بسم الله الرحمان الرحيم ، وبه أستعين ، وصلى الله على محمد أشرف النبيين والرسل ، آمين.
وبعد ، بالأمس القريب ـ ونحن طلاب جامعة ـ تعودنا على دراسة الأدب الجاهلي: شعره ونثره من خلال دراسات عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه[ في الأدب الجاهلي ] ومن خلال عباقرة أدب واكبوه أو لحقوه من بعد من أمثال عباس محمود العقاد ومحمد منذور وشوقي ضيف واحسان عباس وغيرهم كثير . علمنا الأساتذة والدكاترة آنذاك أن الأمة العربية ذات تاريخ وحضارة متجدرين في أعماق التاريخ .
ودارت الأيام ، وجرت الرياح بما لا تشتهيه السفن، وأصبحنا اليوم في عصر العولمة والسرعة والتكنولوجيا قد نسفنا ذلك الإرث الأدبي الأصيل ونحن اليوم نلهث وراء ما يسمى بالشعر الحر . قد يقول قائل بأنه شعر يخضع لأوزان البحور الشعرية وتفاعيلها من الطويل الى المتدارك ، وأنا أقول : يا أخي الأمر ليس أمر أوزان وقواف ، ولكن الأمر يتعلق هنا أساسا بالغموض في المعاني ، واللف والدوران وراء كلمات تنزاح عن دلالتها الأصلية ، فتخرق أفق المتلقي بل تهيم به في عوالم لا يعلمها الا صاحب الكلمات .
وهنا يحق لي أن أتساءل : هل الشعر أداة ووسيلة تحيط بالإرث الثقافي الحضاري لبلد كي يكون مرآة تعكس مستوى نضج وتطور هذا البلد ، أم هو كلام منمق ، مرصف للتعتيم واللف والدوران واعجاز القارئ الشغوف بالشعر ?
وهناك انعكاسات سلبية خطيرة نتجت عن هذا التردي وخلخلة وظيفة الأدب الإجتماعية ،الفكرية ، الثقافية والحضارية ، ويمكن الحديث هنا عن التدهور الذي آلت اليه الأغنية العربية اليوم بفعل تعاملها مع هذه النصوص الشعرية الغامضة والمستعصية ، بل انهارت القيم والأخلاق وأصبح كل شيء مباحا ويباع في الأسواق بأرخص الأثمنة .
من منا لا يتغنى بقصائد أحمد شوقي وأحمد رامي ? من منا لا يعرف قيمة الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي لم يتعامل قط مع غير القصيد العربي الفصيح الموزون والمقفى ??
ان اكتساح الشعر الحر للعالم العربي ، وشغف العربي بمستواه الساقط ، أفرز لنا جيلا خاليا من المبادئ والقيم ،وذلك بحكم ولعه بهذه الأغنية السوقية التي تؤثث لها فضاءات لاهوية غير مكترثة ببناء الروح والارتقاء بها وجدانيا كما فعلت الأغنية العربية في سالف عهدها ، والمجال غير كاف لسرد أسماء أشهر المغنين العرب .
أعتقد أن هذا الطرح سيفضي الى مناقشات مستفيضة ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون . |