هندسة البيت العربي القديم ... لراحة الجسد والروح ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
مقتطفات من بحث بعنوان: الفناء الداخلي في البيت العربي البحث من إعداد: م.زياد عبد الدائم أرجو أن تجدوا فيها الفائدة، وتتنشقوا معي عبق البيت العربي القديم. الفِناء الداخلي في البيت العربي إن البيت الذي أصبحنا نأوي إليه بعد الحرب العالمية الثانية، بيت غريب مستورد، فهو لا يحترم عاداتنا وتقاليدنا ولا ينسجم مع مناخ بلادنا ولا يشكل مرحلة من مراحل فن العمارة التقليدي. لقد كانت ثمة أسباب لإنشاء مثل هذه المعلبات الطابقية، منها متانة الإسمنت وطواعيته لتشكيل العمارة، ومنها انفتاح الناس على مظاهر الحياة الأوربية كعلامة من علامات التقدم، ومنها أيضاً وفرة المال بين أيدي بعض الناس. ولقد وُصمت البيوت التقليدية على أنها عتيقة متخلفة، ولم يدُر بخلد الذين بارحوها إلى مناطق جديدة، وإلى بيوت جديدة قد تكون أكثر انتظاماً وأوفر خدمة، أنهم تركوا فيها عالماً أصيلاً وذكريات تمتد إلى آلاف السنين، وأنهم هجروا حنيناً كانت أزقة الحارات وجدران البيوت وظلال النارنج والياسمين قد أترعت منه نفوسهم وخواطرهم. انتقلوا من الأحياء القديمة إلى أحياء جديدة ذات شوارع عريضة وأرصفة وحدائق خارجية وواجهات مفتوحة على الشوارع، وكان انتقالهم هذا إلى عالمهم الجديد قد كلل سيماءهم بمسحة غريبة، فلقد هجر الناس لباسهم التقليدي واستغنت المرأة عن براقعها وانكشفت الحياة الخاصة لتعرض على النوافذ والشرفات، وانقطعت الإلفة بين أبناء الحي من الأهل والأصدقاء، وأصبح البيت مغلقاً لا تربطه بالأرض إلا طبقات من المساكن لم يَألفْ نظيرها في حياته السكنية الماضية أبداً. ويرتد إلى جوانح الناس حنين جامح إلى تلك البيوت القديمة التي احتوت شخصيتهم وقيمهم، وقد أصبحت موئلاً للغرباء وأصحاب الصناعات. وتهفو نفوسهم لأن تعود إلى عالمها الروحي الوديع النقي الهادئ، أن تعود إلى الوطن بعد هجرة قاسية، أن تعود إلى الذات. البيت القديم هو الوطن العريق، فيه عبق التراث ولحن السكينة وأفراح الأسرة المتكافلة.. ماذا بقي منه ? سؤال حزين..لكنه ملحٌّ ولجوج. ومع ذلك فإن الجواب قد يكون مطمئناً إذا ما استطعنا أن ننظر إلى البيت القديم بروحنا وبعين الفن والحب في نفوسنا. وإذا كان لا بد من تعريف يضاف على ما قدمناه من تعريف، فإننا نقول إن البيت العربي هو مسكن الروح والجسد، وموطن النفس العائدة من شرودها اليومي إلى جنتها العائلية وصف الفناء الداخلي : لقد كانت البيوت العربية القديمة تنفتح على فناء داخلي يسمى الصحن، وهو من أهم ميزات العمارة العربية الإسلامية، التي تجعل هذه العمارة أكثر تكيفاً مع ظروف المناخ. وكذلك فإن الصحن يسمح بظلال على امتداد النهار، وكان أهل البيت يركنون إلى الإيوانويستقبلون فيه ضيوفهم مستفيدين من اتساع الصحن وأشجاره وبركته ومن هوائه النظيف المعتدل، الشكلان (20، 21). يبلغ ارتفاع سقف الإيوان في البيت العربي ضعف ارتفاع سقف الغرف الأخرى، وهذا الارتفاع يساعد على الاحتفاظ بنقاوة الهواء، وعلى تلطيفه المستمر، الشكلان (22، 23)، كما هو الأمر بالنسبة للقباب التي تقام في الأماكن العامة كالمساجد والخانات والتكايا والبيمارستانات. تحفل البيوت العربية بالبرك ( البحرات ) والنوافير والفستقيات والسلسبيل (المصب)، وتقوم البركة في منتصف الصحن، وهي واسعة يبلغ قطرها حوالي 3 - 6 أمتار، أما الفستقية فهي صغيرة قطرها متر، وهي إما أن تكون مرتفعة أو منخفضة، وتصنع من الرخام المشقف أو من الفسيفساء الرخامي الهندسي، ومكانها ضمن القاعة، أما السلسبيل لوح مرمري أو مزين بشقوف رخامية مجزعة قائم على الجدار، يسيل من أعلاه الماء على صفحة هذا اللوح المحاط بإطار وقاعدة مزخرفتين. إن اهتمام المعمار بالمياه محاولة لتلطيف الجو في داخل البيوت بل وفي داخل الغر ف أيضاً، الشكلان (25،24). ونلاحظ في فناء البيت أنواع من الأشجار المثمرة كالليمون والبرتقال، وكذلك الزهور كالياسمين والورد والريحان، الشكلان (26 ،27). ولندقق أيضاً في الخطوط الأفقية والشاقولية المحيطة بالصحن، والتي تشكلها حدود الطبقات والنوافذ، إلى الأبواب والأقواس والزخارف الحجرية والخشبية، هذه العناصر الزخرفية التي تحقق جمال العالم الداخلي في البيت القديم. ومن الناحية المعمارية، يتلاءم البيت العربي مع المناخ والتقاليد والمفهوم العميق للمسكن من حيث هو عالم داخلي مستقل عن كل مظاهر العالم الخارجي. ومن الناحية الفنية هو مجال كامل للزخرفة والتزويق بجميع أنواعه. أهمية الفناء الداخلي : لقد احتفظت العمارة العربية الإسلامية بأصالتها ونقاوتها وقوة شخصيتها في جميع مراحل تطوراتها خلال حقبة طويلة، وقد كان في العمارة العربية بساطة في التفكير وعدم تعقيد في التعبير ومرونة في التخطيط والتصميم وفي التفاصيل والعناصر والزخارف. إن معظم أسس وتقاليد العمارة العربية من حيث التكوينات والتخطيطات والعناصر لا تزال صالحة لأن تفي بحاجات طبقات الناس على اختلافها. ولو توفرت العناية بدراستها وتوفر الفهم الصحيح لأسسها وللعوامل التي أنتجتها، لساعد ذلك على تطويرها بما يلائم مختلف الطبقات والعصور. ويوجد من الأدلة على إمكان ذلك ما يضيق المجال عن سردها، ونكتفي بأن نأخذ مثلاً واحداً هنا، هو خاصية رئيسية تتميز بها مساقط العمائر العربية الإسلامية على اختلاف أنواعها، وهي وضع صحن أو فناء مكشوف يتوسط كتلة المبنى وتلتف حوله بقية الوحدات المعماري الرئيسية منها والثانوية، كي تستمد منه معظم حاجاتها من الإنارة والتهوية، ثم تستمد القليل الباقي من الطرق والشوارع الخارجية. والملاحظ أن ذلك الصحن أو الفناء كان هو الوحدة الهامة، أو بالأحرى كان هو نواة تصميم مساقط جميع العمائر على اختلاف أنواعها : سواء كان المبنى مسجداً أو فندقاً أو قيسارية أو بيمارستاناً أو مدرسة أو قصراً أو بيتاً، الشكل (28). وقد استخدم الفناء في فتح النوافذ و المطلات للأجنحة المختلفة المطلة عليه تجنباً لصعوبة فتحها على الشوارع الخارجية بدرجة كافية للتهوية والإضاءة والإطلال، كما أنه استُخدم كعنصر اتصال وحركة للربط بين أجزاء المنزل المختلفة بالإضافة لاستخدامه في الأغراض المعيشية المختلفة، واعتبر منطقة منفعة جماعية في حالة تقسيم البيت أو سكناه بأكثر أسرة. إن كل هذه الميزات حتمت استمرارية استخدامه في التكوينات المعمارية العربية الإسلامية، بل إنها دفعت إلى تطوير استخدامه وظيفياً وجمالياً ليتناسب وحياة الأسرة المسلمة التي تقضي معظم أوقاتها داخله وخاصة النساء. وسنفصل أهمية الفناء الداخلي في البيت العربي و الإسلامي من النواحي المناخية والبيئية والاجتماعية والروحية. =========================== أكتفي بهذا القدر ... |