مجلس : العلوم عند العرب
|
|
موضوع النقاش : الثنائيات التلفيقية في الفكر العربي كن أول من يقيّم | تلميذ المتنبي | 1 - مايو - 2004 | ثنائيات الحياة عديدة منها ثنائية الليل والنهار ثنائية البرد والحر...الخ ولكن هناك من يقحم المفهوم الى موضع غير موضعه فيصطنع من أشياء متجانسةثنائيات ملفقةفيما بينهاوكثير من ذلك في فكرنا العربي . |
|
|
|
| تعليقات | الكاتب | تاريخ النشر | | تمثل القراءة العربية كن أول من يقيّم
أكاديمي وباحث متخصص في شؤون تاريخ الفكر العربي الحديث
د.إسماعيل نوري الربيعي
imseer@yahoo.com
تمثلات القراءة العربية
القراءة أولاً
انشغلت الثقافة العربية في التوجّه نحو تحديد مسار القول،من خلال الانخراط في توجيه القراءة،والتطلع الى تحديد النظر في المجال الواحد،الذي يهلل له هذا التيار أو ذاك،لتبدأ رحلة الاتباع والتقليد والانغلاق الشديد في ممارسة النقل المباشر،حتى تكون النتيجة التواري للمبادرة والوقوع في إسار الخضوع للمنطلقات الثابتة التي لا تعرف سوى السكونية والجمود.فيما يضحى الخاسر الأكبر في كل هذا حرية القراءة المفترضة،والتي تغدو واقعا لكل هذا الزخم الذي تفرضه توزيعات السلطة وعلى مجمل الحقول.
الخضوع الطويل الذي حدد مجال القراءة،جعلها تستمد حضورها وتأثيرها من واقع الفرز الذي تنتجه النصوص.فيما تفترض القراءة النقدية الى أهمية حضور القراءة أولاً،باعتبار التطلع نحو الانخراط في مجال البحث العميق الساعي نحو ملامسة مساحة المسكوت عنه،ومحاولة تخطي الثوابت والممنوعات التي تفرضها الأنماط السكونية،التي لا تقبل بأي مجال للتغيير.وإذا كان ديدن القراءة الحديثة تسعى نحو الإفادة من النتائج التي توصلت إليها المناهج العامية المتعددة.فإن التوجه نحو الاختلاف سيكون له الحضور الأهم في كل هذا،حيث محاولة الخلاص من فروض المطابقة،وحفز جميع الجهود من أجل الوقوف على التمعّن في الظاهرة الواحدة وإشباعها درساً وتمحيصاً،بحثاً عن المزيد من النتائج والتي لا تعد هي الأخرى أمراً إنهائياً،وإلاّ فإن المحاولة الأولى التي تتصدى لها القراءة الأولى،تكون جهودها وقد ضاعت هباءً.
من واقع التملك للحقيقة تعرضت الثقافة العربية الى تسلل أعراض الهيمنة والسيطرة،التي علقت بالسلطة السياسية.ومن هذا المضمون كان الافتقار لفسحة التنوّع،حتى انعدمت المبادرة في المجال الثقافي،الذي يفترض فيه أن يكون،المساحة التي تدور فيها مواقعات الإبداع والتحرر من أغلال الاشتراطات.بل أن الملفت في الأمر يتبدى في هذا التعاطي الشديد المباشرة،الذي يفرضه النص بكل ثقله على واقع الممارسة الثقافية،حيث يكون الاستتباع وقد طغى على كل شيء.
الانهماك في الحدث
في ظل غياب الحوار وانعدامه،يتعرض السؤال الثقافي الى الضمور والتلاشي.فيما يتعالى الصوت حول هذا السكون والانقطاع الذي تعاني منه الثقافة العربية،بحساب المقارنة مع الآخر.في الوقت الذي يتم فيه تغييب معالم الركن الرئيس الذي تستند إليه الثقافة الفاعلة والمستندة الى توسيع مجال النقد،وجعل هذا الأخير في صلب عملية القراءة والركون إليه بوصفه جزءاً أصيلاً،لا يمكن التغافل عنه أو استحضاره لأداء مهمة محددة،ليكون الاكتفاء منه بنهاية المؤثر الذي استدعى استخدامه.ومن هذا المنطلق كان الركود الى النقد،من اعتبار تفعيل مجال التماهي مع النص باعتباره جزءاً أصيلاً من قوام فعل الثقافة الواسع والشامل،من دون الاتكاء الى هذه الإجرائية الشديدة المباشرة التي تفترضها الإخضاعات الأيديولوجية والقائمة على المعطيات المرتبطة بجعل النص الثقافي أداة ووسيلة لإقرار مجال الحقيقة وتثبيتها لصالح هذا الطرف بازاء الطرف الآخر.
الاستغراق الذي وقعت فيه الثقافة العربية،جعل منها منهمكة في توجيه الجهود نحو الأحداث التي تميز مجال التفحّص والتدقيق،في الوقت الذي تستدعي الدراسات الحديثة الى أهمية التوقف المتأني والطويل عند تركيز مجال النظر عند تحليل لتفسير المرتبط بالأحداث.ليكون التلمّس العميق لهذه المجالات الواسعة التي بقيت تعاني من الإهمال،حيث الفقدان الواضح لمساحة كان من الممكن أن تقدم المزيد من النتائج الملفتة والمهمة،والتي يمكن لها أن تغيّر مسا ومجال القراءة الثقافية العربية.وإذا ما برزت بعض الاتجاهات الحديثة من قبل بعض الباحثين العرب،لولوج هذا المجال الذي يتيح المزيد من الفاعلية المعرفية،فإن الأمر بقي يدور في فلك الاجتهادات الفردية،والتي تجعل منها قابعة في الركن القصي الذي يعاني من الإهمال وانعدام الفرصة.فيما تكون المساحة الأوسع للأصوات التي بقيت تعتاش على المقولات القديمة التي تعاني من الاستهلاك وتبديد الجهود،باعتبار النسخ المباشر الذي تفرضه استحكامات الفئة التي فرضت حضورها على الواقع الثقافي.
الحدث وطريقة الوعي
يفرز التصوّر العلمي المزيد من النتائج المتعلقة بالحدث ومجالات التأثير المباشرة التي تتفاعل في نطاقها.وإذا كانت الجهود قد انصبّت نحو تعقّب مجالات الحدث والتطلع الى استقراء التفاصيل المتعلقة به،باعتبار إسباغ الأهمية القصوى عليه.فإن معالم التأثير تبقى فاردة حضورها على مجال مستوى الوعي،باعتبار أن المدركات الجاهزة والتي طالما تم الاتكاء عليها،قد فقدت المؤثر الذي كان يميز قابلية الأداء فيها.فالنظر الى الحدث لم يعد قائما على المكونات التي يفرزها من مؤثرات مباشرة على مدى الواقع.بقدر ما يكون التطلع نحو تمييز مفاصل التغيير الذي يسبغه عليه المجتمع((فردياً أم جمعياً))ومدى الأثر الذي يحدثه على مختلف القطاعات.وما بين الحدث وطريقة الوعي به،يكون الوقوف على التفاعلات والتداعيات التي يفرضها الوعي وليس الحدث.
في تمثل الهزيمة التي أحاقت بالعرب خلال صراعهم مع إسرائيل،لم يكن الأمر لينطوي على انعدام القدرة الذاتية على مواجهة العدو والاقتصاص منه.بل أن المعيق الأصيل في المواجه،كان يتوقف طويلاً عند طبيعة الوعي بالعدو.فقد تم استدعاء كمّ الشعور بالأوج والعظمة الحضارية،وصير الى جعله في صميم الوعي إبان المواجهة،والتي لم تتوقف عند طارئ عرضي أو حادثة واحدة،بل أن الأمر يقوم على سلسلة طويلة ومتعددة من الهزائم التي لا تعرف الانقطاع.ولعل الملفت في الأمر يقوم على الإفصاح الشديد والواضح الى توفير جميع القدرات والإمكانات لتسير دفة المواجهة والوثوق من إمكانية صنع الانتصار،ألاّ المحبط في كل هذا كان يقوم على انعدام فعل تفسير الحديث والاكتفاء بالواجهة التي تفرضها المعطيات المباشرة.فعلى الرغم من الانكفاء المستمر والمتكرر الذي كان يعاني منه العرب في المواجهة مع إسرائيل،إلاّ أن الخطاب التقليدي بقي هو المتسيّد على واقع التفاعل،حتى ليبدو الأمر وكأنه غير قابل للتحويل والتبديل.بل أن الشعارات بقيت تفرض نفسها على واقع الخطاب العربي المعاصر،حتى شلّت فيه القدرة على المبادرة أو المرونة.فالتخوين التكفير يبقى الحاضر الدائم والذي تتقمصه دورة القصاص.
عناء السؤال
تفرض عناصر التفسير حضورها على واقع الوعي العربي بالعديد من القضايا،التي تميز المفاصل الرئيسة الفاعلة على مستوى الفهم والتمثل.حتى لتبقى الكثير من الالتباسات تفرد حضورها القوي والكثيف على مجمل المفاهيم والتصورات،التي بقي الوعي بازائها عالقا لا يعرف لها سبيلاً أو طريقاً لجعلها واضحة من أجل التطبيق وإدراجها في ثنايا الممارسة.بل أن الاختلاطات والتداخلات ما بين الحقول يكون له من التأثير،ما يجعل من الإحساس بالقضية الواحدة عبئاً شديد الإثقال،لا يمكن تحققه وفق منطق التفاعل الموضوعي.باعتبار هذا الأخير يمثل الطريق نحو انفاء مجال الإشكاليات التي تعيق الوصول الى لب القضية بشكل مباشر.
بقيت العديد من القضايا التي يتم تداولها في الوسط الثقافي العربي،من دون أن تجد الوعي المعقول،الذي يفي بمتطلبات الفهم المساهم في إدراك الظواهر التي تهيمن على المواقعات التي تنشر بقلوعها على حساب المهم،في جردة من التصفية اللاموضوعية،حتى ليكون الأمر وقد تبدّى في سلسلة من التقمصات العامدة الى إزاحة المعرفي،والتنطّع بكل ما هو عاطفي،قوامه الحماس.
من مجمل حساب الأولويات والتقديم والتأخير،الذي تندرج فيه الذات،يكون الواقع المعرفي العربي نهباً لسيدة توجيه العناية والاهتمام نحو التيارات الكبرى والرئيسة،في محاولة للامساك بمرجعية إطلاق الأحكام حول الصالح والطالح.في الوقت الذي تفترض الحاجة الماسة والمباشرة للواقع العربي،أهمية التطلع الى البحث العميق والجاد في المشغلات والاشكالات التي تعن على الواقع،حتى تجعل من مسألة الوعي بالعديد من القضايا،في عداد المستحيلات والتصوّرات الطائشة والخائبة.وهكذا يعيش العرب معضلة السؤال،الذي يبقى يسير على غير هدى،من دون أن يجد له غاية أو مستقرا.حول المزيد من القضايا العالقة،والتي تبقى تثير الارتباك والحيرة لدى المفكر وليس على مستوى المواطن العادي،الذي آثر الركون الى الراحة من عناء الاسئلة.
| *اسماعيل نوري | 5 - سبتمبر - 2004 |
|
|
|