأنه لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا. فأولئك مقطوع بإمامتهم، متفق عليهم. وصدَقَ وعدُ الله فيهم. وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم. واستقر الأمر لهم. وقاموا بسياسة المسلمين، وذبوا عن حوزة الدين. فنفذ الوعد فيهم(...). قام أبو بكر بدعوة الحق، واتفاق الخلق (انتخاب الصحابة إياه)، وواضح الحجة، وبرهان الدين، وأدلة اليقين. فبايعه الصحابة. ثم استخلف عمر فلزمت الخلافة، ووجبت النيابة، وتعين السمع والطاعة. ثم جعلها عمر شورى، فصارت لعثمان بالنظر الصحيح، والتبجيل الصريح، والمسَاقِ الفسيح(...). ثم قُتل عثمان مظلوما في نفسه، مظلوما جميعُ الخلقِ فيه. فلم يـبق إلا عليٌّ، أخْذاً بالأفضل فالأفضلِ، وانـتقالا من الأوَّل إلى الأول".[2]

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك لأصحابه وصية فيما يتعلق بالحكم إلا استخلافه أبا بكر على الصلاة. فاستنبط منها الصحابة دليلا على أحقية أبي بكر، إذ قالوا: "رجل رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينـنا، أفلا نرضاه لدنيانا?". فبعد مناقشة المسألة في سقيفة بني ساعدة، اجتمع رأيهم على أبي بكر الصديق فبايعوه. وكان تـنافس الأنصار والمهاجرين على الإمارة في افتـتاح ذلك المجلس تسابُقا إلى الخير ما خَلَّفَ حزازات. وطوت الأيام سريعا ذلك النقاش في ظل الأخوَّة، وفي ظل جلائل الأعمال.

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الوصيةَ الجامعة التي رواها عن ابن مسعود كل من البزار والطبراني في الأوسط وابن سعد وابن أبي الدنيا، قال ابن مسعود: "دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها حين دنا الفراق. فنظر إلينا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم ثم قال: مرحبا بكم! حياكم الله! آواكم الله! نصركم الله! وأوصيكم بتقوى الله. وأوصي بكم الله، إني لكم منه نذير مبين، ألاّ تعلوا على الله في بلاده وعباده. وقد دنا المُنْقَلَبُ والمَرْجِعُ إلى الله، وإلى سِدرة المنـتهى، وإلى جنة المأوى، وإلى الكأس الأوفى. فاقرأوا على أنفسكم وعلى من دخل في دينكم بعدي السلام ورحمة الله".

كان العلو في الأرض والاستكبار على العباد أهمَّ ما حذر منه الأمة في وصيته النذيرُ المبـين صلى الله عليه وسلم. فعاشت الأمة ثلاث سنوات في خلافة أبي بكر كلها جهاد للقضاء على تمرد الأعراب وردتهم، حتى لا تكونَ فتـنةٌ ويكونَ الدين كله لله. ثم جاءت خلافة عمر فازدهرت الأمة، حتى ظهر قرنُ الفتـنة في جريمة اغتيال الخليفة العادل، على يد غلام جاهلي، اندس في المجتمع الإسلامي، فكان رأسَ الحَرْبَةِ لقُوَى العصبـية الصاعدة مع توسع رقعة دار الإسلام، وموت خيار الصحابة، وتشتت باقيهم في الأمصار.

يتبع :

2-الإمام الشهيد

3-حمية الجاهلية تستيقظ

عمر
1 - ديسمبر - 2005
الإمام الشهيد    كن أول من يقيّم
 

الإمام الشهيد

تحولت بُنية المجتمع الإسلامي بسرعة كبـيرة، فدخل في دين الله أمم كثيرة طوعا وإيمانا، أو حفاظا على الأرض والمال والحرية. فلما انـتخب الصحابة أهلُ الشورى الإمامَ الشهيدَ عثمان رضي الله عنه، سارت الأمور على الوتيرة الأولى صدرا من خلافته. ثم التف بنو أمية من حوله، وكوّنوا بطانة ما لبـثـت أن استبدت بالأمر. وارتكبت الفظائع فاستيقظ العنف. وكان مقتلُ الإمام الشهيد رضي الله عنه الشَّقَّ الذي أخذ يتسع بما أحدث من نـتائج تاريخية حتى شكل بداية انكسارنا ووهنـنا.

نشِبَـتِ الفتـنة الكبرى بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، واجتماع الصحابة على سيدنا علي كرم الله وجهه. قام أهل الشام يطالبون بدم الشهيد، فنازعوا إمام الأمة، واتخذوا ذريعةً لقتاله وجودَ طوائف من الغوغاء الثائرين على عثمان تحت ألويته. قال القاضي ابن العربي يذكر الفتـنة بعد مبايعة الإمام عليٍّ رضي الله عنه: "لأن عثمانَ رضي الله عنه قُتِلَ والصحابة بُرَءاءُ من دمه . لأنه مَنَعَ من قتال من ثار عليه، وقال: لا أكون أوَّلَ من خَلَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل. فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة، وفَدَى بنفسه الأمة. ثم لم يمكن تَرْكُ الناس سُدىً.فعُرِضَت الإمامةُ على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى، وتدافعوها. وكان عليٌّ أحقَّ بها وأهلها. فقبلها حَوْطَةً على الأمة أن تُسْفَكَ دماؤها بالتهارج والباطل. ويتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل. وربما تغير الدين، وانْقَضَّ عَمودُ الإسلام.

فلما بويع له طلب أهلُ الشام في شرط البـيعة التمكينَ من قَتَلَةِ عثمان، وأخْذَ القَوَدِ منهم. فقال لهم علي: ادخلوا في البـيعة، واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا: لا تستحق بيعةً وقَتَلَةُ عثمانَ معك نراهم صباحا ومساء. فكان علي في ذلك أسدَّ رأيا، وأصوب قولا. لأنَّ عليا لو تعاطى القَوَدَ منْهم لتعصبت لهم القبائل، وصارت حربا ثالثة. فانـتظر بهم أن يستوثق الأمْرَ، وتـنعقدَ البَـيْعَةُ العامّة. ويقع الطلبُ من الأولياء في مجلس الحكم. فيُجْرِيَ القضاءَ بالحق".[3]

نلاحظ في نثر فقيهنا وقاضينا أبي بكر تغاضيا حَيِـيّاً عن ذكر ما نشِب بين الصحابة من نزاع وقتال. فيتخطى حرب الجمل وكارثة صفين، ويُرْجِعُ النـزاعَ إلى دمٍ يطالب به الأولياءُ، وكأنَّ المسألة نازلة فقهية يحكم فيها القضاء. وهكذا أمسك علماؤنا، وأوصَوْا بالإمساك، عن ذكر تلك المآسي الدموية. ولئن كان نَبْشُ الماضي للوقوف عنده، والتعرض للصحابة الكرام بالنقد وقد قُضِيَ ذلك الأمرُ، مِمَّا لا يعني الشحيح بدينه، فإن رفع جانب من الستار بقدر ما نـتبـين الأسباب التاريخية للانكسار المُرِيع واجبٌ. ولن نفهم منهاج إعادة الخلافة إن بقينا نغَطِّي وجوهنا كلما ذكرت تلك الفترة العنيفة والِدَةُ كلِّ ويلاتـنا.

وقد خصص القاضي أبو بكر كتابه "العواصم من القواصم" للدفاع عن بني أمية رحمه الله وعفا عنا وعنه.

لندع الأشخاص وما يمكن أن يكون سبـبا لنـزاعهم. ولنعتبر بالزيغ الديني، والخلَل الاجتماعي، كما كنا التمسنا الأسوة بالنموذج الكامل.

عمر
3 - ديسمبر - 2005
حمية الجاهلية تستيقظ    كن أول من يقيّم
 

حمية الجاهلية تستيقظ

وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعا تربط أفراده عصبـية القبـيلة والعشيرة والقُرْبَى. فحافظ على هذا الرباط لم يكسره. لكن وجَّهَ ما يمثله من قوة لخدمة الوَلاية بين المومنين. لم يأمر المسلمين أن يتـنكروا للقبـيلة والعشيرة من حيث كونُها قبـيلة وعشيرة. إنما أمر بمقاطعة الكفر. نقرأ في السيرة النبوية كيف دخل مكة وجُنْدُه كتائبُ منظمَة، كل قبـيلة على حِدَةٍ. فكان شعور المرء بوَلاية الإسلام يتعَضَّد ويَقوَى بشعوره بالأمن بين العشيرة والأهل.أ

وكان للتضامن الأسَرِيِّ والعشيري شأن في بعثة الأنبـياء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لوط: )لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد([4] قال: قد كان يأوي إلى ركن شديد، ولكنه عنى عشيرته. فما بعث الله عز وجل بعده نبـيا إلا بعثه في ذِرْوَةِ قَوْمِهِ. قال أبو عمر: فما بعث الله نبـيا بعده إلا بعثه الله عز وجل في مَنَعَةٍ من قومه". رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة.

هكذا يريد الله ورسوله أن تكون لُحمةُ النسب والعشيرة سنَداً للدعوة. لكن عندما تكون العصبـيةُ القبليةُ قوةً مضادة للإسلام فالإسلام يحاربها. نقل ابن كثير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي رُدِّيَ، فهو يَنْـزِعُ بذنبه". وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من دعا إلى عصبـية، وليس منا من قاتل على عصبـية، وليس منا من مات على عصبـية". وروى البخاري عن جابر قال: "كنا في غَزاة فكَسَعَ (ضربه على ظهره) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري: يالَلأنصار! فقال المهاجريُّ: يالَلْمهاجرين! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دَعوها! إنها مُنْـتِنَةٌ!".

الحمية الجاهلية هي التـناصر على الباطل. والمثَل العربي يقول: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، يطبقُ المُعْصوصبون للقبيلة هذه المقالة تطبيقا حرفيا. فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة هذه الكلمة حيثُ قال فيما رواه الإمامان أحمد والبخاري عن الحسن: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما!" قيل: يا رسول الله! هذا أنصُرُهُ مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما? قال: "تحجُزُهُ! تمْنَعه! فإنَّ ذلك نصرُه".

قال ابن خلدون يصف توسع دار الإسلام، وأعرابية القبائل، واستيقاظ العصبـية الجاهلية: "وكان أكثر العرب الذين نـزلوا في هذه الأمصار جُفاة لم يستكثروا من صُحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا هذبتهم سيرته وآدابه، ولا ارتاضوا بخُلُقه. مع ما كان فيهم في الجاهلية من الجفاء، والعصبـية، والتفاخر، والبُعْدِ عن سكينة الإيمان. وإذا بهم عند استفحال الدولة قد أصبحوا في مَلَكَةِ المهاجرين والأنصار من قريش، وكنانة، وثقيف، وهذيل، وأهلِ الحجاز ويثرب السابقين الأولين إلى الإيمان. فاسْتَـنْكَفوا من ذلك، وغُصّوا به لِما يرون لأنفسهم من التقدم بأنسابهم، وكثرتهم، ومصادمة فارسَ والروم، مثلُ قبائل بكر بن وائل، وعبد القيس بن ربـيعة، وقبائل كِنْدَةَ والأزْدِ من اليمن، وتميم وقيس من مُضَر. فصاروا إلى الغض من قريش، والأنَفَة عليهم، والتمريضِ في طاعتهم، والتعلّل في ذلك بالتظلم منهم، والاستعداء عليهم، والطعن فيهم بالعجز عن السَّوِيَّة، والعدل في القَسْمِ عن التسوية".[5]

فقد كان إذنْ من جهة غِلْمَة قريشٍ بقيادة مروانَ بن الحكم، زمرةٌ يستغلون السلطان، عدلوا عن التسوية في القَسم، أي مالوا عما كان عليه الأمر من تسوية الناس في العطاء. وكان من جهة أخرى قبائلُ تطمح للسلطان، وتـنظر إلى عددها، ونسبها، فتُفاخر قريشا والقبائل السابقة للإسلام وتـنافسها. لا سيما والأمة كانت مجندة، والصدام مع فارس والروم أعطى كثرةَ العدد وصلابة الشوكة أهمية كبـيرة.

وكان من العمال والحكام من اندسوا تحت بساط الإمام عثمان رضي الله عنه، فكانوا قوما مفسدين، أعطوا غوغاء القبائل التَّعِلَّةَ اللازمة لإظهار السُّخـْط، ثم التَّمَرُّدِ، ثم الثورةِ، ثم الفتكِ بالزكيِّ الطاهر رضي الله عنه. وقد عزَل الإمام بعض العمال ممن سخِطَهم الناس، فلما ضاقت الدائرة حول مروان، وطلبوا أن يُسَلِّم الإمامُ كاتَبه مروان الذي اتهموه بأنه بعث إلى عامل مصر يأمره بقتلهم، حلَّفه الإمام فحلف. فقال عثمان رضي الله عنه: "ليس في الحكم أكثرُ من هذا!". يعني أنه لا يلزَم المتهمَ عند افتقاد البـينة إلاَّ الحلفُ. فحاصروه رحمه الله حتى قتلوه.

أين غابت القوة الوحيدة التي كانت قادرة على صد الغوغاء? ما فعل بقية الصحابة في المدينة وإمامُهم يُغْزَى ويُحاصَر في قَعر بـيته? هنا ثَلْمَةٌ أخرى أدت إلى الانكسار التاريخي. فقد كان الإمام رحمه الله نهاهم عن مواجهة الغزاة بالسيف، مخافةً منه رضي الله عنه أن يزيد الفتـنة اشتعالا. أما الصحابة، وهم قلة وسط هذا البحر الطامي من القبائل الأعرابية، فقد وقفوا موقف المشدوه مما يرون.

قال الباقلاني في كتاب التمهيد يصف وحشية الغوغاء: "وكان النفر الذين ذُكِر أنهم هجموا عليه من المعروفين دون أتباعهم: الغافقي،وكنانة بن بِشر التجيـبي، وسودانُ بن حِمران، وعبد الله بن بُديل بن وَرْقاء، وعمرو بن الحِمق الخُزاعي، في آخرين منهم محمد بن أبي بكر. فتسرع إليه محمد وألقاه لجنبه. وجلس على صدره، وأخذ لحيته فهزها، وغلَّظَ له في القول. وذُكر أنه ضرب جبهته بمِشْقَصٍ (موسى حادة) كانت في يده. فلما أراد أن يُثَنِّيَ وعظه عثمان وقال له: "يَعِزُّ على أبيك أنْ ترقى هذا المَرْقَى!" واستحيى وانصرف. وذُكر أنه لم يَمَسَّهُ في بعض الروايات.

فعرف الغافقي وكنانة أنه انصرف حياء منه. فاقتحما عليه، وبَدَرَهُ التجيـبيُّ بضربةٍ ألقاه منها لجنبه. والمصحف في حجره. فلما سقط الدم عليه أطبقه ثم نحَّاه. وضربه غيرُه.(...) فلما رأت نائلة بنت الفَرافِصَةِ، زوجُ عثمان، وقْعَ السيف، برزت وألقت نفسها عليه. فأصابتها ضربةٌ أندرت من يدها ثلاثَ أصابع، وضرب بعض أولئك الفَجَرةِ يده عليها وقال: "ما أكبر عجيزتها! نَفِّلونيها (أعطوني إياها، يعتبرها سبِيّة!)". وصاح الآخرون: الحقوا بيت المال! وأغاروا بديئاً على رَحْل عثمان وما كان في داره. ثم تـناولوا ما أمكنهم أخذه في بيت المال، وأضرموا الدار عليه بالنار. فاحترق أكثر أبوابها. وذُكر أن عَمرو بن الحمق قال: "طعنت عثمان تسع طعنات، ثلاث لله وستٌّ لغيره!".[6]

وحشية، ونهب، وفجور، وغوغاء صعقت الصحابة وشلت مبادرتهم. فلما رجعوا إلى أنفسهم، واجتمعوا على الإمام علي كرم الله وجهه، ظنوا لحظة أن الفتـنة خمدت. فلما قام أهل الشام بالمطالبة بدم عثمان، واضطرمت نار الحرب بين المسلمين، اعتزل طائفة من الصحابة، وتركت بانسحابها فجوة كبـيرة منها دخل على تاريخنا سابقة الحياد مخافة الفتـنة. وطائفة كانت شجاعتها في الحق ووقوفها مع المشروعية مثل عمار بن ياسر رضي الله عنه مَعْلَمَةً مَجيدة على طريق الاستشهاد في الحق.

قال الباقلاني: "فإن قال قائل: فإذا كان الأمر في هذا على ما وصفتم من ظلم القوم له (ظلم الرَّعاع للإمام عثمان) وتَعدِّيهم عليه، فما بال الصحابة لم يسارعوا إلى إنكار ذلك وصدِّهم عنه? وأيّ عذر لهم في إسلامه والتساهل في خِذلانه? قيل له: معاذ الله أن يكون فيهم من خذله أو قعد عن نصرته عند دعائه لهم. وإنما لزموا بيوتهم لأنه أمرهم بذلك وكرره عليهم، وناشدهم الله عز وجل".[7]

الإمساك مخافة الفتـنة سابقة مكنت الرَّعاع من قتل الإمام عثمان، وأضعفت موقف الإمام علي من بعده. يقول الباقلاني: "فإن قال قائل: فإذا كانت إمامة علي من الصحة والثبوت بحيث وصفتم، فما تقولون في تأخر سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وسلامة بن وقش، وغير هؤلاء ممن يكثر عددهم، وقعودهم عن نصرته، والدخول في طاعته? قيل لهم: ليس في جميع القاعدين ممن أسميناه أو أضربنا عن ذكره من طعن في إمامته، واعتقد فسادها. وإنما قعدوا عن نصرته على حرب المسلمين لتخَوُّفهم من ذلك، وتجنب الإثم فيه، وظنهم موافقة العصيان في طاعته في هذا الفعل. فلذلك احتجوا عليه في القعود ورووا له فيه الأخبار.

وقال منهم قائل (وهو سعد بن أبي وقاص): "لا أقاتل حتى تأتيَني بسيف له لسان يعرف المومن من الكافر ويقول: هذا مومن وهذا كافر! فأستَلّهُ". ولم يقل: إنك لست بإمام واجب الطاعة.

وقال له محمد بن مسلمة بعد مراجعته ومعارضته: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ إذا وقعت الفتـنة بين المسلمين أن أكسر سيفي وأتخذَ مكانه سيفا من خشب".[8]

نطوي هذه الصفحة المؤلمة إذ تكفينا العِبرةُ، وتكفينا آلامُ الحاضر الناتجةُ عن تلك الفتـنة الهوجاء. والقضاء والقدر لله والأمر كله إليه تعالى وتقدس.

 

www.yassine.net 

 


[1] سورة النور، الآية 55.

[2] أحكام القرآن ج 3 ص1380-1381.

[3] أحكام القرآن ج 4 ص1706.

[4] سورة هود، الآية 80.

[5] المقدمة ص380.

[6] نصوص الفكر السياسي الإسلامي ص93-94.

[7] نصوص الفكر السياسي الإسلامي ص96.

[8] نصوص الفكر السياسي الإسلامي ص112-113.

عمر
3 - ديسمبر - 2005