لا يعدو التصوف أن يكون مجرّد طريقة في طلب الحقيقة ، فلئن كان من الناس من يتوسل بالعقل في السعي إليها وكان منهم من يفتش عنها في المنقول من النصوص المقدسة وغيرها، فإن التصوف يتخذ التصفية الروحية مسلكا إلى دركها، والكل من أصحاب هذه الطرق يرى أنه على صواب.

من السائد لدى الدارسين النظر إلى الصلة بين التصوف والتشيع على أنها علاقة تأثر وتأثير ، والحق أن هذا الضرب من الاتصال بين النزعتين ليس إلا وجها من العلاقة بينهما ، وأما الوجه الثاني فيتمثل في التوظيف والاستثمار ، فكثر ما استثمر الصوفية أفكارا شيعية في السعي إلى الهيمنة على المجتمع وكذلك الشيعة.

قرأت كتاب التلبيس لأبن الجوزي ووقفت على ما تضمنه من مظاهر التلبيس على الصوفية كما رآها صاحب الكتاب ، وخلاصة ما أفدته من كلام الرجل أن فيه الغث والسمين

يلاحظ الناظر في كلام منتقدي التصوف عامة غياب الوضوعية وطغيان التهجم المستند إلى أفكار مسبقة غير دقيقة . لست متصوفا، ولست هنا مدافعا عن الصوفية، ولكني أرى أن التصوف تجربة لها مبرراتها الواقعية والفكرية والروحية، وهو لذلك جدير بأن ينظر إليه الناقد باعتباره إفرازا لممارسات دينية واجتماعية لم رآها الصوفية انحرافا عن جوهر الدين.

من أهم عوامل ظهور التصوف شكلنة الدين كما مارسها الفقهاء الذين حولوا العبادات إلى مجرد حركات روتينية تكاد تخلو من الروحانية والتفاعل الحقيقي مع المعبود ، وأشد تلك الحركات تجسيما للشكلنة ، تلك الأحكام المعقدة المتعلقة بالسهو في الصلاة ، فإنها بالفعل تجعل الصلاة مجرد تمرين رياضي يخضع لضوابط لا يمكن اختراقها وإذا اخترقت يجب ترقيعها.

إن أقل ما تطرحه علينا التجربة الصوفية ضرورة إعادة النظر في المدونة الفقهية المتعلقة بالعبادات ، باعتبارها مدونة غارقة في الشكلانية الجوفاء . ربما أخطأ الصوفية في علاج هذه الشكلانية ، ولكنهم أصابوا على أية حال في نقدها.

ناقش طالب تونسي يدعى محمد الناصر صديقي رسالة جامعيةسنة 2000 ، عنوانها "اليزيدية في القرنين السادس والسابع هجري " . ونص البحث موجود في مكتبة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس .

ما نسب إلى الرّسول من الأحاديث المبشرة بالمهديّ ليس مقطوعا بصحته ، والصحيحان المعتد بهما لدى أهل السنة ـ أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم ـ خلو من مثل تلك الأحاديث ، فما الذي يحملنا على الإيمان بالمنتظر ? ثم ما وجه الشبه بين إنكار المسيحيين لنبوة محمد وإنكارنا لفكرة المسمى بالمهدي ? إن ظهور هذه الفكرة ناجم عن ظروف سياسية معروفة ، والقصد من ابتداعها إيهام المهزومين بحتمية الانتصار في النهاية ، لا أكثر .