خلفاء الله في الأرض
قال الله تعالى: )وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليـبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئا. ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون(.
قال أبو بكر بن العربي في تفسير هذه الآية: " قال علماؤنا: هذه الآية وعدُ حقٍّ، وقول صدق، يدل ذلك على صحة إمامة الخلفاء الأربعة، لأنه لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا. فأولئك مقطوع بإمامتهم، متفق عليهم. وصدَقَ وعدُ الله فيهم. وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم. واستقر الأمر لهم. وقاموا بسياسة المسلمين، وذبوا عن حوزة الدين. فنفذ الوعد فيهم(...). قام أبو بكر بدعوة الحق، واتفاق الخلق (انتخاب الصحابة إياه)، وواضح الحجة، وبرهان الدين، وأدلة اليقين. فبايعه الصحابة. ثم استخلف عمر فلزمت الخلافة، ووجبت النيابة، وتعين السمع والطاعة. ثم جعلها عمر شورى، فصارت لعثمان بالنظر الصحيح، والتبجيل الصريح، والمسَاقِ الفسيح(...). ثم قُتل عثمان مظلوما في نفسه، مظلوما جميعُ الخلقِ فيه. فلم يـبق إلا عليٌّ، أخْذاً بالأفضل فالأفضلِ، وانـتقالا من الأوَّل إلى الأول".
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك لأصحابه وصية فيما يتعلق بالحكم إلا استخلافه أبا بكر على الصلاة. فاستنبط منها الصحابة دليلا على أحقية أبي بكر، إذ قالوا: "رجل رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينـنا، أفلا نرضاه لدنيانا?". فبعد مناقشة المسألة في سقيفة بني ساعدة، اجتمع رأيهم على أبي بكر الصديق فبايعوه. وكان تـنافس الأنصار والمهاجرين على الإمارة في افتـتاح ذلك المجلس تسابُقا إلى الخير ما خَلَّفَ حزازات. وطوت الأيام سريعا ذلك النقاش في ظل الأخوَّة، وفي ظل جلائل الأعمال.
ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الوصيةَ الجامعة التي رواها عن ابن مسعود كل من البزار والطبراني في الأوسط وابن سعد وابن أبي الدنيا، قال ابن مسعود: "دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها حين دنا الفراق. فنظر إلينا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم ثم قال: مرحبا بكم! حياكم الله! آواكم الله! نصركم الله! وأوصيكم بتقوى الله. وأوصي بكم الله، إني لكم منه نذير مبين، ألاّ تعلوا على الله في بلاده وعباده. وقد دنا المُنْقَلَبُ والمَرْجِعُ إلى الله، وإلى سِدرة المنـتهى، وإلى جنة المأوى، وإلى الكأس الأوفى. فاقرأوا على أنفسكم وعلى من دخل في دينكم بعدي السلام ورحمة الله".
كان العلو في الأرض والاستكبار على العباد أهمَّ ما حذر منه الأمة في وصيته النذيرُ المبـين صلى الله عليه وسلم. فعاشت الأمة ثلاث سنوات في خلافة أبي بكر كلها جهاد للقضاء على تمرد الأعراب وردتهم، حتى لا تكونَ فتـنةٌ ويكونَ الدين كله لله. ثم جاءت خلافة عمر فازدهرت الأمة، حتى ظهر قرنُ الفتـنة في جريمة اغتيال الخليفة العادل، على يد غلام جاهلي، اندس في المجتمع الإسلامي، فكان رأسَ الحَرْبَةِ لقُوَى العصبـية الصاعدة مع توسع رقعة دار الإسلام، وموت خيار الصحابة، وتشتت باقيهم في الأمصار.
يتبع :
3-حمية الجاهلية تستيقظ