البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : عالم الكتب

 موضوع النقاش : أقسام التفسير.    كن أول من يقيّم
 حنظلة 
19 - نوفمبر - 2005

 

وقد روى عبد الرزاق فى تفسيره حدثنا الثورى عن ابن عباس أنه قسم التفسير إلى أربعة أقسام قسم تعرفه العرب فى كلامها وقسم لا يعذر أحد بجهالته يقول من الحلال والحرام وقسم يعلمه العلماء خاصة وقسم لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه فهو كاذب وهذا تقسيم صحيح

فأما الذى تعرفه العرب فهو الذى يرجع فيه إلى لسانهم وذلك شأن اللغة والإعراب فأما اللغة فعلى المفسر معرفة معانيها ومسميات أسمائها ولا يلزم ذلك القارئ ثم إن كان ما تتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم كفى فيه خبر الواحد والاثنين والاستشهاد بالبيت والبيتين وإن كان مما يوجب العلم لم يكف ذلك بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ وتكثر شواهده من الشعر

وأما الإعراب فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسر والقارئ تعلمه ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم وليسلم القارئ من اللحن وإن لم يكن محيلا للمعنى وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن ولا يجب على المفسر ليتوصل إلى المقصود دونه على أن جهله نقص فى حق الجميع

إذا تقرر ذلك فما كان من التفسير راجعا إلى هذا القسم فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد فى لسان العرب وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز ولا يكفى فى حقه تعلم اليسير منها فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين الثانى ما لا يعذر واحد بجهله وهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا لا سواه يعلم أنه مراد الله تعالى

فهذا القسم لا يختلف حكمه ولا يلتبس تأويله إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله وأنه لا شريك له فى إلهيته وإن لم يعلم أن لا موضوعة فى اللغة للنفى وإلا للإثبات وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونحوها من الأوامر طلب إدخال ماهية المأمور به فى الوجود وإن لم يعلم أن صيغة أفعل مقتضاها الترجيح وجوبا أو ندبا فما كان من هذا القسم لا يقدر أحد يدعي الجهل بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة

الثالث ما لا يعلمه إلا الله تعالى فهو ما يجرى مجرى الغيوب نحو الآى المتضمنة قيام الساعة ونزول الغيث وما فى الأرحام وتفسير الروح والحروف المقطعة وكل متشابه فى القرآن عند أهل الحق فلا مساغ للاجتهاد فى تفسيره ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف من أحد ثلاثة أوجه إما نص من التنزيل أو بيان من النبى صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأمة على تأويله فإذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات علمنا أنه مما استأثر الله تعالى بعلمه

والرابع ما يرجع إلى اجتهاد العلماء وهو الذى يغلب عليه إطلاق التأويل وهو صرف اللفظ إلى ما يئول إليه فالمفسر ناقل والمؤول مستنبط وذلك استنباط الأحكام وبيان المجمل وتخصيص العموم

وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذى لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه على ما تقدم بيانه

وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان أحدهما أن يكون أحدهما أظهر من الآخر فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يعوم دليل على أن المراد هو الخفي دون الجلي فيحمل عليه

الثانى أن يكونا جليين والاستعمال فيهما حقيقة وهذا على ضربين

أحدهما أن تختلف أصل الحقيقة فيهما فيدور اللفظ بين معنيين هو فى أحدهما حقيقة لغوية وفى الآخر حقيقة شرعية فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينته على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية فالعرفية أولى لطريانها على اللغة ولو دار بين الشرعية والعرفية فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم

الضرب الثانى لا تختلف أصل الحقيقة بل كلا المعنيين استعمل فيهما فى اللغة أو فى الشرع أو العرف على حد سواء وهذا أيضا على ضربين

أحدهما أن يتنافيا اجتماعا ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء حقيقة فى الحيض والطهر فعلى المجتهد أن يجتهد فى المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله فى حقه وإن اجتهد مجتهد آخر فأدى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى فى حقه لأنه نتيجة اجتهاده وما كلف به فإن لم يترجح أحد الأمرين لتكافؤ الأمارات فقد اختلف أهل العلم فمنهم من قال يخير فى الحمل على أيهما شاء ومنهم من قال يأخذ بأعظمهما حكما ولا يبعد اطراد وجه ثالث وهو أن يأخذ بالأخف كاختلاف جواب المفتين

 الضرب الثانى ألا يتنافيا اجتماعا فيجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ فى الإعجاز والفصاحة وأحفظ فى حق المكلف إلا أن يدل دليل على إرادة أحدهما وهذا أيضا ضربان

أحدهما أن تكون دلالته مقتضية لبطلان المعنى الآخر فيتعين المدلول عليه للإرادة

الثانى ألا يقتضى بطلانه وهذا اختلف العلماء فيه فمنهم من قال يثبت حكم المدلول عليه ويكون مرادا ولا يحكم بسقوط المعنى الآخر بل يجوز أن يكون مرادا أيضا وأن لم يدل عليه دليل من خارج لأن موجب اللفظ عليهما فاستويا فى حكمه وإن ترجح أحدهما بدليل من خارج ومنهم من قال ما ترجح بدليل من خارج اثبت حكما من الآخر لقوته بماظاهرة الدليل الآخر

فهذا أصل نافع معتبر فى وجوه التفسير فى اللفظ المحتمل والله أعلم

إذا تقرر ذلك فينزل قوله صلى الله عليه وسلم من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده عن النار على قسمين من هذه الأربعة

أحدهما تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب

الثاني حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه لاحتياج ذلك إلى معرفة انواع من العلوم علم العربية واللغة والتبحر فيهما ومن علم الأصول ما يدرك به حدود الأشياء وصيغ الأمر والنهي والخبر والمجمل والمبين والعموم والخصوص والظاهر والمضمر والمحكم والمتشابه والمؤول والحقيقة والمجاز والصريح والكتابة والمطلق والمقيد ومن علوم الفروع ما يدرك به استنباطا والاستدلال على هذا أقل ما يحتاج إليه ومع ذلك فهو على خطر فعليه أن يقول يحتمل كذا ولا يجزم إلا فى حكم اضطر إلى الفتوى به فأدى اجتهاده إليه فيحرم خلافه مع تجويز خلافه عند الله

فإن قيل فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما نزل من القرآن من آية الا ولها ظهر وبطن ولكن حرف حد ولكل حد مطلع فما معنى ذلك قلت اما قوله ظهر وبطن ففي تاويله اربعة اقوال

احدها وهو قول الحسن انك اذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها

الثاي قول ابي عبيدة ان القصص ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين وباطنها عظة للآخرين

الثالث قول ابن مسعود رضي الله عنه انه ما من آية الا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها

الرابع قاله بعض المتأخرين ان ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها

وقول ابي عبيدة اقربها وأما قوله ولكل حرف حد ففيه تأويلان

احدهما لكل حرف منتهي فيما اراد الله من معناه

الثاني معناه ان لكل حكم مقدارا من الثواب والعقاب

وأما قوله ولكل حد مطلع ففيه قولان

احدهما لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصل الى معرفته ويوقف على المراد به

والثاني لكل ما يستحقه من الثواب والعقاب مطلع يطلع عليه في الآخرة ويراه عند المجازاة

وقال بعضهم منه ما لا يعلم تأويله الا الله الواحد القهار وذلك آجال حادثة في اوقات آتية كوقت قيام الساعة والنفخ في الصور ونزول عيسى بن مريم وما اشبه ذلكلقوله لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والأرض ومنه ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن وذلك ابانه غرائبه ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشتركة منها والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها فإن ذلك لايجهله احد منهم وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لايشعرون لم يجهل ان معنى الفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة وأن الصلاح مما ينبغي فعله مما هو منفعة وإن جهل المعاني التي جعلها الله افسادا والمعاني التي جعلها الله اصلاحا فأما تعليم التفسير ونقله عمن قوله حجة ففيه ثواب وأجر عظيم كتعليم الأحكام من الحلال والحرام تنبيه في كلام الصوفية في تفسير القرآن فأما كلام الصوفية في تفسير القرآن فقيل ليس تفسيرا وإنما هي معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة كقول بعضهم في يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ان المراد النفس فأمرنا بقتال من يلينا لأنها اقرب شيء الينا واقرب شيء الى الإنسان نفسه

قال ابن الصلاح في فتاويه وقد وجدت عن الإمام ابي الحسن الواحدي انهصنف ابو عبد الرحمن السلمي حقائق التفسير فإن كان اعتقد ان ذلك تفسير فقد كفر

قال وأنا اقول الظن بمن يوثق به منهم اذا قال شيئا من امثال ذلك انه لم يذكره تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة في القرىن العظيم فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية وإنما ذلك منهم ذكر لنظير ما ورد به القرآن فإن النظير يذكر بالنظير فمن ذلك مثال النفس في الآية المذكورة فكأنه قال امرنا بقتال النفس ومن يلينا من الكفار ومع ذلك فياليتهم لم يتساهلوا في مثل ذلك لما فيه من الإبهام والالتباس انتهى فصل حكى الشيخ ابو حيان عن بعض من عاصره ان طالب علم التفسير مضطر الى النقل في فهم معاني تركيبه بالإسناد الى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم وأن فهم الآيات يتوقف على ذلك ثم بالغ الشيخ في رده لأثر على السابق

والحق ان علم التفسير منه ما يتوقف على النقل كسبب النزول والنسخ وتعيين المبهم وتبيين المجمل ومنه مالايتوقف ويكفي في تحصيله التفقه على الوجه المعتبر وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ليحمل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط تجويزا له وازديادا وهذا من الفورع في الدين تنخيل لما سبق

واعلم ان القرآن قسمان احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره وقسم لم يرد والاول ثلاثة انواع اما ان يرد التفسير عن النبي صلى الله عيه وسلم او عن الصحابة او عن رءوس التابعين فالاول يبحث في عن صحة السند والثاني ينظر في تفسير الصحابي فإن فسره من حيث اللغة فهم اهل اللسان فلا شك في اعتمادهم وإن فسره بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه وحينئذ ان تعارضت اقوال جماعة من الصحابة فإن امكن الجمع فذاك وإن تعذر قدم ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بذلك حيث قال اللهم علمه التاويل وقد رجح الشافعي قول زيد في الفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم افرضكم زيد فإن تعذر الجمع جاز للمقلد أن ياخذ بأيها شاء وأما الثالث وهم رءوس التابعين اذا لم يرفعوه الى النبي صلى الله عليه وسلم ولا إلى احد من الصحابة رضي الله عنهم فحيث جاز التقليد فيما سبق فكذا هنا وإلا وجب الاجتهاد

الثاني ما لم يرد فيه نقل عن المفسرين وهو قليل وطريق التوصل الى فهمه النظر الى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق وهذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب المفردات فيذكر قيدا زائدا على اهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ لأنه اقتصه من السياق.

تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة